بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعــــد:
فقد توقفنا عند قول المصنف-رحمه الله تعالى-: (وخير هذه الأمة بعد وفاة نبيها أبو بكر)، نعم.
قارئ المتن: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الإمام أبي الحسن بن علي بن خلف البربهاري-رحمه الله تعالى-في كتابه(شرح السنة):
(وخير هذه الأمة بعد وفاة نبيها أبو بكر و عمر و عثمان هكذا روي لنا عن ابن عمر، قال: كنا نقول ورسول الله-صلى الله عليه وسلم-بين أظهرنا: إن خير الناس بعد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أبو بكر وعمر وعثمان، ويسمع النبي-صلى الله عليه وسلم- بذلك فلا ينكره.
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء علي وطلحة والزبير وسعد وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وكلهم يصلح للخلافة.
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، القرن الأول الذي بعث فيهم المهاجرون الأولون والأنصار، وهم مَن صلى القبلتين.
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يومًا أو شهرًا أو سنةً أقل أو كثر، ترحموا عليه وتذكروا فضله وتكفوا عن زلَّته ولا تذكروا أحدًا منهم إلا بخير، لقول رسول الله-صلى الله عليه وسلم: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا)، وقال بن عيينة: (من نطق في أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بكلمة فهو صاحب هوى)، وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم).
شرح فضيلة الشيخ أحمد بن عمر بازمول :
المصنف-رحمه الله تعالى-في هذه الجملة وفي هذه الفقرة تعرض لما يتعلق بحق الصحابة-رضوان الله عليهم-.
والصحابة: جمع صحابي.
والصحابي: هو من صحب النبي-صلى الله عليه وسلم-، هو من لقي النبي-صلى الله عليه وسلم-مؤمنًا به ومات على ذلك.
والصحابة-رضوان الله عليهم-بسبب شرف صحبتهم للنبي-صلى الله عليه وسلم-كلهم عدول، وكلهم ثقات، لا يُتَكَلَّم في أحد منهم، سواءً كانت صحبته للنبي-صلى الله عليه وسلم-طويلة أم قصيرة.
ومذهب أهل السنة والجماعة أن الصحابة-رضوان الله عليهم-هم أفضل العالمين بعد الأنبياء والرسل، وثبت عن النبي-صلى الله عليه وسلم-في عدة أحاديث الثناء على أصحابه، بل في القرآن الكريم الله-عز وجل-مدحهم ورضي عنهم في مثل قوله-عز وجل-: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ...)(التوبة/100).
فأثنى الله-عز وجل-على الصحابة، قال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ...) (التوبة/100)، وأيضًا في آيات أخر أثنى الله-عز وجل-على الصحابة، (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا..)(الفتح/29)إلى آخره، فأثنى الله-عز وجل-على أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-، فأثنى الله-عز وجل-على الصحابة-رضوان الله عليهم-.
وكذا النبي-صلى الله عليه وسلم-أثنى على أصحابه، حيث قال-عليه الصلاة والسلام-: (لو انفق أحدكم مثل جبل أحد ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)، يعني: الواحد من أمة محمد-صلى الله عليه وسلم-، من غير أصحابه من التابعين فمن بعدهم إلى آخر الزمان، لو أنفق في سبيل الله جبل من ذهب مثل جبل أحد في الكُبر، وجاء الصحابي وأنفق ذهبًا بمليء يديه-كفيه-مد أحدهم أو نصيفه أو نصفه، ذهب الصحابي على صغر حجمه وقلته هو أفضل وخير عند الله من هذا الجبل من الذهب، لماذا؟، لأن المنفق وهو الصحابي له منزلة عظيمة عند الله-عز وجل-.
ولذلك يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-كما سيأتي: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا)أي: إذا ذكر أصحابي في موطن السوء أو التنقص فإياكم أن تخوضوا بخوضهم أو أن تكلموا بكلامهم، لذلك ثبت عنه-عليه الصلاة والسلام-أنه قال: (لعن الله من سب أصحابي)، واعلم أن سب الصحابي ليس معناه أن يقول فقط مثلًا: لعنة الله، أو قبح الله فلان وفلان من الصحابة، لا! سب الصحابي تنقصهم والقدح فيهم، السب هنا يشمل التنقص منهم، ويشمل الطعن والقدح فيهم، ويشمل أيضًا سبهم المباشر.
فذاك الرجل الذي يأتي ويصف عثمان وعمرو بن العاص بأنهما داهيان كذابان محتالان لا شك أنه سب الصحابة، وذاك الرجل الذي يأتي ويصف خلافة عثمان-رضي الله عنه وأرضاه-التي أجمعت الأمة على صحة خلافته بأن خلافته فجوة وخلافته ساقطة لا شك أنه في هذا الكلام هو يسب أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-.
وسب الصحابة يدخل فيه من سب صحابيًا واحدًا فأكثر، ليس أن يسب صحابي واحد فقط أو ليس المعنى أن يسب مجموعة من الصحابة، بل النهي حتى عن سب صحابي واحد، ولذلك يقول النبي-عليه الصلاة والسلام-: (من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
ويقول-عليه الصلاة والسلام-مبينًا لفضل أصحابه، يقول-عليه الصلاة والسلام-كما في حديث أبي موسى الشعري، يقول: (صلينا المغرب مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ثم قلنا لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء)، قال: (فجلسنا فخرج علينا) فقال: (ما زلتم ههنا؟)، قلنا: (يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس فنصلي معك العشاء)، قال: (أحسنتم) أو أصبتم، (قال: (فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرًا ما يرفع رأسه إلى السماء)، فقال-عليه الصلاة والسلام-: (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون).
قال النووي: المعنى: (أتى أمتي من بعد أصحابي) أي: من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب، واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به-صلى الله عليه وسلم-صريحًا وقد وقع كل ذلك.
وقال أيضًا-عليه الصلاة والسلام-مبينًا فضل أصحابه: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)، وأيضًا قال-عليه الصلاة والسلام-: (لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد احدهم ولا نصيفه).
وقد بين العلماء-رحمهم الله تعالى-منزلة الصحابة، فقد جاء عن مالك-رحمة الله عليه-وذكروا له رجلًا يتنقص أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فقرأ مالك هذه الآية: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ...)حتى بلغ(...يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ...)، فقال مالك: (من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فقد أصابته الآية).
وجاء عن عبد الله بن مصعب، قال: (قال لي أمير المؤمنين المهدي: يا أبا بكر ما تقول فيمن يتنقص أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-؟، فقال: فقلت: زنادقة)أي: منافقون، (قال: ما سمعت أحدًا قال هذا قبلك!، قال: قلت له: هم قوم أرادوا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فلم يجدوا أحدًا من الأمة يتابعهم على ذلك)يعني: إذا أرادوا الطعن في النبي-صلى الله عليه وسلم-فإن الأمة لا تقبل الطعن في النبي-صلى الله عليه وسلم-، قال: (فتنقصوا هؤلاء عند أبناء هؤلاء، وتنقصوا هؤلاء عند أبناء هؤلاء، فكأنهم قالوا: رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يصحبه صحابة سوء، وما أقبح بالرجل أن يصحبه صحابة السوء، فقال: ما أراه إلا كما قلت).
وأيضًا جاء عن أبي زرعة الرازي قال: (إذا رأيت الرجل يتنقص أحدًا من أصحاب الرسول-صلى الله عليه وسلم-فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، إنما يريدوا أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة)، وهذا كلام أئمة أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وبيان منزلتهم.
إذًا، الصحابة-رضوان الله عليهم-هم أفضل الخلق بعد الأنبياء والرسل، لا يجوز لأحد من الناس أن يقول: يوجد من التابعين فمن بعدهم أفراد أفضل من بعض أفراد الصحابة، لا، مذهب أهل السنة والجماعة:
أولًا: تفضيل الصحابة جملة وأفرادًا على أمة محمد-صلى الله عليه وسلم-جملة وإفرادًا، هذا أولًا.
ثانيًا: نترحم عليهم ونترضى عنهم.
ثالثًا: نمسك عمَّا شجر بينهم من خلاف، فلا يقول قائل: أنا أريد أن أتعرف على ما حصل بين الصحابة-رضوان الله عليهم-من خلاف وخصام، نقول: لا، كما قال النبي-صلى الله عليه وسلم-إذا ذكر أصحابي فأمسكوا).
ويجب أن تعلم أن الصحابة-رضوان الله عليهم-حينما اختلفوا كانوا على قلب أحد رجلين، كانوا على قلب رجل ابتداءً، كانوا على قلب رجل يريد الحق، وقد انقسموا إلى قسمين:
قسم أصاب الحق فله أجران.
وقسم أراد الحق لكنه أخطأ فله أجر واحد.
فالحقيقة جميعهم مصيب للأجر ولا يجوز الخوض فيما شجر بينهم، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة-السلف الصالح-، إذا علم هذا نعلم أن الأشرطة التي تنتشر في الأسواق من ذكر الخلاف الذي وقع بين الصحابة من بعض الناس ممن لا يعرف بالعلم بل رد عليه أهل العلم، من أمثال هؤلاء نعلم:
أولًا: أنهم أخطئوا في إقامة محاضرات وكلمات مسجلة في أشرطة عن الخلاف الذي وقع بين الصحابة، هذا خطأ.
الخطأ الثاني: من يشتري هذه الأشرطة أو يوزعها أو يسمعها، أيضًا لا شك أنه مشارك لهم في الخطأ، فالواجب علينا عدم سماع أمثال هذه الأشرطة، لما فيها من القدح في أصحاب الرسول-صلى الله عليه وسلم-.
وقد ذكر الآجري في الشريعة-رحمة الله عليه-كلامًا مهمًا في هذه المسألة، أنقله لكم باختصار، قال بعد ذكره لفضائل الصحابة: (فإن عارضنا جاهل مفتون قد خطي به عن طريق الرشاد فقال: لم قاتل فلان لفلان، من الصحابة ولم قتل فلان لفلان وفلان ؟!.
قيل له: ما بنا وبك إلى ذكر هذا حاجة تنفعنا ولا اضطرار إلى علمها.
فإن قال قائل: ولم؟.
قيل: (لأنها فتن شاهدها الصحابة-رضي الله عنهم-فكانوا فيها على حسب ما أراهم العلم بها، وكانوا أعلم بتأويلها من غيرهم، وكانوا أهدى سبيلاً ممن جاء بعدهم لأنهم أهل الجنة)، تصرفاتهم لم تكن لهوى ولم تكن بتعمد الخطأ بل هم أهل الجنة يعني: تصرفاتهم مشهود له بالصلاح، إلى أن قال: (فإن قال قائل: وأي شيء يضرنا من معرفتنا لما يجرى بيننا والبحث عنه؟)، وهذا كثير ما نسمعه من بعض الناس، يقول: ما الذي يضرنا إذا سمعنا ما حصل بين الصحابة من خلاف؟، فيقول لنا الآجري: (فإن قال قائل: وأي شيء يضرنا من معرفتنا لما جرى بينهم والبحث عنه؟، قيل له: لا شك فيه)، أنه يعني: فيه ضرر.
(وذلك أن عقول القوم كانت أكبر من عقولنا وعقولنا أنقص بكثير ولا نأمن أن نبحث عما شجر بينهم فنزل عن طريق الحق ونتخلف عما أمرنا فيهم)، يعني: ما الذي يحصل؟، يريد أن يقول: إذا تدخلنا وناقشنا وطرحنا ما حصل بين الصحابة من خلاف، فإننا نقول: فلان مصيب وفلان مخطئ، وفلان لو لم يفعل كذا لكان كذا، وفلان هو الذي سبب الفتن، وهذا سب لأصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، إذا قلنا مثل هذا الكلام شَرَعنا في سب أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
وأيضًا جاء في قلبنا بغض أو نوع من الكراهية لذاك الصحابي الذي في ظننا نحن الخاطئ القاصر أنه هو المخطئ، وأنه سبب في بعض الفتن، فالجواب: لا، نمسك عن ذلك كله ونقول: كلهم ما بين مصيب لأجرين إن أصاب الحق، وما بين مصيب لأجر واحد إن أخطأ، لأنهم كما سبق هم أهل الجنة ويريدون الحق.
ثم قال الآجري: (فإن قال قائل: وبم أمرنا فيهم؟)، يعني: بين الصحابة، قال: (أمرنا بالاستغفار لهم والترحم عليهم والمحبة لهم والإتباع لهم دل على ذلك الكتاب والسنة وقول أئمة المسلمين..)إلى آخر كلامه-رحمه الله-وهو كلام متين في الجزء الخامس(صفحة 2485)، وهو كلام مؤصل متين منه-رحمه الله تعالى-.
ثم أيضًا من مذهب أهل السنة والجماعة: أن الصحابة-رضي الله عنهم-يعني: بشرف الصحبة في درجة عالية، وهم في صحبتهم على طبقات فأشرفهم وأعلاهم العشرة المبشرين بالجنة، وأشرف هؤلاء العشرة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ثم بقية الستة، وهؤلاء العشرة المبشرون بالجنة جاء عن النبي-صلى الله عليه وسلم-فيما صح عنه أنه قال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة في الجنة)، هكذا صرح النبي-صلى الله عليه وسلم-بأن هؤلاء العشرة من أهل الجنة.
وكل هؤلاء العشرة هم أفضل الصحابة، والعلماء بينوا أن الصحابة أفضلهم العشرة، ثم بعد ذلك من هاجر الهجرتين، ثم بعد ذلك أصحاب بيعة العقبة، ثم بعد ذلك أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، ثم من هاجر قبل الفتح وقاتل، ثم من صحب النبي-صلى الله عليه وسلم-سفرًا وحضرًا، إلى آخر التقسيمات التي ذكرها أهل العلم مبينين منازلهم، ولا يعنوا مثلًا أن بعض الصحابة نافس القدر لا، هم أولًا يثبتون لهم الفضل العالي ثم يتفاوتون في هذا الفضل، وكما سبق شرف الصحبة يثبت لمن صحب النبي-صلى الله عليه وسلم-طال الوقت أم قصر.
قال المصنف-رحمه الله تعالى-: (وكلهم يصلح للخلافة)، يعني: هؤلاء العشرة المبشرون بالجنة-رضي الله عنهم وأرضاهم-كل واحد منهم يصلح أن يكون خليفة، لم اتصف به من قوة الإيمان، ومن الحكمة، ومن العقل، ومن توفر صفات الخلافة فيه.
ولذلك لَمَّا اختاروا أبا بكر-رضي الله عنه-عهد إلى عمر، ثم لَمَّا مات عمر-رضي الله عنه-عهد إلى هؤلاء البقية أن يختاروا واحدًا منهم، لأنهم كلهم يصلحون للخلافة، وليس مراده بكل الصحابة، وإنما المراد أي العشرة المبشرون بالجنة.
ثم قال مبينًا منازلهم: (ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-)، قوله: (ثم أفضل الناس بعد هؤلاء)أي: بعد هؤلاء العشرة، من هم؟، أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-القرن الأول الذين بعث فيهم، المهاجرون الأولون، والمهاجرون الأولون: هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كان عددهم ألف وأربعمائة رجل فيما ذكر أهل العلم.
ثم قال: (وهم من صلى القبلتين)، تعريف المهاجرين الأولين بأنهم من صلى القبلتين ضعيف عند أهل العلم، الصواب عندهم والراجح: أن المهاجرين الأولين: هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا.
ثم قال: (ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يومًا، أو شهرًا، أو سنة، أو أقل من ذلك أو أكثر)، وهذا كلام منه مهم، يعني: شرف الصحبة كما سبق يثبت لمن صحب النبي-صلى الله عليه وسلم-ولو كان وقتًا يسيرًا.
ثم ذكر ما الواجب علينا تجاه أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، قال: (تَرَحَّمْ عليه وتذكر فضله وتكف عن زلته ولا نذكر أحدًا منهم إلا بخير)، هذا الواجب لصحابة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، بدل أن يقيموا المحاضرات ودروس يتعرضون فيها للخلافات التي وقعت بين أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، كان الواجب عليهم أن يقيموا محاضرات يذكروا فضائلهم، وحقوقهم، وما ابلوا فيه بلاءً حسنًا في القيام بهذا الدين وتبليغه للأمة من بعدهم.
يقول المصنف مستدلًا على ذلك بقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا)، ليس المراد إذا ذكروا في موطن الثناء والمدح، إنما المراد في موطن الذم أو التنقص، وهذه إشارة منه-عليه الصلاة والسلام-إلى أنه يوجد من هذه الأمة من يحاول التنقص لأصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
والعجب أن هذا التنقص يوجد في بعض الكتب المتداول بين أيدي الناس اليوم، مثل التنقص لبعض أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-في كتاب: (في ظلال القرآن)، وفي كتاب(العدالة الإسلامية)لسيد قطب، وأيضًا التنقص لأصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-في أشرطة المعروف بطارق سويدان، فإن العلماء قد ردوا عليه وخطئوه ووصفوه بعدم أهليته للعلم، إذ أن أهل العلم قد أجمعوا على تحريم تنقص أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
إذًا معنى قوله-عليه الصلاة والسلام-: (إذا ذكر أصحابي)أي: في موطن السوء والذم والتنقص، (فأمسكوا)أي: فأمسكوا عن الكلام وقوموا عن تلك المجالس، واهجروا تلك الكتب، ولا تسمعوا لتلك الأشرطة، هذا الواجب على كل مسلم تجاه أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، إذا تعرض أهل الأهواء والبدع للقدح والذم فيهم.
والعجب أنك تجد بعض الناس إذا ذكر فلان وفلان من الدعاة إلى الله بزعمهم، بشيء من أخطائهم وبيان شيء من ضلالاتهم غضبوا!، وقالوا كيف تطعن في فلان وفلان؟، وحذَّروا من هذا العالم السُنِّي الذي يبين أخطاء هؤلاء الدعاة التي هي فعلًا يجب على العالم أن يبين هذا الخطأ، ثم إذا ذكر لهم فلان وفلان كسيد قطب أو طارق سويدان أو غيرهم ممن ذم أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-، إذا بهم يدافعون عنهم ولا يغضبون لأصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وهذا يدل على أنهم أصحاب هوى، لا يريدون الحق ولا يدافعون عن أهله.
قال سفيان بن عيينة: (من نطق في أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بكلمة فهو صاحب هوى)، يعني: ولو كلمة، ما هو شرط يؤلف كتب طعنهم، من تنقص أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-في مجلس، في محاضرة، في كتاب، وليس في موطن واحد، فإن هذا التنقص دليل على أنه صاحب هوى، لا يعقل من رجل مسلم يحب الله ويحب الرسول أن يتنقص أحدًا من أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-.
أولًا: للنصوص المتواترة من الكتاب والسنة على فضل مكانتهم، وذم من تعرض لهم.
ثانيًا: لفضلهم على هذه الأمة، إذ أن القرآن والسنة إنما وصلنا عن طريق ماذا؟، عن طريق هؤلاء الأصحاب-رضوان الله عليهم-، فلا يعقل لمسلم يعقل ما يخرج من رأسه أن يتنقص أحدًا من أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-.
ثم ذكر المصنف-رحمه الله-قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، وهذا حديث ليس بصحيح، هذا حديث ضعيف جدًا، نعم.
هذه المادة أخذت من شرح السنة للبربهاي
قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
الأحد الموافق: 17/شوال/1431 للهجرة النبوية الشريفة.
لقراءة الملف منسق:
جزا الله الصحابة عنا كل خير
لسماع المادة الصوتية:
جزا الله فضيلة الشيخ خير الجزاء
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعــــد:
فقد توقفنا عند قول المصنف-رحمه الله تعالى-: (وخير هذه الأمة بعد وفاة نبيها أبو بكر)، نعم.
قارئ المتن: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الإمام أبي الحسن بن علي بن خلف البربهاري-رحمه الله تعالى-في كتابه(شرح السنة):
(وخير هذه الأمة بعد وفاة نبيها أبو بكر و عمر و عثمان هكذا روي لنا عن ابن عمر، قال: كنا نقول ورسول الله-صلى الله عليه وسلم-بين أظهرنا: إن خير الناس بعد رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أبو بكر وعمر وعثمان، ويسمع النبي-صلى الله عليه وسلم- بذلك فلا ينكره.
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء علي وطلحة والزبير وسعد وسعيد، وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح وكلهم يصلح للخلافة.
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، القرن الأول الذي بعث فيهم المهاجرون الأولون والأنصار، وهم مَن صلى القبلتين.
ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يومًا أو شهرًا أو سنةً أقل أو كثر، ترحموا عليه وتذكروا فضله وتكفوا عن زلَّته ولا تذكروا أحدًا منهم إلا بخير، لقول رسول الله-صلى الله عليه وسلم: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا)، وقال بن عيينة: (من نطق في أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بكلمة فهو صاحب هوى)، وقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم).
شرح فضيلة الشيخ أحمد بن عمر بازمول :
المصنف-رحمه الله تعالى-في هذه الجملة وفي هذه الفقرة تعرض لما يتعلق بحق الصحابة-رضوان الله عليهم-.
والصحابة: جمع صحابي.
والصحابي: هو من صحب النبي-صلى الله عليه وسلم-، هو من لقي النبي-صلى الله عليه وسلم-مؤمنًا به ومات على ذلك.
والصحابة-رضوان الله عليهم-بسبب شرف صحبتهم للنبي-صلى الله عليه وسلم-كلهم عدول، وكلهم ثقات، لا يُتَكَلَّم في أحد منهم، سواءً كانت صحبته للنبي-صلى الله عليه وسلم-طويلة أم قصيرة.
ومذهب أهل السنة والجماعة أن الصحابة-رضوان الله عليهم-هم أفضل العالمين بعد الأنبياء والرسل، وثبت عن النبي-صلى الله عليه وسلم-في عدة أحاديث الثناء على أصحابه، بل في القرآن الكريم الله-عز وجل-مدحهم ورضي عنهم في مثل قوله-عز وجل-: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ...)(التوبة/100).
فأثنى الله-عز وجل-على الصحابة، قال: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ...) (التوبة/100)، وأيضًا في آيات أخر أثنى الله-عز وجل-على الصحابة، (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا..)(الفتح/29)إلى آخره، فأثنى الله-عز وجل-على أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-، فأثنى الله-عز وجل-على الصحابة-رضوان الله عليهم-.
وكذا النبي-صلى الله عليه وسلم-أثنى على أصحابه، حيث قال-عليه الصلاة والسلام-: (لو انفق أحدكم مثل جبل أحد ذهبًا، ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه)، يعني: الواحد من أمة محمد-صلى الله عليه وسلم-، من غير أصحابه من التابعين فمن بعدهم إلى آخر الزمان، لو أنفق في سبيل الله جبل من ذهب مثل جبل أحد في الكُبر، وجاء الصحابي وأنفق ذهبًا بمليء يديه-كفيه-مد أحدهم أو نصيفه أو نصفه، ذهب الصحابي على صغر حجمه وقلته هو أفضل وخير عند الله من هذا الجبل من الذهب، لماذا؟، لأن المنفق وهو الصحابي له منزلة عظيمة عند الله-عز وجل-.
ولذلك يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-كما سيأتي: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا)أي: إذا ذكر أصحابي في موطن السوء أو التنقص فإياكم أن تخوضوا بخوضهم أو أن تكلموا بكلامهم، لذلك ثبت عنه-عليه الصلاة والسلام-أنه قال: (لعن الله من سب أصحابي)، واعلم أن سب الصحابي ليس معناه أن يقول فقط مثلًا: لعنة الله، أو قبح الله فلان وفلان من الصحابة، لا! سب الصحابي تنقصهم والقدح فيهم، السب هنا يشمل التنقص منهم، ويشمل الطعن والقدح فيهم، ويشمل أيضًا سبهم المباشر.
فذاك الرجل الذي يأتي ويصف عثمان وعمرو بن العاص بأنهما داهيان كذابان محتالان لا شك أنه سب الصحابة، وذاك الرجل الذي يأتي ويصف خلافة عثمان-رضي الله عنه وأرضاه-التي أجمعت الأمة على صحة خلافته بأن خلافته فجوة وخلافته ساقطة لا شك أنه في هذا الكلام هو يسب أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-.
وسب الصحابة يدخل فيه من سب صحابيًا واحدًا فأكثر، ليس أن يسب صحابي واحد فقط أو ليس المعنى أن يسب مجموعة من الصحابة، بل النهي حتى عن سب صحابي واحد، ولذلك يقول النبي-عليه الصلاة والسلام-: (من سب أصحابي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين).
ويقول-عليه الصلاة والسلام-مبينًا لفضل أصحابه، يقول-عليه الصلاة والسلام-كما في حديث أبي موسى الشعري، يقول: (صلينا المغرب مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ثم قلنا لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء)، قال: (فجلسنا فخرج علينا) فقال: (ما زلتم ههنا؟)، قلنا: (يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس فنصلي معك العشاء)، قال: (أحسنتم) أو أصبتم، (قال: (فرفع رأسه إلى السماء وكان كثيرًا ما يرفع رأسه إلى السماء)، فقال-عليه الصلاة والسلام-: (النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد، وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون).
قال النووي: المعنى: (أتى أمتي من بعد أصحابي) أي: من الفتن والحروب وارتداد من ارتد من الأعراب، واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به-صلى الله عليه وسلم-صريحًا وقد وقع كل ذلك.
وقال أيضًا-عليه الصلاة والسلام-مبينًا فضل أصحابه: (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، ثم يجيء أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته)، وأيضًا قال-عليه الصلاة والسلام-: (لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد احدهم ولا نصيفه).
وقد بين العلماء-رحمهم الله تعالى-منزلة الصحابة، فقد جاء عن مالك-رحمة الله عليه-وذكروا له رجلًا يتنقص أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، فقرأ مالك هذه الآية: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ...)حتى بلغ(...يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ...)، فقال مالك: (من أصبح في قلبه غيظ على أحد من أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فقد أصابته الآية).
وجاء عن عبد الله بن مصعب، قال: (قال لي أمير المؤمنين المهدي: يا أبا بكر ما تقول فيمن يتنقص أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-؟، فقال: فقلت: زنادقة)أي: منافقون، (قال: ما سمعت أحدًا قال هذا قبلك!، قال: قلت له: هم قوم أرادوا رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فلم يجدوا أحدًا من الأمة يتابعهم على ذلك)يعني: إذا أرادوا الطعن في النبي-صلى الله عليه وسلم-فإن الأمة لا تقبل الطعن في النبي-صلى الله عليه وسلم-، قال: (فتنقصوا هؤلاء عند أبناء هؤلاء، وتنقصوا هؤلاء عند أبناء هؤلاء، فكأنهم قالوا: رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يصحبه صحابة سوء، وما أقبح بالرجل أن يصحبه صحابة السوء، فقال: ما أراه إلا كما قلت).
وأيضًا جاء عن أبي زرعة الرازي قال: (إذا رأيت الرجل يتنقص أحدًا من أصحاب الرسول-صلى الله عليه وسلم-فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول-صلى الله عليه وسلم-عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، إنما يريدوا أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى وهم زنادقة)، وهذا كلام أئمة أهل السنة والجماعة في أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وبيان منزلتهم.
إذًا، الصحابة-رضوان الله عليهم-هم أفضل الخلق بعد الأنبياء والرسل، لا يجوز لأحد من الناس أن يقول: يوجد من التابعين فمن بعدهم أفراد أفضل من بعض أفراد الصحابة، لا، مذهب أهل السنة والجماعة:
أولًا: تفضيل الصحابة جملة وأفرادًا على أمة محمد-صلى الله عليه وسلم-جملة وإفرادًا، هذا أولًا.
ثانيًا: نترحم عليهم ونترضى عنهم.
ثالثًا: نمسك عمَّا شجر بينهم من خلاف، فلا يقول قائل: أنا أريد أن أتعرف على ما حصل بين الصحابة-رضوان الله عليهم-من خلاف وخصام، نقول: لا، كما قال النبي-صلى الله عليه وسلم-إذا ذكر أصحابي فأمسكوا).
ويجب أن تعلم أن الصحابة-رضوان الله عليهم-حينما اختلفوا كانوا على قلب أحد رجلين، كانوا على قلب رجل ابتداءً، كانوا على قلب رجل يريد الحق، وقد انقسموا إلى قسمين:
قسم أصاب الحق فله أجران.
وقسم أراد الحق لكنه أخطأ فله أجر واحد.
فالحقيقة جميعهم مصيب للأجر ولا يجوز الخوض فيما شجر بينهم، وهذا مذهب أهل السنة والجماعة-السلف الصالح-، إذا علم هذا نعلم أن الأشرطة التي تنتشر في الأسواق من ذكر الخلاف الذي وقع بين الصحابة من بعض الناس ممن لا يعرف بالعلم بل رد عليه أهل العلم، من أمثال هؤلاء نعلم:
أولًا: أنهم أخطئوا في إقامة محاضرات وكلمات مسجلة في أشرطة عن الخلاف الذي وقع بين الصحابة، هذا خطأ.
الخطأ الثاني: من يشتري هذه الأشرطة أو يوزعها أو يسمعها، أيضًا لا شك أنه مشارك لهم في الخطأ، فالواجب علينا عدم سماع أمثال هذه الأشرطة، لما فيها من القدح في أصحاب الرسول-صلى الله عليه وسلم-.
وقد ذكر الآجري في الشريعة-رحمة الله عليه-كلامًا مهمًا في هذه المسألة، أنقله لكم باختصار، قال بعد ذكره لفضائل الصحابة: (فإن عارضنا جاهل مفتون قد خطي به عن طريق الرشاد فقال: لم قاتل فلان لفلان، من الصحابة ولم قتل فلان لفلان وفلان ؟!.
قيل له: ما بنا وبك إلى ذكر هذا حاجة تنفعنا ولا اضطرار إلى علمها.
فإن قال قائل: ولم؟.
قيل: (لأنها فتن شاهدها الصحابة-رضي الله عنهم-فكانوا فيها على حسب ما أراهم العلم بها، وكانوا أعلم بتأويلها من غيرهم، وكانوا أهدى سبيلاً ممن جاء بعدهم لأنهم أهل الجنة)، تصرفاتهم لم تكن لهوى ولم تكن بتعمد الخطأ بل هم أهل الجنة يعني: تصرفاتهم مشهود له بالصلاح، إلى أن قال: (فإن قال قائل: وأي شيء يضرنا من معرفتنا لما يجرى بيننا والبحث عنه؟)، وهذا كثير ما نسمعه من بعض الناس، يقول: ما الذي يضرنا إذا سمعنا ما حصل بين الصحابة من خلاف؟، فيقول لنا الآجري: (فإن قال قائل: وأي شيء يضرنا من معرفتنا لما جرى بينهم والبحث عنه؟، قيل له: لا شك فيه)، أنه يعني: فيه ضرر.
(وذلك أن عقول القوم كانت أكبر من عقولنا وعقولنا أنقص بكثير ولا نأمن أن نبحث عما شجر بينهم فنزل عن طريق الحق ونتخلف عما أمرنا فيهم)، يعني: ما الذي يحصل؟، يريد أن يقول: إذا تدخلنا وناقشنا وطرحنا ما حصل بين الصحابة من خلاف، فإننا نقول: فلان مصيب وفلان مخطئ، وفلان لو لم يفعل كذا لكان كذا، وفلان هو الذي سبب الفتن، وهذا سب لأصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، إذا قلنا مثل هذا الكلام شَرَعنا في سب أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
وأيضًا جاء في قلبنا بغض أو نوع من الكراهية لذاك الصحابي الذي في ظننا نحن الخاطئ القاصر أنه هو المخطئ، وأنه سبب في بعض الفتن، فالجواب: لا، نمسك عن ذلك كله ونقول: كلهم ما بين مصيب لأجرين إن أصاب الحق، وما بين مصيب لأجر واحد إن أخطأ، لأنهم كما سبق هم أهل الجنة ويريدون الحق.
ثم قال الآجري: (فإن قال قائل: وبم أمرنا فيهم؟)، يعني: بين الصحابة، قال: (أمرنا بالاستغفار لهم والترحم عليهم والمحبة لهم والإتباع لهم دل على ذلك الكتاب والسنة وقول أئمة المسلمين..)إلى آخر كلامه-رحمه الله-وهو كلام متين في الجزء الخامس(صفحة 2485)، وهو كلام مؤصل متين منه-رحمه الله تعالى-.
ثم أيضًا من مذهب أهل السنة والجماعة: أن الصحابة-رضي الله عنهم-يعني: بشرف الصحبة في درجة عالية، وهم في صحبتهم على طبقات فأشرفهم وأعلاهم العشرة المبشرين بالجنة، وأشرف هؤلاء العشرة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي، ثم بقية الستة، وهؤلاء العشرة المبشرون بالجنة جاء عن النبي-صلى الله عليه وسلم-فيما صح عنه أنه قال: (أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وأبو عبيدة في الجنة)، هكذا صرح النبي-صلى الله عليه وسلم-بأن هؤلاء العشرة من أهل الجنة.
وكل هؤلاء العشرة هم أفضل الصحابة، والعلماء بينوا أن الصحابة أفضلهم العشرة، ثم بعد ذلك من هاجر الهجرتين، ثم بعد ذلك أصحاب بيعة العقبة، ثم بعد ذلك أهل بدر، ثم أهل بيعة الرضوان، ثم من هاجر قبل الفتح وقاتل، ثم من صحب النبي-صلى الله عليه وسلم-سفرًا وحضرًا، إلى آخر التقسيمات التي ذكرها أهل العلم مبينين منازلهم، ولا يعنوا مثلًا أن بعض الصحابة نافس القدر لا، هم أولًا يثبتون لهم الفضل العالي ثم يتفاوتون في هذا الفضل، وكما سبق شرف الصحبة يثبت لمن صحب النبي-صلى الله عليه وسلم-طال الوقت أم قصر.
قال المصنف-رحمه الله تعالى-: (وكلهم يصلح للخلافة)، يعني: هؤلاء العشرة المبشرون بالجنة-رضي الله عنهم وأرضاهم-كل واحد منهم يصلح أن يكون خليفة، لم اتصف به من قوة الإيمان، ومن الحكمة، ومن العقل، ومن توفر صفات الخلافة فيه.
ولذلك لَمَّا اختاروا أبا بكر-رضي الله عنه-عهد إلى عمر، ثم لَمَّا مات عمر-رضي الله عنه-عهد إلى هؤلاء البقية أن يختاروا واحدًا منهم، لأنهم كلهم يصلحون للخلافة، وليس مراده بكل الصحابة، وإنما المراد أي العشرة المبشرون بالجنة.
ثم قال مبينًا منازلهم: (ثم أفضل الناس بعد هؤلاء أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-)، قوله: (ثم أفضل الناس بعد هؤلاء)أي: بعد هؤلاء العشرة، من هم؟، أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-القرن الأول الذين بعث فيهم، المهاجرون الأولون، والمهاجرون الأولون: هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كان عددهم ألف وأربعمائة رجل فيما ذكر أهل العلم.
ثم قال: (وهم من صلى القبلتين)، تعريف المهاجرين الأولين بأنهم من صلى القبلتين ضعيف عند أهل العلم، الصواب عندهم والراجح: أن المهاجرين الأولين: هم الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا.
ثم قال: (ثم أفضل الناس بعد هؤلاء من صحب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يومًا، أو شهرًا، أو سنة، أو أقل من ذلك أو أكثر)، وهذا كلام منه مهم، يعني: شرف الصحبة كما سبق يثبت لمن صحب النبي-صلى الله عليه وسلم-ولو كان وقتًا يسيرًا.
ثم ذكر ما الواجب علينا تجاه أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، قال: (تَرَحَّمْ عليه وتذكر فضله وتكف عن زلته ولا نذكر أحدًا منهم إلا بخير)، هذا الواجب لصحابة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، بدل أن يقيموا المحاضرات ودروس يتعرضون فيها للخلافات التي وقعت بين أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، كان الواجب عليهم أن يقيموا محاضرات يذكروا فضائلهم، وحقوقهم، وما ابلوا فيه بلاءً حسنًا في القيام بهذا الدين وتبليغه للأمة من بعدهم.
يقول المصنف مستدلًا على ذلك بقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا)، ليس المراد إذا ذكروا في موطن الثناء والمدح، إنما المراد في موطن الذم أو التنقص، وهذه إشارة منه-عليه الصلاة والسلام-إلى أنه يوجد من هذه الأمة من يحاول التنقص لأصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
والعجب أن هذا التنقص يوجد في بعض الكتب المتداول بين أيدي الناس اليوم، مثل التنقص لبعض أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-في كتاب: (في ظلال القرآن)، وفي كتاب(العدالة الإسلامية)لسيد قطب، وأيضًا التنقص لأصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-في أشرطة المعروف بطارق سويدان، فإن العلماء قد ردوا عليه وخطئوه ووصفوه بعدم أهليته للعلم، إذ أن أهل العلم قد أجمعوا على تحريم تنقص أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.
إذًا معنى قوله-عليه الصلاة والسلام-: (إذا ذكر أصحابي)أي: في موطن السوء والذم والتنقص، (فأمسكوا)أي: فأمسكوا عن الكلام وقوموا عن تلك المجالس، واهجروا تلك الكتب، ولا تسمعوا لتلك الأشرطة، هذا الواجب على كل مسلم تجاه أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، إذا تعرض أهل الأهواء والبدع للقدح والذم فيهم.
والعجب أنك تجد بعض الناس إذا ذكر فلان وفلان من الدعاة إلى الله بزعمهم، بشيء من أخطائهم وبيان شيء من ضلالاتهم غضبوا!، وقالوا كيف تطعن في فلان وفلان؟، وحذَّروا من هذا العالم السُنِّي الذي يبين أخطاء هؤلاء الدعاة التي هي فعلًا يجب على العالم أن يبين هذا الخطأ، ثم إذا ذكر لهم فلان وفلان كسيد قطب أو طارق سويدان أو غيرهم ممن ذم أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-، إذا بهم يدافعون عنهم ولا يغضبون لأصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-، وهذا يدل على أنهم أصحاب هوى، لا يريدون الحق ولا يدافعون عن أهله.
قال سفيان بن عيينة: (من نطق في أصحاب رسول الله-صلى الله عليه وسلم-بكلمة فهو صاحب هوى)، يعني: ولو كلمة، ما هو شرط يؤلف كتب طعنهم، من تنقص أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-في مجلس، في محاضرة، في كتاب، وليس في موطن واحد، فإن هذا التنقص دليل على أنه صاحب هوى، لا يعقل من رجل مسلم يحب الله ويحب الرسول أن يتنقص أحدًا من أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-.
أولًا: للنصوص المتواترة من الكتاب والسنة على فضل مكانتهم، وذم من تعرض لهم.
ثانيًا: لفضلهم على هذه الأمة، إذ أن القرآن والسنة إنما وصلنا عن طريق ماذا؟، عن طريق هؤلاء الأصحاب-رضوان الله عليهم-، فلا يعقل لمسلم يعقل ما يخرج من رأسه أن يتنقص أحدًا من أصحاب النبي-صلى الله عليه وسلم-.
ثم ذكر المصنف-رحمه الله-قول النبي-صلى الله عليه وسلم-: (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم)، وهذا حديث ليس بصحيح، هذا حديث ضعيف جدًا، نعم.
هذه المادة أخذت من شرح السنة للبربهاي
قام بتفريغه: أبو عبيدة منجد بن فضل الحداد
الأحد الموافق: 17/شوال/1431 للهجرة النبوية الشريفة.
لقراءة الملف منسق:
جزا الله الصحابة عنا كل خير
لسماع المادة الصوتية:
جزا الله فضيلة الشيخ خير الجزاء