أسطورة: "وامعتصماه"
التاريخ لا يصلح مرجعاً في أمور الشريعة؛ لأن التاريخ مبني على ظن كاتبه وعاطفته، والشريعة مبنية على يقين الوحي في الكتاب والسنة وفقه الأئمة الأولين في نصوصه.
ولكن النفس البشرية (إلا ما رحم ربي) تميل إلى الباطل ويثقل عليها الحق؛ وقد استجاب أكثر خطباء ووعاظ القصص والفكر والحركية ـ في العقود الثلاثة الأخيرة ـ لدواعي الهوى والعاطفة من النفس، ودوافع النفث والتسويل من الشيطان؛ فحولوا أكثر دروس العلم الشرعي وحلق الذكر وخطب الجمعة إلى أساطير من كتب التاريخ يحسبها الظمآن ماء حتى إذا جاءها وجدها ألواناً من السراب تبعده عن الماء وتصده عن الصراط المستقيم إليه.
ومن هذه الأساطير أسطورة ألهبت حماس الشباب وحناجرهم وعواطفهم وأضاعت شرع الله لخطبة الجمعة التي فرضها الله مرة في الأسبوع لتعليم المسلمين أحكام الإسلام وتذكيرهم بأيام الله وآلائه وإعدادهم للقائه وحسابه وجزائه.
مجمل الأسطورة: أن علجاً من الروم أهان امرأة مسلمة فصرخت: وامعتصماه؛ فحركت صرختها غيرة المعتصم وغضبه فأوطأ جيش المسلمين أرض الروم أخذا بثأر المرأة التي استنجدت به، وهدف الأسطورة تقديم مثل صالح قدوة لقادة المسلمين لتعود للإسلام عزته.
قد تكون واحدة من الروايات التي يتفنن وعاظ وخطباء الفكر والقصص في نحتها والتغني بها صحيحة، ولكن ذلك لا يجعل المعتصم تجاوز الله عنا وعنه قدوة صالحة للراعي المسلم ولا للرعية المسلمة للأسباب التالية:
1) لم يذكر المعتصم تجاوز الله عنا وعنه بالعلم الشرعي، بل قالت عنه كتب الأعلام أنه كره العلم في صغره ومات شبه أمي (انظر سيرة الأعلام للذهبي والأعلام للزركلي).
2) غزو المعتصم في بلاد الروم وفتح عمورية ـ كما يذكر التاريخ ـ ليس من القتال في سبيل الله إذا صدق كتاب التاريخ في الرواية؛ فجيش المسلمين وأنفسهم وأموالهم لا تعرض للأخطار والأهوال غضباً ولا من أجل الحماية ولا لإظهار الشجاعة، وإنما يكون القتال لفرض واحد: أن تكون كلمة الله هي العليا، قال الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، وقيل للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية، وفي رواية: ويقاتل غضباً، فمن في سبيل الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" متفق عليه.
3) لوكان مجرد الغزو والفتح مثالاً لكان يزيد تجاوز الله عنا وعنه ابن معاوية رضي الله عنه أولى منه باتخاذه قدوة؛ فهو من كبار الطبقة الأولى من التابعين وثاني ولاة المسلمين بعد عصر الخلفاء الراشدين، عهد إليه بالولاية والده معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما (أحد كبار الصحابة ورواة الحديث، واستكتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واستعمله في القيادة والولاية أبو بكر و عمر و عثمان رضي الله عنهم أجمعين)، وفتح الله في عهد يزيد على المسلمين المغرب الأقصى وبخارى وخوارزم، و هو أول من غزى القسطنسطينية، وكان أمير جيش المسلمين في هذا الغزو، ومن بينهم بعض الصحابة مثل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وعنهم أجمعين، وقد صح الحديث عن ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على أول جيش يغزوها وعلى أميره.
ولكن العلماء المحققين يقفون من أمثال يزيد و المعتصم موقفاً وسطاً فهم لا يحبونهم ولا يسبونهم تجاوز الله عمن مات لا يشرك بالله شيئاً.
4) المعتصم تجاوز الله عنا وعنه أحدث من الفتنة في الدين شراً مما نسب إلى يزيد من القتل في المدينة النبوية، قال الله تعالى: {والفتنة أشد من القتل}، وما افتراه عليه بعض فرق الضلال من الأمر بقتل الحسين رضي الله عنه؛ فقد امتحن المعتصم علماء الإسلام، وبخاصة الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ بفتنة خلق القرآن التي بدأت في عهد أخيه المأمون واستمرت في عهد ابنه الواثق، حتى جاء ابنه المتوكل فأزالها وانتصر للسنة ولإمام السنة وأخرجه من سجن الثلاثة ـ تجاوز الله عنا و عنهم ـ ورفعه إلى المقام الذي يليق به في صدر مجلس الملك والحكمة، جزاهما الله عن الإسلام و المسلمين خير جزائه.
5) إذا سلمنا بما أورده المؤرخون عن هذا كله؛ فكيف يقر من وهبه الله نعمة الإسلام والعقل: أن انتصار ولي أمر المسلمين لرواية ظنية عن امرأة مجهولة الحال أرجح في ميزان العدل والإيمان من انتصاره للسنة ومنهاج السنة وأئمة السنة؟
لقد أوصل الفكر والحركية ـ بقلة نصيبهما من العلم والتثبت ـ أكثر شباب الصحوة في العقود الأخيرة إلى مثل ما أوصل الجهل والتقليد من قبلهم إليه من الضلال عن منهاج النبوة في الدين والدعوة؛ فتقلب الهدف الأدنى على الأعلى، و المهم ـ بل غير المهم ـ على الأهم في علمهم وعملهم وفي خطبهم ودعوتهم وكفاحهم.
وإن نظرة صادقة واستقراء محققاً للقضايا التي تحرك لها دعاة الفكر والحركية وأتباعهم، وبذلوا فيها أموال المسلمين وجهودهم وحماسهم ـ بل و دماءهم ـ في العقدين الأخيرين، لتبين أن المحرك الأول والأخير: كسب الأرض باسم الدين لا الدين نفسه الذي لا يكاد أكثر المسلمين يعرف وجه الحق فيه، ولم تكن تلك الأرض بأوثانها أو بدعها أو إلحادها تحرك ساكناًَ من القلوب والأبدان والألسن والهمم والأقلام من قبل أن يثور الخلاف على التراب والولاية عليه. رد الله المسلمين جميعاً إلى دينهم رداً جميل.
ولكن النفس البشرية (إلا ما رحم ربي) تميل إلى الباطل ويثقل عليها الحق؛ وقد استجاب أكثر خطباء ووعاظ القصص والفكر والحركية ـ في العقود الثلاثة الأخيرة ـ لدواعي الهوى والعاطفة من النفس، ودوافع النفث والتسويل من الشيطان؛ فحولوا أكثر دروس العلم الشرعي وحلق الذكر وخطب الجمعة إلى أساطير من كتب التاريخ يحسبها الظمآن ماء حتى إذا جاءها وجدها ألواناً من السراب تبعده عن الماء وتصده عن الصراط المستقيم إليه.
ومن هذه الأساطير أسطورة ألهبت حماس الشباب وحناجرهم وعواطفهم وأضاعت شرع الله لخطبة الجمعة التي فرضها الله مرة في الأسبوع لتعليم المسلمين أحكام الإسلام وتذكيرهم بأيام الله وآلائه وإعدادهم للقائه وحسابه وجزائه.
مجمل الأسطورة: أن علجاً من الروم أهان امرأة مسلمة فصرخت: وامعتصماه؛ فحركت صرختها غيرة المعتصم وغضبه فأوطأ جيش المسلمين أرض الروم أخذا بثأر المرأة التي استنجدت به، وهدف الأسطورة تقديم مثل صالح قدوة لقادة المسلمين لتعود للإسلام عزته.
قد تكون واحدة من الروايات التي يتفنن وعاظ وخطباء الفكر والقصص في نحتها والتغني بها صحيحة، ولكن ذلك لا يجعل المعتصم تجاوز الله عنا وعنه قدوة صالحة للراعي المسلم ولا للرعية المسلمة للأسباب التالية:
1) لم يذكر المعتصم تجاوز الله عنا وعنه بالعلم الشرعي، بل قالت عنه كتب الأعلام أنه كره العلم في صغره ومات شبه أمي (انظر سيرة الأعلام للذهبي والأعلام للزركلي).
2) غزو المعتصم في بلاد الروم وفتح عمورية ـ كما يذكر التاريخ ـ ليس من القتال في سبيل الله إذا صدق كتاب التاريخ في الرواية؛ فجيش المسلمين وأنفسهم وأموالهم لا تعرض للأخطار والأهوال غضباً ولا من أجل الحماية ولا لإظهار الشجاعة، وإنما يكون القتال لفرض واحد: أن تكون كلمة الله هي العليا، قال الله تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}، وقيل للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية، وفي رواية: ويقاتل غضباً، فمن في سبيل الله؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" متفق عليه.
3) لوكان مجرد الغزو والفتح مثالاً لكان يزيد تجاوز الله عنا وعنه ابن معاوية رضي الله عنه أولى منه باتخاذه قدوة؛ فهو من كبار الطبقة الأولى من التابعين وثاني ولاة المسلمين بعد عصر الخلفاء الراشدين، عهد إليه بالولاية والده معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما (أحد كبار الصحابة ورواة الحديث، واستكتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واستعمله في القيادة والولاية أبو بكر و عمر و عثمان رضي الله عنهم أجمعين)، وفتح الله في عهد يزيد على المسلمين المغرب الأقصى وبخارى وخوارزم، و هو أول من غزى القسطنسطينية، وكان أمير جيش المسلمين في هذا الغزو، ومن بينهم بعض الصحابة مثل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه وعنهم أجمعين، وقد صح الحديث عن ثناء النبي صلى الله عليه وسلم على أول جيش يغزوها وعلى أميره.
ولكن العلماء المحققين يقفون من أمثال يزيد و المعتصم موقفاً وسطاً فهم لا يحبونهم ولا يسبونهم تجاوز الله عمن مات لا يشرك بالله شيئاً.
4) المعتصم تجاوز الله عنا وعنه أحدث من الفتنة في الدين شراً مما نسب إلى يزيد من القتل في المدينة النبوية، قال الله تعالى: {والفتنة أشد من القتل}، وما افتراه عليه بعض فرق الضلال من الأمر بقتل الحسين رضي الله عنه؛ فقد امتحن المعتصم علماء الإسلام، وبخاصة الإمام أحمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ بفتنة خلق القرآن التي بدأت في عهد أخيه المأمون واستمرت في عهد ابنه الواثق، حتى جاء ابنه المتوكل فأزالها وانتصر للسنة ولإمام السنة وأخرجه من سجن الثلاثة ـ تجاوز الله عنا و عنهم ـ ورفعه إلى المقام الذي يليق به في صدر مجلس الملك والحكمة، جزاهما الله عن الإسلام و المسلمين خير جزائه.
5) إذا سلمنا بما أورده المؤرخون عن هذا كله؛ فكيف يقر من وهبه الله نعمة الإسلام والعقل: أن انتصار ولي أمر المسلمين لرواية ظنية عن امرأة مجهولة الحال أرجح في ميزان العدل والإيمان من انتصاره للسنة ومنهاج السنة وأئمة السنة؟
لقد أوصل الفكر والحركية ـ بقلة نصيبهما من العلم والتثبت ـ أكثر شباب الصحوة في العقود الأخيرة إلى مثل ما أوصل الجهل والتقليد من قبلهم إليه من الضلال عن منهاج النبوة في الدين والدعوة؛ فتقلب الهدف الأدنى على الأعلى، و المهم ـ بل غير المهم ـ على الأهم في علمهم وعملهم وفي خطبهم ودعوتهم وكفاحهم.
وإن نظرة صادقة واستقراء محققاً للقضايا التي تحرك لها دعاة الفكر والحركية وأتباعهم، وبذلوا فيها أموال المسلمين وجهودهم وحماسهم ـ بل و دماءهم ـ في العقدين الأخيرين، لتبين أن المحرك الأول والأخير: كسب الأرض باسم الدين لا الدين نفسه الذي لا يكاد أكثر المسلمين يعرف وجه الحق فيه، ولم تكن تلك الأرض بأوثانها أو بدعها أو إلحادها تحرك ساكناًَ من القلوب والأبدان والألسن والهمم والأقلام من قبل أن يثور الخلاف على التراب والولاية عليه. رد الله المسلمين جميعاً إلى دينهم رداً جميل.
تعليق