رسالة ابن حزم في فضائل الأندلس وأهلها. ( منقول )
قال الدكتور عبد الحليم عويس في كتابه "ابن حزم الأندلسي وجهوده في البحث"(ص238-239):
"كتب ابن حزم هذه الرسالة دفاعا عن "الأندلس" في مواجهة "المشارقة", وقد كان السبب في كتابتها –كما حكى لنا- أن ابن الربيب الحسن بن محمد القيرواني –المواطن- قد أرسل رسالة إلى أبي المغيرة عبد الوهاب ابن عم ابن حزم يعيب فيها على أهل الأندلس تقصيرهم في تخليد علمائهم ومأثر فضائلهم ( )
وقد اتخذ ابن حزم الأساس الفكري وسيلة للتفضيل, دون أن ينسى أن يضيف إلى ذلك خصائص قرطبة, وما قدمته الأندلس- بعامة- من نتاج علمي.
فالرسالة بهذا جزء من التاريخ الحضاري للأندلس. وقد كانت رائدة في الأندلس لفن المفاخرات وهو فن أبرز شعور الأندلسيين بالحب لوطنهم الذي تحيذ به المشكلات من أكثر من جهة, وعلى خطى رسالة ابن حزم هذه جاءت رسالة ابن سعيد الأندلسي التي تمثل تذييلا لرسالة ابن حزم, ثم أتت بعدها بقرنين رسالة إسماعيل بن محمد الشقندي المتوفى سنة 629هـ, فكانت تطورا جديدا في هذا الفن التاريخي."
قلت وهذه الرسالة التي أضعها هنا ضمن "رسائل الإمام ابن حزم"(2/171-18.
وقال الدكتور إحسان عباس
"رسالة في فضائل الأندلس وذكر رجالها.
هكذا أسماها ابن خير في فهرسته ( 1), كما سميت أحيانا "بيان فضل الأندلس وذكر علمائه", ولم أعثر على أصل مخطوط لها , وإنما أوردها المقري في نفح الطيب (3 ), وذكر أن الحسن بن محمد التميمي القيرواني المعروف بابن الربيب ( 2) كتب إلى أبي المغيرة ابن حزم (ابن عم الفقيه) رسالة ( 4) يذكر فيها تقصير أهل الأندلس في تخليد أخبار علمائهم ومآثر فضلائهم وسير ملوكهم ويقول فيها: " فإن قلت: إنه كان ذلك من علمائكم وألفو كتبا لكنها لم تصل إلينا فهذه دعوى لم يصحبها تحقيق لأنه ليس بيننا وبينكم إلا روحة راكب أو دلجة قارب, لو نفث ببلدكم مصدور, لأسمع ببلدنا من في القبور, فضلا عمن في الور والقصور, وتلقوا قوله بالقبول كما تلقوا ديوان ابن عبد ربه منكم الذي سماه ب"العقد" على أنه يلحقه فيه بعض اللوم إذ لم يجعل فضائل بلده واسطة عقده, ومناقب ملوكه يتيمة سلكه....".
وقد أورد ابن بسام فصولا من رد أبي المغيرة على القروي (5 ) قال في بعضها: "وأنا أعلم أن عندكم لنا تواليف تطيرون بها" ويقول ابن بسام إن أبا المغيرة خرج إلى التطويل, وختم رسالته بذكر جملة من تواليف أهل الأندلس" ( 6).
واطلع ابن حزم أبو محمد على رسالة ابن الربيب بعد وفاة صاحبها فكتب رسالته هذه في الرد عليها, والأرجح أن رسالة ابن الربيب حفزته إلى أن يضع رسالة مطولة في تاريخ الفكر الأندلسي فجاءت هذه الرسالة. ويذكر ابن الأبار ( 7) أن ابن حزم صنع هذه الرسالة لمحمد بن عبد الله بن أحمد الفهري, يمن الدولة, صاحب البونت (من أعمال بلنسية) وأطال الثناء عليه وعلى سلفه في الرسالة, وهذا واضح في الفقرة الثانية منها, ولا تعارض بين نا قاله ابن الأبار وقول الحميدي ( إنه خاطب بها صديقه أبا بكر ابن إسحاق , فالرسالة قد أدت الأمرين معا, وفي مطلعها: "أما بعد يا أخي يا أبا بكر...", وإنما وجهها إلى أبي بكر لأنه وجد في أحد أدراج مكتبته رسالة القروي موجهة إلى رجل أندلسي لم يعين باسمه, والخلاف بين ما يقوله ابن بسام (ثم المقري) وما يقوله ابن حزم أبو محمد واضح, ترى هل كان أبو محمد يجهل حقا الشخص الذي أرسلت إليه الرسالة ؟ ذلك ما لا ريب فيه, فلو عرفه لم يكن له غرض في إخفاء اسمه, ولا حاجة به إلى هجانبة الصدق أو إلى استعمال التقية, وتفسير هذا الخلاف أن أبا بكر محمد بن إسحاق كان يملك نسخة من رسالة القروي لم يذكر فيها عنوان الشخص الذي إليه أرسلت.
ولما كانت الرسالة قد ألفت باسم يمن الدولة صاحب البونت فلا بد من أن تكون قد كتبت في الفترة الواقعة بين 421 – 434 وهي الفترة التي تولى فيها يمن الدولة الحكم (9 ), وابن حزم لا يذكر له لقبا في رسالته, ولو كنا نعلم في أي عام انتحل ابن قاسم ذلك اللقب لكان تحديد تاريخ تلك الرسالة أدق.
وقد نثر الحميدي معظم فقرات هذه الرسالة في جدوة المقتبس موزعة على التراجم, ولذا يعد نص الجدوة هاما لمقارنته بالصورة التي أوردها المقري, وكنت استخرجت هذه الرسالة من نفح الطيب ونشرتها في كتابي "تاريخ الأدب الأندلسي – عصر سيادة قرطبة" (الطبعة الأولى 1960) ص 292-313, ثم نشرها الدكتور صلاح الدين المنجد مع رسالة الشقندي (وهي أيضا في نفح الطيب) تحت عنوان : فضائل الأندلس وأهلها (بيروت 196 وللأستاذ جعفر ماجد بحث حولها نشره في حوليات الجامعة التونسية عدد 13 (1976) بعنوان "رسالة ابن الربيب ورد ابن حزم".
وبعد أن يذكر ابن حزم السبب الذي حداه إلى كتابة الرسالة والثناء على من كتبت باسمه يتحدث عن فضائل الأندلس ويربطها بحديث أم حرام بنت ملحان ( وفيه بشر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأن المجاهدين في البحر كالملوك على الأسرة) ويبين أن قرطبة تقع بحسب قسمة الأقاليم مع سر من رأى ولذلك فإن حظ أهلها من الذكاء غير قليل بحسب التقديرات الفلكية. وإذا عاب عائب الأندلس أو قرطبة بقلة التآليف فإن ذلك لو صح لكان منطبقا على القيروان نفسها لأنه لم يؤلف فيها وفي بعض المدن الأفريقية الأخرى إلا محمد بن يوسف الوراق وهو أندلسي لأنه هاجر إلى الأندلس وإن نشأ بالقيروان وهنا يستطرد ابن حزم ليحدد مدلول لفظة "اندلسي" وعلى من تطلق فيرى أن الأندلسي سوى المقيم الذي يموت في بلده, هو كل شخص هاجر إلى الأندلس وأقام فيها ومات هنالك. مثل أبي علي القالي, فأما الأندلسي الذي غدر بلده ولم يعد إليه وتوفي في بلاد غريبة فإنه لا يعد أندلسيا مثل محمد بن هانئ.
ثم يعود ليعرض للكتب التي خلدت مآثر البلدان العريقة كبغداد والبصرة والكوفة فلا يجد منها إلا القليل فأما البلدان الأخرى مثل الجبال وخراسان وكرمان والسند والري... إلخ فيصرح ابن حزم بأنه لم ير فيها تآليف تخلد ذكر ملوكها وعلمائها وشعرائها, ولو وجد شيء من ذلك لوصل إلى الأندلس كما وصلت كتب من مؤلفات المشارقة وأهل المغرب.
ويقف ابن حزم وقفة غير قصيرة نسبيا من تنكر الأندلسيين للعالم المرموق فيهم, وكأنه يقدم لنا هنا حديثا ذاتيا عن المرء إذا تميز على نظرائه أو خالفهم في طريقتهم المعهودة, وكلا الأمرين يمثله ابن حزم.
وبعد ذلك يتولى الرد العلمي القائم على الإحصاء والتقييم فيتناول مؤلفات الأندلسيين التي تستحق أن تذكر وتكون موضع اعتزاز في العلوم المختلفة بحسب الترتيب التالي:
ثم ذكرها...
------------------------------------------
): فهرسة ابن خير : 226. (
): نفح الطيب 3/158-179. (
): ترجم له العمري في المسالك 11/319 نقلا عن الأنموذج لابن رشيق وسماه "الحسين" وقال: إن أصله من تاهرت وكان عارفا بالأدب وعلم النسب. قوي الكلام يتكلفه بعض تكلف. (
): أوردها المقري في النفح 3/156-158 وابن بسام 1/1/133 (
): الذخيرة 1/1/136 (
): المصدر نفسه : 139 (
): التكملة: 388. (
): الجذوة: 42. (
): أعمال الأعمال
قال الدكتور عبد الحليم عويس في كتابه "ابن حزم الأندلسي وجهوده في البحث"(ص238-239):
"كتب ابن حزم هذه الرسالة دفاعا عن "الأندلس" في مواجهة "المشارقة", وقد كان السبب في كتابتها –كما حكى لنا- أن ابن الربيب الحسن بن محمد القيرواني –المواطن- قد أرسل رسالة إلى أبي المغيرة عبد الوهاب ابن عم ابن حزم يعيب فيها على أهل الأندلس تقصيرهم في تخليد علمائهم ومأثر فضائلهم ( )
وقد اتخذ ابن حزم الأساس الفكري وسيلة للتفضيل, دون أن ينسى أن يضيف إلى ذلك خصائص قرطبة, وما قدمته الأندلس- بعامة- من نتاج علمي.
فالرسالة بهذا جزء من التاريخ الحضاري للأندلس. وقد كانت رائدة في الأندلس لفن المفاخرات وهو فن أبرز شعور الأندلسيين بالحب لوطنهم الذي تحيذ به المشكلات من أكثر من جهة, وعلى خطى رسالة ابن حزم هذه جاءت رسالة ابن سعيد الأندلسي التي تمثل تذييلا لرسالة ابن حزم, ثم أتت بعدها بقرنين رسالة إسماعيل بن محمد الشقندي المتوفى سنة 629هـ, فكانت تطورا جديدا في هذا الفن التاريخي."
قلت وهذه الرسالة التي أضعها هنا ضمن "رسائل الإمام ابن حزم"(2/171-18.
وقال الدكتور إحسان عباس
"رسالة في فضائل الأندلس وذكر رجالها.
هكذا أسماها ابن خير في فهرسته ( 1), كما سميت أحيانا "بيان فضل الأندلس وذكر علمائه", ولم أعثر على أصل مخطوط لها , وإنما أوردها المقري في نفح الطيب (3 ), وذكر أن الحسن بن محمد التميمي القيرواني المعروف بابن الربيب ( 2) كتب إلى أبي المغيرة ابن حزم (ابن عم الفقيه) رسالة ( 4) يذكر فيها تقصير أهل الأندلس في تخليد أخبار علمائهم ومآثر فضلائهم وسير ملوكهم ويقول فيها: " فإن قلت: إنه كان ذلك من علمائكم وألفو كتبا لكنها لم تصل إلينا فهذه دعوى لم يصحبها تحقيق لأنه ليس بيننا وبينكم إلا روحة راكب أو دلجة قارب, لو نفث ببلدكم مصدور, لأسمع ببلدنا من في القبور, فضلا عمن في الور والقصور, وتلقوا قوله بالقبول كما تلقوا ديوان ابن عبد ربه منكم الذي سماه ب"العقد" على أنه يلحقه فيه بعض اللوم إذ لم يجعل فضائل بلده واسطة عقده, ومناقب ملوكه يتيمة سلكه....".
وقد أورد ابن بسام فصولا من رد أبي المغيرة على القروي (5 ) قال في بعضها: "وأنا أعلم أن عندكم لنا تواليف تطيرون بها" ويقول ابن بسام إن أبا المغيرة خرج إلى التطويل, وختم رسالته بذكر جملة من تواليف أهل الأندلس" ( 6).
واطلع ابن حزم أبو محمد على رسالة ابن الربيب بعد وفاة صاحبها فكتب رسالته هذه في الرد عليها, والأرجح أن رسالة ابن الربيب حفزته إلى أن يضع رسالة مطولة في تاريخ الفكر الأندلسي فجاءت هذه الرسالة. ويذكر ابن الأبار ( 7) أن ابن حزم صنع هذه الرسالة لمحمد بن عبد الله بن أحمد الفهري, يمن الدولة, صاحب البونت (من أعمال بلنسية) وأطال الثناء عليه وعلى سلفه في الرسالة, وهذا واضح في الفقرة الثانية منها, ولا تعارض بين نا قاله ابن الأبار وقول الحميدي ( إنه خاطب بها صديقه أبا بكر ابن إسحاق , فالرسالة قد أدت الأمرين معا, وفي مطلعها: "أما بعد يا أخي يا أبا بكر...", وإنما وجهها إلى أبي بكر لأنه وجد في أحد أدراج مكتبته رسالة القروي موجهة إلى رجل أندلسي لم يعين باسمه, والخلاف بين ما يقوله ابن بسام (ثم المقري) وما يقوله ابن حزم أبو محمد واضح, ترى هل كان أبو محمد يجهل حقا الشخص الذي أرسلت إليه الرسالة ؟ ذلك ما لا ريب فيه, فلو عرفه لم يكن له غرض في إخفاء اسمه, ولا حاجة به إلى هجانبة الصدق أو إلى استعمال التقية, وتفسير هذا الخلاف أن أبا بكر محمد بن إسحاق كان يملك نسخة من رسالة القروي لم يذكر فيها عنوان الشخص الذي إليه أرسلت.
ولما كانت الرسالة قد ألفت باسم يمن الدولة صاحب البونت فلا بد من أن تكون قد كتبت في الفترة الواقعة بين 421 – 434 وهي الفترة التي تولى فيها يمن الدولة الحكم (9 ), وابن حزم لا يذكر له لقبا في رسالته, ولو كنا نعلم في أي عام انتحل ابن قاسم ذلك اللقب لكان تحديد تاريخ تلك الرسالة أدق.
وقد نثر الحميدي معظم فقرات هذه الرسالة في جدوة المقتبس موزعة على التراجم, ولذا يعد نص الجدوة هاما لمقارنته بالصورة التي أوردها المقري, وكنت استخرجت هذه الرسالة من نفح الطيب ونشرتها في كتابي "تاريخ الأدب الأندلسي – عصر سيادة قرطبة" (الطبعة الأولى 1960) ص 292-313, ثم نشرها الدكتور صلاح الدين المنجد مع رسالة الشقندي (وهي أيضا في نفح الطيب) تحت عنوان : فضائل الأندلس وأهلها (بيروت 196 وللأستاذ جعفر ماجد بحث حولها نشره في حوليات الجامعة التونسية عدد 13 (1976) بعنوان "رسالة ابن الربيب ورد ابن حزم".
وبعد أن يذكر ابن حزم السبب الذي حداه إلى كتابة الرسالة والثناء على من كتبت باسمه يتحدث عن فضائل الأندلس ويربطها بحديث أم حرام بنت ملحان ( وفيه بشر الرسول (صلى الله عليه وسلم) بأن المجاهدين في البحر كالملوك على الأسرة) ويبين أن قرطبة تقع بحسب قسمة الأقاليم مع سر من رأى ولذلك فإن حظ أهلها من الذكاء غير قليل بحسب التقديرات الفلكية. وإذا عاب عائب الأندلس أو قرطبة بقلة التآليف فإن ذلك لو صح لكان منطبقا على القيروان نفسها لأنه لم يؤلف فيها وفي بعض المدن الأفريقية الأخرى إلا محمد بن يوسف الوراق وهو أندلسي لأنه هاجر إلى الأندلس وإن نشأ بالقيروان وهنا يستطرد ابن حزم ليحدد مدلول لفظة "اندلسي" وعلى من تطلق فيرى أن الأندلسي سوى المقيم الذي يموت في بلده, هو كل شخص هاجر إلى الأندلس وأقام فيها ومات هنالك. مثل أبي علي القالي, فأما الأندلسي الذي غدر بلده ولم يعد إليه وتوفي في بلاد غريبة فإنه لا يعد أندلسيا مثل محمد بن هانئ.
ثم يعود ليعرض للكتب التي خلدت مآثر البلدان العريقة كبغداد والبصرة والكوفة فلا يجد منها إلا القليل فأما البلدان الأخرى مثل الجبال وخراسان وكرمان والسند والري... إلخ فيصرح ابن حزم بأنه لم ير فيها تآليف تخلد ذكر ملوكها وعلمائها وشعرائها, ولو وجد شيء من ذلك لوصل إلى الأندلس كما وصلت كتب من مؤلفات المشارقة وأهل المغرب.
ويقف ابن حزم وقفة غير قصيرة نسبيا من تنكر الأندلسيين للعالم المرموق فيهم, وكأنه يقدم لنا هنا حديثا ذاتيا عن المرء إذا تميز على نظرائه أو خالفهم في طريقتهم المعهودة, وكلا الأمرين يمثله ابن حزم.
وبعد ذلك يتولى الرد العلمي القائم على الإحصاء والتقييم فيتناول مؤلفات الأندلسيين التي تستحق أن تذكر وتكون موضع اعتزاز في العلوم المختلفة بحسب الترتيب التالي:
ثم ذكرها...
------------------------------------------
): فهرسة ابن خير : 226. (
): نفح الطيب 3/158-179. (
): ترجم له العمري في المسالك 11/319 نقلا عن الأنموذج لابن رشيق وسماه "الحسين" وقال: إن أصله من تاهرت وكان عارفا بالأدب وعلم النسب. قوي الكلام يتكلفه بعض تكلف. (
): أوردها المقري في النفح 3/156-158 وابن بسام 1/1/133 (
): الذخيرة 1/1/136 (
): المصدر نفسه : 139 (
): التكملة: 388. (
): الجذوة: 42. (
): أعمال الأعمال