بسم الله الرحمن الرحيم
ذهبي العصر الشيخ العلامة الإمام أبو عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله تعالى
كتبه : أبو عوف عبد الرحمن بن عبد الكريم التميمي
المقدمة :
قصدت من كتابة هذا المقال هو تعريف القاريء
الإندونيسي المسلم بهذا الجهبذ من جهابذة علمائنا
الكبار في هذا العصر وعلم شامخ من أعلامنا الأفذاذ
ألا وهو الشيخ العلامة المحقق المحدث شيخ الإسلام ذهبي
العصر أبو عبد الله عبد الرحمن بن يحيى المعلمي
اليماني – رحمه الله - . فقد كان فضله كبيرا على
الإسلام، دافع عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
وألف كتبا كثيرة في ذلك وأثرى المكتبة الإسلامية بكتبه
البديعة ورد على المبتدعين وأصحاب الأهواء، من أمثال
زاهد الكوثري وأبو رية في كتابيه العظيمين "التنكيل
والأنوار الكاشفة" بأسلوب قوي متين وأتى بأدلة
وبراهين من كتاب الله وسنة سيد المرسلين، بعيدا عن
التعصب والهوى المشين، فجزاه ربي عن الإسلام والمسلمين
خير الجزاء، فهو بقية من علماء سلفنا الصالح الذين
نستضيئ بضياء شموسهم الساطعة التي لا يعتريها انكساف
ولا أفول فهم منارات الهدى ومصابيح الدجى، هم القوم
لا يشقى جليسهم، اللهم إني أحببت علماء السلف فيك،
وأجللتهم إجلالا لك، اللهم فاحشرني في زمرتهم مع
النبيين والشهداء والصالحين، وحسن ألئك رفيقا.
اسمه وكنيته ونسبه ونسبته :
هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن يحيى بن علي بن أبي
بكر المعلمي العتمي اليماني، ينسب إلى بني المعلم من
بلاد عتمة باليمن.
مولده ونشأته :
ولد في أول سنة 1313 هـ بقرية المحاقرة في عزلة الطفن
من مخلاف من ناحية عتمة نشأ في بيئة متدينة صالحة،
وقد كفله والداه وكانا من خيار تلك البيئة.
طلبه للعلم وتنقله :
قرأ القرآن على رجل من عشيرته وعلى والده قراءة
متقنة مجودة، وكان يذهب مع والده إلى بيت الريمي حيث
كان أبوه يعلم أولادهم.
ثم سافر إلى الحجرية - وكان أخوه الأكبر محمد كاتبا في
محكمتها الشرعية – وأدخل في مدرسة حكومية يدرس فيها
القرآن والتجويد والحساب، فمكث فيها مدة، ثم قدم
والده فأوصاه بقراءة النحو، فقرأ شيئا من شرح
الكفراوي على الآجرومية ورجع مع والده وقد اتجهت
رغبته إلى قراءة النحو، فاشترى كتبا في النحو، فلما
وصل إلي بيت الريمي وجد رجلا يدعى أحمد بن مصلح
الريمي، فصارا يتذاكران النحو في عامة أوقاتهما،
مستفيدين من تفسيري الخازن والنسفي، فأخذت معرفته
تتقوى حتى طالع المغني لابن هشام نحو سنة وحاول تلخيص
فوائده المهمة.
ثم ذهب إلى بلده الطفن وأشار عليه والده بأن يبقى
مدة ليقرأ على الفقيه العلامة أحمد بن محمد بن
سليمان المعلمي، فلازمه وقرأ عليه في الفقه والفرائض
والنحو، ثم رجع إلى بيت الريمي فقرأ كتاب " الفوائد
الشنشورية" في علم الفرائض.
وقرأ "المقامات" للحريري وبعض كتب الأدب، وأولع
بالشعر فقرضه، ثم سافر إلى الحجرية، وبقى فيها مدة،
يحضر بعض المجالس يذاكر فيها الفقه، ثم رجع إلى عتمة،
وكان القضاء قد صار إلى الزيدية، فاستنابه الشيخ
علي بن مصلح الريمي، وكان كاتبا للقاضي علي بن يحيى
المتوكل، ثم عين بعده القاضي محمد بن علي الرازي فكتب
عنده مدة.
ثم ارتحل إلى جيزان سنة 1336 هـ فولاه محمد الإدريسي
أمير عسير حينذاك – رئاسة القضاة، فلما ظهر له ورعه
وعلمه وزهده وعدله لقبه بشيخ الإسلام، وكان إلى جانب
القضاة يستغل بالتدريس، فلما توفي محمد الإندريسي
سنة 1341 هـ ارتحل إلى عدن وبقى فيها سنة مشتغلا
بالتدريس والوعظ، ثم ارتحل إلى الهند وعين في دائرة
المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن مصححا لكتب
الحديث وعلومه، وغيرها من الكتب في الأدب والتاريخ،
فبقي في دائرة المعارف العثمانية قرابة الثلاثين
عاما، ثم سافر إلى مكة في عام 1371 هـ فعين أمينا
لمكتبة الحرم المكي في شهر ربيع الأول سنة 1372 هـ
فبقى فيها يعمل بجد وإخلاص في خدمة رواد المكتبة من
طلاب العلم، بالإضافة إلى استمراره في تصحيح الكتب
وتحقيقها لتطبع في دائرة المعارف العثمانية حتى أصبح
موضع الثناء العاطر.
مكانته العلمية وثناء العلماء عليه :
حصل على إجازة من شيخ كلية الحديث في الجامعة
العثمانية بحيدر آباد الدكن في الهند – الشيخ عبد
القدير محمد الصديقي القادري، قال فيها بعد حمد الله
والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم :
"إن الأخ الفاضل والعالم العامل الشيخ عبد الرحمن بن
يحيى المعلمي العتمي اليماني، قرأ علي من ابتداء
(صحيح البخاري وصحيح مسلم) واستجازني ما رويته عن
أساتذتي، فوجدته طاهر الأخلاق طيب الأعراف، حسن
الرواية جيد الملكة في العلوم الدينية، ثقة عدل،
أهل للرواية بالشروط المعتبرة عند أهل الحديث،
فأجزته برواية (صحيح البخاري وصحيح مسلم وجامع
الترمذي وسنن أبي داود وابن ماجة والنسائي والموطأ
لمالك ...) حرر بتاريخ 13 القعدة سنة 1346 هـ".
ولقد أثنى عليه الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم مفتي
الديار السعودية في عصره، في تقريظ له على رسالة
جواز تأخير مقام إبراهيم عليه السلام فقال :
"قد قرئت علي هذه الرسالة التي ألفها الأستاذ عبد
الرحمن المعلمي اليماني ... فوجدتها رسالة بديعة وقد
أتى فيها بعين الصواب في هذه المسألة" وفي كتابه
"نصيحة الإخوان ببيان بعض ما في نقص المباني لابن
حمدان من الخبط والخلط والجهل والبهتان" وصف المعلمي
بأنه عالم خدم الأحاديث النبوية وما يتعلق بها ...(ص 80)."
وأثنى عليه الشيخ محمد حامد الفقي – رحمه الله – في
تقريظه على رسالة " جواز تأخير مقام إبراهيم عليه
السلام فقال : "كتب أخونا المحقق الشيخ المعلمي
اليماني هذه الرسالة القيمة".
وأثنى عليه الشيخ العلامة محمد عبد الرزاق حمزة – رحمه
الله – في تذييله على كتاب " القائد إلى تصحيح
العقائد" فقال : "فرغت من قراءة كتاب القائد إلى
تصحيح العقائد للعلامة المحقق الشيخ عبد الرحمن بن
يحيى المعلمي العتمي، فإذا هو كتاب من أجود ما كتب
في بابه في مناقشة المتكلمين والمتفلسفة الذين انحرفوا
بتطرفهم وتعمقهم في النظر والأقيسة
والمباحث ....قرأت الكتاب فأعجبت به أيما إعجاب،
لصبر العلامة على معاناة مطالعة نظريات المتكلمين
خصوصا من جاء منهم بعد من ناقشهم شيخ الإسلام ابن
تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم - ...، ثم رده
عليهم بالأسلوب الفطري والنقول الشرعية ...، فسد
بذلك فراغا كان على كل سني سلفي سده بعد شيخي
الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله ...، فجزاه
الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء". (التنكيل 2/386-387)
وأثنى عليه الشيخ العلامة أحمد شاكر – رحمه الله – في
حاشيته على الطبري فقال : " وقد حقق مصححة – يعنى
التاريخ الكبير للبخاري – العلامة الشيخ عبد الرحمن
بن يحيى المعلمي..." (1/33)
وأثنى عليه الشيخ محب الدين الخطيب – رحمه الله – في
مقدمته لكتاب " كشف المخدرات" فقال : " وقام بذلك
(يعني استناخ نسخة " كشف المخدرات " المحفوظة في مكتبة
الحرم المكي) حضرة العالم المحقق الشيخ عبد الرحمن بن
يحيى المعلمي الذين عرف الناس فضله بما صدر عن تصحيح
كثير من الكتب الإسلامية.
وأثنى عليه الإمام العلامة الشيخ محمد ناصر الدين
الألباني – رحمه الله - في مقدمة تحقيقه لكتاب "
التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" فقال :
...تأليف العلامة المحقق الشيخ عبد الرحمن بن يحيى بن
علي المعلمي اليماني – رحمه لله – بين فيه بالأدلة
القاطعة والبراهين الساطعة تجنى الأستاذ الكوثري على
أئمة الحديث ورواته، ....إلى غير ذلك من الأمور....،
مبرهنا عليها من كلام الكوثري نفسه في هذا الكتاب
العظيم، بأسلوب علمي متين لا وهن فيه، ولا خروج عن
أدب المناظرة، وطريق المجادلة بالتي هي أحسن، بروح
علمية عالية، وصبر على البحث والتحقيق كاد أن يبلغ
الغاية، إن لم أقل قد بلغها، كل ذلك انتصارا للحق،
وقمعا للباطل لا تعصبا للمشايخ والمذهب، فرحم الله
المؤلف، وجزاه عن المسلمين خيرا."
وقال أيضا في تعليقه على التنكيل عند ذكر المعلمي
لدرجات توثيق ابن حبان : - هذا تفصيل دقيق، يدل
على معرفة المؤلف – رحمه الله – وتمكنه من علم الجرح
والتعديل وهو مما لم أره لغيره، جزاه الله خيرا.
(التنكيل 1/43.
عقيدته :
كان رحمه الله من المتمسكين بالعقيدة السلفية و
المنتصرين لها، ومن خلال كتابه " القائد إلى تصحيح
العقائد" يتجلى بوضوح أنه كان سلفيا في الأصول
والفروع، فلقد تأثر في كتابه هذا بشيخ الإسلام ابن
تيمية.
وله ملكة عجيبة في فهم عبارات الأئمة، ومعرفة
منازلهم من الجرج والتعديل، وتحقيق دقيق في نقد
الرجال، بأسلوب علمي متين، وصبر على البحث
والتحقيق.
فمن أراد فقه الجرح والتعديل فعليه بـ (التنكيل)،
فإن فيه دلالة واضحة على تمكن المعلمي – رحمه الله – من
هذا العلم بحيث يصدق عليه لقب (ذهبي العصر) فهو
شخصية علمية بارزة جديرة بالاهتمام والدراسة .
زهده :
كان الشيخ المعلمي زاهدا في الحياة لا يعبأ بزخارف
الدنيا وزينتها، ومما يدل على زهده أن الإدريسي أمير
عسير حينذاك عرض عليه قطعة واسعة من الأرض فرفضه ولم
يرض إلا مرتبه الذي كان يتقاضاه شهريا كقاض ومدرس،
وقد أخبرني بذلك أخوه العم أحمد – رحمه الله – نزيل
سورابايا.
تواضعه :
كان رحمه الله في غاية التواضع، ويكره الظهور، فقد
جاء مرة الشيخ العلامة المحدث أحمد شاكر – رحمه الله –
يريد زيارة الشيخ المعلمي في مكتبة الحرم المكي الذي
كان الشيخ المعلمي – رحمه الله – أمينا لها (ولم يكن لها
لقاء قبل هذا) فقدم للشيخ شاكر الشاي، ولما طال
انتظاره ولم يقابل الشيخ المعلمي سأل الشيخ شاكر
الموظف هناك وبين له سبب مجيئه هو زيارة الشيخ
المعلمي فأجاب الموظف : سبحان الله، الذي جاء بالشاي
لك هو الشيخ المعلمي فتأثر أحمد شاكر حتى أنه بكى من
شدة التأثر.
تصانيف ومؤلفاته :
له كتب ورسائل كثيرة متعددة ؛ ألفها في تحقيق بعض
المسائل العلمية – حديثية كانت، أم سلوكية، أم
عقدية – ما زالت مخطوطة، كما أن له "ديوان شعر" ما زال مخطوطا أيضا.
وأما ما طبع له من ذلك؛ فكثير، منه :
1. الأنوار الكاشفة؛ في الرد على كتاب " أضواء على السنة المحمدية" لمحمود أبي رية.
2. طليعة التنكيل
3. التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطل؛ وهو كتاب عظيم ومفيد فريد، وهو مطبوع بتحقيق الإمام الألباني – رحمه الله - .
4. علم الرجال وأهميته بتحقيق شيخنا علي بن حسن الحلبي الأثري – حفظه الله –
5. مقام إبراهيم، وهي رسالة نفيسة بتحقيق شيخنا علي بن حسن الحلبي الأثري – حفظه الله-
6. البناء على المقابر تحقيق حاكم بن عيسان المطيري
كما أنه حقق كثيرا من أمهات كتب علم الرجال
والتاريخ التي طبعت في دائرة المعارف العثمانية في
عهده مثل كتاب "الإكمال" لابن ماكولا – 4 مجلدات منه
– وكتاب "الأنساب" للسمعاني – 4 مجلدات – وكتاب
"تذكرة الحفاظ" للذهبي، و "الجرح والتعديل" لابن أبي
حاتم، و "التاريخ الكبير" للبخاري...
وغير ذلك كثير.
وفاته :
بقي مستمرا في أمانة مكتبة الحرم المكي، دؤوبا في
البحث نشيطا في التدقيق والتحقيق والبحث العلمي،
إلى أن شوهد فيها منكبا على بعض الكتب وقد فارق
الحياة، وذلك عام 1386 هـ - 1966 م.
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبيين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
ملاحظة: الكاتب هو مدير معهد الارشاد في مدينة سورابايا في اندونيسيا
----------
المصدر http://www.alnasiha.net/Shaikh.aspx?did=2&sid=886
تعليق