قيل إن الملك الظاهر بيبرس لما توجه بعساكره إلى الشام بسبب التتر حين تحركت عليه أخذ فتاوي الفقهاء بأن يجوزوا له ان يأخذ من الرعية مالاً يستعين به على قتال العدو فكتب له فقهاء الشام بذلك فقال : هل بقي عندكم أحد من الفقهاء ؟ قالوا : نعم بقي الشيخ الصالح محي الدين النووي . فطلبه فحضر فأوقفه على الفتاوي وقال : اكتب خطك مع خطوط الفقهاء فامتنع من ذلك فقال له : ما سبب امتناعك ؟ قال : أعفني من ذلك . قال : ما السبب في ذلك اذكره لي .
قال : أعرف أنك كنت مملوكاً للأمير بندقدار وليس لك مال ثم يسر الله لك أمراً على المسلمين فوليت الملك وسمعت أن عندك كذا ألف مملوك كل مملوك منهم حياصته بألف دينار وعندك مائتي جارية كل جارية عندها حق حلي يزيد على عشرة آلاف دينار فإذا أنفقت ذلك كله وبقيت مماليكك ببنود الصوف بدلاً من تلك الحوايص وبقيت جواريك بثيابهن دون الحلي أفتي لك بجواز أخذك المال من الرعية
فغضب الملك الظاهر من كلامه وقال : اخرج من بلدي يعني دمشق . قال : سمعاً وطاعة . وانتقل منها إلى بلده نوى وهي ضيعة بأرض حوران . فقالت الفقهاء للملك الظاهر بعد ذلك : إن هذا الذي أمرت بخروجه من دمشق الفقيه من كبار العلماء والصلحاء وممن يقتدى به فأعده إلى دمشق فرسم برجوعه إليها فساروا إليه ورغبوه في الرجوع إلى دمشق وقالوا : قد رسم السلطان برجوعك إليها . فامتنع وقال : لا أدخلنها والملك الظاهر بالحياة أبداً . فلما كان بعد شهر كان الملك الظاهر في نفسه شيء من بعض أمرائه فصنع له شربة مسمومة ودسها بين شربات غير مسمومة فلما قصد أن يسقي الأمير تلك الشربة المسمومة غلط فشرب هو المسمومة فمات وشرب الأمير غير المسمومة فسلم . فلما سمع الشيخ محي الدين بموت الملك الظاهر دخل دمشق .
كتاب الإلمام لمحمد بن القاسم النويري ( ج 4 صـ 81 : 83 )
قال : أعرف أنك كنت مملوكاً للأمير بندقدار وليس لك مال ثم يسر الله لك أمراً على المسلمين فوليت الملك وسمعت أن عندك كذا ألف مملوك كل مملوك منهم حياصته بألف دينار وعندك مائتي جارية كل جارية عندها حق حلي يزيد على عشرة آلاف دينار فإذا أنفقت ذلك كله وبقيت مماليكك ببنود الصوف بدلاً من تلك الحوايص وبقيت جواريك بثيابهن دون الحلي أفتي لك بجواز أخذك المال من الرعية
فغضب الملك الظاهر من كلامه وقال : اخرج من بلدي يعني دمشق . قال : سمعاً وطاعة . وانتقل منها إلى بلده نوى وهي ضيعة بأرض حوران . فقالت الفقهاء للملك الظاهر بعد ذلك : إن هذا الذي أمرت بخروجه من دمشق الفقيه من كبار العلماء والصلحاء وممن يقتدى به فأعده إلى دمشق فرسم برجوعه إليها فساروا إليه ورغبوه في الرجوع إلى دمشق وقالوا : قد رسم السلطان برجوعك إليها . فامتنع وقال : لا أدخلنها والملك الظاهر بالحياة أبداً . فلما كان بعد شهر كان الملك الظاهر في نفسه شيء من بعض أمرائه فصنع له شربة مسمومة ودسها بين شربات غير مسمومة فلما قصد أن يسقي الأمير تلك الشربة المسمومة غلط فشرب هو المسمومة فمات وشرب الأمير غير المسمومة فسلم . فلما سمع الشيخ محي الدين بموت الملك الظاهر دخل دمشق .
كتاب الإلمام لمحمد بن القاسم النويري ( ج 4 صـ 81 : 83 )