لم أكن استسيغ التحذير من كتب ابن حزم رحمه الله، فقد كنت أقرا في كتابه (المحلى) ويبهرني في قوة أسلوبه،
ووضوح حجته، واعتزازه في الاستدلال بالحديث وتعظيمه له!
واقتنيت بعد المحلى كتابه (الفصل في الملل والنحل) فلم أقدر أن أطول القراءة فيه، لأن المباحث التي يذكرها لا
أعرفها، لكني كنت احتفظ به، وأقول في نفسي: سيأتي اليوم الذي أقرأه واستفيد منه مثل كتابه (المحلى).
وكنت أسمع من بعض مشايخي جزاهم الله خيرا قولهم : (لسان ابن حزم وسيف الحجاج قرينان) ؛ فأضحك... و استعجب!
حتى وقفت على كلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله في ما لدى ابن حزم من انحراف في باب الأسماء والصفات، فأخذت
على خاطري شيئاً ما، وقلت في نفسي: خطأ عالم، وأمضى في سبيلي.
ثم بعد ذلك وقفت على كلام ابن القيم في أعلام الموقعين عن أخطاء منهج ابن حزم في الفقه، وهي الأمور الأربعة:
الأول : رده للقياس.
الثاني: اعتباره أن الأصل في العقود البطلان.
الثالث: تحميله دليل الاستصحاب ما لا يحتمل.
الرابع : جموده على لفظ الحديث دون اعتبار معناه المراد منه.
فعلمت عندها أن القضية في ابن حزم ليست فقط في لسانه وذرابته على من يخالفهم من العلماء، وليست فقط في أمر
اعتقاده، بل منهجه الفقهي كله ينبغي تناوله والاستفادة منه بحذر لا تتأتى بسهولة لطالب مبتدي مثلي، فطبقت
كتاب المحلى، وصرت أقرا في غيره من الكتب ...
ثم بدأت أتبصر في ابن حزم فإذا هو معتزلي في باب الإمامة، فهو يجوز الخروج على ولاة الأمر إذا فسقوا وعصوا
وجاروا، ويستدل بأمور خلاف المستقر عن أهل السنة والجماعة، بل و يدفع في ذلك بقوة!
ورأيت كثيراً من الذين يعتقدون جواز الخروج على الحكام اليوم يستدلون بعباراته وباستدلالاته، فراعني الأمر؛
إذ من المعلوم أن ابن حزم عالم، ولكنه أخطأ في هذه المسائل وخالف أهل السنة والجماعة، واستدل بأدلة لا يسوغ
الاستدلال بها، لأن أهل السنة عدوها من الأخطاء، ومن أعمال الفتنة، بل وفي جملتها لا تصح عمن ذكرها عنهم
بالطريقة التي أراد الاستدلال بها عليه!
ولكن الحق لابد من بيانه، والخطأ يرد على كل أحد؛
ابن حزم غفر الله له معتزلي في باب الإمامة، لا يقرر طريقة أهل السنة والجماعة.
ولابد لطالب العلم أن يضبط مسألة الخلاف المعتبر؛ ليعلم أن خلاف ابن حزم وأمثاله في مسائل العلم التي بناها
على غير اصول أهل السة والجماعة، لا اعتبار لقوله فيها، أي قوله غير معتبر مردود، فلا يسوغ الاستدلال به، أو
الاعتداد به، أو الأخذ به.
وليعلم أن العالم يعذر في المسألة لأنه اجتهد وأخطأ.، أما من يتابعه ويأخذ بقوله وهو يعلم أن أهل العلم
يردونه ويبينون بطلانه فهذا لا عذر له، والله المستعان وعليه التكلان، و لا حول و لا قوة إلا بالله.
تعليق