بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت في أحد المنتديات سبب تسمية الجزائر بهذا الاسم، وأنها سميت كذلك بسبب بعض الجزر التي كانت مقابلة لها في عرض البحر، فقلت لابد أن يكون الشيخ العلامة المبارك الميلي قد ذكرها في كتابه القيم "تاريخ الجزائر في القديم والحديث"، وحتى لا أطيل علكيم، أنقل لكم هنا مختصرات تتكلم حول تسميات الجزائر المختلفة وسببها:
أما عن قصة الجزر وأين هي الآن فهذه حكايتها:
أما مدينة الجزائر فقد سلمت إلى الإسبان أحد جزرها الواقعة داخل الميناء، وفي هذه الجزيرة بنى "يبدرو نافارو" أحد القراصنة الإسبان حصنا نصب به المدافع الموجهة أفواهها إلى المدينة الواقعة على بعد ثلاثمائة متر، وكان هذا الحصن مصدر إعتداءات مستمرة ضد سكان المدينة، كما كان بمثابة سيف ديموقليس يتهددها في كل آونة.
ولتفسير قصة تسليم هذه الجزيرة إلى بيدرو نافارو يجب أن نرجع قليلا إلى الوراء، إلى سنة 1438م، عندما أغتال سكان الجزائر ملكهم الجديد، ووضعوا أنفسهم تحت حماية الثعالبة الذين كانوا يحتلون القسم الأكبر من سهول متيجة، ففي ذلك الحين أقامت مدينة الجزائر نوعا من الإدارة البلدية، أو نظام الجماعة، وكان أول رئيس جماعة باشر تسيير شرون المدينة هو الشيخ "عبد الرحمن الثعالبي"
لكن بعد موت الشيخ عبد الرحمن الثعالبي، انتقلت السلطة من الثعالبية إلى منافسيهم أولاد سالم، وقد كانت إدارة أولاد سالم شديدة الوطأة على سكان مدينة الجزائر إلى درجة انهم فكروا في استجلاب الإسبان على أمل أن يقف الإسبان عند حدود الجزيرة، فيتقوا بذلك شرهم ويتجنبوا إحتلالهم للمدينة، وعلى أمل أن يكون ذلك كافيا في تخفيف وطأة حكم أولاد سالم المتمثل في الشيخ سالم التومي الذي كان يحكم مدينة الجزائر حكما إستبداديا قاسيا.
لكن هذا الأمل لم يتحقق، فقد إستمر الشيخ سالم التومي يقبض على المدينة بيد من حديد، بل قد انضاف إلى حكمه القاسي، تهديد مستمر للمدينة من طرف الحصن الإسباني المواجه للميناء.
حينذاك فكر سكان الجزائر في حيلة للتخلص من الشيخ سالم التومي، فراسلوا عروج يستنجدونه ويعلنون له عزمهم على تسليمه قيادة الجهاد، لكن سالم التومي عارضهم في ذلك، لأنه كان يعرف أن ذلك يعني نهاية حكمه، إلا أنه إضطر إلى القبول في نهاية الأمر تحت ضغط الرأي العام الذي كان يطالب بطرد المسيحيين وتخليص المدينة من تهديد الإسبان.
....
عندما دخل عروج إلى الجزائر إستقبله الشيخ سالم التومي وسكان المدينة إستقبال الفاتحين، وسارع عروج بنصب عدد من المدافع اتجاه المعقل الاسباني، وبعث إلى قائد الحامية الإسبانية يأمره بالإستسلام، لكن القائد الإسباني رفض الإستسلام، فأطلق عروج نيران مدفعيته على المعقل الإسباني، إلا أن ضعف مدفعيته لم تمكنه من تحقيق الانتصار المنتظر.
....
بعد ذلك جرت حوادث يطول ذكرها وقتل عروج وجاء مكانه خير الدين، وحكم الجزائر بعد معارك كثيرة مع الإسبان ومع غيرهم، ومن رجع إلى المرجع المذكور يجد تفصيل ذلك...
نكمل قصة الجزيرة
بعد أن بسط خير الدين سلطانه على مدينة الجزائر وعدة مناطق داخلية، فكر في التخلص من حصن الجزيرة الاسباني المقام على مدخل مدينة الجزائر (برج الفنار) لأن هذه القعلة الإسبانية تعتبر سبة لخير الدين الذي إشتهر بعداوته للإسبان، كما تمثل نيلا من سلطانه، يضاف إلى هذين الاعتبارين أن خير الدين كان في حاجة إلى ميناء تلتجئ إليه السفن وتتمون فيه البواخر ويشكل في نفس الوقت منطقا قويا للسيطرة على البحر الأبيض المتوسط، وقد أدرك خير الدين بناقد عبقريته وحنكته السياسية والعسكرية أن مدينة الجزائر خير المواقع الموجودة في متناوله لأداء هذه المهمة.
وقد كان حاكم برج الفنار الاسباني ضابطا محنكا إسمه دون مارتان دي قارقاس وطان قد إستشعر بالخطر الذي يهدده من جراء عودة خير الدين إلى مدينة الجزائر، فأرسل إلى إسبانيا بطلب المدد والذخيرة.
وشرع خير الدين في توجيه هجوماته ضد القعلة مع بداية ماي 1529 ووضع مدفعين تجاه الحصن وراح يقنبله طيلة عشرين يوما متتالية.
وحاولت الحامية الإسبانية أن تصمد أمام هذه الهجمات لكن دون جدوى، فلم ينجح (ولعله لم ينج) جندي إسباني واحد من الإصابة بجروح، وتمكن خير الدين يوم 27 ماي من فتح فجوة في القلعة، فأستغل خير الدين ذلك وهجم على الحصن، وحدثت معركة رهيبة استمرت يوما كاملا، دخل على إثرها أيناء الجزائر إلى برج الفنار، وبعد هذا الانتصار بادر خير الدين بربط الجزر الصغيرة الواقعة أمام ميناء الجزائر ببعضها وبنى المرسى لحماية الميناء من رياح الشمال والشمال الغربي، فأصبح ميناء الجزائر مأوى للسفن تستطيع أن تطمئن فيه وأن تتحدى منه العواصف وبفضل ذلك استطاع الأتراك والجزائريون أن يتحكموا في حوض البحر الأبيض المتوسط مدة طويلة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت في أحد المنتديات سبب تسمية الجزائر بهذا الاسم، وأنها سميت كذلك بسبب بعض الجزر التي كانت مقابلة لها في عرض البحر، فقلت لابد أن يكون الشيخ العلامة المبارك الميلي قد ذكرها في كتابه القيم "تاريخ الجزائر في القديم والحديث"، وحتى لا أطيل علكيم، أنقل لكم هنا مختصرات تتكلم حول تسميات الجزائر المختلفة وسببها:
أرجيل: كانت مدينة الجزائر تدعى في عهد البربر بإسم "أرجيل" ومعناها المكان المغطي أو العميق.
أقسيون : وقد عرفت في عهد اليونان بإسم يوناني هو "أقسيون" وهي كلمة مشتقة من الكلمة اليونانية "ايقوسي" وهي تعني "عشرين"، وقد أطلق عليها اليونان هذا الإسم بسبب الجزر والصخور العشرين التي كانت موجودة عند مدخلها.
وتقول أسطورة يونانية أن إسم "اقسيون" مرجعه إلى أن عشرين من رفاق هرقل أنفصلوا عنه عندما أراد أن يمتطي البحر عائدًا إلى اليونان، وإستقروا في هذه المنطقة التي أبحر منها هرقل، وهي مكان مدينة الجزائر، ولما لم ينجح أحد منهم في إقناع الآخرين بإطلاق إسمه على هذا المكان سموه برقم عشرين الذي هو عددهم.
أقسيوم أو إيكوسيوم : وبعد ذلك حول الرومان هذا الاسم إلى "أقسيوم" حسبما تقتضيه اللهجة اللاتينية.
"جزائر بني مزغنة" أو "الجزائر": وفي هذا المكان استقرت خلال القرن الثامن الميلادي قبيلة مزغنة المتفرعة عن صنهاجة التي كانت تحتل المناطق البحرية الممتدة من القبائل الكبرى إلى مصب نهر الشلف.
وتطور العمران شيئا فشيئا بمدينة أقوسيوم التي أصبحت بعد إستيطان قبيلة مزغنة بها تدعى "جزائر بني مزغنة".وتطورت التسمية بعد ذلك إلى أن أصبحت تدعى "الجزائر".
أقسيون : وقد عرفت في عهد اليونان بإسم يوناني هو "أقسيون" وهي كلمة مشتقة من الكلمة اليونانية "ايقوسي" وهي تعني "عشرين"، وقد أطلق عليها اليونان هذا الإسم بسبب الجزر والصخور العشرين التي كانت موجودة عند مدخلها.
وتقول أسطورة يونانية أن إسم "اقسيون" مرجعه إلى أن عشرين من رفاق هرقل أنفصلوا عنه عندما أراد أن يمتطي البحر عائدًا إلى اليونان، وإستقروا في هذه المنطقة التي أبحر منها هرقل، وهي مكان مدينة الجزائر، ولما لم ينجح أحد منهم في إقناع الآخرين بإطلاق إسمه على هذا المكان سموه برقم عشرين الذي هو عددهم.
أقسيوم أو إيكوسيوم : وبعد ذلك حول الرومان هذا الاسم إلى "أقسيوم" حسبما تقتضيه اللهجة اللاتينية.
"جزائر بني مزغنة" أو "الجزائر": وفي هذا المكان استقرت خلال القرن الثامن الميلادي قبيلة مزغنة المتفرعة عن صنهاجة التي كانت تحتل المناطق البحرية الممتدة من القبائل الكبرى إلى مصب نهر الشلف.
وتطور العمران شيئا فشيئا بمدينة أقوسيوم التي أصبحت بعد إستيطان قبيلة مزغنة بها تدعى "جزائر بني مزغنة".وتطورت التسمية بعد ذلك إلى أن أصبحت تدعى "الجزائر".
أما عن قصة الجزر وأين هي الآن فهذه حكايتها:
أما مدينة الجزائر فقد سلمت إلى الإسبان أحد جزرها الواقعة داخل الميناء، وفي هذه الجزيرة بنى "يبدرو نافارو" أحد القراصنة الإسبان حصنا نصب به المدافع الموجهة أفواهها إلى المدينة الواقعة على بعد ثلاثمائة متر، وكان هذا الحصن مصدر إعتداءات مستمرة ضد سكان المدينة، كما كان بمثابة سيف ديموقليس يتهددها في كل آونة.
ولتفسير قصة تسليم هذه الجزيرة إلى بيدرو نافارو يجب أن نرجع قليلا إلى الوراء، إلى سنة 1438م، عندما أغتال سكان الجزائر ملكهم الجديد، ووضعوا أنفسهم تحت حماية الثعالبة الذين كانوا يحتلون القسم الأكبر من سهول متيجة، ففي ذلك الحين أقامت مدينة الجزائر نوعا من الإدارة البلدية، أو نظام الجماعة، وكان أول رئيس جماعة باشر تسيير شرون المدينة هو الشيخ "عبد الرحمن الثعالبي"
لكن بعد موت الشيخ عبد الرحمن الثعالبي، انتقلت السلطة من الثعالبية إلى منافسيهم أولاد سالم، وقد كانت إدارة أولاد سالم شديدة الوطأة على سكان مدينة الجزائر إلى درجة انهم فكروا في استجلاب الإسبان على أمل أن يقف الإسبان عند حدود الجزيرة، فيتقوا بذلك شرهم ويتجنبوا إحتلالهم للمدينة، وعلى أمل أن يكون ذلك كافيا في تخفيف وطأة حكم أولاد سالم المتمثل في الشيخ سالم التومي الذي كان يحكم مدينة الجزائر حكما إستبداديا قاسيا.
لكن هذا الأمل لم يتحقق، فقد إستمر الشيخ سالم التومي يقبض على المدينة بيد من حديد، بل قد انضاف إلى حكمه القاسي، تهديد مستمر للمدينة من طرف الحصن الإسباني المواجه للميناء.
حينذاك فكر سكان الجزائر في حيلة للتخلص من الشيخ سالم التومي، فراسلوا عروج يستنجدونه ويعلنون له عزمهم على تسليمه قيادة الجهاد، لكن سالم التومي عارضهم في ذلك، لأنه كان يعرف أن ذلك يعني نهاية حكمه، إلا أنه إضطر إلى القبول في نهاية الأمر تحت ضغط الرأي العام الذي كان يطالب بطرد المسيحيين وتخليص المدينة من تهديد الإسبان.
....
عندما دخل عروج إلى الجزائر إستقبله الشيخ سالم التومي وسكان المدينة إستقبال الفاتحين، وسارع عروج بنصب عدد من المدافع اتجاه المعقل الاسباني، وبعث إلى قائد الحامية الإسبانية يأمره بالإستسلام، لكن القائد الإسباني رفض الإستسلام، فأطلق عروج نيران مدفعيته على المعقل الإسباني، إلا أن ضعف مدفعيته لم تمكنه من تحقيق الانتصار المنتظر.
....
بعد ذلك جرت حوادث يطول ذكرها وقتل عروج وجاء مكانه خير الدين، وحكم الجزائر بعد معارك كثيرة مع الإسبان ومع غيرهم، ومن رجع إلى المرجع المذكور يجد تفصيل ذلك...
نكمل قصة الجزيرة
بعد أن بسط خير الدين سلطانه على مدينة الجزائر وعدة مناطق داخلية، فكر في التخلص من حصن الجزيرة الاسباني المقام على مدخل مدينة الجزائر (برج الفنار) لأن هذه القعلة الإسبانية تعتبر سبة لخير الدين الذي إشتهر بعداوته للإسبان، كما تمثل نيلا من سلطانه، يضاف إلى هذين الاعتبارين أن خير الدين كان في حاجة إلى ميناء تلتجئ إليه السفن وتتمون فيه البواخر ويشكل في نفس الوقت منطقا قويا للسيطرة على البحر الأبيض المتوسط، وقد أدرك خير الدين بناقد عبقريته وحنكته السياسية والعسكرية أن مدينة الجزائر خير المواقع الموجودة في متناوله لأداء هذه المهمة.
وقد كان حاكم برج الفنار الاسباني ضابطا محنكا إسمه دون مارتان دي قارقاس وطان قد إستشعر بالخطر الذي يهدده من جراء عودة خير الدين إلى مدينة الجزائر، فأرسل إلى إسبانيا بطلب المدد والذخيرة.
وشرع خير الدين في توجيه هجوماته ضد القعلة مع بداية ماي 1529 ووضع مدفعين تجاه الحصن وراح يقنبله طيلة عشرين يوما متتالية.
وحاولت الحامية الإسبانية أن تصمد أمام هذه الهجمات لكن دون جدوى، فلم ينجح (ولعله لم ينج) جندي إسباني واحد من الإصابة بجروح، وتمكن خير الدين يوم 27 ماي من فتح فجوة في القلعة، فأستغل خير الدين ذلك وهجم على الحصن، وحدثت معركة رهيبة استمرت يوما كاملا، دخل على إثرها أيناء الجزائر إلى برج الفنار، وبعد هذا الانتصار بادر خير الدين بربط الجزر الصغيرة الواقعة أمام ميناء الجزائر ببعضها وبنى المرسى لحماية الميناء من رياح الشمال والشمال الغربي، فأصبح ميناء الجزائر مأوى للسفن تستطيع أن تطمئن فيه وأن تتحدى منه العواصف وبفضل ذلك استطاع الأتراك والجزائريون أن يتحكموا في حوض البحر الأبيض المتوسط مدة طويلة.
بارك الله فيكم ونفع بكم ووفقكم لكل خير
أحسن الله إليكم ما كان بالأزرق فهو من كلامي، وما كان باللون الأخضر فهو من كلام الشيخ العلامة الميلي رحمه الله.
بتصرف من كتاب "تاريخ الجزائر في القديم والحديث"، صفحة 43-57.
تعليق