ابن أبي عامر
الملك المنصور ، حاجب الممالك الأندلسية ، أبو عامر ، محمد بن عبد الله بن أبي
عامر محمد بن وليد القحطاني المعافري القرطبي ، القائم بأعباء دولة الخليفة المرواني
المؤيد بالله هشام بن الحكم أمير الأندلس ، فإن هذا المؤيد استخلف ابن تسع
سنين ، وردت مقاليد الأمور إلى الحاجب هذا ، فيعمد إلى خزائن كتب الحكم ،
فأبرز ما فيها ، ثم أفرد ما فيها من كتب الفلسفة ، فأحرقها بمشهد من العلماء ،
وطمر كثيرا منها ، وكانت كثيرة إلى الغاية ، فعله تقبيحا لرأي المستنصر الحكم .
وكان بطلا شجاعا ، حازما سائسا ، غزاء عالما ، جم المحاسن ، كثير الفتوحات
، عالي الهمة ، عديم النظير ؛ وسيأتي من أخباره في ترجمة المؤيد .
دام في المملكة نيفا وعشرين سنة ، ودانت له الجزيرة . وأمنت به ، وقد وزر له
جماعة .
وكان المؤيد معه صورة بلا معنى ، بل كان محجوبا لا يجتمع به أمير ولا كبير ،
بل كان أبو عامر يدخل عليه قصره ، ثم يخرج فيقول : رسم أمير المؤمنين بكذا
وكذا ، فلا يخالفه أحد ، وإذا كان بعد سنة أو أكثر ، أركبه فرسا ، وجعل عليه
برنسا ، وحوله جواريه راكبات ، فلا يعرفه أحد .
وقد غزا أبو عامر في مدته نيفا وخمسين غزوة ، وكثر السبي حتى لأبيعت بنت
عظيم ذات حسن بعشرين دينارا ، ولقد جمع من غبار غزواته ما عملت منه لبنة ،
وألحدت على خده ، أو ذر ذلك على كفنه .
ت
وفي بأقصى الثغور بالبطن سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة .
وكان جوادا ممدحا معطاء .
وتملك بعده ابنه أبو مروان عبد الملك .
----------------
سير أعلام النبلاء للدهبي