الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد :
فإن من أهم ما يعتني به المسلم في سيره الى الله والدار الآخرة الجمع بين العلم والعمل الذين هما من أكبر أسباب ظهور الأمة واستقرار أمرها كما أن في الفجوة الحاصلة بالفصل بين العلم والعمل الخطر العظيم والضرر الجسيم على دين المرء ودنياه.
و معلوم أن الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول و أن سلوك رجل أجدى لألف رجل من كلام ألف رجل لرجل (1).
قال ابن القيم رحمه الله :
السائر الى الله والدار الآخرة ، بل كل سائر الى مقصد ، لا يتم سيره ولا يصل الى مقصوده الا بقوتين : قوة علمية، وقوة عملية .
فبالقوة العلمية يبصر منازل الطريق ومواضع السلوك فيقصدها سائرا فيها، ويجتنب أسباب الهلاك ومواضع العطب و طرق المهالك المنحرفة عن الطريق الموصل فقوته العلمية كنور عظيم بيده، يمشي به في ليلة مظلمة شديدة الظلمة فهو يبصر بذلك النور ما يقع الماشي في الظلمة في مثله من الوهاد والمتالف ويعثر به من الاحجار والشوك وغيره ويبصر بذلك النور أيضا أعلام الطريق وأدلتها المنصوبة عليها فلا يضل عنها ، فيكشف له النور عن الأمرين :
أعلام الطريق ومعاطبها.
وبالقوة العملية يسير حقيقة، بل السير هو حقيقة القوة العملية ، فان السير هو عمل المسافر.
وكذلك السائر الى ربه اذا أبصر الطريق وأعلامها وأبصر المعاثر والوهاد والطرق الناكبة عنها، فقد حصل له شطر السعادة والفلاح وبقي عليه الشطر الآخر وهو أن يضع عصاه على عاتقه ويشمر مسافرا في الطريق قاطعا منازلها منزلة بعد منزلة، فكلما قطع مرحلة استعد لقطع الأخرى، واستشعر القرب من المنزل فهانت عليه مشقة السفر (2).
وإنه مما لا شك فيه ولا ريب يعتريه أن ممن كانت له قدم السبق واليد الطولى في هذا الباب العلامة الزاهد الورع مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله فقد كان له الحظ الأوفر والنصيب الأكبر من عمله بعلمه فهو يترنح بين همة ترقيه وعلم يبصره ويهديه.
ولهذا وذاك أحببت أن أتحف إخواني الفضلاء بهذه الدرة الثمينة واللؤلؤة الكريمة المستخرجة من أعماق محيط كتاب:
''نبذة يسيرة من حياة أحد أعلام الجزيرة" لمؤلفه أبي همام محمد بن علي البيضاني الصومعي حفظه الله ''
وإثراءا للموضوع وسيرا على نهج الشيخ رحمه الله حين تكلم عن الانتخابات فقال رحمه الله :
( فنحن نقول لكم ونقول لهم : لا نريد من أحدٍ أن ينتخبنا ، نحن إن شاء الله ننتخب من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما كان العلماء ينتخبون ، ولا نريد ملكاً ولا رئاسة ، وقد قلنا غير مرّة : لو دعانا رئيس الدولة وقال : تفضلوا للرئاسة ، لقلنا : عياذا بالله ، وما نراك ناصحا لنا ، نحن لا نريد الرئاسة ، ولا نريد الوزارة ، ولا نريد أن ندعو الناس إلى أن يتّبعونا ، ولا نريد أن نؤسّس حزبا ، لكن نريد أن ندعو إلى كتاب الله وإلى سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) (3).
فأحببت أن أنتخب من كلام الوادعي رحمه الله أو كلام من عاش بقربه ما يتعلق بموضوعنا لكي يطابق الخُبر الخبر و ليس راء كمن سمع:
1 -( والواقع أننا لسنا في تطوّر وأننا في تدهور ، ويا حبّذا لو رجعنا إلى عصر الصحابة ذلك . مرحباً بالجوع ، و الله مرحبا بالجوع ، كِسرة من الخبز تشرب عليها لبناً أو تمراتٍ تخرج وأنت عزيز ) (4)
2-( لو أعطيت مليوناً في كلّ شهر على أن أترك طلب العلم ما قبلت ، بل لو أعطيت ملئ هذا المسجد ذهبا لما قبلت ) (5)
3-قال أبو همام البيضاني حفظه الله:
و من زهده في الدنيا أنه أوقف أرضا كبيرة كان يملكها لطلبته كي يبنوا فيها مساكن لهم ، وفيها الآن قرابة مئتين وخمسين بيتا أو أكثر.
بل إن بعض الشيعة اعترفوا بأبي عبدالرحمن، وبعلمه وبدعوته بسبب تلك الخصلة الحميدة،كنت يوما بمدينة صنعاء، وسمعت شيعيا يسب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، فقال له رجل : ومقبل؟ -أي يريد منه أن يسب الشيخ مقبل رحمه الله- فقال : أما الشيخ مقبل أشهد الله أنه عالم،ولو أراد الدنيا لعمر عماير الى براش-براش جبل يبعد عن معهد الشيخ مسيرة نصف يوم على الأقدام- (6).
نسأل الله أن يرحم الامام الوادعي رحمة واسعة وأن يجزيه خير الجزاء إنه خير مسؤول وأكرم مأمول كما نسأله الاخلاص في القول والعمل إنه ولي ذلك والقادر عليه
-------------------------------------
1 رسالة العلم والعمل للشيخ محمد سعيد رسلان حفظه الله ص 4
2 طريق الهجرتين لابن القيم ص 171
3 مقتل الشيخ جميل الرحمن للشيخ مقبل ص 88
4 إجابة السائل على أهم المسائل ص243
5 رحلات دعوية للشيخ مقبل رحمه الله – ص 49.
6 نبذة يسيرة من حياة أحد أعلام الجزيرة ص 50-51