وبعد : فهذه ترجمة مختصرة لفضيلة الشيخ :
عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الرحمن العنقري رحمه الله.
هو : الشيخ عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن سليمان بن ناصر بن إبراهيم بن خنفر العنقري
ويقال لعشيرته الأدنين ( آل عبد الرحمن ) , نسبه إلى جده ( عبد الرحمن بن محمد ) وآل عناقر عشيرة كبيرة من بني سعد بن زيد مناه أحد البطون الكبار في قبيلة تميم الشهيرة . ولد المترجم في بلدة - ثرامداء - إحدى بلدان الوشم وهي بلدة بني سعد الذين منهم العناقر من قديم الزمان . قال ياقوت : ( ثرمداء ماء لبني سعد في وادي الستارين ) . وقال نصر : ( ثرمداء موضع بالوشم بناحية اليمامة وهو خير موضع بناحية اليمامة وهو خير موضع بالوشم ) . ا هـ . وقال البكري : ( ثرمداء قرية بالوشم وإليها تنتهي أوديته جمعاء ) . وهي لا تزال كما وصفها العلماء تقع من شقراء عاصمة الوشم من الناحية الجنوبية بنحو ثلاثين كيلو وشملتها نهضة المملكة العربية السعودية فأصبحت الآن مدينة كبيرة فيها معالم الحياة الحديثة ومرافقها .
ومن هذه البلدان تفرق العناصر في بلدان نجد ومن أشهر بطونهم آل معمر الذين أمراء مدينة العيينة وما حولها ثم أنفرض حكمهم لا يزالون أسرة مشهورة في نجد كما أن من الأسر الشهيرة من العناقر ( آل شبلي ) سكان مدينة عنيزة ومن العناقر آل أبو عليان صاروا رؤساء مدينة بريدة في القصيم ولا تزال بقاياهم في نجد ولكن رؤساء بلد ثرمداء حتى الآن هم عشيرة الشيخ المترجم . ومن أقرب الأسر النجدية إلى عشيرة المترجم أصحاب المحلات التجارية في العراق والكويت والهند المعرفون ب ( آل إبراهيم ) والذين زعيمهم ( يوسف آل إبراهيم ) الذي قاوم الشيخ مبارك آل صباح في قصة معروفة فالشيخ يوسف هذا ابن عبد الله بن عيسى بن محمد بن إبراهيم بن ريمان بن إبراهيم وهنا يجتمع نسبة بنسب الشيخ المترجم .
ولد المترجم في بلدة ثرمداء عام 1290 هـ وقتل والده وله من العمر سنتان فنشأ في حجر والدته وأعمامه ولما بلغ السابعة من عمرة أصيب بالجداري ففقد بصره فعطفت عليه الكبرى من عماته وجعلته عند مقرئ في بلدتهم يقال له ( عبد الله بن ماجد ) كي يحفظه القرآن , كما اختارت له إمام البلدة أيضا ( حمد بن شعيل ) ليدرسه في مختصرات التوحيد والفقه حتى صار لديه مبادئ في العلوم الشرعية طيبة . ولما بلغ السادسة عشر من عمره سافر إلى الرياض حيث العلماء الكبار فشرع في القراءة على العلامة الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف بكتب الشيخ محمد بن عبد الوهاب ورسائله وبالتفسير والحديث وأصولها كما أخذ الحديث على الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن والفقه على الشيخ محمد بن محمود والنحو واللغة العربية على الشيخ حمد بن فارس , وصار يترد بين بلدته ومدينة الرياض فيقضي الخريف والشتاء عند والدته في بلدة والربيع والصيف في الرياض للقراءة ومكث على هذه الحال أحد عشر عاما وكان مجدا مجتهدا في دروسه وتعلمه كما أنه موضع العناية من مشايخه لما توسموا فيه من الذكاء وما رأوا فيه من الإقبال .
هذا , وله في أول حياته مرائي تبشر بالخير نذكر بعضا منها , مما حدث به أخوه لأمه محمد العنقري فقد ذكر الشيخ أنه كان يمشي في سوق الحسينية في بلد ثرمداء فقابلة صفوة الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ومعه قدح مملوءة حليبا فناوله إياه وقال صلى الله عليه وسلم له : اشرب فشرب نصفه فألح عليه أن يشرب الباقي فشربة وقد أول هذه الرؤيا بالعلم الذي تعلمه وتضلع منه . كما ذكرنا أنه اجتمع بالرؤيا مع الإمام أحمد رحمه الله وقرأ عليه شيئا من الفقه والحديث واجتمع بشيخ الإسلام ودرس عليه كذلك في الرؤيا وله من المرائي المبشرة الشيء الكثير .
وفي هذه الفترة من زمن طلبة للعلم توفى إمام مسجد بلدتهم ثرمداء حمد بن شعيل عام 1321 هـ فتعين بدله إماما في المسجد ومدرسا في مبادئ العلوم وأسندوا إليه مهمة الأمر بالمعرف وإجراء عقود الأنكحة وكتابة وثائق عقود المبايعات والإجارات في هذه البلدة . فلما استولى الملك عبد العزيز على بلده المجمعة ومقاطعة سدير أتى به وعينه قاضيا لتلك المقاطعة فصار يتنقل في عمله بين بلدان سدير الكبار فتارة في المجمعة وتارة في الروضة وأخرى في الحوطة ومرة في جلاجل ثم تلك المقاطعة بلدانا أخرى كالزلفي ومبايض والإرطاوية فقام بها , حتى عين لهذه البلدان الزائدة على عمله قضاة . وفي عام 1340 هـ , لما تجمعت بعض قبائل مطير وحرب وشمر وعتيبة وسبيع تحت قيادة فيصل بن سلطان الدويش واعتدوا على الأمير دعيج بن صباح والقبائل التابعة لابن صباح أمير الكويت في موارد مياه يقال لها ( حمض ) وكان بين الملك عبد العزيز - رحمه الله وابن صباح صداقة قديمة ومودة أصلية ومعاهدة حديثة أيضا على عدم اعتداء طرف على آخر إلا أن الدويش حمل الطمع على غزو ابن صباح وقبائله فغصب الملك عبد العزيز من هذا الاعتداء وأرسل الشيخ عبد الله العنقري والشيخ محمد بن عبد للطيف لإبلاغ الدويش بالعلاقات التي بين ابن سعود وابن صباح ويأمرانه بالكف عن الغارات على الكويت أو على ما هو تابع لآل الصباح وأن يرد ما أخذه منهم , فنجحت سفارة الشيخين وتم المقصود من ذلك . وكذلك لما اشتدت صولة الإخوان في عام 1347 هـ , تلك الصولة الهمجية التي لا تستند إلى عقل ولا شرع وإنما هي من تحريض بعض أعداء المسلمين , عمل الملك عبد العزيز - رحمه الله تعالى – جميع الوسائل السليمة الحكمية معهم ومن جملتها أن بعث هذا العالم الكبير العاقل الفاهم لأمور الدين والدنيا قد استطار فلم تنجح مساعيه فخمدت الفتنة بتأديبهم حتى عادوا إلى الصواب . وقام المترجم بأمور هامة كثيرة جداً في مجال السلم والحرب والصلح العام , وإسناد هذه الأمور الهامة إليه تدل على ما له من كمال الثقة من الملك عبد العزيز - رحمه الله - الذي يزن الرجال ويعرف أقدارهم وكمال الثقة من متشاريه من رجال الدين ورجال السياسة الذين وجدوا طلبتهم في هذا الرجل العاقل كما تدل على ما يتحلى به من خلق كريم وسياسة رشيدة وعقل راجح ونظر بعيد وعلم واسع . وقال عنه الشيخ محمد بن مانع مدير المعارف سابقاً :( هو العلامة المحدث الفقيه النحوي الشيخ عبد الله العنقري نشأ نشأة صالحة على محبة العلم والرغبة الشديدة في طلبه وتحقيقه والعمل به وجمع كتبه , حتى صار عنده مكتبة من أنفس المكتبات لاشتمالها على الكتب الخطية النادرة وقد أخذ العلم عن جماعة من علماء نجد , منهم الشيخ إسحاق بن عبد الرحمن آل الشيخ , وكان يسميه صاحب العمدتين عمدة الحديث للشيخ عبد الغني وعمدة الفقه للشيخ الموفق بن قدامه لأن هاتين العمدتين من محفوظاته , وكانت له عناية شديدة بالفقه الحنبلي فصار له آثار حميدة في التحقيق والتدقيق فقام بالتدريس والتأليف وكتابة الفتاوى المحررة التي سلك فيها مسلك التحقيق من ذكر الدليل والتعليل والترجيح لمارجحة الدليل من أقوال المجتهدين وقد ألف حاشية على الروض المربع وجمع بين حاشيتي المقنع المنسوبتين إلى العلامة الشيخ سليمان بن عبد الله آل الشيخ وهما تحت الطبع مع المقنع , وله تعاليق على نونية ابن القيم ) .
أما نشاطه العلمي فإنه مع الأعمال التي قام بها شغل أوقاته كلها في العلم مطالعة ومراجعة وبحثا وتدريسا للطلاب فقد قرأ عليه العدد الكبير من أهل العلم وتخرج عليه كثير من العلماء وانتفعوا به
وإليك بعض مشاهير تلاميذه :
1 – الشيخ عبد الله بن زاحم , رئيس محاكم المدينة المنورة سابقا .
2 - الشيخ عبد العزيز بن صالخ رئيس محاكم المدينة المنورة وخطيب المسجد النبوي .
3 – الشيخ محمد الخيال , رئيس محاكم الإحساء سابقا .
4 - الشيخ عثمان إبراهيم الحقيل رئيس محاكم المنطقة الشرقية .
5 – الشيخ محمد بن علي البيز , رئيس المحكمة الكبرى بالطائف .
6 –الشيخ عبد الرحمن الدهيش قاضي محكمة قبة .
7 – الشيخ إبراهيم بن عبد العزيز السويح قاضي المقاطعة الشمالية ومؤلف : ( بيان الهدى والضلال على صاحب الأغلال
8 - الشيخ حمد الحقيل رئيس محكمة الخرج .
9 - الشيخ حمد بن مزيد .
10 – الشيخ سليمان بن جمهور .
11 – الشيخ عثمان بن ركبان .
12 – الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله الجفن .
13- الشيخ عبد الله بن نوح .
14 – الشيخ حمد بن إبراهيم الخليل .
15 – الشيخ إبراهيم بن محمد الثميري .
16 – الشيخ أحمد السلمان .
17 – الشيخ عبد العزيز بن ربيعة أحد أعضاء محكمة التمييز .
18 - الشيخ عثمان بن عبد الله بن عتيق , قاضي المحكمة المستعجلة الثانية بالطائف .
19 - الشيخ سليمان بن حمدان المدارس في المسجد الحرام .
20 – الشيخ محمد بن علي التويجري ؛ أحد قضاة مستعجلة مكة المكرمة .
21 – الشيخ حمود بن عبد الله التويجري , صاحب المؤلفات المعروفة .
22 – الشيخ محمد بن عبد المحسن العنقري .
23 – الشيخ ناصر بن جعوان .
24 – الشيخ حمد المزيد .
25- الشيخ عبد الله الصانع .
26 – الشيخ عبد العزيز الثميري قاضي ابها .
27- الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن حمود التويجري .
28 – الشيخ حمد بن عبد الكريم بن شبان .
29 – الشيخ أحمد الصائغ .
30 – الأستاذ الشيخ عثمان بن ناصر الصالح .
وغير هؤلاء كثير من رجال العلم والقضاء .
من آثار الشيخ العلمية :
أما آثاره التي خلفها فمنها :
1- حاشية على شرح الزاد , جمعها من كلام العلماء وبعض تقاريره وقد طبعت وغالبها منقول من حاشية عبد الوهاب بن فيروز , وبعد أن وقف النقل عن حاشية ابن فيروز في باب الشركة حيث وقف قلم ابن فيروز قلت الفائدة في حاشية العنقري .
2 – تعليقات على النونية لابن القيم لا تزال مخطوطة .
3 – رسائل وأجوبة على أسئلة فقهية مفرقة في الرسائل والمسائل النجدية والدرر النسبية .
4 – كان كتاب المغني في الفقه للإمام ابن قدامه غير موجود كاملاً في نجد فسعى في جميع أجزائه منكل بلد ومن عند كل عالم , وحتى تم من ذلك نسخة كاملة فأمر نخبة من لأب العلم وأصحاب الخطوط الجميلة منهم الشيخ محمد أبيز والشيخ سليمان بن حمدان وعبد الله الدهيش , فاستحسنوا من نسخة كاملة فلما تم نسخها بعث النسخة إلى جلالة الملك عبد العزيز مع أخيه لأمة الشيخ محمد بن عبد المحسن العنقري ففرح بها الملك عبد العزيز وأمر بطبعها مع الشرح الكبير فطبعت بمطبعة المنار ووجود كتاب المغني عند العلماء غنيمة كبيرة فإنه لا يستغني عنه .
5 – جمع مكتبة كبيرة حافلة بنفائس المخطوطات , وحلفها بعده , وأظنها لا تزال عند أبنائه .
رحم الله الشيخ ، ونفع المسلمين بعلمه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
منقول
تعليق