محمد بن أحمد بن سهل بن نصر، أبو بكر الرَّمْلي الشهيد المعروف بابن النّابلسي. [المتوفى: 363 هـ]
حَدَّثَ عَنْ: سعيد بن هاشم الطبراني، ومحمد بن الحسن بن قُتَيْبة، ومحمد بن أحمد بن شَيْبان الرّملي.
وَعَنْهُ: تمّام الرّازي، والدَارقُطْنيّ، وعبد الوهاب المَيْداني، وعلي بن عمر الحلبي، وغيرهم.
قال أبو ذرّ الهَرَوي: سجنه بنو عُبَيْد وصلبوه على السنة. سمعت الدَارقُطْنيّ يذكره ويبكي ويقول: كان يقول وهو يُسْلخُ: " كان ذلك في الكتاب مسطوراً ".
وقال أبو الفرج ابن الْجَوْزي: أقام جوهر لأبي تميم صاحب مصر الزّاهد أبا بكر النّابلسي، وكان ينزل الأكواخ من الشام، فقال له: بلغنا أنك قلت: إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وَجَبَ أنْ يرمي في الرُّوم سهمًا وفينا تسعة، فقال: ما قلت هكذا، فظنّ أنّه يرجع عن قوله، فقال: كيف قلت؟ قال: قلت: إذا كان معه عشرة وَجَب أن يرميكم بتسعة، ويرمي العاشر فيكم أيضًا، فإنّكم قد غيرتم الملة، وقتلتم الصالحين، وادعيتم نور الإلهيّة. فشهّره ثم ضربه، ثم أمر يهوديًا فسلخه.
وقال هبة الله ابن الأكفاني: سنة ثلاثٍ وستين تُوُفّي العبد الصالح الزاهد أبو بكر ابن النّابلسي، كان يرى قتال المغاربة، يعني بني عُبَيْد، وكان قد هرب من الرَّمْلَة إلى دمشق، فقبض عليه متولّيها أبو محمود الكُتامي، وحبسه في رمضان، وجعله في قفص خشب، وأرسله إلى مصر، فلما وصلها قالوا له: أنت الذي قلت: لو أنّ معي عشرة أسهم لرميت تسعةً في المغاربة وواحدًا في الرّوم، فاعترف بذلك، فأمر أبو تميم بسلْخه فسُلخ، وحُشِي جلْده تبنًا، وصُلب.
وقال معمر بن أحمد بن زياد الصوفي: إنما حياة السنة بعلماء أهلها القائمين بنصرة الدين، الذين لا يخافون غير الله، ولو لم يكن من غُرْبة السنة إلّا ما كان من أمر أبي بكر النّابلسي لمّا ظهر المغربيّ بالشام واستولى عليها، وأظهر الدّعِوة إلى نفسه، قال: لو كان في يدي عشرة أسهم كنت أرمي الروم واحداً وإلى هذا الطاغي تسعة، فبلغ المغربيَّ مقالتُهُ، فدعاه وسأله، فقال: قد قلت ذلك لأنّك فعلتَ وفعلت، فأخبرني الثّقة أنّه سُلِخ من مفرِق رأسه حتى بلغ الوجه، فكان يذكر الله ويصبر، حتى بلغ الصدر، فرحمه السلاخ، فوكزه بالسكين في موضع القلب، فقضى عليه. وأخبرني الثّقة أنّه كان إمامًا في الحديث والفقه، صائم الدّهر، كبير الصَّوْلة عند الخاصّة والعامّة، ولما سلخ كان يسمع من جسده قراءة القرآن، فغلب المغربي بالشام وأظهر المذهب الرّديء، ودعا إليه، وأبطل التراويح وصلاة الضُّحَى، وأمر بالقُنوت في الظهر في المساجد، وقُتل النابلسيّ في سنة ثلاثٍ وستين، وكان نبيلًا جليلًا، رئيس الرملة، هرب إلى دمشق فأخذ منها، وبمصر سُلخ.
وقيل: إنّه لما أُدخِل مصر، قال له بعض الأشراف ممّن يعانده: الحمد لله على سلامتك! فقال: الحمد لله على سلامة ديني وسلامة دُنياك.
قلت: كانت محنة هؤلاء عظيمة على المسلمين، ولما استولوا على الشام هرب الصلحاء والفقراء من بيت المقدس، وأقام الزاهد أبو الفرج الطَّرَسُوسي بالأقصى، فخوّفوه منهم، فثبت، فدخلت المغاربة وعبثوا به، وقالوا: العن كيت وكيت، وسموا الصحابة، وهو يقول: لا إله إلا الله، سائر نهاره، وكفاه الله شرهم.
وذكر ابن السعساع المصري أنه رآه في النوم بعد ما قُتِل. وهو في أحسن هيئة. قال: فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال:
حباني مالكي بدوام عِزٍّ ... وواعدني بقرب الانتصارٍ
وقرّبني وأدْناني إليه ... وقال: انْعَمْ بعَيْش في جِوَارِي
تاريخ الاسلام للحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ) ص217 - 218
حَدَّثَ عَنْ: سعيد بن هاشم الطبراني، ومحمد بن الحسن بن قُتَيْبة، ومحمد بن أحمد بن شَيْبان الرّملي.
وَعَنْهُ: تمّام الرّازي، والدَارقُطْنيّ، وعبد الوهاب المَيْداني، وعلي بن عمر الحلبي، وغيرهم.
قال أبو ذرّ الهَرَوي: سجنه بنو عُبَيْد وصلبوه على السنة. سمعت الدَارقُطْنيّ يذكره ويبكي ويقول: كان يقول وهو يُسْلخُ: " كان ذلك في الكتاب مسطوراً ".
وقال أبو الفرج ابن الْجَوْزي: أقام جوهر لأبي تميم صاحب مصر الزّاهد أبا بكر النّابلسي، وكان ينزل الأكواخ من الشام، فقال له: بلغنا أنك قلت: إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وَجَبَ أنْ يرمي في الرُّوم سهمًا وفينا تسعة، فقال: ما قلت هكذا، فظنّ أنّه يرجع عن قوله، فقال: كيف قلت؟ قال: قلت: إذا كان معه عشرة وَجَب أن يرميكم بتسعة، ويرمي العاشر فيكم أيضًا، فإنّكم قد غيرتم الملة، وقتلتم الصالحين، وادعيتم نور الإلهيّة. فشهّره ثم ضربه، ثم أمر يهوديًا فسلخه.
وقال هبة الله ابن الأكفاني: سنة ثلاثٍ وستين تُوُفّي العبد الصالح الزاهد أبو بكر ابن النّابلسي، كان يرى قتال المغاربة، يعني بني عُبَيْد، وكان قد هرب من الرَّمْلَة إلى دمشق، فقبض عليه متولّيها أبو محمود الكُتامي، وحبسه في رمضان، وجعله في قفص خشب، وأرسله إلى مصر، فلما وصلها قالوا له: أنت الذي قلت: لو أنّ معي عشرة أسهم لرميت تسعةً في المغاربة وواحدًا في الرّوم، فاعترف بذلك، فأمر أبو تميم بسلْخه فسُلخ، وحُشِي جلْده تبنًا، وصُلب.
وقال معمر بن أحمد بن زياد الصوفي: إنما حياة السنة بعلماء أهلها القائمين بنصرة الدين، الذين لا يخافون غير الله، ولو لم يكن من غُرْبة السنة إلّا ما كان من أمر أبي بكر النّابلسي لمّا ظهر المغربيّ بالشام واستولى عليها، وأظهر الدّعِوة إلى نفسه، قال: لو كان في يدي عشرة أسهم كنت أرمي الروم واحداً وإلى هذا الطاغي تسعة، فبلغ المغربيَّ مقالتُهُ، فدعاه وسأله، فقال: قد قلت ذلك لأنّك فعلتَ وفعلت، فأخبرني الثّقة أنّه سُلِخ من مفرِق رأسه حتى بلغ الوجه، فكان يذكر الله ويصبر، حتى بلغ الصدر، فرحمه السلاخ، فوكزه بالسكين في موضع القلب، فقضى عليه. وأخبرني الثّقة أنّه كان إمامًا في الحديث والفقه، صائم الدّهر، كبير الصَّوْلة عند الخاصّة والعامّة، ولما سلخ كان يسمع من جسده قراءة القرآن، فغلب المغربي بالشام وأظهر المذهب الرّديء، ودعا إليه، وأبطل التراويح وصلاة الضُّحَى، وأمر بالقُنوت في الظهر في المساجد، وقُتل النابلسيّ في سنة ثلاثٍ وستين، وكان نبيلًا جليلًا، رئيس الرملة، هرب إلى دمشق فأخذ منها، وبمصر سُلخ.
وقيل: إنّه لما أُدخِل مصر، قال له بعض الأشراف ممّن يعانده: الحمد لله على سلامتك! فقال: الحمد لله على سلامة ديني وسلامة دُنياك.
قلت: كانت محنة هؤلاء عظيمة على المسلمين، ولما استولوا على الشام هرب الصلحاء والفقراء من بيت المقدس، وأقام الزاهد أبو الفرج الطَّرَسُوسي بالأقصى، فخوّفوه منهم، فثبت، فدخلت المغاربة وعبثوا به، وقالوا: العن كيت وكيت، وسموا الصحابة، وهو يقول: لا إله إلا الله، سائر نهاره، وكفاه الله شرهم.
وذكر ابن السعساع المصري أنه رآه في النوم بعد ما قُتِل. وهو في أحسن هيئة. قال: فقلت: ما فعل الله بك؟ فقال:
حباني مالكي بدوام عِزٍّ ... وواعدني بقرب الانتصارٍ
وقرّبني وأدْناني إليه ... وقال: انْعَمْ بعَيْش في جِوَارِي
تاريخ الاسلام للحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قَايْماز الذهبي (المتوفى: 748هـ) ص217 - 218