قالَ الإمام ابن قيِّم الجوزيَّة (ت: 751هـ) -رَحِمَهُ اللَّـهُ تَعَالَى-: "وكما أنَّ الصَّحابة سادة الأمَّة وأئمَّتها وقادتها، فهم سادات المفتين والعُلماء.
قالَ اللّيث عن مجاهد: "العُلماء أصحاب مُحمَّد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم"، وقال سعيد عن قتادة في قوله تعالىٰ: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ﴾ قال: "أصحاب محمَّد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم".
وقال يزيد بن عمير: "لما حضر معاذ بن جبل -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ- الموت قيل: يا أبا عبد الرَّحمن! أوصنا؟ قال: أجلسوني، إنَّ العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، يقول ذلك ثلاث مرَّات، التمس العلم عند أربعة رهط: عند عويمر بن أبي الدَّرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام".
وقال مالك بن يخامر: "لما حضرت معاذ الوفاة بكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلتُ: والله! ما أبكي على دنيا كنت أصيبها منك، ولكن أبكي على العلم والإيمان اللَّذين كنت أتعلمهما منك؛ فقال: "إنَّ العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، اطلب العلم عند أربعة: فذكر هؤلاء الأربعة، ثمَّ قال: فإنْ عجز عنه هؤلاء فسائر أهل الأرض عنه أعجز، فعليك بمعلم إبراهيم"، قال: "فما نزلت بي مسألة عجزت عنها إلَّا قلت: يا معلم إبراهيم".
وقال أبو بكر بن عيّاش عن الأعمش عن أبي إسحاق قالَ: قال عبد الله: "علماء الأرض ثلاثة: فرجل بالشَّام، والآخر بالكوفة، وآخر بالمدينة، فأمَّا هذان فيسألان الَّذي بالمدينة، والَّذي بالمدينة لا يسألهما عن شيء".
وقال الشَّعبي: "ثلاثة يستفتي بعضهم من بعض: فكان عمر، وعبد الله، وزيد بن ثابت يستفتي بعضهم من بعض، وكان علي وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري يستفتي بعضهم من بعض". قال الشّيباني: "فقلت للشَّعبي: وكان أبو موسى بذاك فقال ما كان أعلمه قلت فأين معاذ فقال هلك قبل ذلك".
وقال أبو البختري: "قيل لعلي بن أبي طالب: حدّثنا عن أصحاب رسُول اللهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، قالَ: عن أيّهم؟ قال عن عبد الله بن مسعود؟ قال: قرأ القرآن وعلم السُّنة، ثمَّ انتهى وكفاه بذلك، قال: فحدّثنا عن حذيفة؟ قال: أعلم أصحاب محمَّد بالمنافقين، قالوا: فأبو ذرّ؟ قال: كنيف ملىء علمًا عجز فيه، قالوا: فعمَّار؟ قال: مؤمن نسي، إذا ذكرته ذكر، خلط الله الإيمان بلحمه ودمه، ليس للنَّار فيه نصيب، قالوا: فأبو موسى؟ قال: صبغ في العلم صبغة، قالوا: فسلمان؟ قال: علم العلم الأوَّل والآخر، بحر لا ينزح منَّا أهل البيت، قالوا: فحدثنا عن نفسك يا أمير المؤمنين؟ قال: إيّاها أردتم، كنت إذا سئلت أعطيت، وإذا سكت ابتديت".
وقال مسلم عن مسروق: "شاممت أصحاب محمَّد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فوجدت علمهم ينتهي إلى ستَّة: إلى علي، وعبد الله، وعمر، وزيد بن ثابت، وأبي الدَّرداء، وأبي بن كعب، ثمَّ شاممت السّتة: فوجدت علمهم انتهى إلى علي، وعبد الله".
وقال مسروق أيضًا: "جالستُ أصحاب محمد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فكانوا كالإخاذ: الإخاذة تروي الراكب والإخاذة تروي الراكبين والإخاذة تروي العشرة والإخاذة لو نزل بها اهل الأرض لأصدرتهم وإن عبد الله من تلك الإخاذ".
وقال الشَّعبي: "إذا اختلف النَّاس في شيء فخذوا بما قال عمر".
وقال ابن مسعود -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ-: "إني لأحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم".
وقال أيضًا: "لو أنَّ علم عمر وضع في كفَّة الميزان ووضع علم أهل الأرض في كفَّة لرجح علم عمر".
وقال حذيفة -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ-: "كأن علم النَّاس مع علم عمر دس في جحر".
وقال الشَّعبي: "قضاة هذه الأمَّة: عمر وعلي وزيد وأبو موسى".
وقال سعيد بن المسيّب: "كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن، وشَهِدَ رسول الله صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لعبد الله بن مسعود بأنَّهُ عليم معلم".
وبدأ به في قوله: "خذوا القرآن من أربعة: من ابن أمّ عبد، ومن أبي بن كعب، ومن سالم مولى أبي حذيفة، ومن معاذ بن جبل، ولما ورد أهل الكوفة على عمر أجازهم وفضل أهل الشَّام عليهم في الجائزة، فقالوا: يا أمير المؤمنين! تفضل أهل الشَّام علينا؟ فقال: يا أهل الكوفة! أجزعتم أن فضلت أهل الشَّام عليكم لبعد شقتهم، وقد آثرتكم بابن أم عبد؟".
وقال عقبة بن عمرو: "ما أرى أحدًا أعلم بما أنزل على محمد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم من عبد الله".
فقال أبو موسى: "إن تقل ذلك فإنَّهُ كان يسمع حين لا نسمع، ويدخل حين لا ندخل". وقال عبد الله -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ-: "ما أنزلت سورة إلَّا وأنا أعلم فيما أنزلت، ولو أني أعلم أنَّ رجلًا أعلم بكتاب الله منّي تبلغه الإبل لأتيته". وقال زيد بن وهب: "كنت جالسًا عند عمر، فأقبل عبد الله، فدنا منه فأكب عليه، وكلّمه بشيء ثمَّ انصرف، فقال عمر: كنيف ملىء علمًا".
وقال الأعمش عن إبراهيم: "إنَّهُ كان لا يعدل بقول عمر وعبد الله إذا اجتمعا فإذا اختلفا كان قول عبد الله أعجب إليه لأنه كان ألطف"، وقال عبد الله بن بريدة في قوله تعالىٰ: ﴿حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا﴾، قال: "هو عبد الله بن مسعود"، وقيل لمسروق: "كانت عائشة تحسن الفرائض؟، قال: "والله! لقد رأيت الأحبار من أصحاب رسُول الله صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يسألونها عن الفرائض".
وقال أبو موسى -رَضيَ اللَّـهُ عَنْهُ-: "ما أشكل علينا أصحاب محمَّد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حديث قطّ فسألناه عائشة إلَّا وجدنا عندها منه علمًا"،
وقال ابن سيرين: "كانوا يرون أعلمهم بالمناسك عثمان بن عفان ثمَّ ابن عمر بعده".
وقال شهر بن حوشب: "كان أصحاب محمَّد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إذا تحدثوا وفيهم معاذ نظروا إليه هيبة له"، وقال عليّ -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ-: "أبو ذرّ أوعى علمًا، ثمَّ أوكى عليه فلم يخرج منه شيئًا حتَّى قبض"، وقال مسروق: "قدمت المدينة فوجدت زيد بن ثابت من الرَّاسخين في العلم".
وقال الجريري عن أبي تميمة: "قدمنا الشَّام فإذا النَّاس مجتمعون يطيفون برجل، قال: قلتُ: من هذا؟ قالوا: هذا أفقه من بقي من أصحاب النبي صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، هذا عمرو البكالي".
وقال سعيد: "قال ابن عبَّاس وهو قائم على قبر زيد بن ثابت هكذا يذهب العلم"، وكان ميمون بن مهران إذا ذكر ابن عبَّاس وابن عمر عنده يقول: "ابن عمر أورعهما وابن عبَّاس أعلمهما"، وقال أيضًا: "ما رأيت أفقه من ابن عمر، ولا أعلم من ابن عبَّاس"، وكان ابن سيرين يقول: "اللَّهُمَّ! أبقني ما أبقيت ابن عمر اقتدي به".
وقال ابن عبَّاس -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمَا-: "ضمّني رسول الله صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وقال: ((اللَّهُمَّ! علّمه الحكمة))، وقال أيضًا: "دعاني رسول الله صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمسح على ناصيتي، وقال: ((اللَّهُمَّ! علّمه الحكمة، وتأويل الكتاب))، ولما مات ابن عبَّاس قال محمَّد بن الحنفية: "مات ربَّاني هذه الأمَّة".
وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: "ما رأيت أحدًا أعلم بالسُّنة ولا أجلد رأيًا ولا أثقب نظرًا حين ينظر مثل: ابن عبَّاس، وإن كان عمر بن الخطَّاب ليقول له: قد طرأت علينا عضل أقضيه أنت لها ولأمثالها".
وقال عطاء بن أبي رباح: "ما رأيتُ مجلسًا قط أكرم من مجلس ابن عبَّاس أكثر فقهًا وأعظم، إنَّ أصحاب الفقه عنده، وأصحاب القرآن، وأصحاب الشّعر عنده، بصدرهم كلهم في واد واسع".
وقال ابن مسعود -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ-: "لو أنَّ ابن عبَّاس أدرك أسناننا ما عسره منَّا رجل".
وقال مكحول: "قيل لابن عبَّاس أنى أصبت هذا العلم؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول".
وقال مجاهد: "كان ابن عبَّاس يسمى البحر من كثرة علمه".
وقال طاووس: "أدركتُ نحوًا من خمسين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إذ ذكر ابن عبَّاس شيئًا فخالفوه لم يزل بهم حتَّى يقررهم"، وقيل لطاووس: "أدركت أصحاب محمَّد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ثمَّ انقطعت إلى ابن عبَّاس؟ فقال: أدركتُ سبعين من أصحاب محمَّد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إذا تدارءوا في شيء انتهوا إلى قول ابن عبَّاس".
وقال ابن أبي نجيح: "كان أصحاب ابن عبَّاس يقولون: ابن عبَّاس أعلم من عمر، ومن عليّ، ومن عبد الله، ويعدون ناسًا، فيثب عليهم النَّاس، فيقولون: لا تعجلوا علينا إنَّهُ لم يكن أحد من هؤلاء إلَّا وعنده العلم ما ليس عند صاحبه، وكان ابن عبَّاس قد جمعه كله".
وقال الأعمش: "كان ابن عبَّاس إذا رأيته، قلت: أجمل النَّاس، فإذا تكلّم، قلت: أفصح النَّاس، فإذا حدث، قلت: أعلم النَّاس"، وقال مجاهد: "كان ابن عبَّاس إذا فسَّر الشَّيء رأيت عليه النَّور".
«فصل عمر بن الخطَّاب»
قال الشَّعبي: "من سرَّه أن يأخذ بالوثيقة في القضاء؛ فليأخد بقول عمر"، وقال مجاهد: "إذا اختلف النَّاس في شيء فانظروا ما صنع عمر فخذوا به".
وقال ابن المسيّب: "ما أعلم أحدًا بعد رسول الله صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أعلم من عمر بن الخطاب"، وقال أيضًا: "كان عبد الله يقول: "لو سلك النَّاس واديًا وشعبًا وسلك عمر واديًا وشعبًا لسلكت وادي عمر وشعبه"، وقال بعض التَّابعين: "دفعت إلى عمر فإذا الفقهاء عنده مثل الصّبيان، قد استعلى عليهم في فقهه وعلمه".
وقال محمَّد بن جرير: "لم يكن أحد له أصحاب معروفون حرروا فتياه ومذاهبه في الفقه غير ابن مسعود، وكان يترك مذهبه وقوله لقول عمر، وكان لا يكاد يخالفه في شيء من مذاهبه، ويرجع من قوله إلى قوله".
وقال الشَّعبي: "كان عبد الله لا يقنت، وقال: ولو قنت عمر لقنت عبد الله".
«فصل عثمان بن عفَّان»
وكان من المفتين عثمان بن عفان، قال ابن جرير: "غير أنَّهُ لم يكن له أصحاب يعرفون، والمبلغون عن عمر فتياه ومذاهبه وأحكامه في الدّين بعده، كانوا أكثر من المبلغين عن عثمان والمؤدين عنه عليّ بن أبي طالب، وأمَّا عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام فانتشرت أحكامه وفتاويه، ولكن قاتل الله الشّيعة؛ فإنَّهم أفسدوا كثيرًا من علمه بالكذب عليه!، ولهذا تجد أصحاب الحديث من أهل الصَّحيح لا يعتمدون من حديثه وفتواه إلَّا ما كان من طريق أهل بيته وأصحاب عبد الله بن مسعود، كعبيدة السّلماني، وشريح، وأبي وائل، ونحوهم، وكان -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ- يشكو عدم حملة العلم الَّذي أودعه، كما قال: إنَّ ههنا علمًا لو أصبت له حملة".اهـ.
["إعلام الموقعين عن ربّ العالمين" / (1/15،21)]
قالَ اللّيث عن مجاهد: "العُلماء أصحاب مُحمَّد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم"، وقال سعيد عن قتادة في قوله تعالىٰ: ﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ﴾ قال: "أصحاب محمَّد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم".
وقال يزيد بن عمير: "لما حضر معاذ بن جبل -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ- الموت قيل: يا أبا عبد الرَّحمن! أوصنا؟ قال: أجلسوني، إنَّ العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، يقول ذلك ثلاث مرَّات، التمس العلم عند أربعة رهط: عند عويمر بن أبي الدَّرداء، وعند سلمان الفارسي، وعند عبد الله بن مسعود، وعند عبد الله بن سلام".
وقال مالك بن يخامر: "لما حضرت معاذ الوفاة بكيت، فقال: ما يبكيك؟ قلتُ: والله! ما أبكي على دنيا كنت أصيبها منك، ولكن أبكي على العلم والإيمان اللَّذين كنت أتعلمهما منك؛ فقال: "إنَّ العلم والإيمان مكانهما، من ابتغاهما وجدهما، اطلب العلم عند أربعة: فذكر هؤلاء الأربعة، ثمَّ قال: فإنْ عجز عنه هؤلاء فسائر أهل الأرض عنه أعجز، فعليك بمعلم إبراهيم"، قال: "فما نزلت بي مسألة عجزت عنها إلَّا قلت: يا معلم إبراهيم".
وقال أبو بكر بن عيّاش عن الأعمش عن أبي إسحاق قالَ: قال عبد الله: "علماء الأرض ثلاثة: فرجل بالشَّام، والآخر بالكوفة، وآخر بالمدينة، فأمَّا هذان فيسألان الَّذي بالمدينة، والَّذي بالمدينة لا يسألهما عن شيء".
وقال الشَّعبي: "ثلاثة يستفتي بعضهم من بعض: فكان عمر، وعبد الله، وزيد بن ثابت يستفتي بعضهم من بعض، وكان علي وأبي بن كعب وأبو موسى الأشعري يستفتي بعضهم من بعض". قال الشّيباني: "فقلت للشَّعبي: وكان أبو موسى بذاك فقال ما كان أعلمه قلت فأين معاذ فقال هلك قبل ذلك".
وقال أبو البختري: "قيل لعلي بن أبي طالب: حدّثنا عن أصحاب رسُول اللهِ صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، قالَ: عن أيّهم؟ قال عن عبد الله بن مسعود؟ قال: قرأ القرآن وعلم السُّنة، ثمَّ انتهى وكفاه بذلك، قال: فحدّثنا عن حذيفة؟ قال: أعلم أصحاب محمَّد بالمنافقين، قالوا: فأبو ذرّ؟ قال: كنيف ملىء علمًا عجز فيه، قالوا: فعمَّار؟ قال: مؤمن نسي، إذا ذكرته ذكر، خلط الله الإيمان بلحمه ودمه، ليس للنَّار فيه نصيب، قالوا: فأبو موسى؟ قال: صبغ في العلم صبغة، قالوا: فسلمان؟ قال: علم العلم الأوَّل والآخر، بحر لا ينزح منَّا أهل البيت، قالوا: فحدثنا عن نفسك يا أمير المؤمنين؟ قال: إيّاها أردتم، كنت إذا سئلت أعطيت، وإذا سكت ابتديت".
وقال مسلم عن مسروق: "شاممت أصحاب محمَّد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فوجدت علمهم ينتهي إلى ستَّة: إلى علي، وعبد الله، وعمر، وزيد بن ثابت، وأبي الدَّرداء، وأبي بن كعب، ثمَّ شاممت السّتة: فوجدت علمهم انتهى إلى علي، وعبد الله".
وقال مسروق أيضًا: "جالستُ أصحاب محمد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فكانوا كالإخاذ: الإخاذة تروي الراكب والإخاذة تروي الراكبين والإخاذة تروي العشرة والإخاذة لو نزل بها اهل الأرض لأصدرتهم وإن عبد الله من تلك الإخاذ".
وقال الشَّعبي: "إذا اختلف النَّاس في شيء فخذوا بما قال عمر".
وقال ابن مسعود -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ-: "إني لأحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم".
وقال أيضًا: "لو أنَّ علم عمر وضع في كفَّة الميزان ووضع علم أهل الأرض في كفَّة لرجح علم عمر".
وقال حذيفة -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ-: "كأن علم النَّاس مع علم عمر دس في جحر".
وقال الشَّعبي: "قضاة هذه الأمَّة: عمر وعلي وزيد وأبو موسى".
وقال سعيد بن المسيّب: "كان عمر يتعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن، وشَهِدَ رسول الله صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم لعبد الله بن مسعود بأنَّهُ عليم معلم".
وبدأ به في قوله: "خذوا القرآن من أربعة: من ابن أمّ عبد، ومن أبي بن كعب، ومن سالم مولى أبي حذيفة، ومن معاذ بن جبل، ولما ورد أهل الكوفة على عمر أجازهم وفضل أهل الشَّام عليهم في الجائزة، فقالوا: يا أمير المؤمنين! تفضل أهل الشَّام علينا؟ فقال: يا أهل الكوفة! أجزعتم أن فضلت أهل الشَّام عليكم لبعد شقتهم، وقد آثرتكم بابن أم عبد؟".
وقال عقبة بن عمرو: "ما أرى أحدًا أعلم بما أنزل على محمد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم من عبد الله".
فقال أبو موسى: "إن تقل ذلك فإنَّهُ كان يسمع حين لا نسمع، ويدخل حين لا ندخل". وقال عبد الله -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ-: "ما أنزلت سورة إلَّا وأنا أعلم فيما أنزلت، ولو أني أعلم أنَّ رجلًا أعلم بكتاب الله منّي تبلغه الإبل لأتيته". وقال زيد بن وهب: "كنت جالسًا عند عمر، فأقبل عبد الله، فدنا منه فأكب عليه، وكلّمه بشيء ثمَّ انصرف، فقال عمر: كنيف ملىء علمًا".
وقال الأعمش عن إبراهيم: "إنَّهُ كان لا يعدل بقول عمر وعبد الله إذا اجتمعا فإذا اختلفا كان قول عبد الله أعجب إليه لأنه كان ألطف"، وقال عبد الله بن بريدة في قوله تعالىٰ: ﴿حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا﴾، قال: "هو عبد الله بن مسعود"، وقيل لمسروق: "كانت عائشة تحسن الفرائض؟، قال: "والله! لقد رأيت الأحبار من أصحاب رسُول الله صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يسألونها عن الفرائض".
وقال أبو موسى -رَضيَ اللَّـهُ عَنْهُ-: "ما أشكل علينا أصحاب محمَّد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم حديث قطّ فسألناه عائشة إلَّا وجدنا عندها منه علمًا"،
وقال ابن سيرين: "كانوا يرون أعلمهم بالمناسك عثمان بن عفان ثمَّ ابن عمر بعده".
وقال شهر بن حوشب: "كان أصحاب محمَّد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إذا تحدثوا وفيهم معاذ نظروا إليه هيبة له"، وقال عليّ -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ-: "أبو ذرّ أوعى علمًا، ثمَّ أوكى عليه فلم يخرج منه شيئًا حتَّى قبض"، وقال مسروق: "قدمت المدينة فوجدت زيد بن ثابت من الرَّاسخين في العلم".
وقال الجريري عن أبي تميمة: "قدمنا الشَّام فإذا النَّاس مجتمعون يطيفون برجل، قال: قلتُ: من هذا؟ قالوا: هذا أفقه من بقي من أصحاب النبي صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم، هذا عمرو البكالي".
وقال سعيد: "قال ابن عبَّاس وهو قائم على قبر زيد بن ثابت هكذا يذهب العلم"، وكان ميمون بن مهران إذا ذكر ابن عبَّاس وابن عمر عنده يقول: "ابن عمر أورعهما وابن عبَّاس أعلمهما"، وقال أيضًا: "ما رأيت أفقه من ابن عمر، ولا أعلم من ابن عبَّاس"، وكان ابن سيرين يقول: "اللَّهُمَّ! أبقني ما أبقيت ابن عمر اقتدي به".
وقال ابن عبَّاس -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمَا-: "ضمّني رسول الله صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم وقال: ((اللَّهُمَّ! علّمه الحكمة))، وقال أيضًا: "دعاني رسول الله صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فمسح على ناصيتي، وقال: ((اللَّهُمَّ! علّمه الحكمة، وتأويل الكتاب))، ولما مات ابن عبَّاس قال محمَّد بن الحنفية: "مات ربَّاني هذه الأمَّة".
وقال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: "ما رأيت أحدًا أعلم بالسُّنة ولا أجلد رأيًا ولا أثقب نظرًا حين ينظر مثل: ابن عبَّاس، وإن كان عمر بن الخطَّاب ليقول له: قد طرأت علينا عضل أقضيه أنت لها ولأمثالها".
وقال عطاء بن أبي رباح: "ما رأيتُ مجلسًا قط أكرم من مجلس ابن عبَّاس أكثر فقهًا وأعظم، إنَّ أصحاب الفقه عنده، وأصحاب القرآن، وأصحاب الشّعر عنده، بصدرهم كلهم في واد واسع".
وقال ابن مسعود -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ-: "لو أنَّ ابن عبَّاس أدرك أسناننا ما عسره منَّا رجل".
وقال مكحول: "قيل لابن عبَّاس أنى أصبت هذا العلم؟ قال: بلسان سؤول وقلب عقول".
وقال مجاهد: "كان ابن عبَّاس يسمى البحر من كثرة علمه".
وقال طاووس: "أدركتُ نحوًا من خمسين من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إذ ذكر ابن عبَّاس شيئًا فخالفوه لم يزل بهم حتَّى يقررهم"، وقيل لطاووس: "أدركت أصحاب محمَّد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ثمَّ انقطعت إلى ابن عبَّاس؟ فقال: أدركتُ سبعين من أصحاب محمَّد صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم إذا تدارءوا في شيء انتهوا إلى قول ابن عبَّاس".
وقال ابن أبي نجيح: "كان أصحاب ابن عبَّاس يقولون: ابن عبَّاس أعلم من عمر، ومن عليّ، ومن عبد الله، ويعدون ناسًا، فيثب عليهم النَّاس، فيقولون: لا تعجلوا علينا إنَّهُ لم يكن أحد من هؤلاء إلَّا وعنده العلم ما ليس عند صاحبه، وكان ابن عبَّاس قد جمعه كله".
وقال الأعمش: "كان ابن عبَّاس إذا رأيته، قلت: أجمل النَّاس، فإذا تكلّم، قلت: أفصح النَّاس، فإذا حدث، قلت: أعلم النَّاس"، وقال مجاهد: "كان ابن عبَّاس إذا فسَّر الشَّيء رأيت عليه النَّور".
«فصل عمر بن الخطَّاب»
قال الشَّعبي: "من سرَّه أن يأخذ بالوثيقة في القضاء؛ فليأخد بقول عمر"، وقال مجاهد: "إذا اختلف النَّاس في شيء فانظروا ما صنع عمر فخذوا به".
وقال ابن المسيّب: "ما أعلم أحدًا بعد رسول الله صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم أعلم من عمر بن الخطاب"، وقال أيضًا: "كان عبد الله يقول: "لو سلك النَّاس واديًا وشعبًا وسلك عمر واديًا وشعبًا لسلكت وادي عمر وشعبه"، وقال بعض التَّابعين: "دفعت إلى عمر فإذا الفقهاء عنده مثل الصّبيان، قد استعلى عليهم في فقهه وعلمه".
وقال محمَّد بن جرير: "لم يكن أحد له أصحاب معروفون حرروا فتياه ومذاهبه في الفقه غير ابن مسعود، وكان يترك مذهبه وقوله لقول عمر، وكان لا يكاد يخالفه في شيء من مذاهبه، ويرجع من قوله إلى قوله".
وقال الشَّعبي: "كان عبد الله لا يقنت، وقال: ولو قنت عمر لقنت عبد الله".
«فصل عثمان بن عفَّان»
وكان من المفتين عثمان بن عفان، قال ابن جرير: "غير أنَّهُ لم يكن له أصحاب يعرفون، والمبلغون عن عمر فتياه ومذاهبه وأحكامه في الدّين بعده، كانوا أكثر من المبلغين عن عثمان والمؤدين عنه عليّ بن أبي طالب، وأمَّا عليّ بن أبي طالب عليه السَّلام فانتشرت أحكامه وفتاويه، ولكن قاتل الله الشّيعة؛ فإنَّهم أفسدوا كثيرًا من علمه بالكذب عليه!، ولهذا تجد أصحاب الحديث من أهل الصَّحيح لا يعتمدون من حديثه وفتواه إلَّا ما كان من طريق أهل بيته وأصحاب عبد الله بن مسعود، كعبيدة السّلماني، وشريح، وأبي وائل، ونحوهم، وكان -رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُ- يشكو عدم حملة العلم الَّذي أودعه، كما قال: إنَّ ههنا علمًا لو أصبت له حملة".اهـ.
["إعلام الموقعين عن ربّ العالمين" / (1/15،21)]