نَاصِرُ الإِصْلاَحِ والمُصْلِحِينَ فِي الجَزَائِر: الشَّيخ محمّد نصيف
(ت:1391هـ-1971م)
بقلم : سمير سمراد
بسم الله الرحمن الرحيم
(ت:1391هـ-1971م)
بقلم : سمير سمراد
بسم الله الرحمن الرحيم
اسمُهُ ونَسَبُهُ:
هو محمّد بن حسين بن عمر بن عبد الله بن أبي بكر نصيف، ُولد في أوائل القرن الرابع عشر الهجري في18 رمضان سنة1302هـ(=1885م) بمدينة«جدّة»، وشبّ وترعرع فيها.
وأمّا عن أَصْلِ نَسَبِهِ، فقد قالَ في جوابٍ لهُ: الأصلُ من صعيد مصر.. »[1].
مات والده وهو صغير، فربّاه جدُّه عمر، وقد كان جدُّه يُلقَّب بـ«الأفندي[2] عمر نصيف»؛ لأنّه كان كبيرَ أعيان جُدَّة أيّام حكم الأتراك على الحجاز، ووكيلاً لأُمَراء الأشراف الهاشميِّين الّذين كانوا يحكمون الحجاز حكمًا محلّيًّا تحت سلطان الخلافة العثمانيّة.
تَشَرَّبَ مِن أسرته العلم منذ نعومة أظفاره.
التحق بإحدى كتاتيب القرآن في جُدّة، وهو كُتّاب للشّيخ عبد المنعم سنة 1307هـ=1889م، حيث اسْتَظْهَرَ حفظ القرآن الكريم.
وكان أوَّلُ عهدِهِ بالكُتُب عام1319هـ، ولذلك قصّةٌ غايةٌ في الطَّرافة: يذكر الشّيخ محمّد نصيف عن قصّة إنشاءِ مكتبته، أنّ جدّه الشّيخ عمر أفندي نصيف قد أرسله مع حاجبِ قصرِهِ ببعض الجنيهات، كي يشتري لحفيده جاريةً من السُّوق حتّى تقوم بخدمته، فلمّا وصل الحفيد محمّد إلى السُّوق ورأى طريقةَ بيعِ الإماء، وما فيها من امتهانِ كرامتهِنّ، اشمأزَّ مِن سوء معاملة الدّلاّلين لهنّ، فَأَبَتْ عليه نفسُهُ ذلك، فقفل راجعًا من السُّوق، وأخذ الجُنيهات من الحاجب، وفي أثناء عودته مَرَّ بمكتبةٍ لأحدِ العلماء، يعرضها ورثتُهُ للبيع، فأَقْدَم عليها واشتراها بكاملها، وعاد إلى جدِّه ليخبره بما حدث... وما كان مِن الجدّ عمر أفندي نصيف إلاّ أن استبشر خيرًا، حيثُ تفرَّسَ فيه رغبةً جامحةً في طلب العلم وتحصيله، ومن ثمَّ أَوْكَلَ أمرَ تعلّمه إلى بعض المعلّمين البارزين.
وكانت بجدّة حلقات تدريس مهمّة، من مَعِينها نَهَلَ الشّيخ محمّد حسين نصيف.
فضلاً عن ذلك فقد هَيَّأَ لهُ جدُّه عمر جوًّا علميًّا وبيئةً صالحةً للتّعلّم،كما كان يَصحبه إلى مجالس العلم ومنتديات الأدب، وهكذا انكبَّ «محمّد نصيف» على التّحصيل والبحث والمطالعة، وولع بالقراءة وحبّ المعرفة، فتعلّم كثيرًا من العلوم الّتي كانت رائجةً في عصره، كما أولع بالكتب فجمع مكتبةً عظيمةً.
مناصبُهُ:
«لقد كان الأفندي محمّد حسين نصيف في ريعان شبابه يتنقّل بين قصر جدِّه الأفندي عمر نصيف وكيل الأتراك والأشراف بمدينة جدّة، حيثُ كانت الأنشطة على مستوى الإدارة المزدوجة بين الأتراك والأشراف تُمارَس في أغلب الأحيان بهذا القصر، وبين أساتذته ومكتبته الزّاخرة بالمراجع؛ المشتملة على الكتب والمعلّقات (القديمة والمعاصرة)».
وعندما توفِّي هذا الجدّ الّذي كان يقوم بدورٍ كبيرٍ في مجال التّسيير والإشراف نيابةً عن الدّولة التّركية وأشراف مكّة، تولَّى الشّيخ محمّد نصيف جميع المهامّ التي كانت مَنوطةً به وزيادة، فقام بهذه الأعمال على الرّغم من حداثة سنِّهِ.
الحالة الدِّينيّة في العهد العثماني:
قد انتشر في ذلك العهد البدع والضّلالات الطّرقيّة وغيرها، وفَشَت الخرافات والاعتقادات الشّركيّة، واستَحْكَمت الانحرافات والمستحدثات في الأقوال والأعمال، وبلغت الأمّة مبلغًا عظيمًا من الانحطاط دينيًّا، وفسدت لفساد العقائد واختلال العبادات الأخلاقُ والسُّلوكات، وقَرَّبَ السّلطان علماءَ السُّوء ودعاة الضّلالة؛ «فقد قرّب السّلطان عبد الحميد سلطان الدّولة العثمانيّة المشايخ من أهل الطّرق، من الصّوفيّة أنصار البدع»، وجدَّدَ الدّعاية الكاذبة السّيِّئة الّتي ابتدأها أسلافُه من سلاطين آل عثمان ضدّ أهل التّوحيد وأنصار السّنّة؛ الشّيخ محمّد بن عبد الوهاب وقومه الّذين تبعوه على دعوته الّتي جدّد بها الإسلام في أرض نجد، الّذين اخترعوا لهم لقبَ«الوهَّابيّة»، «حيث حاولوا من هذه التّسمية أن يُثبتوا أنّها دينٌ خارجٌ عن الإسلام».
قال الزّركلي[3]: «الوهّابيةُ وَهْمٌ، أو اسمٌ اخترعته الدِّعاية المفترية في عهدَي السّلطانين سليم الثّالث ومحمود الثّاني، من سلاطين آل عثمان»اهـ.
وذكر رشيد رضا مبلغَ تأثير هذه: «الدِّعاية التّركية الّتي أُذيعت في العالم الإسلامي منذ القرن الثّالث عشر للهجرة النّبوية، وجدَّدها السّلطان عبد الحميد منذ أوائل القرن الرّابع عشر لأسبابٍ سياسية، من أنَّ الوهّابية فرقةٌ مبتدعةٌ معاديةٌ للسّنّة وأهلها» [4].
اهتداء «محمّد نصيف» إلى عقيدة التّوحيد ودعوة السّنّة:
يقول مؤلِّف كتاب علماء نجد»: «حدَّثني الشّيخ الوجيه الأفندي محمّد حسين نصيف-رحمه الله تعالى- قال لي: «كان الشّيخ أحمد بن عيسى «النَّجدي» يشتري الأقمشة من الشّيخ عبد القادر التّلمساني أحد تجار جدّة، فيدفع له على أقساط، وآخر قسط يحلّ يسلّمه إذا جاء إلى مكّة للحجّ من كلّ عام... ودام التّعامل بينهما زمنًا طويلاً، وكان الشّيخ أحمد يأتي بالأقساط في موعدها المحدّد لا يتخلّف، فقال له الشّيخ عبد القادر: إنِّي عاملتُ النّاس أكثر من 40 عاماً، فما وجدتُ أحسن من التّعامل معك –يا وهّابي- فيظهر أن ما يُشاع عنكم يا أهل نجد مبالغٌ فيهِ مِن خصومكم السّياسيّون، فسأله أن يبيّن له هذه الشّائعات... واستمرّ النّقاش بينهما في توحيد العبادة وتوحيد الأسماء والصّفات..حتّى اقتنع بمذهب السّلف[5]، ثمّ إنّ التّلمساني صار بعد هذا مِن دعاة العقيدة السّلفيّة، «قال الشّيخ محمّد نصيف: فهداني اللهُ إلى عقيدة السّلف بواسطة الشّيخ عبد القادر، فالحمدُ لله على توفيقه»[6]
كما اتَّصل نصيف» بالشّيخ أحمد بن عيسى (ت:1329هـ)؛ الّذي «كانت له جهودٌ عظيمةٌ في نشر العقيدة السّلفيّة في بلاد الحجاز بمعاونة تلميذَيه النَّجيبين الوفيَّين، عبد القادر التّلمساني ومحمّد حسين نصيف كما أسلفنا...»، وكان للشّيخ أحمد : «لقاءٌ أسبوعيٌّ[أو كلّ أسبوعين] في جدّة مع تلميذَيه (المذكورَين)..، لأنّه كان يتردّد بين جدّة ومكّة، [فيتكلّم بما فتحَ اللهُ عليه في نشر الاعتقاد الصّحيح]، وكان في ذلك خيرٌ عظيمٌ استفاد منه خلقٌ كثير، وكان ذلك سببًا لرجوع كثيرٍ من الوُجهاء والعلماء إلى عقيدة السّلف»[7].
«وكان في بيت الشّيخ محمّد نصيف لقاءٌ أسبوعيٌّ يجتمع فيه كافّة طبقات النّاس ويتعلّمون العقيدة السّلفية».
كما قد اتفق الشّيخ محمّد نصيف والشّيخ عبد القادر التّلمساني على نشر وطبع كتب السَّلف.
اتِّصاله بصاحب المنار «محمّد رشيد رضا»:
تعود هذه الصِّلة إلى عام1907، حينما كتب «نصيف» رسالةَ استفتاءٍ إلى مجلّة المنار[م10، (ص:348-35] ضمَّنها سبعة أسئلة، وتتابعت استفتاءاتُه للمنار، [م10، (ص:632-634)]، وكانت تدور حول ما أشاعته وحرَّفته واختلقتْه أباطيل الطّرقية: «القطب، والأبدال والخضر والأنجاب وسند أهل الطريق»، و«الكشف»، «والاجتماع بالنّبيّ يقظةً»، قال في آخرِ الاستفتاء: «...نرجوكم سيدي أن تبيِّنوا لنا الحقّ في هذه المسائل، لا زلتم هادين مهديِّين..».
«شواهدُ» النّبهاني، وقصّة طبع ردِّ الألوسيّ عليه:
من أعظم أسباب انتشار الدِّعاية ضدّ أهل التّوحيد من أهل نجد وغيرهم: علماءُ السُّوء؛ بما ألّفوا من كتب ورسائل في نصرة الباطل، وتشويه سمعة أهل الحقّ، ومن أولئكم: دَحْلان والنّبهاني، قال الشّيخ محمد بن العابد الجلاَّلي –تلميذ الشّيخ ابن باديس- وهو يقرِّظ كتاب السّهسواني الّذي ردَّ به على إِفْكِ دحْلان[8]، قال: «ودَحْلان هذا هو أحدُ رؤوس الضّلال الّذين أعادوا لوثنيّةِ القبور ماضي شبابها بما ألّفوه وكتبوه مِن الوساوس والضّلالات وأعانهم على ذلك اتِّحادهم في الوسيلة والمقصد مع أُمراء السُّوء بمكّة الّذين لا يهمّهم مِن هذه الأمّة الإسلاميّة إلاّ أن يقتعدوا مكانة عزِّهم على أكتافها. وقد كان هذا المخلوق «دحْلان» مفتيًا بمكّة في أوائل القرن الحالي الهجري. ومواقفُ أمراء مكّة العِدائيّة لأُمراء نجد وعلمائه معروفة مشهورة مِن قديم. وبواسطة علماء السُّوء أمثال دحْلان والنبَّهاني انتشر كثيرٌ من الفتن الّتي ما زالت الأمّة الإسلاميّة تُعاني ويْلاتها...»إلخ .
وقال السّعيد أبو يعلى الزّواوي: «قد اشتهر بين طلبة العلم أهل العصر أنّ الشّيخ دحلان قد اشتدّت حملاته على العلاّمة الإصلاحيّ الإمام محمّد بن عبد الوهاب والشّيخ النّبهاني مسلّط على..الشّيخ رشيد رضا حامل لواء الإصلاحيِّين...ثمّ مِن سوء حظِّ الإصلاحيِّين أن قد تأخّرت ردودهم على المدعيين الهاجمين المتحاملين إلى أن كاد قرّاءُ كتب دحلان وكتب النّبهاني ومقالاته يسلِّمون ما كتبا (أي دحْلان والنّبهاني) سيّما الجامدون والمتنطِّعون من غلاة المتصوِّفة والمتفقِّهة وصاروا يحتجُّون بها علينا معشرَ الإصلاحيِّين ويعتبرون تلك الكتب والمقالات قضايا مسلّمة ولم يَعتبروا ما ذكرنا من الأصول والأحكام...وقد خاطبني كثيرٌ من طلبة العلم بهذا الوطن بدَحْلان والنّبهاني...وبينما نحنُ كذلك إذ ظهر كتاب «غاية الأماني في الرّدّ على النّبهانيّ» تأليف الشّيخ أبي المعالي الشّافعي السّلامي، والكتابُ جزءان كبيران عظيمان مُفيدان كما ظهر في هذه المدّة الأخيرة كتاب «صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان» لأحد علماء الهند»[9].
يقول الشّيخ محمّد السّبيل عن إسهام نصيف في الطبعة الأولى لـ«غاية الأماني»[10]، كما سمعها منه: «عندما ظهر كتابُ النّبهاني المسمَّى«شواهد الحقّ» وقرأه الشّيخ محمّد نصيف، ورأى ما فيه من التّلفيق والتّحريف الواهي، وتهجّمه على المحقِّقين من علماء السّلف وتجويزه دعاء الأموات والاستغاثة بهم، وغير ذلك ممّا يُخالف صريح الكتاب وصحيح السّنّة، عندما قرأه كتبَ للعالم العلاّمة الشّيخ محمود شكري الألوسي[ت:1342هـ] يطلبُ منه أن يقوم بالرّدّ على النّبهاني، ويدحض أباطيله، وينتصر للحقّ وأهله، فلم يَمْضِ سنةٌ إلاّ وقد جاء الرّدّ المسمَّى«غاية الأماني»..
واتّفق الشّيخ محمّد نصيف والشّيخ عبد القادر التّلمساني...على أن يقوما بطبعِهِ وتكاليف الطّبع بينهما نصفين. وكان الشّيخ التّلمساني آنذاك في مصر، فاتّفقا أن يقوم بطبعه فرج زكي الكردي بمطبعته في مصر فقام بطبعته الأولى وقد وضع المؤلِّف على طرّة الكتاب؛ تأليف: أبي المعالي الحسيني، إشارةً إلى كُنيته ونَسَبه الحسيني، وزاد عليها السّلامي الشّافعي لئلاَّ يتّضح اسمُهُ خوفًا على نفسه، وذلك أنّ العلماء السّلفيِّين في ذلك العصر يخافون على أنفسهم من معارضة أهل البدع والخرافيِّين –كالنّبهاني وغيره- وكذلك صاحب المطبعة خاف على نفسه، ولم يذكر اسمه إلاّ رمزًا ولا اسم مطبعته ولا البلد الّتي فيها... والسّبب في ذلك أنّ السّلطان عبد الحميد سلطان الدّولة العثمانية قد قرَّب المشايخ من أهل الطّرق، من الصّوفية أنصار البدع، فلذلك خاف السّيِّد من إظهار اسمه على طرّة الكتاب من نفس العلّة... ولهذه المضايقات والخوف عندما تمَّ طبع الكتاب لم يتمكَّنوا من توزيعه إلاّ عندما أخذت حكومة اسطنبول بالقوانين الوضعية الأوربية وأعلنت الدستور وكان الدستور يقضي بحرّيّة العقائد والأديان، فعند ذلك أرسلت حصّة الشّيخ من الكتاب إليه في الحجاز، ووزّعها ووضع على كلّ نسخة وزّعها اسم المؤلِّف بخطّ يده وكذلك الشّيخ عبد القادر وزّع نسخه في مصر وغيرها، ثمّ إنّ الشّيخ نصيف عندما لم يخف من جرّاء إظهار الكتاب أعلن في جرائد بيروت في ذلك الحين أنَّ لديه كتابًا في الرّدّ على النّبهاني للشّيخ الألوسي...»[11].
بين نصيف وعلاّمة العراق الألوسي:
توثّقت الصّداقة بين الألوسي ونصيف، فكتب الأوّل إلى صديقه علاّمة الشّام القاسميّ(سنة: 1329هـ)، يقول له: «... وقد رغبتُ إلى صديقنا محمّد حسين نصيف أن يحثّ الأستاذ التّلمساني على طبعها(أي: رسالة العالم التّركي؛ البركوي في زيارة القبور، الّتي ضمَّنها لُباب ما جاء في «إغاثة اللّهفان» من آداب الزّيارة وزاد عليها ما يؤيّده) لما أعهدُهُ مِن حبّه لمثل هذه الآثار الّتي تخدم السُّنّة، وتَدْحر البدعة..» [12].
وكتبَ الألوسي أيضًا إلى القاسميّ(سنة:1327هـ) يُعرّفه بمحمّد نصيف، ويلتمس منه أن يكاتبه، وكان (نصيف) قد طلب منه كتب شيخَي الإسلام ابن تيميّة وابن القيّم، وغيرها من الكتب المهمّة، ليقوم بنشرها، فالتمس الألوسي من القاسمي أن يكتب لنصيف، ويذكر له ما عندهم في دمشق من كتب الشّيخين، الّتي طلبها وغيرها من الكتب المهمّة الّتي وقف عليها مختصرة كانت أو مطوّلة، وحثَّهُ على المبادرة إلى ذلك، وأعطاه عنوانه: «إلى وكيل الإمارة الجليلة في جُدّة حضرة الفاضل محمّد حسين نصيف»[13]، وممّا جاء في رسالته التّعريفيّة: «وهذا الرّجل من كبار أهل الثّروة، ومن أعظم الناس محبّة للسّلف الصالح، ونشر آثارهم، ولا سيّما لشيخ الإسلام قدّس الله تعالى روحه وكتبه حتّى أنّه قبل هذا حجَّ عنه حجّةً، وهو من المحبِّين لنا على محبّتهم فلا تقطعوا عنه مخابرتكم على الدّوام».
بين نصيف وعلاّمة الشام القاسمي:
استجاب القاسمي لذلك، وكاتب نصيفاً، يقول: «...ولقد أدخل السّيّد شكري أفندي عليَّ السّرور الزّائد، بما نوّه لي عن فضلكم وصلاحكم وكمالكم وغيرتكم على نشر آثار السّلف، لا سيّما آثار شيخ الإسلام رضي الله عنه، فإنّ هذا غاية أمنيّتنا، ونهاية رغبتنا، وقد حمدتُ الله وشكرته على أن قيّض لهذا الشّأن أمثالكم». ثمّ جعل يستحثُّه على بذل المال في هذه السّبيل، ويشوّقه إلى ما عندهم من آثار الشّيخ في دمشق: «ولا يخفى فضلكم أنّ أعظم واسطةٍ لنشر المذهب السّلفيّ هو طبعُ كتبه... وعلى قَدْرِ ما ترسلونه من الدّراهم يكون النّسخ أو الطّبع، فالبِدارَ البِدارَ، والفرصةَ الفرصةَ يا أخي... »[14].
في العهد الهاشمي:
يخبر أحدُ روّاد مجلس الشّيخ نصيف في العهد الهاشمي، قال: «كنَّا في مجلس الشّيخ محمّد نصيف وكان يمرُّ بنا جماعات الطُّرق الصُّوفية وهم يرقصون ويغنُّون... قال: فكَّنا نُسفِّهُ آراءهم ونحصبهم بالحجارة... »[15].
ويصفُ أمين الرّيحاني «نصيفًا» في كتابه «ملوك العرب»، في رحلته إلى البلاد العربية على عهد الملك حسين الهاشمي(سنة 1341هـ) فيقولُ:
«وهذا الشّيخ محمّد نصيف أديبُ جدّة الأكبر وأميرُ الكتب فيها. فإنّ عنده مكتبة حافلة بالقديم والحديث من التّآليف، لا يقتنيها للعَرْض فقط بل لينتفع وينفع بها، يجيء الأدباءُ إلى دار الشّيخ محمّد كأنّها دار الكتب العمومية فيُعِيرهم ما يشاؤون منها ويشتري ما يعرضون من مخطوط أو مطبوع. وهو دائرةُ معارف ناطقة يُجيب على السُّؤالات الّتي توجّه إليه ويهدي إلى مصادر الثّقة في العلوم الأدبيّة والتّاريخية والفقهية...»[16].
ويصفُ تقيّ الدّين الهلالي الّذي نزل ضيفًا على نصيف في حجِّ عام( 1341هـ)، يقول:
«ملكُ الحجاز غيرُ المتوَّج: هكذا كان يُسمِّي السّيِّد رشيد رحمه الله عميدَ السّلفيِّين في الحجاز الشّيخ محمّد نصيف، وقد كان في تلك الأيّام المظلِمة سراجًا يُضيء لمن ألهمه اللهُ رشده طريق التّوحيد واتّباع السّنّة، وكان بيتُهُ لا يخلو من الضّيوف الواردين من جميع أنحاء الدُّنيا من أُمراء البيت الهاشمي... إلى فقراء الحجّاج من أهل الهند...هكذا وجدته سنة 1341هـ... ومع أنّه كان متّهمًا بالوهّابيّة كان موضعَ احترامٍ وإجلال مِن جميع النّاس من الملك حسين وأبنائه إلى الطّبقة السُّفلى من العامّة؛ لأنّه من أشرف بيوتات الحجاز ولما آتاه الله من علوِّ القدر والوجاهة والمهابة وللسّخاء العظيم الّذي هو مِن أخصِّ صفاته...»[17]، «ومع شدّة عداوة الملك حسين لمن يسمِّيهم بالوهّابيِّين كان يُحْجِم عن الإساءة إلى هذا الرّجل الكريم إلى أواخر أيّام ملكه فقبض عليه ونفاه من الحجاز إلى قبرص فسُجن هناك وعزم على قتله، فانهالت عليه البرقيات مِن جميع أنحاء العالم تحذِّره من هذه الجريمة ومن جملة مَن حذّره ابنه فيصل الأوّل وسائر أبنائه، وبعد سجنٍ دام أربعين يومًا أَطلق الله سراحه ليعود إلى خدمة العلم والدِّين وأعمال البرّ وبناء المكرمات».
في العهد السُّعودي:
وحينما غزا سلطان نجد الملكُ السّلفيُّ عبد العزيز الحجاز، و«تمَّ فتحُ مكّة المكرّمة (سِلْماً) في عام 1342هـ، وأحاطت جيوشه بمدينة جدّة كان معروفًا أنّ الشّيخ محمّد نصيف على صلةٍ بجلالة الملك عبد العزيز وسواءً كان الخبر صحيحًا أم مبالغًا فيه فقد سُجن الشّيخ محمّد نصيف( ومعه شيوخٌ آخرون)في الثّكنة العسكرية خارج مدينة جدّة إذ ذاك ولم يطل الأمر بِهِ، فقد أُطلق سراحه بعد أيامٍ قلائل ثمَّ لم يَمْضِ طويلُ وقتٍ حتّى دانت مدينة جدّة بالولاء (للملك عبد العزيز)... واتّخذ عبد العزيز مِن قصر الشّيخ محمّد نصيف «مقرًّا لإقامته على مدى سنوات حينما كان يحضر إلى جدّة كلَّ عام»[18]، «إلى أن بَنَى قصر العمارية خصيصًا لإقامته» [19].
وقد نشرت مجلّةُ «الشِّهاب»الجزائريّة للشّيخ ابن باديس [في العدد:155، ص:14-15] تحت عنوان «عند الملك عبد العزيز»، مكاتبة لـ(عَدني)، نقلاً عن مجلّة «الشرق الأدنى»، يقول فيها:
«وبعد وصولي جدّة قابلتُ جلالة الملك يوم الجمعة صباحًا في دار السّريّ الفاضل عين أعيان جدّة محمّد أفندي نصيف... »، وختم مكاتبته بقوله: «وأختمُ رسالتي بالشّكر الجزيل لحضرة الفاضل محمّد أفندي نصيف والإعجاب بما خصّه الله مِن حسن الخَلق والخُلق، وقد شاهدنا في مكان الاستقبال مكتبة يتجاوز عددُ كتبها خمسةَ آلاف وهذا عددٌ عظيمٌ في بلادٍ خيّم على ربوعها وربوع اليمن الجهل المطبق، وأقول أَكْثَرَ الله من أمثاله في الحجاز واليمن»
بين نصيف والشّيخ مبارك الميلي:
ضرب الشّيخ «نصيف» مثلاً عظيمًا في الّتواصل بين العلماء السّلفيِّين، وتتبّع أخبارهم، ومدّ روابط الأخّوة، وتمتين العلائق معهم، ومن ذلك: أنّه كان يكاتبهم ويراسلهم، ويبعث بهدايا الكتب الثّمينة إليهم، ولمّا أُنشئت مجلّة «الشِّهاب»(مرآةُ الإصلاح والمصلحين) في الجزائر، كان «نصيف» من قرّائها، ومن المتّصلين بها، وقد نشر ابن باديس في أحد أعدادها نصَّ رسالةٍ[20]بعث بها العلاّمة الأثريُّ مبارك الميلي إلى أخيه الفضيل الورتلاني، تدلّ على عناية المصلحين بكتب الحديث والسّنّة، وحرصهم على معرفة الثّابت الصّحيح منها؛ لقد أَعْيَى الميليَّ البحثُ والتّنقيب عن صحّة حديث ودراسة إسناده، ولمَّا لم يكن في متناول المصلحين كتاب «المستدرك»، توقّف، فقال: «ولو كان عندنا المستدرك لاسترحنا من هذا الخرص، وبعد فلنكتف بما لدينا ولا نقف ما ليس لنا به علم...».
وما هي إلاّ أشهر قليلة، حتّى عاد الميلي إلى الكتابة في الموضوع، تحت عنوان: «تعليم المرأة الكتابة»[21]، وقال في أثنائه: «ولمّا بلغ «الشِّهاب» إلى الشّيخ محمّد نصيف بجدّة تفضّل بنقل سند هذا الحديث من المستدرك وتلخيصه للحافظ الذّهبي، وهاك عبارته:..(وذَكَرَ النّقل)».
ويبدو أنّ غيرة نصيف وهمَّته لم تقف عند هذا الحدّ، فكاتب مدير دائرة المعارف النّظامية في(حيدر آباد الدكن) الهند، (في المحرم 1356هـ) يطلب إليهم إهداء مجموعة من كتب الحديث والسّنّة الّتي تطبعها هذه الدّار، طلب أن ترسل باسمه، ليوصلها إلى العلماء المصلحين في الجزائر، ومنها مستدرك الحاكم، قال: «..خدمةُ العلم والعلماء من الواجبات، فأرجو أن تأمروا بإرسال أجزاء السّنن الكبرى وما طبع بعدها من المؤلّفات باسمي...كما لا يخفى على حضرتكم أنّ علماء الإصلاح وجمعيّة العلماء المسلمين بالجزائر...محرومون من هذه الكتب النّافعة لفقرهم وعجزهم أرجوكم أن تأمروا بإرسال خمسة وعشرين نسخة من السّنن الكبرى وعشرين نسخة من المستدرك للحاكم وغيرها من المطبوعات قديمًا وحديثًا لتوزيعها عليهم، وأنا متكفّل بمصاريف الإرسال من الحجاز إلى تلك الجهات..».
وفعلاً «وصلت الصّناديق الّتي باطنها السنن الكبرى والمستدرك باسم جمعية العلماء... الموضّحة أسماؤهم منِّي لكم ومنكم لي وستبقى عندي إلى شهر الحج سنة 1356هـ حتّى يصل الحجّاج ويصير إرسالها معهم...»[22].
- ذكر الميلي في مقدّمة كتابه «رسالة الشّرك» العناءَ الّذي تجشَّمه في تحرير الرّسالة، لعدم وفرة الكتب الّتي في موضوعها، إلى أن اتّصل بهدايا كتب، فيها نبذ مهمّة؛ ذكر أنّه لم يستعن بها، وقال: «وبعد تمام التّأليف وقبل الشّروع في الطّبع اتّصلت بهديّة من جدّة من الأخ في الله السّيّد محمّد نصيف تشتمل على كتاب«فتح المجيد بشرح كتاب التّوحيد» لابن عبد الوهاب فعلّقت منه فوائد ألحقتها بمواضعها معزوّة إليه. ولو اطّلعت عليه قبل كتابة الرّسالة لخفّف عليّ من عناء ابتكار العناوين وتنسيقها»[23].
-كما اتّصل الميلي- وهو على رأس تحرير «البصائر»- بهديّة نفيسة من "نصيف"، قال تحت عنوان: «الصّراع بين الإسلام والوثنية: هو كتابٌ جليل بقلم الشّيخ عبد الله القصيمي، صدر منه في العام الماضي الجزء الأول وفي العام الحالي الجزء الثاني، وما زال جزؤه الثّالث لما يطبع وقد أهداهما لنا كلّ في عامه فضيلة الشّيخ محمّد نصيف سند السّلفيّة بجدّة وعين أعيانها... »، وقال الميلي عن هذا الكتاب: «وبالجملة هذا الكتاب أجمعُ كتابٍ عرفناه لشبه خصوم السّلفيّة...»، إلى أن قال: «فنشكر للمؤلِّف خدمته العلميّة الدّينيّة، وللمُهدِي هديّته القيّمة الثّمينة، ونسأل اللهَ للكتاب سعة الرّواج، وللمؤلِّف[24] والمُهدِي طول العمر في خدمة الدِّين الخالص»[25].
ولا يفوتني هنا أن أذكر أنّ «نصيفًا» كان وراء تأليف هذا الكتاب؛ فقد قال مؤلِّفه تحت عنوان: «لماذا ألّفت هذا الكتاب؟: في ربيع الأول سنة1355هجرية بعث إليّ الوجيه الحجازي المعروف محمّد أفندي نصيف بكتاب «كشف الارتياب في أتباع محمّد بن عبد الوهاب»[لمؤلِّفه محسن الأمين الحسيني العاملي الرّافضي] وقد كتب حضرته على طرّته العبارة الآتية: «إنّ مؤلّف هذا الكتاب قد أتى بأشياء لم يأت بها أحدٌ قبله من أعداء الدّعوة الإسلامية، فأرسلت لكم لإبداء رأيكم فيه، وللرّدّ عليه» فقلّبت صفحات الكتاب مرّة ومرّة فرأيت فيه ما جعلني أتردّد في الكتابة عنه. ثمّ بعث هذا الوجيه خطابًا إلى أحد الأعزّة في مصر يطلب إليه فيه أن يطلب إليّ الرّدّ على الكتاب فصحَّ عزمي وكتبتُ... »[26].
- ولمّا صدر كتيب «الكوثري وتعليقاته»، كتب عنه الميليُّ كلمةً، ضمَّنها رأيَه في الكوثري المنحرِف عن السّنّة وأهلها، وفي تعليقاته الّتي كان الميليُّ من أوائل من تفطّن لها، قال تحت العنوان المذكور: «رسالةٌ لطيفة تقع في عشرين صفحة مطبوعة طبعًا جيّدًا في ورق صقيل. محرّرة بقلم الأستاذ محمّد نصيف السّلفيّ الجمّاعة للكتب الواسع الاطّلاع كشف بها عن سُوءِ عقيدة الشّيخ زاهد الكوثري في أئمّة السّلف ورجال الحديث...»إلخ[27].
وأودُّ أن أنبّه أنّ الكتيب هذا، ليس من تأليف نصيف، وإنّما من تأليف علاّمة الشّام بهجت البيطار، وإنمّا قام نصيفٌ على طبعه.
وقد كان «نصيف» ممّن تصلهم جريدة"البصائر" بانتظام، ويدلّ على هذا ما كتبه الميليُّ تحت عنوان: «البصائر في الحجاز: لا يبرز عددٌ من البصائر إلاّ ويوجّه حينًا إلى أهله بعناوينهم المسجّلة لدينا ولكن هنالك تهاونٌ بريدي لا نعلم مصدره. فكثيرًا ما يأتينا من فضيلة الشّيخ محمّد نصيف عين أعيان الحجازيِّين بجدّة طلبُ أعدادٍ من البصائر لم تصله»[28].
بين «نصيف» والشّيخ الطّيّب العقبي:
نشأ الشّيخ الطيِّب العقبي في مدينة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، حيث هاجرت إليها عائلته وهو صغير لا يتجاوز السّتّ سنوات(1895م)، وبقي بهذه البلاد الطّيّبة، الّتي أمضى فيها طفولته وشبابه، إلى أن عاد إلى الجزائر سنة1920، وهو في شبابه الناضج وعمره إحدى وثلاثون سنة. وكان من أصدقائه ومن أحبابه في الحجاز «محمّد نصيف» عين أعيان الحجاز، ولم تنقطع الصّلات بينهما، حتىّ وهو بأرض الجزائر، ذكر لي (الحاج بَيْطار)[29]: «أنّ الشّيخ نصيف، هو والشّيخ العقبيّ، كمثل الأخوين الشّقيقين، وكان الشّيخ العقبيّ غداةَ سفرنا، وعزْمنا على رحلتنا، يُحمّلنا «الأمانات»، نُوَصِّلها إلى «نصيف»... فيبعث إليه معنا التّمر، ويبعث أشياء أخرى... وعندما نصل إلى جدّة، نكون في ضيافة «نصيف»، نقيم عنده أنا والحاج علّوش... لا نفقد سببًا من أسباب الرّاحة... وبخصوص الشّيخ العقبي، كان يقول لنا: «ذكّرتموني في صاحبي القديم... لقد كان لي صديق حبيبٌ إليّ،كان هو أكبر حبيب لي في المدينة، هو الشّيخ العقبي..»، كما كنا نسلّمه رسائل من العقبي، وعند مغادرتنا نأخذ منه مثلها، حتّى نُوَصِّلها إلى الجزائر»اهـ معنى ما ذكره لي.
بين نصيف والشّيخ الإبراهيمي الرّئيس الثّاني لجمعية العلماء:
ذكر أحمد طالب الإبراهيمي نجل الشّيخ البشير، أنّ والده لمّا اقتنى آلةً راقنة عام 1948م،كان يُملي عليه رسائله من48م إلى 1951م، فأملى عليه مئات الرّسائل، منها ما كان موجّهًا إلى أصدقائه وفي مقدّمتهم «محمّد نصيف بجدّة»[30]، لقد كان التّعارف بين نصيف والبشير «منذ أربعين سنة»، أيّام إقامة البشير بالمدينة النّبوية، في العهد العثماني؛ (أواخر سنة 1911-1917م).
«نصيف»: الرّئيس الشّرفي لجمعيّة العلماء في الحجاز:
ولجهود نصيف في نصرة السّلفيّة، قرّر المجلس الإداريّ لجمعية العلماء، يوم الخميس رابع أكتوبر 1951م «مَنْحَ لقبِ «رئيس شرفي» لجمعية العلماء، لبعض العلماء في غير الجزائر ممّن عُرف بحمل الفكرة السّلفيّة الإصلاحية والدّفاع عنها؛ أو بالدّعوة إليها ونشرها بالدُّروس والمحاضرات والكتابة، وبنشر الكتب الّتي هي مصادر العقيدة السّلفية وأصولها. وقرّر بالإجماع منح هذا اللَّقب للعلماء الآتية أسماؤهم:...»، وذكروا: «محمّد نصيف (الحجاز)» [31].
الإبراهيميُّ في الحجاز:
لمّا وصل الإبراهيمي الحجاز، استضافه صديقه القديم «نصيف»، وفرح لمقدمه وأكرمه بعد غيابِ خمسٍ وثلاثين سنة[32].
وكتب الأستاذ محمّد الغسيري[33] عن رحلته في «البصائر» تحت عنوان: «عدتُ من الشّرق: في البلاد العربية السعودية..»[34] وعن مرافقته للشّيخ البشير، فقال: «وكنّا أثناء إقامتنا بمكّة المكرّمة كثيرًا ما ننتهز الفرص إلى زيارة بعض أصدقاء الأستاذ الرئيس بجدّة، وكنّا ننزل عند الشّيخ محمّد ناصيف عين أعيان الحجاز والرّابطة الكبرى بين علماء السّلفيّة في الأقطار الإسلامية، وصاحب الآثار البارزة في خدمة السّنّة ونشرها، وليس يخلو منزلُهُ مِن زوّار وضيوف دائمًا».
أمّا عن حفلة التّوديع الّتي أقامها «نصيف» في داره العامرة، فقد ارتجل فيها البشير خطابًا بليغًا، ممَّا ورد فيه من الثّناء على صديقه ناصيف، قولُه: «ومَن غير أستاذنا الجليل محمّد نصيف يستطيع أن يجمع العالَم في دار، أو يدّخر كنزًا ثمينًا تحت جدار»، «أيُّها الإخوان! إذا لم يُنصف الحجاز شيخَه ومخلِّد مجدِهِ ورافع رايته أستاذنا الشّيخ نصيفًا، فإنّ العالم الإسلامي كلّه ينُصفه، فكلّنا ألسنة شاهدةٌ بأنّه مجموعة فضائل نَعدّ منها ولا نُعدّدها... وإنّني أقولها بصيحةٍ صريحةٍ وأؤدّيها شهادةً للحقّ والتّاريخ بأنّه مُحْيِي السُّنّة في الحجاز مِن يوم كان علماؤه- ومنهم أشياخنا- متهوِّرين في الضّلالة[35]، وأنّه صنع للسّلفيّة وإحياء آثارها ما تعجز عنه الجمعيات بل والحكومات، وأنّه أنفق عمره وماله في نصرها ونشرها، في هدوء المخلصين وسكون الحكماء، وسيسجّل التاريخ العادل آثاره في عقول المسلمين، وسيشكر له اللهُ غزوه للبدع بجيوش السّنّة المتمثِّلة في كتبها وعلوم أئمّتها، وجمعيّة العلماء نفسُها مدينةٌ له، فإنّ الكتب السّلفيّة لم تصلنا إلاّ عن يده...»[36].
- وقد قامت جريدة«البصائر» الجزائريّة بنشر صورةٍ شمسيّة للشيخِ نصيف، في جِيدِ العدد: (209)،[27 ربيع الأول 1372هـ /15 ديسامبر 1952، (ص:1)]، وقالت تحتها: «فضيلة العالم السّلفيّ الشّيخ محمّد نصيف أحد أعيان علماء الحجاز... وفضيلته شهيرٌ في الأوساط الإسلامية عامّة والإصلاحيّة خاصّة والجزائريّة أخصّ بما أنفقه من وقت ومال في سبيل نشر العقيدة السّلفية النّقيّة من الخرافات والبدع، وبما كان يقدّمه لعلمائنا مسيِّري الحركة الإصلاحية هنا مِن هدايا الكتب الّتي نشرها واشتراها من ماله الخاصّ...».
«نصيف» وحرب التّحرير الجزائريّة:
لمّا فجّر الجزائريُّون ثورة التّحرير المظفّرة، وهبُّوا لقتال الأعداء، وطرد المستعِبد الغاصب،كان الإبراهيميُّ لا يزال بالمشرق، وقد كان له دورٌ كبيرٌ في حثِّ الجزائريِّين هناك على العمل؛ يدعوهم للإكثار من الدِّعاية لقضية بلادهم، وكان محرِّضا لهم على الجهاد بالمال في تحرير الوطن، يبذل لهم النُّصح، ويوجّههم التّوجيه الصّحيح.
وقد كان في اتّصالاته ومكاتباته مع أفاضل الجزائريِّين هناك، لا سيّما في الحجاز، يدعوهم إلى استشارة الشّيخ نصيف، يقول: «استشيروا أخانا الشيخ ناصيف»[37].
وقد دعّم نصيف الثّورة الجزائريّة بماله، وكان عونًا لإخوانه، وانظر شهادةً فيها اعترافٌ له بفضله مِن: «الحكومة المؤقتة للحكومة الجزائرية / وزارة الشّؤون الخارجية مكتب –جدّة/ التّاريخ 3/10/1380هـ ..»، بتوقيع: «العبّاس الحسيني رئيس البعثة الجزائرية بالمملكة العربية السّعودية»[38]
بُعَيد استقلال الجزائر:
وبعد أن أكرم الله الجزائريِّين باسترداد حرّيّتهم، وطَرْدِ عدوّهم، وُجّهت إليه دعوةٌ رسميّةٌ من «الجمهورية الجزائرية- وزارة الخارجية- البعثة الدبلوماسية- جدّة»، بتاريخ:(25/10/1963م)، جاء فيها: «تُهدي البعثة الدبلوماسية الجزائرية لدى المملكة العربية السّعودية أسمى تحياتها إلى سعادة الشّيخ محمّد نصيف الموقّر وتتشرّف بأن تُنهي إلى سعادتكم: أنّ السّيّد عبد العزيز بوتفليقة وزير الخارجية للجمهورية الجزائرية .. وجَّهَ (برقيًّا بواسطة البعثة الجزائرية) – وبكلّ احترام- دعوة إلى سعادتكم لتُشاركوا في الاحتفالات الّتي ستجرى في الجزائر...(بمناسبة العيد الوطني الجزائري)...»«مستشار البعثة الجزائرية القائم بالأعمال: سعيد البيباني[39]»[40].
الحواشي :
[1] - «الأعلام»(6/107).
[2] - «الأفندي»: تسميةٌ تركيّةٌ تُطلق على مَن كان كبيرَ بلده.
[3] -«شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز»(2/829).
[4] - «المنار»، م28، ج1.
[5] - «لأنّ الشّيخ التلمساني كان أشعريًّا درس في الجامع الأزهر كتب العقائد الأشعرية... وقد انتهت هذه المناظرات الطويلة بإقناع الشّيخ التلمساني بأن عقيدة السّلف هي الأسلم والأحكم والأعلم...». انظر: «مشاهير علماء نجد..»(ص: 186).
[6] -«علماء نجد»(1/440)، و«مشاهير علماء نجد»(ص: 186).
[7] - مقدّمة كتاب«تشنيف الأسماع في الرّدّ على من خالف الكتاب والسّنّة والإجماع» لأحمد بن عيسى، تحقيق: عبد العزيز بن إبراهيم الجبرين (ص:110 ).
[8] - «الشّهاب»، جزء شوال 1352، (ص: 85-86).
[9] - «البصائر»، (العدد:79)، (ص:4-5)، « تنبيهٌ مهمٌّ إلى كتابين جليلين..».
[10] - قال نصيف عن هذا الكتاب: « غاية الأماني في الرد على شواهد يوسف النبهاني، تأليف أبي المعالي السّيّد محمود شكري الألوسي، طبع على نفقة ناشر عقيدة السّلف تلميذ الشّيخ أحمد بن عيسى النجدي، ومن تجّار جدّة وفي الحجاز ومصر الشّيخ عبد القادر بن مصطفى التلمساني الجزائري من أصحاب الأطيان بمصر وشريكه في نفقات الطبع محمد نصيف طبع عام 1328هـ». انظر: «محمد نصيف..حياته وآثاره»(ص:205).
[11] -«عقيدة الشيخ محمد ابن عبد الوهاب وأثرها في العالم الإسلامي»للشّيخ صالح العبود(ص:667- وما بعدها).
[12] -«الرسائل المتبادلة بين محمود شكري الألوسي وجمال الدين القاسمي»، تحقيق:م حمد بن ناصر العجمي (ص:140).
[13] - «الرسائل المتبادلة... »(ص:65-66).
[14]-«نفسه»(ص:71).
[15]- «نصيف..حياته وآثاره»(ص:304).
[16] -«ملوك العرب»،ج1، (ص:52)، طبع في مطابع صادر ريحاني-بيروت 1951(ط.3).
[17] - «الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة»(ص: 170).
[18] - «نصيف..حياته وآثاره»(ص: 304).
[19] - «نفسه»(ص: 209).
[20] - تحت عنوان: «المصلحون والسّنّة»، «الشّهاب»، ج1، م12، غرة محرم1355هـ/أبريل1936م.
[21] -«الشّهاب»،ج:6، م12، جمادى الثانية1355هـ/أوت –سبتمبر1936م.
[22] -«نصيف..حياته وآثاره»(ص:515-516).
[23] -«رسالة الشرك»(ص:15).
[24] - أمّا المؤلّفُ فلم يثبت، نسأل الله تعالى الثّبات على دينه القويم.
[25] - «البصائر»، (العدد:159)، (ص:5).
[26] - «الصّراع بين الإسلام والوثنيّة»(ص:39)، القاهرة 1356-المطبعة السلفية.
[27] - «البصائر»، (العدد:143 )، (ص:.
[28] -«البصائر»، (العدد: 15، (ص:2).
[29] - في حديثٍ خاصٍّ معه بعد عصر الخميس 7 ربيع الآخر 1428هـ، وهو من «أولاد جلاّل»(بسكرة)، من مواليد عام ( 1923م )، قدم إلى عاصمة الجزائر بعد سنة 1945م، واظب على سماع دروس العقبي وغيره من العلماء، وتعرَّف إليه شخصيًّا، عرَّفه به(الحاج محمد علّوش) الّذي كان من قطّاع الطرق ومن عصابات الشّوارع وفي ميناء الجزائر، وقد تاب على يدي العقبي، وصار من أحبابه، وقد كوّن (بيطار) شركةً، ونظّم حملات الحج والعمرة والزّيارة، إلى مكّة-المدينة-القدس، وسمَّى شركته «طريق المعراج»، يتنقّل بين البلدان العربية، ويصحب أفواج الحجّاج.
[30] -«الآثار»(1/23).
[31]-«البصائر»، (العدد: 172)، (ص:.
[32]-«البصائر»، (العدد:204)،(ص:.
[33] - هو أحد نبغاء طلبة ابن باديس، من أبناء أوراس، وُلد بغسيرة سنة1919م، وأحدُ مؤسِّسي المدرسة العربية الحديثة في الجزائر، وأوّل من باشر التّفتيش العام للتعليم، وأحد مؤسِّسي لجنة التعليم في عهد الرّئيس الإبراهيمي.كان سفير الجزائر في دمشق ثمّ في السعودية ثم ّفي الكويت، توفِّي سنة( 1974م). انظر: «صراع بين السّنّة والبدعة» للشّيخ أحمد حماني(2/281).
[34]- (العدد: 266)، (ص:5 و7).
[35]- ومنهم: حسين أحمد الهندي الديوبندي، المشهور بالمدني؛ قال الشيخ حمود التويجري رحمه الله في كتابه «القول البليغ في التحذير من جماعة التبليغ»(ص47): «ومن أكبر مشايخ التّبليغيِّين ودجّاليهم حسين أحمد مؤلف كتاب «الشّهاب الثاقب»، وقد ذكره محمد أسلم في (ص:7) من كتابه المسمّى «جماعة التبليغ : عقيدتها وأفكار مشايخها»، وقال: «إنّه حنفيٌّ ديوبندي جشتي»)اهـ.كان يقذع في سبّ شيخ الإسلام محمّد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، ويصف دعوته بـ«الوهابية الخبيثة». انظر:كتاب«الديوبندية». وهو أيضاً من أشياخ ابن باديس أثناء رحلته للحجاز، ومن شيوخ الأخير: «حمدان الونيسي القسنطيني» المهاجر إلى المدينة، والمدرِّس بمسجدها، وهو شيخٌ كذلك للطيّب العقبي، وقد كان مقدّمًا في الطّريقة التّجانيّة.
[36]- «آثار الإبراهيمي»(4/122-125).
[37] - رسالةٌ شخصيةٌ منه إلى أحد أفاضل العلماء الجزائريِّين في المدينة، بتاريخ29ماي 1955م/8شوال1374هـ، نَشَرها الأستاذ بشير كاشة في كتابه عن الشّيخ البشير الإبراهيمي(ص:73).
[38] - «نصيف ..حياته وآثاره»(ص:272).
[39]- هو أحد تلاميذ الشّيخ ابن باديس، وأحد رجالات جمعيّة العلماء الّذين أَوْفدتهم إلى فرنسا، لنشر دعوتها هناك، والاهتمام بالجالية الجزائرية المغترِبة. انظر: «صراع بين السّنّة والبدعة»للشّيخ أحمد حماني(2/263 و273).
- «نصيف..حياته وآثاره»(ص:603).[40]