َأوْلُ مَن ادَعَى نِسْبَةَ القَبْرِ فِي النَّجَفِ لِعَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ-رضي الله عنه-
بين العلماءُ أن أولَ من فرى فرية أن قبر علي-رضي الله عنه- في النجف، ونشره وتولى كبر هذا الكذب هي دولة بني بويه، وبالتحديد حسن بن بويه الديلمي.
وإليك أخي أقوال العلماء في ذلك:
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في "الفتاوى"(4/502): "وَإِنَّمَا اتَّخَذُوا ذَلِكَ مَشْهَدًا فِي مُلْكِ بَنِي بويه -الْأَعَاجِمِ- بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ، وَرَوَوْا حِكَايَةً فِيهَا: أَنَّ الرَّشِيدَ كَانَ يَأْتِي إلَى تِلْكَ وَأَشْيَاءَ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ ". ا.هـ
وقال أيضاً (27/446–447): وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا أُظْهِرَ –أي: قبر علي- بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَوْتِ عَلِيٍّ فِي إمَارَةِ بَنِي بويه، وَذَكَرُوا أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ حِكَايَةٌ بَلَغَتْهُمْ عَنْ الرَّشِيدِ أَنَّهُ أَتَى إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَجَعَلَ يَعْتَذِرُ إلَى مَنْ فِيهِ مِمَّا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ، وَبِمِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ لَا يَقُومُ شَيْءٌ، فَالرَّشِيدُ أَيْضًا لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ.
وَلَعَلَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ إنْ صَحَّتْ عَنْهُ فَقَدْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قِيلَ لِغَيْرِهِ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ يَقُولُونَ: إنَّ عَلِيًّا إنَّمَا دُفِنَ فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ بِالْكُوفَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، وَهَكَذَا هُوَ السُّنَّةُ ؛ فَإِنَّ حَمْلَ مَيِّتٍ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ لَيْسَ فِيهِ فَضِيلَةُ أَمْرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ؛ فَلَا يُظَنُّ بِآلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ، وَلَا يَظُنُّهُ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ خَفِيَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ ثَلَاثُمِائَةِ سَنَةٍ حَتَّى أَظْهَرَهُ قَوْمٌ مِنْ الْأَعَاجِمِ الْجُهَّالِ ذَوِي الْأَهْوَاءِ. ا.هـ
وقال الذهبي في "السير"(16/250): عند ترجمةِ حسنِ بنِ بُوَيْه الدَّيْلَمِيُّ: "نُقلَ أَنَّهُ لَمَّا احتُضرَ مَا انطلقَ لساَنُهُ إِلاَّ بِقَولِهِ تَعَالَى: ((مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ))[الحاقة:28-29]، وَمَاتَ بعلَّةِ الصَّرَعِ، وَكَانَ شِيْعِيّاً جَلِداً أظهرَ بِالنَّجفِ قَبْراً زَعَمَ أَنَّهُ قَبْرُ الإِمَامِ عَلِيٍّ، وَبنَى عَلَيْهِ المَشْهَدَ، وَأَقَامَ شعَارَ الرَّفْضِ، وَمأْتمَ عَاشُورَاءَ، وَالاعتزَالَ، وَأَنشَأَ بِبَغْدَادَ البيمَارِستَانَ العَضُدِيَّ وَهُوَ كَاملٌ فِي مَعْنَاهُ، لكنَّهُ تَلاَشَى الآنَ". ا.هـ
وأما الشيعة فإنهم يذكرون رواياتٍ لإثبات أنه قبرُ علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- فيقولون: يُروى في قصة اكتشاف قبر الإمام علي (عليه السلام) كما يذكر صاحب (إرشاد القلوب): عن صفوان الجمال قال: لما وافيت مولاي الصادق (عليه السلام) الغري -يعني النجف الأشرف- حيث أحضر المنصور العباسي الإمام من المدينة إلى الكوفة عاصمة العباسيين قبل بناء بغداد، قال الإمام الصادق (عليه السلام) لي: [[يا صفوان! أنخ الناقة، فإن هذا حرم جدي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأنختها فنزل الإمام، واغتسل وغيّر ثوبه إلى أن قال: بلغنا القبر فوقف الإمام الصادق (عليه السلام) ونظر يمنة ويسرة ثم أرسل دمعة، وقال: إنّا لله وإنا إليه راجعون. ثم قال: السلام عليكم أيها الوصي البر التقي. السلام عليكم أيها النبأ العظيم. ثم انكب الإمام على القبر وقال: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين يا نور الله التام.. إلى آخر الزيارة. قال صفوان الجمال قلت: يا سيدي! أتأذن لي أن أخبر أصحابك من أهل الكوفة فقال: نعم. وأعطاني دراهم فأصلحت القبر وبنيت فوقه كوّة]].
وبقيت معرفة قبر الإمام مقتصرة على نفر من المقربين الخواص لأهل البيت (عليهم السلام). حتى ظهر بشكل علني وبدأ يزوره الناس في أيام الخليفة العباسي هارون الرشيد، حيث يُروى في (إرشاد القلوب) عن عبد الله بن حازم يقول: [[خرجنا يوماً مع الرشيد في الكوفة للصيد فصرنا إلى ناحية الغريّ فرأينا ظباءً فأرسلنا عليها الصقور والكلاب فحاولتها ساعة ثم لجأت الظباء إلى أكمة فسقطت عليها، وفزعت الصقور ناحية وارتدت الكلاب، فتعجب الرشيد من ذلك، ثم إن الظباء هبطت من الأكمة فتراجعت عنها الكلاب والصقور ففعلت ذلك ثلاثاً فقال الرشيد: آتوني بأكبر رجل في الكوفة، فجيء برجل شيخ من بني سعد، فقال له: ما هذه؟ قال: إن أعطيتني الأمان أبلغتك، قال: لك عهد الله وميثاقه ألاّ أهيجك ولا أوذيك، فقال: أخبرني أبي عن أجداده أن هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب (عليه السلام)، جعله الله حرماً لا يأوي إليه أحد إلاّ أمن.
فنزل هارون الرشيد ودعا بماء فتوضأ وصلى عند الأكمة وتمرّغ عليها فجعل يبكي وأمر ببناء على القبر وجعل له أربعة أبواب وعلق بعض المقربين إليه من حاشيته -ويبدو أنه كان من أصحاب الحظوة- بقوله: (تفعل بقبره هذا وتحبس أولاده) وكان هذا سنة 170هـ، وكان أول بناء على القبر وإعلان عنه]]. ا.هـ
وصاحبُ كتاب "إرشاد القلوب"هو أبو محمد حسنُ بن أبي الحسن محمد الديلمي الشيعي (ت 760 )، وهو في مجلدين كما أشار إلى ذلك صاحب كتاب "هداية العارفين"(ص:22، وهو كتاب يرجع إليه الشيعة كثيراً.
وربما قول شيخ الإسلام: "وَذَكَرُوا أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ حِكَايَةٌ بَلَغَتْهُمْ عَنْ الرَّشِيدِ أَنَّهُ أَتَى إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَجَعَلَ يَعْتَذِرُ إلَى مَنْ فِيهِ مِمَّا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ ". هو ما أورده الديلمي آنفا في "إرشاد القلوب"، والله أعلم.
بين العلماءُ أن أولَ من فرى فرية أن قبر علي-رضي الله عنه- في النجف، ونشره وتولى كبر هذا الكذب هي دولة بني بويه، وبالتحديد حسن بن بويه الديلمي.
وإليك أخي أقوال العلماء في ذلك:
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ في "الفتاوى"(4/502): "وَإِنَّمَا اتَّخَذُوا ذَلِكَ مَشْهَدًا فِي مُلْكِ بَنِي بويه -الْأَعَاجِمِ- بَعْدَ مَوْتِ عَلِيٍّ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ، وَرَوَوْا حِكَايَةً فِيهَا: أَنَّ الرَّشِيدَ كَانَ يَأْتِي إلَى تِلْكَ وَأَشْيَاءَ لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ ". ا.هـ
وقال أيضاً (27/446–447): وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا أُظْهِرَ –أي: قبر علي- بَعْدَ نَحْوِ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ مَوْتِ عَلِيٍّ فِي إمَارَةِ بَنِي بويه، وَذَكَرُوا أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ حِكَايَةٌ بَلَغَتْهُمْ عَنْ الرَّشِيدِ أَنَّهُ أَتَى إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَجَعَلَ يَعْتَذِرُ إلَى مَنْ فِيهِ مِمَّا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ، وَبِمِثْلِ هَذِهِ الْحِكَايَةِ لَا يَقُومُ شَيْءٌ، فَالرَّشِيدُ أَيْضًا لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ.
وَلَعَلَّ هَذِهِ الْحِكَايَةَ إنْ صَحَّتْ عَنْهُ فَقَدْ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا قِيلَ لِغَيْرِهِ، وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ يَقُولُونَ: إنَّ عَلِيًّا إنَّمَا دُفِنَ فِي قَصْرِ الْإِمَارَةِ بِالْكُوفَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ، وَهَكَذَا هُوَ السُّنَّةُ ؛ فَإِنَّ حَمْلَ مَيِّتٍ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى مَكَانٍ بَعِيدٍ لَيْسَ فِيهِ فَضِيلَةُ أَمْرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ؛ فَلَا يُظَنُّ بِآلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ فَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ، وَلَا يَظُنُّهُ أَيْضًا أَنَّ ذَلِكَ خَفِيَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ ثَلَاثُمِائَةِ سَنَةٍ حَتَّى أَظْهَرَهُ قَوْمٌ مِنْ الْأَعَاجِمِ الْجُهَّالِ ذَوِي الْأَهْوَاءِ. ا.هـ
وقال الذهبي في "السير"(16/250): عند ترجمةِ حسنِ بنِ بُوَيْه الدَّيْلَمِيُّ: "نُقلَ أَنَّهُ لَمَّا احتُضرَ مَا انطلقَ لساَنُهُ إِلاَّ بِقَولِهِ تَعَالَى: ((مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ))[الحاقة:28-29]، وَمَاتَ بعلَّةِ الصَّرَعِ، وَكَانَ شِيْعِيّاً جَلِداً أظهرَ بِالنَّجفِ قَبْراً زَعَمَ أَنَّهُ قَبْرُ الإِمَامِ عَلِيٍّ، وَبنَى عَلَيْهِ المَشْهَدَ، وَأَقَامَ شعَارَ الرَّفْضِ، وَمأْتمَ عَاشُورَاءَ، وَالاعتزَالَ، وَأَنشَأَ بِبَغْدَادَ البيمَارِستَانَ العَضُدِيَّ وَهُوَ كَاملٌ فِي مَعْنَاهُ، لكنَّهُ تَلاَشَى الآنَ". ا.هـ
وأما الشيعة فإنهم يذكرون رواياتٍ لإثبات أنه قبرُ علي بن أبي طالب-رضي الله عنه- فيقولون: يُروى في قصة اكتشاف قبر الإمام علي (عليه السلام) كما يذكر صاحب (إرشاد القلوب): عن صفوان الجمال قال: لما وافيت مولاي الصادق (عليه السلام) الغري -يعني النجف الأشرف- حيث أحضر المنصور العباسي الإمام من المدينة إلى الكوفة عاصمة العباسيين قبل بناء بغداد، قال الإمام الصادق (عليه السلام) لي: [[يا صفوان! أنخ الناقة، فإن هذا حرم جدي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأنختها فنزل الإمام، واغتسل وغيّر ثوبه إلى أن قال: بلغنا القبر فوقف الإمام الصادق (عليه السلام) ونظر يمنة ويسرة ثم أرسل دمعة، وقال: إنّا لله وإنا إليه راجعون. ثم قال: السلام عليكم أيها الوصي البر التقي. السلام عليكم أيها النبأ العظيم. ثم انكب الإمام على القبر وقال: بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين يا نور الله التام.. إلى آخر الزيارة. قال صفوان الجمال قلت: يا سيدي! أتأذن لي أن أخبر أصحابك من أهل الكوفة فقال: نعم. وأعطاني دراهم فأصلحت القبر وبنيت فوقه كوّة]].
وبقيت معرفة قبر الإمام مقتصرة على نفر من المقربين الخواص لأهل البيت (عليهم السلام). حتى ظهر بشكل علني وبدأ يزوره الناس في أيام الخليفة العباسي هارون الرشيد، حيث يُروى في (إرشاد القلوب) عن عبد الله بن حازم يقول: [[خرجنا يوماً مع الرشيد في الكوفة للصيد فصرنا إلى ناحية الغريّ فرأينا ظباءً فأرسلنا عليها الصقور والكلاب فحاولتها ساعة ثم لجأت الظباء إلى أكمة فسقطت عليها، وفزعت الصقور ناحية وارتدت الكلاب، فتعجب الرشيد من ذلك، ثم إن الظباء هبطت من الأكمة فتراجعت عنها الكلاب والصقور ففعلت ذلك ثلاثاً فقال الرشيد: آتوني بأكبر رجل في الكوفة، فجيء برجل شيخ من بني سعد، فقال له: ما هذه؟ قال: إن أعطيتني الأمان أبلغتك، قال: لك عهد الله وميثاقه ألاّ أهيجك ولا أوذيك، فقال: أخبرني أبي عن أجداده أن هذه الأكمة قبر علي بن أبي طالب (عليه السلام)، جعله الله حرماً لا يأوي إليه أحد إلاّ أمن.
فنزل هارون الرشيد ودعا بماء فتوضأ وصلى عند الأكمة وتمرّغ عليها فجعل يبكي وأمر ببناء على القبر وجعل له أربعة أبواب وعلق بعض المقربين إليه من حاشيته -ويبدو أنه كان من أصحاب الحظوة- بقوله: (تفعل بقبره هذا وتحبس أولاده) وكان هذا سنة 170هـ، وكان أول بناء على القبر وإعلان عنه]]. ا.هـ
وصاحبُ كتاب "إرشاد القلوب"هو أبو محمد حسنُ بن أبي الحسن محمد الديلمي الشيعي (ت 760 )، وهو في مجلدين كما أشار إلى ذلك صاحب كتاب "هداية العارفين"(ص:22، وهو كتاب يرجع إليه الشيعة كثيراً.
وربما قول شيخ الإسلام: "وَذَكَرُوا أَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ حِكَايَةٌ بَلَغَتْهُمْ عَنْ الرَّشِيدِ أَنَّهُ أَتَى إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ وَجَعَلَ يَعْتَذِرُ إلَى مَنْ فِيهِ مِمَّا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذُرِّيَّةِ عَلِيٍّ ". هو ما أورده الديلمي آنفا في "إرشاد القلوب"، والله أعلم.
تعليق