بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين محمد بن عبد الله ورضي الله على أصحابه الغر الميامين.
أما بعد :
قال تعالى "قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ) آل عمران(32).
قال العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى :
"وهذه الآية فيها وجوب محبة الله، وعلاماتها، ونتيجتها، وثمراتها، فقال { قل إن كنتم تحبون الله } أي: ادعيتم هذه المرتبة العالية، والرتبة التي ليس فوقها رتبة فلا يكفي فيها مجرد الدعوى، بل لا بد من الصدق فيها، وعلامة الصدق اتباع رسوله صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله، في أقواله وأفعاله، في أصول الدين وفروعه، في الظاهر والباطن، فمن اتبع الرسول دل على صدق دعواه محبة الله تعالى، وأحبه الله وغفر له ذنبه، ورحمه وسدده في جميع حركاته وسكناته، ومن لم يتبع الرسول فليس محبا لله تعالى، لأن محبته لله توجب له اتباع رسوله، فما لم يوجد ذلك دل على عدمها وأنه كاذب إن ادعاها، مع أنها على تقدير وجودها غير نافعة بدون شرطها، وبهذه الآية يوزن جميع الخلق، فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله، وما نقص من ذلك نقص) تيسير الكريم الرحمن- ص 128..
وقال الله تعالى :(وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) آل عمران (115).
قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى: أي: ومن يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم ويعانده فيما جاء به { مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى } بالدلائل القرآنية والبراهين النبوية.
{ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ } وسبيلهم هو طريقهم في عقائدهم وأعمالهم { نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى } أي: نتركه وما اختاره لنفسه، ونخذله فلا نوفقه للخير، لكونه رأى الحق وعلمه وتركه، فجزاؤه من الله عدلا أن يبقيه في ضلاله حائرا ويزداد ضلالا إلى ضلاله.
كما قال تعالى: { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ } وقال تعالى: { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ } ....
تفسير السعدي - (ص / 202)
وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ) متفق عليه.
للفائدة انظر الرابط ( حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي http://www.ajurry.com/vb/showthread....0726#post50726 )
**********************************************
اشتهر في كتب السير و التواريخ أن تاريخ مولد رسول الله عليه الصلاة والسلام 12 ربيع الأول، ورتب على ذلك ما يقوم به بعض المسلمون من احتفالات وابتهاج بهذه الذكرى، وهي بدعة سيئة لم يفعلها رسول الله عليه الصلاة والسلام ولا أصحابه الكرام ولا علماء السلف من بعدهم مع شدة حبهم وتعظيمهم لرسول الله عليه الصلاة والسلام .
قال الشيخ العلامة صالح السحيمي حفظه الله تعالى :
" أصل بدعة المولد :
ولما كانت البدع كثيرة يجل عنها الحصر فإني سوف أقصر الكلام بإيجاز على بدعة خطيرة ومحدثة عظيمة تمس شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعة الاحتفال بعيد مولده صلى الله عليه وسلم .
وإن المتتبع للتاريخ الإسلامي يجد أن مثل هذه الاحتفالات لم تكن موجودة عند المسلمين الأوائل بل ولا في القرون المفضلة حتى جاءت الدولة الفاطمية والتي انتسبت إلى فاطمة ظلما وعدوانا بل إن المحققين من المؤرخين يرون أنهم ينحدرون من أصل يهودي يقال لهم العبيديون وهم أبناء ميمون بن ديصان المشهور بالقداح قيل إنه يهودي وقيل مجوسي وقد استمرت دولتهم في مصر من (357- 467هـ).
( انظر حول حقيقتهم هذا الرابط http://www.ajurry.com/vb/showthread....ED%CF%ED%E6%E4 )
وقد احتفل الفاطميون بأربعة موالد : مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلي بن أبي طالب وولديه الحسن والحسين -رضي الله عنهم- جميعا . فهم أول من أحدث ذلك كما ذكر المقريزي وغيره . وظلت هذه البدعة يعمل بها حتى جاء ( بدر الجمالي ) الوزير الأول للخليفة الفاطمي ( المستعلي بالله ) وكان هذا الوزير شديد التمسك بالسنة ، فأصدر أمرا
بإلغاء هذه الموالد ، وما أن مات ( بدر الجمالي ) حتى عادت البدعة من جديد .
واستمر الأمر على هذا الحال حتى جاء عهد صلاح الدين الأيوبي ، وكان أيضا من المتمسكين بالسنة ، فألغى هذه الاحتفالات ، وتم تنفيذ هذا الإلغاء في كل أنحاء الدولة الأيوبية ، ولم يخالف في ذلك إلا الملك المظفر الذي كان متزوجا من أخت صلاح الدين .
وقد ذكر المؤرخون أن احتفالات الملك المظفر بالمولد كان يحضرها المتصوفة حيث يكون الاحتفال من الظهر إلى الفجر ، وكان ما ينفق في هذا الاحتفال يزيد عن ثلاثمائة ألف دينار(انظر البداية والنهاية-ابن كثير –ج7-ص186-حوادث سنة630 هـ) .
من مقال ( البدع وأثرها في انحراف التصور الإسلامي ) للدكتور الشيخ صالح بن سعد السحيمي حفظه الله تعالى.
نشر في مجلة البحوث الإسلامية - (15 / 157) (الجزء رقم : 16، الصفحة رقم: 160-161) نسخة المكتبة الشاملة
؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛؛
ورغم ذلك لم يثبت تاريخيا أن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولد يوم 12 ربيع الأول ، يقول ابن أبي العز الحنفي في أرجوزته الميئية :
مولِدُهُ في عاشِرِ الفَضِيلِ
[3]
ربيعٍ الأوَّلِ عامَ الفِيلِ
لكنَّما([1]) المشهُورُ ثَانِي عَشْرِهِ
[4]
في يَوْمِ الاثْنَيْنِ طُلُوعَ فَجْرِهِ
ووَافَقَ العشرينَ من نَيْسانَا
[5]
وقَبلَهُ حَيْنُ أبيهِ حانَا
قال الشيخ عبد الرزاق العباد في شرح هذه الأبيات:
" (مَوْلِدُهُ) أي النَّبيّ –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فِي عَاشِرِ الْفَضِيلِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ) أي في اليوم العاشر من شهر ربيع الأوَّل، (عَامَ الْفِيلِ) أي في العام المعروف بعام الفيل للقصَّة المعروفة التي وقعت في ذلك العام لأبرهة عندما أتَى مكَّة قاصدًا هدم بيت الله الحرام فذاك العام يُعرف بعام الفيل، ومن عادة العرب والنَّاس عمومًا تأريخ السَّنوات بالحوادث الكبار التي تقع في تلك السَّنوات .
(لَكِنَّمَا الْمَشْهُورُ ثَانِي عَشْرِهِ) أي: المشهور أنّه –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ولد في اليوم الثَّاني عشر من عام الفيل، مشيرًا إلى أنَّ هناك خلافًا بين أهل العلم في أيِّ يوم –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُلد من شهر ربيع الأول، وذكر هنا العاشر والثَّاني عشر، وأشار إلى أنّ الثَّاني عشر هو المشهور عند أهل العلم.
وقيل كذلك: أنَّ مولده –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- في الثَّامن من شهر ربيع الأول، وقيل غير ذلك([2]).
وقد قال الألباني –رحمه الله تعالى- في كتابه صحيح السِّيرة: ((وفي شهره أقوال ذكرها ابن كثير في الأصل (يعني البداية والنهاية([3])، وكلُّها معلَّقة –بدون أسانيد- يمكن النظر فيها ووزنها بميزان علم مصطلح الحديث؛ إلّا قول من قال: إنَّه في الثَّامن من ربيع الأوَّل. فإنَّه رواه مالك وغيره بالسَّند الصَّحيح عن محمَّد بن جُبير بن مطعم وهو تابعي جليل، ولعلَّه لذلك صحَّح هـٰذا القول أصحاب التَّاريخ واعتمدوه)) ثم قال: ((والجمهور على أنَّه في الثَّاني عشر منه والله أعلم))([4]).
وهـٰذا الاختلاف في تحديد اليوم الذي وُلد –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فيه من شهر ربيع الأوَّل من الأدلَّة التي ذكرها أهل العلم في أنَّ يوم مولده –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- أو ليلة مولده –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- لا يترتَّب عليها حكم شرعي، وإلّا لو كان يترتَّب على ذلك حكم شرعيّ أو عمل مشروع لما كان في تحديد مولده هـٰذا الاختلاف الذي يُذكر في جميع كتب التَّاريخ.
ومن جزم بيوم معيَّن من شهر ربيع الأوَّل أنَّه هو يوم مولد النَّبي –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- فلا دليل واضح عنده على ذلك الجزم.
(فِي يَوْمِ الاِثْنَيْنِ طُلُوعَ فَجْرِهِ) أي : كانت ولادته يوم الاثنين ، وهـٰذا ثابت في الحديث الصَّحيح عنه –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ، كما جاء في صحيح مسلم([5])عن أبي قتادة الأنصاري –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أنَّ رسول الله –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُئِلَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ ، قَالَ: « ذاك يوم ولدت فيه، ويوم بعثتُ – أو أُنزل عليّ – فيه » فيوم الاثنين هو اليوم الذي وُلد فيه –عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وهو اليوم الذي أُنزل عليه فيه، وهو الذي هاجر فيه من مكَّة إلى المدينة، وهو اليوم الذي وصل فيه إلى المدينة، وهو اليوم الذي توفِّي –صلوات الله وسلامه عليه- فيه، وكل ذلك نص عليه الناظم في موضعه المناسب من هٰذا النظم المبارك.
(وَوَافَقَ الْعِشْرِينَ مِنْ نَيْسَانَا) و(نَيْسان) ويقال له: إبريل هو الشَّهر الرَّابع من شُّهور السنة الشَّمسية، قال السُّهيلي في الرَّوض الأنف: ((وأهل الحساب يقولون: وافق مولده من الشُّهور الشَّمسية نيسان، فكانت لعشرين مضت منه))([6])، ولهـٰذا قال النَّاظم هنا رحمه الله تعالى: (وَوَافَقَ الْعِشْرِينَ مِنْ نَيْسَانَا)" ( [7]).
قلت – أبو عمر الفلسطيني-
وافق اليوم العشرين من شهر نيسان : ذكر الشيخ محمد الخضري في كتابه نور اليقين في سيرة سيد المرسلين أن : الباحث محمود باشا الفلكي حقق أن ولادة الرسول –صلى الله عليه وسلم- كانت في صبيحة يوم الاثنين تاسع ربيع الأول الموافق لليوم العشرين من إبريل سنة 571 م وهو يوافق السنة الأولى من حادثة الفيل ) ص 22-23 ، طبعة دار الحديث، تحقيق: سمير العطار.
*******************
الخلاصة :
اختلف المؤرخون القدامى والمعاصرون حول تحديد التاريخ المحدد لمولد رسول الله عليه الصلاة والسلام على أقوال عدة منها :
2 ربيع الأول – 8 ربيع الأول- 9 ربيع الأول- 10 ربيع الأول – 12 ربيع الأول- 17 ربيع الأول – شهر رمضان .
ما صح منها بسند صحيح أو حساب فلكي
8 ربيع الأول – رواه مالك وغيره بالسَّند الصَّحيح عن محمَّد بن جُبير بن مطعم وهو تابعي جليل ،كما قال العلامة الألباني رحمه الله تعالى.
9 ربيع الأول – كما حققه الباحث محمود باشا الفلكي ونقله عنه الشيخ محمد الخضري رحمهما الله تعالى.
وعلى أي حال لم يثبت أن رسول الله عليه الصلاة والسلام ولد يوم 12 ربيع الأول والذي يحتفل بمثله من الأيام في كل عام بعض المسلمين بهذه البدعة .
والله أعلم وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
إعداد : محمد أبو عمر الفلسطيني.
8 ربيع أول- 1432هـ = 11-فبراير -2011 م.
منتديات الآمام الآجري
([1]) في (د): ((لكنها)).
([2]) انظر: البداية والنهاية (3/374ـ376).
[3]- ابن كثير في البداية والنهاية ذكر جميع هذه الأقوال في تحديد هذا اليوم ومنها 2 ربيع الأول- 17 ربيع الأول – وقيل ولد في شهر رمضان أيضاً واستغربه ابن كثير؛ وينظر : ابن هشام، السيرة النبوية، ص128؛ ابن سعد، الطبقات، ص 47.
([4]) صحيح السيرة النبوية (ص13).
([5]) رقم (1159).
([6]) الرّوض الأنف في شرح السِّيرة النَّبوية لابن هشام (2/159).
([7] (-(شرح الأرجوزة الميئية في حال أشرف البرية- شرح الشيخ عبد الرزاق العباد- ص 19-22- ط دار الفضيلة-الجزائر).
تعليق