الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين وَالصَّلَاة وَالسَّلَام على نَبِينَا مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ
وَبَعْدُ :
فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ تباعًا ــ بإذن الله- تفريغُ شرحِ الشيخِ محمدٍ المدخليِّ على النخبةِ هنا.
ترجمـــــة عُثبة بن غزوان أبي عبد الله المازني ــ رضي الله عنه
ولأنّ الدورة التي فيه الشرح على النخبة للشيخ محمد بن هادي المدخلي - حفظه الله - الذي أنا بصدد تفريغه ــ بإذن الله تعالى ــ سُمِيَتْ بـ "دورة جامعةعُثبة بن غزوان أبي عبد الله المازني ــ رضي الله عنه ـــ" قلت: أضعُ بين يدي الشرحِ ترجمة هذا الصحابيّ الجليل مستقاة من كتاب الحافظ أبي عمر بن عبد البر - رحمه الله - الاستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 1 / ص 315)
عتبة بن غزوان أبو عبدالله المازني
(المتوفى سنة : 17 هـ ) واختلف في مكان وفاته , قيل في معدن بني سليم وهو منصرف من مكة إلى البصرة , وقيل بالربذة , وقيل بالمدينة . والله أعلم.
الاستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 1 / ص (315
عتبة بن غزوان بن جابر :
ويقال عتبة بن غزوان بن الحارث بن جابر بن وهب بن نسيب بن زيد بن مالك بن الحارث بن عوف بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان ابن مضر بن نزار المازني. حليف لبني نوفل بن عبد مناف بن قصي يكنى أبا عبد الله. وقيل أبا غزوان. كان إسلامه بعد ستة رجال فهو سابع سبعة في إسلامه. وقد قال ذلك في خطبته بالبصرة. ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا. هاجر في أرض الحبشة وهو ابن أربعين سنة ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة وأقام معه حتى هاجر إلى المدينة مع المقداد بن عمرو ثم شهد بدراً والمشاهد كلها وكان يوم قدم المدينة ابن اربعين سنة وكان أول من نزل من البصرة من المسلمين وهو الذي اختطها وقال له عمر لما بعثه إليها: يا عتبة، إني أريد أن أوجهك لتقاتل بلد الحيرة لعل الله سبحانه يفتحها عليكم فسر على بركة الله تعالى ويمنه واتق الله ما استطعت. واعلم أنك ستأتي حومة العدو. وأرجو أن يعينك الله عليهم ويكفيكهم. وقد كتبت إلى العلاء بن الحضرمي أن يمدك بعرفجة بن هرثمة وهو ذو مجاهدة للعدو وذو مكايدة شديدة فشاوره وادع إلى الله عز وجل فمن أجابك فاقبل منه ومن أبى فالجزية عن يد مذلة وصغار وإلا فالسيف في غير هوادة واستنفر من مررت به من العرب وحثهم على الجهاد وكابد العدو واتق الله ربك. فافتتح عتبة بن غزوان الأبلة ثم اختط مسجد البصرة وأمر محجن بن الأدرع فاختط مسجد البصرة الأعظم وبناه بالقصب ثم خرج عتبة حاجاً وخلف مجاشع بن مسعود وأمره أن يسير إلى الفرات وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلي بالناس فلم ينصرف عتبة من سفره ذلك في حجته حتى مات فأقر عمر المغيرة بن شعبة على البصرة.
وكان عتبة بن غزوان قد استعفى عمر عن ولايتها فأبى أن يعفيه فقال: اللهم لا تردني إليها فسقط عن راحلته فمات سنة سبع عشرة وهو منصرف من مكة إلى البصرة بموضع يقال له معدن بني سليم قاله ابن سعد ويقال: بل مات بالربذة سنة سبع عشرة قاله المدائني. وقيل: بل مات عتبة بن غزوان سنة خمس عشرة وهو ابن سبع وخمسين سنة بالمدينة.
وكان رجلاً طوالاً. وقيل: إنه مات في العام الذي اختط فيه البصرة وذلك في سنة أربع عشرة وسنه ما ذكرنا وأما قول من قال: إنه مات بمرو فليس بشيء والله أعلم بالصحيح من هذه الأقوال.
والخطبة التي خطبها عتبة بن غزوان محفوظة عند العلماء مروية مشهورة من طرق منها ما حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال: حدثنا محمد بن مسرور العسال بالقيروان قال: حدثنا أحمد بن معتب قال: حدثنا الحسين بن الحسن المروزيّ، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: حدثنا سليمان بن المغيرة عن هلال عن خالد بن عمير العدوي، قال: خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء وإنما بقي منها صبابة كصبابة الإناء وأنتم منتقلون عنها إلى دار لا زوال لها فانتقلوا منها بخير ما بحضرتكم فإنه ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي سبعين عاماً لا يدرك لها قعراً والله لتملأن فعجبتم ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاماً وليأتين عليها يوم وللباب كظيظ من الزحام. ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى تقرحت أشداقنا فالتقطت بردة فاشتققتها بيني وبين سعد بن مالك فأتزرْتُ ببعضها وأتزرَ هو ببعضها فما أصبح اليوم منا واحد إلا وهو أمير على مصر من الأمصار وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً وعند الناس صغيراً فإنها لم تكن نبوة إلا تناسخت حتى تكون عاقبتها ملكاً وستبلون الأمراء أو قال: ستجربون الأمراء بعدي .انتهى
شرح الشيخ محمد المدخلي ــ حفظه الله ـــ على نخبة الفكر للحافظ ابن حجر:
تفريغ الشريط الأول
قارئ المتن:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين .
أما بعد :
قال الحافظ ابن حجر في كتابه نخبة الفكر : الحمدُ لِلّهِ الذَي لَمْ يَزَلْ عَالِماً قَديراً.
الشرح
الشيخ : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد
فالحق له علينا أن نترحم عليه فنقول : رَحِمهُ الله ، فإنَّ هذا من حقه علينا ونحن نستفيد مما كتب ــ رحمة الله عليه ــ فإن هذا يكون ثالثًا لما يُفتتحُ به دائمًا في القراءة :حمد الله جلَّ وعلا أولًا، والثناء عليه بما هو أهله ،ثم الصلاة على رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ، الذي هدانا اللهُ ــ سبحانه وتعالى ـــ على يديه ، وجعله سببًا لذلك صلوات الله وسلامه عليه ثم الترضي على الصحابة
ثم الترحم على المُصَنِف : مُصَنِفَ الكتاب الذي يقرأُ الإنسان فيه.
قارئ المتن :
المتن
قَالَ الْحَافِظُ: ابْنُ حَجَرٍ – عليه من الله الرْحَمات، وغفر الله لنا وله ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات ـــ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلِيمًا قَدِيرًا ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَى النَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ التَّصَانِيفَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَدْ كَثُرَتْ ، وَبُسِطَتْ وَاخْتُصِرَتْ ، فَسَأَلَنِي بَعْضُ الْإِخْوَانِ أَنْ أُلَخِّصَ لَهُمُ الْمُهِمَّ مِنْ ذَلِكَ ، فَأَجَبْتُهُ إِلَى سُؤَالِهِ؛ رَجَاءَ الِانْدِرَاجِ فِي تِلْكَ الْمَسَالِكِ
فَأَقُولُ :
الْخَبَرُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ: طُرُقٌ بِلَا عَدَدٍ مُعَيَّنٍ ، أَوْ مَعَ حَصْرِ بِمَا فَوْقَ الِاثْنَيْنِ، أَوْ بِهِمَا، أَوْ بِوَاحِدٍ .
فَالْأَوَّلُ: الْمُتَوَاتِرُ: الْمُفِيدُ لِلْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ بِشُرُوطِهِ.
وَالثَّانِي: الْمَشْهُورُ، وَهُوَ الْمُسْتَفِيضُ عَلَى رَأْيٍ.
وَالثَّالِثُ: : الْعَزِيزُ ، وَلَيْسَ شَرْطًا لِلصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ.
وَالرَّابِعُ: الْغَرِيبُ.
وَكُلُّهَا - سِوَى الْأَوَّلِ – آحَادٌ .
وَفِيهَا الْمَقْبُولُ وَالْمَرْدُودُ؛ لِتَوَقُّفِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ رُوَاتِهَا دُونَ الْأَوَّلِ.
الشرح
الشيخ :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
فسمعنا كلام الماتن ــ رحمه الله تعالى ـــ مبينًا أولًا في مقدمته لهذه الورقات المختصرة التي هي:النخبة : نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر الحامل له على تأليف هذه الرسالة الصغيرة في حجمها والعظيمة في نفعها، وهي من الكتب المعتبرة في هذا الفن.
بل هي من المختصرات المُحرّرة التي يُعَوِل عليها العلماء من تاريخ كتابتها وإلى يوم الناس هذا ، فهي من أحسن الكتب المختصرة التي صُنفت في هذه الأَعْصار المتأخرة.
فإن الحافظ ــ رحمه الله تعالى ــ متوفى في سنة ثنتين وخمسين وثماني مئة للهجرة فيُبيّن ــ رحمه الله تعالى ــ أن السبب الذي حمله على كتابتها أنَّ التصانيف في هذا الفن: فن المصطلح كثيرة ومنها المبسوط المطول ومنها المختصر .
ولما كان الأمر كذلك طُلب منه ــ رحمه الله تعالى ـــ أنْ يكتب كتابًا في هذا لينتفع به الناس ويكون مختصرًا ، وهذا الاختصار الذي أراده الحافظ ـــ ابن حجر ـــ قد تمَّ له في هذه النخبة ـ التي كرَّ عليها بعد ذلك .
وشرحها بشرحه الجميل الماتع الذي اسماه النزهة : نزهة النظر في شرح نخبة الفكر،فأجابهم ــ رحمه الله تعالى ــ إلى سؤالهم وهو: أنْ يلخص لهم هذا التلخيص الذي يكون بين أيديهم من المطولات ويكون مختصرًا من بين سائر المختصرات ، وهو حريّ بأن يفعل ذلك لأنه ــ رحمة الله عليه ـــ قد انتهت إليه في زمانه رئاسة علم الحديث ، فأصبح عالم زمانه بعد ذهاب أشياخه ومُقدَم علماء الحديث في ذلكم الحين ــ رحمه الله تعالى ــ فأجابهم وكتب لهم هذه النخبة ، كما قلنا التي هي قليلة المباني كثيرة المعاني ، وشرحها بشرحه هذا عليها المشهور الذي هو نزهة النظر ، وسلك فيها مسلكًا جميلًا في الترتيب ، فلذلك أصبح كل من جاء بعده يمشي على طريقته ــ رحمه الله تعالى ــ.
فابتدأ فيها بتقسيم الخبر فقال: الخبر: إما أنْ يكون له طرق بلا عدد معين أو إنّه له طرق محصورة وهذا الحصر قسمه أقسامًا ، يعني الخبر على قسمين ، إما أن يكون له طرق غير محصورة هذا (أ) وإما أن له طرق محصورة وهذا (ب) ، يقسمه هكذا إما أن يكون الخبر له طرق غير محصورة وإما أن يكون له طرق محصورة .
ثم الحصر ينقسم إلى أنواع ما كان محصورًا بما فوق الاثنين يعني ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ما كان محصورًا باثنين يعني : له طريقين أو ما لم يكن له إلا طريقًا واحدًا محصور في طريقٍ واحد.
فهذه الأنواع ثلاثة في القسم الثاني الخبر يقسمه إلى قسمين كلييّن:
الأول لا حصر لطرقه ، القسم الثاني الذي طرقه محصورة على أنواع ، ما كان حصره بما فوق الاثنين يعني : كــثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة إلى غير ذلك ، النوع الثاني منه ما كان محصورًا بــاثنين فقط ، النوع الثالث منه ما كان محصورًا بـواحد ، إذًا نعود فنقول الخبر هذا هو ، على هذين القسمين إما لا حصر لطرقه هذا (أ) وإما أن يكون هناك حصر لطرقه فهذا (ب) وتحته ثلاثة أنواع ،النوع الأول بما حصر بما فوق الاثنين ثلاثة وأربعة وخمسة وستة وسبعة ونحو ذلك ، المهم أنَّ طرقه محصورة .
النوع الثاني: أن يكون محصورًا في طريقين ، النوع الثالث أن يكون محصورًا في طريقٍ واحدة ،فما كان غير محصور بطرق يعني : طرقه كثيرة هذا هو المتواتر، فإذًا المتواتر في اللغة هو : المتتابع التواتر في اللغة التتابع وفي الاصطلاح : ما لم يكن محصورًا بعدد فهذا هو المتواتر، الذي لا حصر للطرق فيه يعني : طرق الأحاديث المراد بالطرق : الأسانيد أسانيد الأحاديث فلا حصر لطرقه لأنها كثيرة فالأسانيد هي : الطرق إلى الأحاديث ، فهذه الطرق لا حصر لها بل هي كثيرة ، وبسبب كثرتها أفادت الإنسانَ العلم ـــ وسيأتينا إن شاء الله تعالى ــ، فنقول :إذًا المتواتر هو: المتتابع يعني وارد من طرق متعددة كثيرة فالتواتر لغة التتابع وأما في الاصطلاح : فهو ما رواه جماعة كثيرون يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب من أول السند إلى آخره، في جميع طبقاته ،وأسندوه إلى شيء محسوس، فهذا هو المتواتر، إذًا المتواتر ما هو؟ هو:ما رواه جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب، من بداية الإسناد إلى منتهاه ، في جميع طبقاته ، يشترط هذا ، وأسندوه إلى شيء محسوس ،كان منتهاه الحس والمحسوس المراد به : سمعنا ، وشهدنا ، وحضرنا ،ورأينا ، ونحو ذلك ،هذا هو المتواتر وقد خصه العلماء بالاهتمام وتتبعوا الأحاديث التي وردت على هذا النحو وكتبوا فيها كتب خاصة كــ(الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة ) ، و كــ( نظم المتناثر في الحديث المتواتر)،ونحو ذلك من الكتب وهو بالنسبة للآحاد قليل عدد الأحاديث المتواترة بالنسبة للآحاد قليل جدًا فأكثر سنة النبي ــ صلى الله عليه وسلم ـــ نُقلتْ بطريق الآحاد ، هذا هو القسم الأول وهو: المتواتر، فإذا المتواتر : هو ما رواه جماعة عن مثلهم من أول الإسناد إلى آخره العد كثير يستحيل في العادة أن يتواطئوا على الكذب وأسندوه إلى شيء محسوس، هذه هي الشروط التي يقف عليها المتواتر في تعريفه الكثرة من أول السند إلى منتهاه ،وأن لا يتواطئوا على الكذب ، وأن يكون منتهى إسنادهم الحس ، وهذا القسم يفيد العلم .
والقسم الثاني ما كان محصورًا بطرق يعني :أسانيده تنحصر ، طرقه محصورة ، وهذا على أنواع : النوع الأول :
المشهور ، والمشهور : هو ما كان محصورًا بما فوق الاثنين ولنا أنْ نعرفه بقولنا المشهور لغة : اسم مفعول من شهره بمعنى أظهره ، وأما في الاصطلاح فهو: ما رواه ثلاثة فصاعدًا ولم يبلغ حدّ التواتر ، أو لك أن تقول: كما قال المصنف:( ما له طرق محصورة بما فوق اثنين ولم يبلغ حدّ التواتر)،والمراد ماله طرق محصورة يعني : أنَّ طرقه تُعدّ ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة ونحو ذلك فلا يَرِد بـأقل مما قال المُصنِّف اثنين لا يقل عنهما لكن لابد أنْ يكون فوق الاثنين، ولا يكون اثنين ، لأن الاثنين هذا هو العزيز ، فما زاد عنه ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة أو عشرة أ وخمسة عشر أو عشرين ما دام له طرق محصورة ولم يبلغ حد التواتر فإنه هو : المشهور ، فلك أن تقول ما له طرق محصورة بما فوق الاثنين يعني: ثلاثة فصاعدًا ، وهذا تعبير المصنِّف، والمراد بهذا ألا يقل العدد عن أقل ما اشترطنا فيه وهو الثلاثة فما فوق ،فإن وجد في طبقة من الطبقات في إسناده اثنين اختلّ هذا الشرط إنخرم ، فينتقل من الشهرة إلى العزة، فلأجل هذا نحن نقول : ما كان له طرق محصورة بما فوق الاثنين يعني : ثلاثة فصاعدًا،هذا هو المشهور ،فلو جاء في بعض الطبقات خمسة وفي بعضها عشرة وفي بعضها سبعة وفي بعضها ثمانية وفي بعضها ثلاثة ، فهو لا يزال في المشهور لا يزال في ماذا ؟ في المشهور ،لأنه لم ينزل في طبقة من طبقات السند عن هذا ، فإذا نزل حكم عليه ولو في وجود طبقة واحدة فلو جاء في طبقة واحدة اثنين صار عزيزًا .
الثاني
: (ماله طرق محصورة باثنين) هذا هو : العزيز ــ وسيأتينا إن شاء الله تعالى التفصيل فيه ـــ ، فما رواه اثنان ، فما رواه اثنان فهو : العزيز ، وهذا الذي عليه الاصطلاح ، أن الحديث العزيز ما رواه اثنان فقط، يعني : في أي طبقة من طبقات السند ، فإنه يقضى قي هذا الفن ، عند أهل المصطلح ، أهل الحديث ، يقضى بالأقل على الأكثر فلو وجِدَ في طبقة واحدة اثنان حُكِمَ عليه بالعزة ، والعزيز إما أن يكون في اللغة مأخوذ من العزة وهو : النُدرة والقلة ، نقول هذا شيء عزيز يعني : نادر، قليل وجوده يعزّ وجوده يعني : يقل ، وإما أنْ يكون مأخوذ من العزة التي بمعنى القوة .قال تعالى :( فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ )، نعم هذا وهذا فهو وارد فإنك إذا أردت المعنى الأول فهو وارد، فإنَّ الأحاديث التي تكون على هذا النحو يعني قليلة وإذا أردت المعنى الثاني فهو وارد فإن العزيز مأخوذ من العزة وهي القوة : أي أن هذا يعززُ أخاه ويقويه بروايته لما رواه أخوه ، فيجتمع من هذا وهذا القوة .
وأما النوع الثالث في قسم الآحاد فهو: الغريب ، والحديث الغريب .
الشيخ : نعم ؟
الشيخ: ــ يرد على تسأل من أحد تلاميذه ــ ما رواه اثنان نحن قلنا ما رواه اثنين أليس كذلك .
وأما النوع الثالث :فهو الغريب و الغريب: ما رواه راوٍ واحد فقط .
(الحديث الغريب ما رواه راوٍ واحد فقط) وهذه الأنواع الثلاثة كلها يقال لها آحاد المشهور والعزيز والغريب فهذه هي أنواع الآحاد .
فالقسم الأول هو المتواتر ، والقسم الثاني وهو الآحاد وهو يحتوي(2) على هذه الأنواع الثلاثة المشهور والعزيز والغريب .
فالأول كما قلنا: وهو المتواتر يفيد العلم اليقيني : يعني العلم الضروري الذي يضطر الإنسان فيه إلى القبول به فلا يستطيع دفعه وذلك لأنه قد ورد من طرق عديدة أحالت عند الإنسان وجود الشك في ثبوته فخرج إلى اليقين ، فأنت لا تحتاج فيه إلى النظر وإلى الاستدلال ، فقد كُفِيت ذلك بكثرة طرق هذا الحديث التي تضطرك إلى قبوله فلا تستطيع رده ، أفادك العلم اليقيني الضروري في نفسك.
تفريغ بنت عمر
وَبَعْدُ :
فَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ تباعًا ــ بإذن الله- تفريغُ شرحِ الشيخِ محمدٍ المدخليِّ على النخبةِ هنا.
ترجمـــــة عُثبة بن غزوان أبي عبد الله المازني ــ رضي الله عنه
ولأنّ الدورة التي فيه الشرح على النخبة للشيخ محمد بن هادي المدخلي - حفظه الله - الذي أنا بصدد تفريغه ــ بإذن الله تعالى ــ سُمِيَتْ بـ "دورة جامعةعُثبة بن غزوان أبي عبد الله المازني ــ رضي الله عنه ـــ" قلت: أضعُ بين يدي الشرحِ ترجمة هذا الصحابيّ الجليل مستقاة من كتاب الحافظ أبي عمر بن عبد البر - رحمه الله - الاستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 1 / ص 315)
عتبة بن غزوان أبو عبدالله المازني
(المتوفى سنة : 17 هـ ) واختلف في مكان وفاته , قيل في معدن بني سليم وهو منصرف من مكة إلى البصرة , وقيل بالربذة , وقيل بالمدينة . والله أعلم.
الاستيعاب في معرفة الأصحاب - (ج 1 / ص (315
عتبة بن غزوان بن جابر :
ويقال عتبة بن غزوان بن الحارث بن جابر بن وهب بن نسيب بن زيد بن مالك بن الحارث بن عوف بن مازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان ابن مضر بن نزار المازني. حليف لبني نوفل بن عبد مناف بن قصي يكنى أبا عبد الله. وقيل أبا غزوان. كان إسلامه بعد ستة رجال فهو سابع سبعة في إسلامه. وقد قال ذلك في خطبته بالبصرة. ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى قرحت أشداقنا. هاجر في أرض الحبشة وهو ابن أربعين سنة ثم قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمكة وأقام معه حتى هاجر إلى المدينة مع المقداد بن عمرو ثم شهد بدراً والمشاهد كلها وكان يوم قدم المدينة ابن اربعين سنة وكان أول من نزل من البصرة من المسلمين وهو الذي اختطها وقال له عمر لما بعثه إليها: يا عتبة، إني أريد أن أوجهك لتقاتل بلد الحيرة لعل الله سبحانه يفتحها عليكم فسر على بركة الله تعالى ويمنه واتق الله ما استطعت. واعلم أنك ستأتي حومة العدو. وأرجو أن يعينك الله عليهم ويكفيكهم. وقد كتبت إلى العلاء بن الحضرمي أن يمدك بعرفجة بن هرثمة وهو ذو مجاهدة للعدو وذو مكايدة شديدة فشاوره وادع إلى الله عز وجل فمن أجابك فاقبل منه ومن أبى فالجزية عن يد مذلة وصغار وإلا فالسيف في غير هوادة واستنفر من مررت به من العرب وحثهم على الجهاد وكابد العدو واتق الله ربك. فافتتح عتبة بن غزوان الأبلة ثم اختط مسجد البصرة وأمر محجن بن الأدرع فاختط مسجد البصرة الأعظم وبناه بالقصب ثم خرج عتبة حاجاً وخلف مجاشع بن مسعود وأمره أن يسير إلى الفرات وأمر المغيرة بن شعبة أن يصلي بالناس فلم ينصرف عتبة من سفره ذلك في حجته حتى مات فأقر عمر المغيرة بن شعبة على البصرة.
وكان عتبة بن غزوان قد استعفى عمر عن ولايتها فأبى أن يعفيه فقال: اللهم لا تردني إليها فسقط عن راحلته فمات سنة سبع عشرة وهو منصرف من مكة إلى البصرة بموضع يقال له معدن بني سليم قاله ابن سعد ويقال: بل مات بالربذة سنة سبع عشرة قاله المدائني. وقيل: بل مات عتبة بن غزوان سنة خمس عشرة وهو ابن سبع وخمسين سنة بالمدينة.
وكان رجلاً طوالاً. وقيل: إنه مات في العام الذي اختط فيه البصرة وذلك في سنة أربع عشرة وسنه ما ذكرنا وأما قول من قال: إنه مات بمرو فليس بشيء والله أعلم بالصحيح من هذه الأقوال.
والخطبة التي خطبها عتبة بن غزوان محفوظة عند العلماء مروية مشهورة من طرق منها ما حدثنا عبد الله بن محمد بن أسد قال: حدثنا محمد بن مسرور العسال بالقيروان قال: حدثنا أحمد بن معتب قال: حدثنا الحسين بن الحسن المروزيّ، قال: حدثنا عبد الله بن المبارك قال: حدثنا سليمان بن المغيرة عن هلال عن خالد بن عمير العدوي، قال: خطبنا عتبة بن غزوان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن الدنيا قد آذنت بصرم وولت حذاء وإنما بقي منها صبابة كصبابة الإناء وأنتم منتقلون عنها إلى دار لا زوال لها فانتقلوا منها بخير ما بحضرتكم فإنه ذكر لنا أن الحجر يلقى من شفير جهنم فيهوي سبعين عاماً لا يدرك لها قعراً والله لتملأن فعجبتم ولقد ذكر لنا أن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عاماً وليأتين عليها يوم وللباب كظيظ من الزحام. ولقد رأيتني وأنا سابع سبعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لنا طعام إلا ورق الشجر حتى تقرحت أشداقنا فالتقطت بردة فاشتققتها بيني وبين سعد بن مالك فأتزرْتُ ببعضها وأتزرَ هو ببعضها فما أصبح اليوم منا واحد إلا وهو أمير على مصر من الأمصار وإني أعوذ بالله أن أكون في نفسي عظيماً وعند الناس صغيراً فإنها لم تكن نبوة إلا تناسخت حتى تكون عاقبتها ملكاً وستبلون الأمراء أو قال: ستجربون الأمراء بعدي .انتهى
شرح الشيخ محمد المدخلي ــ حفظه الله ـــ على نخبة الفكر للحافظ ابن حجر:
تفريغ الشريط الأول
قارئ المتن:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين .
أما بعد :
قال الحافظ ابن حجر في كتابه نخبة الفكر : الحمدُ لِلّهِ الذَي لَمْ يَزَلْ عَالِماً قَديراً.
الشرح
الشيخ : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد
فالحق له علينا أن نترحم عليه فنقول : رَحِمهُ الله ، فإنَّ هذا من حقه علينا ونحن نستفيد مما كتب ــ رحمة الله عليه ــ فإن هذا يكون ثالثًا لما يُفتتحُ به دائمًا في القراءة :حمد الله جلَّ وعلا أولًا، والثناء عليه بما هو أهله ،ثم الصلاة على رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ، الذي هدانا اللهُ ــ سبحانه وتعالى ـــ على يديه ، وجعله سببًا لذلك صلوات الله وسلامه عليه ثم الترضي على الصحابة
ثم الترحم على المُصَنِف : مُصَنِفَ الكتاب الذي يقرأُ الإنسان فيه.
قارئ المتن :
المتن
قَالَ الْحَافِظُ: ابْنُ حَجَرٍ – عليه من الله الرْحَمات، وغفر الله لنا وله ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات ـــ :
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلِيمًا قَدِيرًا ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَى النَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا. أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ التَّصَانِيفَ فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَدْ كَثُرَتْ ، وَبُسِطَتْ وَاخْتُصِرَتْ ، فَسَأَلَنِي بَعْضُ الْإِخْوَانِ أَنْ أُلَخِّصَ لَهُمُ الْمُهِمَّ مِنْ ذَلِكَ ، فَأَجَبْتُهُ إِلَى سُؤَالِهِ؛ رَجَاءَ الِانْدِرَاجِ فِي تِلْكَ الْمَسَالِكِ
فَأَقُولُ :
الْخَبَرُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ: طُرُقٌ بِلَا عَدَدٍ مُعَيَّنٍ ، أَوْ مَعَ حَصْرِ بِمَا فَوْقَ الِاثْنَيْنِ، أَوْ بِهِمَا، أَوْ بِوَاحِدٍ .
فَالْأَوَّلُ: الْمُتَوَاتِرُ: الْمُفِيدُ لِلْعِلْمِ الْيَقِينِيِّ بِشُرُوطِهِ.
وَالثَّانِي: الْمَشْهُورُ، وَهُوَ الْمُسْتَفِيضُ عَلَى رَأْيٍ.
وَالثَّالِثُ: : الْعَزِيزُ ، وَلَيْسَ شَرْطًا لِلصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَهُ.
وَالرَّابِعُ: الْغَرِيبُ.
وَكُلُّهَا - سِوَى الْأَوَّلِ – آحَادٌ .
وَفِيهَا الْمَقْبُولُ وَالْمَرْدُودُ؛ لِتَوَقُّفِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى الْبَحْثِ عَنْ أَحْوَالِ رُوَاتِهَا دُونَ الْأَوَّلِ.
الشرح
الشيخ :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد
فسمعنا كلام الماتن ــ رحمه الله تعالى ـــ مبينًا أولًا في مقدمته لهذه الورقات المختصرة التي هي:النخبة : نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر الحامل له على تأليف هذه الرسالة الصغيرة في حجمها والعظيمة في نفعها، وهي من الكتب المعتبرة في هذا الفن.
بل هي من المختصرات المُحرّرة التي يُعَوِل عليها العلماء من تاريخ كتابتها وإلى يوم الناس هذا ، فهي من أحسن الكتب المختصرة التي صُنفت في هذه الأَعْصار المتأخرة.
فإن الحافظ ــ رحمه الله تعالى ــ متوفى في سنة ثنتين وخمسين وثماني مئة للهجرة فيُبيّن ــ رحمه الله تعالى ــ أن السبب الذي حمله على كتابتها أنَّ التصانيف في هذا الفن: فن المصطلح كثيرة ومنها المبسوط المطول ومنها المختصر .
ولما كان الأمر كذلك طُلب منه ــ رحمه الله تعالى ـــ أنْ يكتب كتابًا في هذا لينتفع به الناس ويكون مختصرًا ، وهذا الاختصار الذي أراده الحافظ ـــ ابن حجر ـــ قد تمَّ له في هذه النخبة ـ التي كرَّ عليها بعد ذلك .
وشرحها بشرحه الجميل الماتع الذي اسماه النزهة : نزهة النظر في شرح نخبة الفكر،فأجابهم ــ رحمه الله تعالى ــ إلى سؤالهم وهو: أنْ يلخص لهم هذا التلخيص الذي يكون بين أيديهم من المطولات ويكون مختصرًا من بين سائر المختصرات ، وهو حريّ بأن يفعل ذلك لأنه ــ رحمة الله عليه ـــ قد انتهت إليه في زمانه رئاسة علم الحديث ، فأصبح عالم زمانه بعد ذهاب أشياخه ومُقدَم علماء الحديث في ذلكم الحين ــ رحمه الله تعالى ــ فأجابهم وكتب لهم هذه النخبة ، كما قلنا التي هي قليلة المباني كثيرة المعاني ، وشرحها بشرحه هذا عليها المشهور الذي هو نزهة النظر ، وسلك فيها مسلكًا جميلًا في الترتيب ، فلذلك أصبح كل من جاء بعده يمشي على طريقته ــ رحمه الله تعالى ــ.
فابتدأ فيها بتقسيم الخبر فقال: الخبر: إما أنْ يكون له طرق بلا عدد معين أو إنّه له طرق محصورة وهذا الحصر قسمه أقسامًا ، يعني الخبر على قسمين ، إما أن يكون له طرق غير محصورة هذا (أ) وإما أن له طرق محصورة وهذا (ب) ، يقسمه هكذا إما أن يكون الخبر له طرق غير محصورة وإما أن يكون له طرق محصورة .
ثم الحصر ينقسم إلى أنواع ما كان محصورًا بما فوق الاثنين يعني ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ما كان محصورًا باثنين يعني : له طريقين أو ما لم يكن له إلا طريقًا واحدًا محصور في طريقٍ واحد.
فهذه الأنواع ثلاثة في القسم الثاني الخبر يقسمه إلى قسمين كلييّن:
الأول لا حصر لطرقه ، القسم الثاني الذي طرقه محصورة على أنواع ، ما كان حصره بما فوق الاثنين يعني : كــثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة إلى غير ذلك ، النوع الثاني منه ما كان محصورًا بــاثنين فقط ، النوع الثالث منه ما كان محصورًا بـواحد ، إذًا نعود فنقول الخبر هذا هو ، على هذين القسمين إما لا حصر لطرقه هذا (أ) وإما أن يكون هناك حصر لطرقه فهذا (ب) وتحته ثلاثة أنواع ،النوع الأول بما حصر بما فوق الاثنين ثلاثة وأربعة وخمسة وستة وسبعة ونحو ذلك ، المهم أنَّ طرقه محصورة .
النوع الثاني: أن يكون محصورًا في طريقين ، النوع الثالث أن يكون محصورًا في طريقٍ واحدة ،فما كان غير محصور بطرق يعني : طرقه كثيرة هذا هو المتواتر، فإذًا المتواتر في اللغة هو : المتتابع التواتر في اللغة التتابع وفي الاصطلاح : ما لم يكن محصورًا بعدد فهذا هو المتواتر، الذي لا حصر للطرق فيه يعني : طرق الأحاديث المراد بالطرق : الأسانيد أسانيد الأحاديث فلا حصر لطرقه لأنها كثيرة فالأسانيد هي : الطرق إلى الأحاديث ، فهذه الطرق لا حصر لها بل هي كثيرة ، وبسبب كثرتها أفادت الإنسانَ العلم ـــ وسيأتينا إن شاء الله تعالى ــ، فنقول :إذًا المتواتر هو: المتتابع يعني وارد من طرق متعددة كثيرة فالتواتر لغة التتابع وأما في الاصطلاح : فهو ما رواه جماعة كثيرون يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب من أول السند إلى آخره، في جميع طبقاته ،وأسندوه إلى شيء محسوس، فهذا هو المتواتر، إذًا المتواتر ما هو؟ هو:ما رواه جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب، من بداية الإسناد إلى منتهاه ، في جميع طبقاته ، يشترط هذا ، وأسندوه إلى شيء محسوس ،كان منتهاه الحس والمحسوس المراد به : سمعنا ، وشهدنا ، وحضرنا ،ورأينا ، ونحو ذلك ،هذا هو المتواتر وقد خصه العلماء بالاهتمام وتتبعوا الأحاديث التي وردت على هذا النحو وكتبوا فيها كتب خاصة كــ(الأزهار المتناثرة في الأحاديث المتواترة ) ، و كــ( نظم المتناثر في الحديث المتواتر)،ونحو ذلك من الكتب وهو بالنسبة للآحاد قليل عدد الأحاديث المتواترة بالنسبة للآحاد قليل جدًا فأكثر سنة النبي ــ صلى الله عليه وسلم ـــ نُقلتْ بطريق الآحاد ، هذا هو القسم الأول وهو: المتواتر، فإذا المتواتر : هو ما رواه جماعة عن مثلهم من أول الإسناد إلى آخره العد كثير يستحيل في العادة أن يتواطئوا على الكذب وأسندوه إلى شيء محسوس، هذه هي الشروط التي يقف عليها المتواتر في تعريفه الكثرة من أول السند إلى منتهاه ،وأن لا يتواطئوا على الكذب ، وأن يكون منتهى إسنادهم الحس ، وهذا القسم يفيد العلم .
والقسم الثاني ما كان محصورًا بطرق يعني :أسانيده تنحصر ، طرقه محصورة ، وهذا على أنواع : النوع الأول :
المشهور ، والمشهور : هو ما كان محصورًا بما فوق الاثنين ولنا أنْ نعرفه بقولنا المشهور لغة : اسم مفعول من شهره بمعنى أظهره ، وأما في الاصطلاح فهو: ما رواه ثلاثة فصاعدًا ولم يبلغ حدّ التواتر ، أو لك أن تقول: كما قال المصنف:( ما له طرق محصورة بما فوق اثنين ولم يبلغ حدّ التواتر)،والمراد ماله طرق محصورة يعني : أنَّ طرقه تُعدّ ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة ونحو ذلك فلا يَرِد بـأقل مما قال المُصنِّف اثنين لا يقل عنهما لكن لابد أنْ يكون فوق الاثنين، ولا يكون اثنين ، لأن الاثنين هذا هو العزيز ، فما زاد عنه ثلاثة أو أربعة أو خمسة أو ستة أو سبعة أو عشرة أ وخمسة عشر أو عشرين ما دام له طرق محصورة ولم يبلغ حد التواتر فإنه هو : المشهور ، فلك أن تقول ما له طرق محصورة بما فوق الاثنين يعني: ثلاثة فصاعدًا ، وهذا تعبير المصنِّف، والمراد بهذا ألا يقل العدد عن أقل ما اشترطنا فيه وهو الثلاثة فما فوق ،فإن وجد في طبقة من الطبقات في إسناده اثنين اختلّ هذا الشرط إنخرم ، فينتقل من الشهرة إلى العزة، فلأجل هذا نحن نقول : ما كان له طرق محصورة بما فوق الاثنين يعني : ثلاثة فصاعدًا،هذا هو المشهور ،فلو جاء في بعض الطبقات خمسة وفي بعضها عشرة وفي بعضها سبعة وفي بعضها ثمانية وفي بعضها ثلاثة ، فهو لا يزال في المشهور لا يزال في ماذا ؟ في المشهور ،لأنه لم ينزل في طبقة من طبقات السند عن هذا ، فإذا نزل حكم عليه ولو في وجود طبقة واحدة فلو جاء في طبقة واحدة اثنين صار عزيزًا .
الثاني
: (ماله طرق محصورة باثنين) هذا هو : العزيز ــ وسيأتينا إن شاء الله تعالى التفصيل فيه ـــ ، فما رواه اثنان ، فما رواه اثنان فهو : العزيز ، وهذا الذي عليه الاصطلاح ، أن الحديث العزيز ما رواه اثنان فقط، يعني : في أي طبقة من طبقات السند ، فإنه يقضى قي هذا الفن ، عند أهل المصطلح ، أهل الحديث ، يقضى بالأقل على الأكثر فلو وجِدَ في طبقة واحدة اثنان حُكِمَ عليه بالعزة ، والعزيز إما أن يكون في اللغة مأخوذ من العزة وهو : النُدرة والقلة ، نقول هذا شيء عزيز يعني : نادر، قليل وجوده يعزّ وجوده يعني : يقل ، وإما أنْ يكون مأخوذ من العزة التي بمعنى القوة .قال تعالى :( فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ )، نعم هذا وهذا فهو وارد فإنك إذا أردت المعنى الأول فهو وارد، فإنَّ الأحاديث التي تكون على هذا النحو يعني قليلة وإذا أردت المعنى الثاني فهو وارد فإن العزيز مأخوذ من العزة وهي القوة : أي أن هذا يعززُ أخاه ويقويه بروايته لما رواه أخوه ، فيجتمع من هذا وهذا القوة .
وأما النوع الثالث في قسم الآحاد فهو: الغريب ، والحديث الغريب .
الشيخ : نعم ؟
الشيخ: ــ يرد على تسأل من أحد تلاميذه ــ ما رواه اثنان نحن قلنا ما رواه اثنين أليس كذلك .
وأما النوع الثالث :فهو الغريب و الغريب: ما رواه راوٍ واحد فقط .
(الحديث الغريب ما رواه راوٍ واحد فقط) وهذه الأنواع الثلاثة كلها يقال لها آحاد المشهور والعزيز والغريب فهذه هي أنواع الآحاد .
فالقسم الأول هو المتواتر ، والقسم الثاني وهو الآحاد وهو يحتوي(2) على هذه الأنواع الثلاثة المشهور والعزيز والغريب .
فالأول كما قلنا: وهو المتواتر يفيد العلم اليقيني : يعني العلم الضروري الذي يضطر الإنسان فيه إلى القبول به فلا يستطيع دفعه وذلك لأنه قد ورد من طرق عديدة أحالت عند الإنسان وجود الشك في ثبوته فخرج إلى اليقين ، فأنت لا تحتاج فيه إلى النظر وإلى الاستدلال ، فقد كُفِيت ذلك بكثرة طرق هذا الحديث التي تضطرك إلى قبوله فلا تستطيع رده ، أفادك العلم اليقيني الضروري في نفسك.
تفريغ بنت عمر
تعليق