قصة يحكيها الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله عن شيخه محمد حامد الفقي فيقول:
قلت للشيخ: يا شيخ أنا عندي سؤال؟
فقال: ما هو سؤالك يا ولدي؟
فقلتُ لهُ: كيفَ صرتَ موحداً وأنت درست في الأزهر؟ (وأنا أريدُ أن أستفيد والناس يسمعون)
فقال الشيخ: والله إن سؤالك وجيه.
قال: أنا درست في جـامعة الأزهر ، ودرست عقيدة المتكلمين التي يدرِّسونَها ، وأخذت شهادة الليسانس ... وذهبت إلى بلدي لكي يفرحون بنجاحي ...
وفي الطريق مررتُ على فلاّح يفلح الأرض ، ولما وصلت عندَه .. قال: يا ولدي اجلس على الدكّة .. وكان عندهُ دكة إذا انتهى من العمل يجلس عليها ، وجلستُ على الدكة وهو يشتغل ، ووجدت بجانبي على طرفِ الدكة كتــاب ، فأخذت الكتـاب ونظرت إليه ... فإذا هو كتـاب ((اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية)) لابن القيم ؛ فأخذت الكتــاب أتسلى به ، ولما رآني أخذت الكتــاب وبدأت أقرأ فيه .. تأخر عني ... حتى قدّر من الوقت الذي آخذ فيه فكرة عن الكتــاب .
وبعد فترة من الوقت وهو يعمل في حقلِهِ وأنا أقرأ في الكتاب جاء الفلاّح وقال:
السلام عليكم يا ولدي ، كيف حالك؟ ومن أين جئت؟ فأجبتهُ عن سؤالهِ.
فقال لي: والله أنت شاطر، لأنك تدرجت في طلبِ العلم حتى توصلت إلى هذه المرحلة ؛ ولكن يا ولدي أنا عندي وصية.
فقلتُ: ما هي؟
قال الفلاّح: أنت عندك شهادة تعيشك في كل الدنيا في أوربا في أمريكا ، في أيِّ مكان. ولكنها ما علمتك الشيء الذي يجب أن تتعلمه أولاً.
قلتُ: ما هو؟!
قال: ما علمتك التوحيد!
قُلتُ لهُ: التوحيــد!!
قال الفلاّح: توحيـــد السلــــف.
قلتُ لهُ: وما هو توحيد السلــف؟!!
قال لهُ: انظر كيف عرف الفلاّح الذي أمامَك توحيـد السلـف.
هذه هي الكتب:
كتــاب "السنـــة" للإمام أحمد الكبير.
وكتـاب "السنــة" للإمام أحمد الصغير.
وكتـاب "التوحيد" لابن خزيمة.
وكتـاب "خلق أفعال العباد" للبخاري.
وكتـاب "اعتقاد أهل السنة" للحافظ اللالكائي.
وعدَّ لهُ كثيراً من كتب التوحيد.
وذكر الفلاّح كتب التوحيد للمتأخرين.
وبعد ذلك كتب شيخ الإســلام ابن تيمية وابن القِّيم.
وقال لهُ: أنــا أدلك على هذه الكتب إذا وصلت إلى قريتك ورأوك وفرحوا بنجاحك .. لا تتأخر ارجع رأساً إلى القاهرة .. فإذا وصلت القاهرة .. ادخل (دار الكتب المصرية) ستجد كل هذه الكتب التي ذكرتُها كلها فيها ..ولكنها مكدّسٌ عليها الغبار .. وأنا أريدك تنفض ما عليها من الغبار وتنشرها.
ثم إنني استوقفت الشيخ وسألتُهُ: كيــف عرف الفلاّح كل ذلك؟!
قال الشيخ حامد: لقد عرفَهُ من أُستاذِهِ (الرمال) .. هل تسمعون بـ (الرمال)؟
قلتُ لهُ: أنا لا أعرف (الرمَّال) هذا .. ما هي قصتُهُ؟
قال: (الرمَّال) كان يفتش عن كتب سلفه .. ولما وجد ما وجد منها .. بدأ بجمع العمال والكنّاسين .. وقام يُدرّس لهم .. وكان لا يُسمح لهُ أن يُدرسَ علانيــة .. وكان من جُملَتِهم هذا الفلاّح .. وهذا الفلاّح يصلح أن يكون إماماً من الأئمة .. ولكنهُ هناك في الفلاحة .. فمن الذي يصلح أن يتعلم؟!
ولكن ما زال الخيرُ موجوداً في كُلّ بلدٍ حتى تقوم الساعـة.
المرجع: المجموع للشيخ حماد الأنصـاري (1/294-297)
-----------------------
منقول
تعليق