المؤلف :
عمر بن شبةهو الحافظ العلامة الأخباري الثقة ، أبو زيد عمر بن شبة بن عبيدة بن زبد النميري البصري ، ولد بالبصرة سنة 173هـ لذلك نسب إليها ، ثم سكن بغداد حتى تحول عنها – على إثر ظهور فتنة القول بخلق القرآن – ، وتوفي سنة 262هـ.
وكان أبو زيد متعدد المواهب ، واسع الثقافة ، فهو شاعر ، وأديب ، ونحوي ، وعالم بالسير والأخبار وأيام الناس ، وله مشاركة في رواية الأحاديث النبوية ، فقد أخرج له ابن ماجة ، وقال عنه ابن أبي حاتم : (كتبت عنه مع أبي ، وهو صدوق صاحب عربية وأدب) ، ووثقه الدارقطني ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال : مستقيم الحديث ، وكان صاحب أدب وشعر وأخبار ومعرفة بأيام الناس.
وقال الخطيب البغدادي : وكان ثقة عالماً بالسير وأيام الناس وله تصانيف كثيرة. وقال المرزباني : عمر بن شبة أديب فقيه واسع الرواية صدوق ثقة.
وقد روى ابن شبة العلم عن عدد من علماء عصره نذكر منهم عبد الوهاب الثقفي ، وحسين الجعفي ، والمدائني ، وأبا داود الطيالسي ، وابن مهدي ، ويحيى بن سعيد القطان ، والأصمعي ، وأبو زيد الأنصاري النحوي ، ومحمد بن جعفر غندر ، ومحمد بن أبي عدي ، وعفان بن مسلم ، والوليد بن هشان القحذمي ، وأبو عاصم النبيل ، وإبراهيم بن المنذر ، ومحمد بن سلام الجمحي ، وغيرهم.
وقد روى العلم عنه ابن ماجة، وأبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني ، وأحمد بن يحيى ثعلب النحوي ، وأحمد بن يحيى البلاذري ، وابن أبي الدنيا ، ويحيى بن صاعد ، وابن أبي حاتم ، وإسماعيل بن العباس الوراق ، وأحمد بن عبد العزيز الجوهري ، وأبو العباس السراج ، ومحمد بن أحمد الأثرم ، ومحمد بن مخلد الدوري ، وغيرهم.
ولقد امتحن عمر بن شبة كغيره من العلماء في ذلك العصر بفتنة القول بخلق القرآن. ويروي الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي علي العنزي قال : (امتحن عمر بن شبة بسر من رأي بحضرتي. فقال : القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، فقالوا له : فتقول من وقف فهو كافر ، فقال : لا أكفر أحداً ، فقالوا له : أنت كافر ، ومزقوا كتبه ، فلزم بيته وحلف أن لا يحدث شهراً) وهذا الموقف منه يدل على سلامة عقيدته وعلى صبره وتحمله الأذى في سبيل ذلك.
وقد خلف أبو زيد عمر بن شبة كثيراً من المؤلفات في نواحي شتى من الثقافة والعلم ، فذكر ابن النديم له زهاء عشرين كتاباً ، منها كتاب الكوفة ، والبصرة ، ومكة ، والمدينة ، ومقتل عثمان ، والشعر والشعراء ، والتاريخ ، وأخبار المنصور ، وكتاب أشعار الشراه ، وكتاب النسب ، وأخبار بني نمير ، وكتاب الاستعانة بالشعر ، وكتاب الاستعظام للنحو ومن كان يلحن من النحويين.
ولا يعرف اليوم من كتب ابن شبه سوى كتاب (تاريخ المدينة) وقد نقل الحافظ ابن حجر من كتاب ابن شبة عن البصرة نصاً طويلاًُ فقد قال في الفتح : وقد جمع عمر بن شبة في كتاب (أخبار البصرة) قصة الجمل مطولة وها أنا ألخصها وأقتصر على ما أورده بسند صحيح أو حسن وأبين ما عداه. كما نقل نصاً آخر من كتاب مكة له. وأشار له السخاوي بقوله: إنه عند ابن فهد بخطه في مجلد ، وهو على نمط كتابي الأزرقي والفاكهي.
الكتاب :
أما تاريخ المدينة: فقد عثر على مخطوطة له في إحدى المكتبات الخاصة في المدينة، وهذه النسخة مخرومة في مواضع متعددة في أولها وفي وسطها وفي آخرها. كما يقول محققها الأستاذ فهيم شلتوت.
وكتاب تاريخ المدينة في صورته التي وصلت إلينا يضم ثلاثة أقسام، أولها عن تاريخ المدينة وخططها في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ناقص في أوله. ومن آخره ، ولا يخلو من سقط في مواضع متعددة في وسطه ، كما أن الأحداث التي ذكرها غير مرتبة ترتيباً تاريخياً ، فنجده مثلاً يذكر قدوم عروة بن مسعود الثقفي وإسلامه ، ثم سرية نخلة ، ثم هجرة صهيب وخباب وعمار ، ثم هجرة عمر بن الخطاب ، كما أنه يذكر بعض المباحث الفقهية ، ومباحث في الفيء والأموال ومباحث في الخطط مثل المساجد والمقابر ، والأودية والسيول والآبار والمزارع ومنازل القبائل ودورها ، وحدود المدينة وجبالها.
والقسم الثاني : عن خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أما خلافة أبي بكر الصديق فهي غير مذكورة في هذا القسم من المخطوطة ، وقد افترض الأستاذ فهيم أحد فرضين لتفسير ذلك ، إما أن ابن شبة لم يكتب شيئاً عن خلافة أبي بكر ، أو أنها سقطت من المخطوطة. والذي أراه أن الافتراض الأول لا مبرر له.
والقسم الثالث : عن حياة أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعن الفتنة في عهده وحتى استشهاده رضي الله عنه على أيدي أهل الفتنة. وقد توسع في أخبار الفتنة وذكر مواقف كبار الصحابة من ذلك ، ويتوقف الموجود من الكتاب هنا ، لكن الطبري ينقل عن ابن شبة روايات كثيرة عن تاريخ المدينة طوال العهد الأموي ، والفترة الأولى من العهد الأموي ، والفترة الأولى من العهد العباسي ، خاصة ثورة محمد بن عبد الله بن حسن العلوي بالمدينة أيام المنصور ، وثورة السودان بالمدينة سنة 145م.
ومنهج ابن شبة في كتاب تاريخ المدينة وراية الأخبار بالأسانيد على طريقة المحدثين، ولم يجمع الأسانيد كما فعل من سبقه من الأخباريين وأهل السير كمحمد بن إسحاق ، والوا قدي ، وابن سعد ، ولكن أسانيده ليست كلها موصولة ، بل منها الموصول ، ومنها المنقطع ، ومنها المعلق ، وكذلك مصادرة ورجاله ليست بدرجة واحدة في الثقة بل منها المقبول ، والمردود ، وتحتاج إلى دارسة حديثية لمعرفة الصحيح ، من الضعيف ، من الموضوع.
فمثلاً نجده يسند الخبر إلى مجهول فيقول: أخبرني بعض مشيختنا، حدثني أحمد ابن معاوية ، عن رجل من قريش ، ذكر الأصمعي فيما حدثني عنه من أثق به ، حدثنا محمد بن يحيى ، قال حدثني من أثق به ، وأحياناً يحذف جزءاً من الإسناد حدثنا عبد الله بن قانع في إسناد ذكره قال.
وأحياناً يعلق الخبر أو لعله ينقل من كتب تحت يده فينسب القول إلى قائله مباشرة دون ذكر السند. فيقول: قال ابن إسحاق، وقال هشام ، وقال الواقدي. وقال مالك، وقال أبو مخنف، وعن الحسن بن الحسن ، وعن عائشة رضي الله عنها ، وعن زيد بن أسلم ، وعن سالم بن عبد الله ، وعن محمد بن سعد ، وكتبت من كتاب إسحاق بن إدريس ولا أعلمه إلا قرأه علي ، ومما وجدت في كتاب إبي غسان وقرأه علي ، ولا أدري أنسبه إلى ابن شهاب أم لا.
ومن الملاحظ أن يروي عن الشخص الواحد ممن لقيه بالعلو والنزول، مما يدل على عدم تدليسه في الرواية ، فمثلاً شيخه أبو غسان محمد بن يحيى الكتاني يروي عن بصيغة التحديث فيقول حدثنا أبو غسان ، أو حدثنا محمد بن يحيى ويقول : قال أبو غسان ، ويقول : حدثنا عن أبي غسان ، ويقول : ( ومما وجدت في كتاب أبي غسان).
وكذلك الواقدي روى عنه بواسطة، وبصيغة التحديث وبصيغة التعليق، قال الواقدي، كما أنه روى عن محمد بن إسحاق تعليقاً وبواسطة وبصيغة التحديث.
ونقده للروايات قليل، ويكتفي بإشارات بسيطة على طريقة العلماء في عصره في الاكتفاء بإيراد الأسانيد وبالإشارة الموجزة أحياناً إلى ضعف الرواية أو مناقضتها لرواية أخرى.
وطريقة ابن شبة هي طريقة من قبله ومن عاصره من المؤرخين الذين رتبوا كتبهم على النمط الموضوعي مع التزام الإسناد، وهو من أشدهم التزاماً له، وبالنسبة للمنهج التاريخي فإنه لم يأت بجديد ، بل إن كتابه بالصورة التي وصلت إلينا يفتقد التنسيق والترتيب التاريخي ، وقد يكون هذا الاضطراب من أثر النساخ.
وابن شبة في تاريخه للمدينة لم ينهج نهج المحدثين الذي أرخوا للمدن بتراجم علمائها والواردين عليها، كما فعل بحشل في تاريخ واسط، والسهمي، في تاريخ جرجان، وأبو عبد الله الحاكم في تاريخ نيسابور، والبغدادي في تاريخ بغداد ، وإنما أرخ للمدينة تاريخاً عمرانياً وسياسياً ، وتأتي أهمية المعلومات التي ذكرها في كتابه عن الخطط العمرانية للمدينة وتسجيل الأحداث الأولى في تاريخ الدولة الإسلامية بكونها أقدم نصوص وصلت إلينا في هذه الموضوعات.
****************
المصدر : منهج كتابة التاريخ الإسلامي ، للدكتور محمد بن صامل السلمي ، ص490
عمر بن شبةهو الحافظ العلامة الأخباري الثقة ، أبو زيد عمر بن شبة بن عبيدة بن زبد النميري البصري ، ولد بالبصرة سنة 173هـ لذلك نسب إليها ، ثم سكن بغداد حتى تحول عنها – على إثر ظهور فتنة القول بخلق القرآن – ، وتوفي سنة 262هـ.
وكان أبو زيد متعدد المواهب ، واسع الثقافة ، فهو شاعر ، وأديب ، ونحوي ، وعالم بالسير والأخبار وأيام الناس ، وله مشاركة في رواية الأحاديث النبوية ، فقد أخرج له ابن ماجة ، وقال عنه ابن أبي حاتم : (كتبت عنه مع أبي ، وهو صدوق صاحب عربية وأدب) ، ووثقه الدارقطني ، وذكره ابن حبان في الثقات وقال : مستقيم الحديث ، وكان صاحب أدب وشعر وأخبار ومعرفة بأيام الناس.
وقال الخطيب البغدادي : وكان ثقة عالماً بالسير وأيام الناس وله تصانيف كثيرة. وقال المرزباني : عمر بن شبة أديب فقيه واسع الرواية صدوق ثقة.
وقد روى ابن شبة العلم عن عدد من علماء عصره نذكر منهم عبد الوهاب الثقفي ، وحسين الجعفي ، والمدائني ، وأبا داود الطيالسي ، وابن مهدي ، ويحيى بن سعيد القطان ، والأصمعي ، وأبو زيد الأنصاري النحوي ، ومحمد بن جعفر غندر ، ومحمد بن أبي عدي ، وعفان بن مسلم ، والوليد بن هشان القحذمي ، وأبو عاصم النبيل ، وإبراهيم بن المنذر ، ومحمد بن سلام الجمحي ، وغيرهم.
وقد روى العلم عنه ابن ماجة، وأبو شعيب عبد الله بن الحسن الحراني ، وأحمد بن يحيى ثعلب النحوي ، وأحمد بن يحيى البلاذري ، وابن أبي الدنيا ، ويحيى بن صاعد ، وابن أبي حاتم ، وإسماعيل بن العباس الوراق ، وأحمد بن عبد العزيز الجوهري ، وأبو العباس السراج ، ومحمد بن أحمد الأثرم ، ومحمد بن مخلد الدوري ، وغيرهم.
ولقد امتحن عمر بن شبة كغيره من العلماء في ذلك العصر بفتنة القول بخلق القرآن. ويروي الخطيب البغدادي بسنده إلى أبي علي العنزي قال : (امتحن عمر بن شبة بسر من رأي بحضرتي. فقال : القرآن كلام الله ليس بمخلوق ، فقالوا له : فتقول من وقف فهو كافر ، فقال : لا أكفر أحداً ، فقالوا له : أنت كافر ، ومزقوا كتبه ، فلزم بيته وحلف أن لا يحدث شهراً) وهذا الموقف منه يدل على سلامة عقيدته وعلى صبره وتحمله الأذى في سبيل ذلك.
وقد خلف أبو زيد عمر بن شبة كثيراً من المؤلفات في نواحي شتى من الثقافة والعلم ، فذكر ابن النديم له زهاء عشرين كتاباً ، منها كتاب الكوفة ، والبصرة ، ومكة ، والمدينة ، ومقتل عثمان ، والشعر والشعراء ، والتاريخ ، وأخبار المنصور ، وكتاب أشعار الشراه ، وكتاب النسب ، وأخبار بني نمير ، وكتاب الاستعانة بالشعر ، وكتاب الاستعظام للنحو ومن كان يلحن من النحويين.
ولا يعرف اليوم من كتب ابن شبه سوى كتاب (تاريخ المدينة) وقد نقل الحافظ ابن حجر من كتاب ابن شبة عن البصرة نصاً طويلاًُ فقد قال في الفتح : وقد جمع عمر بن شبة في كتاب (أخبار البصرة) قصة الجمل مطولة وها أنا ألخصها وأقتصر على ما أورده بسند صحيح أو حسن وأبين ما عداه. كما نقل نصاً آخر من كتاب مكة له. وأشار له السخاوي بقوله: إنه عند ابن فهد بخطه في مجلد ، وهو على نمط كتابي الأزرقي والفاكهي.
الكتاب :
أما تاريخ المدينة: فقد عثر على مخطوطة له في إحدى المكتبات الخاصة في المدينة، وهذه النسخة مخرومة في مواضع متعددة في أولها وفي وسطها وفي آخرها. كما يقول محققها الأستاذ فهيم شلتوت.
وكتاب تاريخ المدينة في صورته التي وصلت إلينا يضم ثلاثة أقسام، أولها عن تاريخ المدينة وخططها في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ناقص في أوله. ومن آخره ، ولا يخلو من سقط في مواضع متعددة في وسطه ، كما أن الأحداث التي ذكرها غير مرتبة ترتيباً تاريخياً ، فنجده مثلاً يذكر قدوم عروة بن مسعود الثقفي وإسلامه ، ثم سرية نخلة ، ثم هجرة صهيب وخباب وعمار ، ثم هجرة عمر بن الخطاب ، كما أنه يذكر بعض المباحث الفقهية ، ومباحث في الفيء والأموال ومباحث في الخطط مثل المساجد والمقابر ، والأودية والسيول والآبار والمزارع ومنازل القبائل ودورها ، وحدود المدينة وجبالها.
والقسم الثاني : عن خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، أما خلافة أبي بكر الصديق فهي غير مذكورة في هذا القسم من المخطوطة ، وقد افترض الأستاذ فهيم أحد فرضين لتفسير ذلك ، إما أن ابن شبة لم يكتب شيئاً عن خلافة أبي بكر ، أو أنها سقطت من المخطوطة. والذي أراه أن الافتراض الأول لا مبرر له.
والقسم الثالث : عن حياة أمير المؤمنين عثمان بن عفان وعن الفتنة في عهده وحتى استشهاده رضي الله عنه على أيدي أهل الفتنة. وقد توسع في أخبار الفتنة وذكر مواقف كبار الصحابة من ذلك ، ويتوقف الموجود من الكتاب هنا ، لكن الطبري ينقل عن ابن شبة روايات كثيرة عن تاريخ المدينة طوال العهد الأموي ، والفترة الأولى من العهد الأموي ، والفترة الأولى من العهد العباسي ، خاصة ثورة محمد بن عبد الله بن حسن العلوي بالمدينة أيام المنصور ، وثورة السودان بالمدينة سنة 145م.
ومنهج ابن شبة في كتاب تاريخ المدينة وراية الأخبار بالأسانيد على طريقة المحدثين، ولم يجمع الأسانيد كما فعل من سبقه من الأخباريين وأهل السير كمحمد بن إسحاق ، والوا قدي ، وابن سعد ، ولكن أسانيده ليست كلها موصولة ، بل منها الموصول ، ومنها المنقطع ، ومنها المعلق ، وكذلك مصادرة ورجاله ليست بدرجة واحدة في الثقة بل منها المقبول ، والمردود ، وتحتاج إلى دارسة حديثية لمعرفة الصحيح ، من الضعيف ، من الموضوع.
فمثلاً نجده يسند الخبر إلى مجهول فيقول: أخبرني بعض مشيختنا، حدثني أحمد ابن معاوية ، عن رجل من قريش ، ذكر الأصمعي فيما حدثني عنه من أثق به ، حدثنا محمد بن يحيى ، قال حدثني من أثق به ، وأحياناً يحذف جزءاً من الإسناد حدثنا عبد الله بن قانع في إسناد ذكره قال.
وأحياناً يعلق الخبر أو لعله ينقل من كتب تحت يده فينسب القول إلى قائله مباشرة دون ذكر السند. فيقول: قال ابن إسحاق، وقال هشام ، وقال الواقدي. وقال مالك، وقال أبو مخنف، وعن الحسن بن الحسن ، وعن عائشة رضي الله عنها ، وعن زيد بن أسلم ، وعن سالم بن عبد الله ، وعن محمد بن سعد ، وكتبت من كتاب إسحاق بن إدريس ولا أعلمه إلا قرأه علي ، ومما وجدت في كتاب إبي غسان وقرأه علي ، ولا أدري أنسبه إلى ابن شهاب أم لا.
ومن الملاحظ أن يروي عن الشخص الواحد ممن لقيه بالعلو والنزول، مما يدل على عدم تدليسه في الرواية ، فمثلاً شيخه أبو غسان محمد بن يحيى الكتاني يروي عن بصيغة التحديث فيقول حدثنا أبو غسان ، أو حدثنا محمد بن يحيى ويقول : قال أبو غسان ، ويقول : حدثنا عن أبي غسان ، ويقول : ( ومما وجدت في كتاب أبي غسان).
وكذلك الواقدي روى عنه بواسطة، وبصيغة التحديث وبصيغة التعليق، قال الواقدي، كما أنه روى عن محمد بن إسحاق تعليقاً وبواسطة وبصيغة التحديث.
ونقده للروايات قليل، ويكتفي بإشارات بسيطة على طريقة العلماء في عصره في الاكتفاء بإيراد الأسانيد وبالإشارة الموجزة أحياناً إلى ضعف الرواية أو مناقضتها لرواية أخرى.
وطريقة ابن شبة هي طريقة من قبله ومن عاصره من المؤرخين الذين رتبوا كتبهم على النمط الموضوعي مع التزام الإسناد، وهو من أشدهم التزاماً له، وبالنسبة للمنهج التاريخي فإنه لم يأت بجديد ، بل إن كتابه بالصورة التي وصلت إلينا يفتقد التنسيق والترتيب التاريخي ، وقد يكون هذا الاضطراب من أثر النساخ.
وابن شبة في تاريخه للمدينة لم ينهج نهج المحدثين الذي أرخوا للمدن بتراجم علمائها والواردين عليها، كما فعل بحشل في تاريخ واسط، والسهمي، في تاريخ جرجان، وأبو عبد الله الحاكم في تاريخ نيسابور، والبغدادي في تاريخ بغداد ، وإنما أرخ للمدينة تاريخاً عمرانياً وسياسياً ، وتأتي أهمية المعلومات التي ذكرها في كتابه عن الخطط العمرانية للمدينة وتسجيل الأحداث الأولى في تاريخ الدولة الإسلامية بكونها أقدم نصوص وصلت إلينا في هذه الموضوعات.
****************
المصدر : منهج كتابة التاريخ الإسلامي ، للدكتور محمد بن صامل السلمي ، ص490
تعليق