بسم الله الرحمن الرحيم...
كنت منذ مدة قريبة سمعت كلام الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان على أثر خالد بن الوليد رضي الله عنه حول شربه للسم, وكذلك كنت أسمع بعض علماء السنة يذكرونه عند شرحهم لفصل الكرامات في كتب العقيدة, و كان يدور في خاطري هو هل صحت هذه الكرامة أم لا؟...فكلمني أحد الاخوة أن نتعاون للبحث عن كلام أهل العلم في هذا الأثر... فقلت: له إن شاء الله خير... فوجدت بعدها مجلد كبير للشيخ عبدالرقيب الإبي حفظه الله من طلبة الشيخ مقبل رحمه الله وهو من طلبته المعروفين واسم الكتاب ((كرامات الأولياء)) رتبه على المسانيد وحقق القول في تلك الكرامات ونقل كلام أهل العلم فكان كتاباً قيما مشى فيه على خطى اللاكائي في كتابه الكرامات فكان كتابا قيماً جزاه الله خيراً.
ففتحت مسند خالد بن الوليد رضي الله عنه فوجدت قد ذكر له كرامتين أو ثلاث, هذه منها وقال: (صحيح) ثم ذكر كلام للذهبي في سير أعلام النبلاء يأتي نقله في ثنايا البحث.
فنقلت هذا لأخينا الكريم فقال: لكن كيف والمتن منكر والسند......الخ كلامه, فاستغربت منه هذا خاصة أن الحكم على المتن بالنكارة يحتاج إلى الراسخين من أهل العلم, و إضافة إلى ذلك سماعي كثير من أهل العلم ذاكرين للقصة اقراراً و إن لم يتعرضوا لسندها, لكن قبلوا المتن من غير استنكار, وكان آخرهم الشيخ الفوزان حفظه الله وهو من هو في العلم.
فقال : هذا يعارض نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن شرب السم و رمي النفس إلى التهلكة, فقلت إني على يقين أن لهذا جواب عن أهل العلم فهم يرون ما لا نرى ...الخ الكلام فخطر لي أن أبحث عن كلام أهل العلم على هذه القصة ومن ذكرها دون أن يعترض عليها, ومن تكلم على اسنادها دون متنها وهكذا لعل الله أن ينفع بهذا الجمع الذي ليس لي فيه إلا النقل وذكر بعض رجال السند في أحيان والله المستعان...
أولاً: ذكر من نقل القصة من أصحاب كتب الآثار:
1-الإمام أحمد في فضائل الصحابة (ولم يستنكرها).
2-الحافظ الطبراني كما ذكر ذلك الهيثمي في المجمع.
3-الحافظ أبويعلى في مسنده.
4-اللاكائي في كتابه كرامات أولياء الله عز وجل
5-الحفاظ ابن عساكر في تاريخ دمشق.
ثانيا: ذكر من تكلم على القصة إما سندا أو متنا أو ذكرها دون تعرض لها:
1-شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة وفي النبوات وفي الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
2-الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب.
3-الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
4-الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء.
5-الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد.
6-الحافظ بدر الدين العيني في عمدة القاريء.
7-العلامة سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهّاب كما في تيسير العزيز الحميد.
وكل من ذكرت سابقا لم يتسنكر القصة فإما ذكرها دون تعرض, أو بين أنه لا تعارض بينها وبين ماورد من نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل الحافظ ابن حجر والعيني كما في الفتح والعمدة.
ثالثاً: تحقيق القول في سند القصة:
ذكرت سابقا تصحيح الشيخ عبدالرقيب الإبي للقصة وهو من طلبة الشيخ مقبل رحمه الله وكذلك الشيخ العلامة الفوزان حفظه الله وسأذكر هنا كلام من وقفت على كلامه وهو قليل, ثم أنقل تراجم بعض رجال السند وبيان صحة الأثر بلا ريب إن شاء الله..ألخ.
1-الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد فقال: ((رواه أبو يعلى والطبراني بنحوه وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح وهو مرسل ورجالهما ثقات إلا أن أبا السفر وأبا بردة بن أبي موسى لم يسمعا من خالد والله أعلم)).
2-الحافظ ابن حجر والعيني حيث ذكروا القصة ووفقوا بينها وبين النصوص الأخرى التي تنهى عن شرب السم, وهذا منهم اقرار بصحتها حيث لو لم تصح عندهم لبينوا ضعفها ولم يتكلفوا الجمع بينها وبين ما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
3-الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء حيث قال بعدها ((قلت : هذه والله الكرامة وهذه الشجاعة )) وهذا تصحيح منه للقصة.
4-شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله حيث ذكرها مقراً لها كما في النبوات و المنهاج والفرقان وسأنقل كلامه لاحقاً لأبين عدم تعارض الحادثة مع أحاديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فأبدأ هنا بذكر أسانيد الأثر إن شاء الله:
1- قال الإمام أحمد كما في فضائل الصحابة:
أ - حدثنا عبد الله قال حدثني أبي ثنا يحيى بن زكريا قال حدثني يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر قال نزل خالد بن الوليد....
عبدالله بن الإمام أحمد ثنا أبيه الإمام أحمد ثنا يحي بن زكريا بن أبي زائدة ثقة متقن ثنا يونس بن أبي إسحاق خلاصة القول ما قال فيه الحافظ بن حجر صدوق يهم قليلاً عن أبي السفر الهمداني سعيد بن يحمد ثقة قال نزل خالد بن الوليد... والذي يظهر أن فيه انقطاع فسعيد بن يحمد توفي في سنة 112 أو 113 هـ كما في التهذيب,و خالد بن الوليد رضي الله عنه توفي سنة 21 أو 22هــ كما في ترجمته وهذا الذي ذكره الهيثمي كما بيتنه سابقاً.
ب- الطريق الثانية: حدثنا عبد الله قال حدثني أبي قثنا سفيان عن إسماعيل عن قيس أتي خالد بن الوليد....
عبدالله هو ابن الإمام ثقة والإمام أحمد ثقة ثبت حجة قال ثنا سفيان بن عيينة كما يظهر من سند اللاكائي فقد رواه هناك ((أخبرنا عيسى بن علي أنا عبد الله بن محمد البغوي قال ثنا محمد بن حسان السمتي قال ثنا سفيان بن عيينة قال ثنا بيان وإسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم)) فرواه عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل وبيان بن أبي خالد عن قيس وكذلك عند ابن عساكر في الطريق الثالثة كما سيأتي وفيه التصريح برؤية قيس للحادثة..... وسفيان ثقة ثبت عن إسماعيل وقد حدث كما في سند اللاكائي ولا تضر عنعنة سفيان بن عيينة , قال عن إسماعيل بن أبي خالد ثقة حافظ عن شيخه قيس بن أبي حازم ثقة ممن أدرك عصر النبوة وقيل له رؤيه . روى عن جمع من الصحابة منهم خالد بن الوليد كما في الصحيح فالسند كذا يكون صحيح و كيف لا وبالمتابعات والكثيرة أذكر هنا الأسانيد في كتب الآثار دون تحقيق تسهيلاً لمن أراد تحقيقها لزيادة الأثر صحة على صحة.
2- مسند أبويعلى:
حدثنا عبد الله قال حدثني أبي قثنا يحيى بن زكريا قال حدثني يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر.....
3- الطبراني في الكبير:
حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا هارون بن إسحاق ثنا وكيع عن يونس بن أبي إسحاق : عن أبي بردة أن خالد بن الوليد....
4-الإمام اللالكائي:
أخبرنا عيسى بن علي أنا عبد الله بن محمد البغوي قال ثنا محمد بن حسان السمتي قال ثنا سفيان بن عيينة قال ثنا بيان وإسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم...
5-الحافظ بن عساكر كما في تاريخ دمشق:
أ*-الطريق الأول:
أخبرنا أبو العز كادش إذنا ومناولة وقرأ علي إسناده أبو علي محمد بن الحسين أنا المعافى بن زكريا القاضي نا محمد بن الحسن بن دريد أنا العكلي نا محمد بن مرزوق نا هشام بن محمد بن السائب عن عوانة بن الحكم وشرقي بن قطامي وأبي مخنف....
ب*-الطريق الثانية:
وأخبرنا أبو عبد الله الخلال أنا إبراهيم بن منصور أنا أبو بكر بن المقرئ قالا أنا أبو يعلى نا شريح نا يحيى بن زكريا عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر..
جـ- الطريق الثالثة:
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي أنا الحسن بن علي أنا محمد بن العباس أنا أحمد بن معروف نا الحسين بن الفهم نا محمد بن سعد أنا عبد الله بن الزبير الحميدي نا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم......والحمدلله على التوفيق.
رابعاً: ذكر ملابسات الحادثة وفهم أهل العلم لها و كيفية التوفيق بينها وبين الأحاديث النبوية :
أنقل هنا كلام لبعض أهل العلم وأولهم شيخ الإسلام و أنقل بعض أطراف القصة من تاريخ دمشق التي توضح سياق القصة وسبب شرب خالد بن الوليد رضي الله عنه للسم:
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله كما في النبوات حيث قال ((ومنها – أي من الكرامات- ما يتحدى بها صاحبها أن دين الاسلام حق كما فعل خالد بن الوليد لما شرب السم وكالغلام الذي أتى الراهب وترك الساحر وأمر بقتل نفسه بسهمه )) ا.هـ فهنا يبين شيخ الإسلام أن سبب شرب خالد بن الوليد السم كان لنصرة الدين وبيان أنه الحق فلا تعارض هنا مع النهي أو مع الآيات التي فيها النهي عن قتل النفس وقرنه بالصبي الذي في الأمة السابقة.
وقال أيضاً في نفس الكتاب ((ولهذا من السلف من يأتي بالآيات دلالة على صحة الاسلام وصدق الرسول كما ذكر أن خالد بن الوليد شرب السم لما طلب منه آية ولم يضره)) فهذه الآية والكرامة إنما كانت لنصرة الدين و بيان أنه الحق و بيانه ما قاله في كتابه الفرقان حيث قال هناك ((وخالد بن الوليد حاصر حصنا منيعا فقالوا : لا نسلم حتى تشرب السم فشربه فلم يضره)) فهذا هو تفصيل الحادثة و شيخ الإسلام لم يقله من عنده وحاشاه بل تصديقه ما قد أتى في رواية ابن عساكر ففيه اكمل سياق لها:
((لما انصرف خالد بن الوليد بن اليمامة ضرب عسكره على الجرعة التي بين الحيرة والنهر وتحصن منه اهل الحيرة في القصر الأبيض وقصر ابن بقيلة فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى نفذت ثم رموه بالخزف من آنيتهم فقال ضرار بن الأزور ما لهم مكيدة أعظم مما ترى فبعث إليهم ابعثوا إلي رجلا من عقلائكم أسائله ويخبرني عنكم فبعثوا إليه عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة الغساني وهو يومئذ ابن خمسين وثلاثمائة سنة فأقبل يمشي إلى خالد فلما رآه قال ما لهم أخزاهم الله بعثوا إلي رجلا لا يفقه فلما دنا من خالد قال أنعم صباحا أيها الملك فقال خالد قد أكرمنا الله بغير هذه التحية بالسلام ثم قال له خالد من اين أقصى أثرك قال من ظهر أبي قال من أين خرجت قال من بطن أمي قال على ما أنت قال على الأرض قال فيم أنت ويحك قال في ثيابي قال أتعقل قال نعم وأقيد قال ابن كم أنت قال ابن رجل واحد قال خالد ما رأيت كاليوم قط اسائله عن شيء وينحو في غيره قال ما أجيبك إلا عن ما سألت عنه فاسأل عن ما بدالك قال كم أتى لك قال خمسون وثلاثمائة قال أخبرني ما أنتم قال عرب استنطبنا ونبط استعربنا قال فحرب أنتم أم سلم قال بل سلم قال فما بال هذه الحصون قال بنيناها لنحبس السفيه حتى ينهاه الحليم قال ومعه سم ساعة يقلبه في يده فقال له ما هذا معك قال هذا السم وما تصنع به قال أتيتك فإن رأيت عندك ما يسرني وأهل بلدي حمدت الله وإن كانت الأخرى لم أكن أول من ساق إليهم ضيما وبلاء فآكله وأستريح وإنما بقي من عمري يسير فقال هاته فوضعه في يد خالد فقال بسم الله وبالله رب الأرض ورب السماء الذي لا يضر مع اسمه داء ثم أكله فتجلته غشية فضرب بذقنه على صدره ثم عرق وأفاق فرجع ابن بقيلة إلى قومه فقال جئت من عند شيطان اكل سم ساعة فلم يضره أخرجوهم عنكم فصالحوهم على مائة ألف))ا.هــ
فهنا يظهر جلياً أن الأمر إنما كان لرمي الرعب في قلوبهم وبيان أن الحق مع المسلمين ففتح الله بهذه الحادثة تلك الحصون كما قال شيخ الإسلام.
ولو سلمنا أن هناك تعارض ولو في الظاهر فقد بين الحافظ ابن حجر وجه التوفيق فقال كما في الفتح فقال رحمه الله:
(( قوله باب شرب السم والدواء به وما يخاف منه )).
هو بضم أوله وقال الكرماني يجوز فتحه وهو عطف على السم قوله والخبيث أي الدواء الخبيث وكأنه يشير بالدواء بالسم إلى ما ورد من النهي عن التداوي بالحرام وقد تقدم بيانه في كتاب الأشربة في باب الباذق في شرح حديث أن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم وزعم بعضهم أن المراد بقوله به منه والمراد ما يدفع ضرر السم وأشار بذلك إلى ما تقدم قبل من حديث من تصبح بسبع تمرات الحديث وفيه لم يضره سم فيتسفاد منه استعمال ما يدفع ضرر السم قبل وصوله ولا يخفي بعد ما قال لكن يستفاد منه مناسبة ذكر حديث العجوة في هذا الباب وأما قوله وما يخاف منه فهو معطوف على الضمير المجرور العائد على السم.
وقوله منه أي من الموت به أو استمرار المرض فيكون فاعل ذلك قد أعان على نفسه وأما مجرد شرب السم فليس بحرام على الإطلاق لأنه يجوز استعمال اليسير منه إذا ركب معه ما يدفع ضرره إذا كان فيه نفع أشار إلى ذلك بن بطال وقد أخرج بن أبي شيبة وغيره أن خالد بن الوليد لما نزل الحيرة قيل له احذر السم لا تسقيكه الأعاجم فقال ائتوني به فأتوه به فأخذه بيده ثم قال بسم الله واقتحمه فلم يضره فكأن المصنف رمز إلى أن السلامة من ذلك وقعت كرامة لخالد بن الوليد فلا يتأسى به في ذلك لئلا يفضي إلى قتل المرء نفسه ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة في الباب ولعله كان عند خالد في ذلك عهد عمل به))ا.هــ كلامه
وذكر مثل هذا الكلام العيني في العمدة في نفس الموضع.
وبهذا ينتهي هذا الجمع الذي أسأل الله أن يبارك فيه ويكون فيه نفعاً للجميع و من لديه تعليق أو إضافة أو نقد فليتحفنا به جزاه الله خيرا والله المستعان...
كتبه أخوكم أبوصهيب عاصم بن علي الأغبري....
ملاحظة:وضعت الموضوع هنا في حال هناك من لديه تعليق أو رد ...الخ وإلا إن شاء الله ينقله الأخ المشرف إلى المنبر الإسلامي والله المستعان....
كنت منذ مدة قريبة سمعت كلام الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان على أثر خالد بن الوليد رضي الله عنه حول شربه للسم, وكذلك كنت أسمع بعض علماء السنة يذكرونه عند شرحهم لفصل الكرامات في كتب العقيدة, و كان يدور في خاطري هو هل صحت هذه الكرامة أم لا؟...فكلمني أحد الاخوة أن نتعاون للبحث عن كلام أهل العلم في هذا الأثر... فقلت: له إن شاء الله خير... فوجدت بعدها مجلد كبير للشيخ عبدالرقيب الإبي حفظه الله من طلبة الشيخ مقبل رحمه الله وهو من طلبته المعروفين واسم الكتاب ((كرامات الأولياء)) رتبه على المسانيد وحقق القول في تلك الكرامات ونقل كلام أهل العلم فكان كتاباً قيما مشى فيه على خطى اللاكائي في كتابه الكرامات فكان كتابا قيماً جزاه الله خيراً.
ففتحت مسند خالد بن الوليد رضي الله عنه فوجدت قد ذكر له كرامتين أو ثلاث, هذه منها وقال: (صحيح) ثم ذكر كلام للذهبي في سير أعلام النبلاء يأتي نقله في ثنايا البحث.
فنقلت هذا لأخينا الكريم فقال: لكن كيف والمتن منكر والسند......الخ كلامه, فاستغربت منه هذا خاصة أن الحكم على المتن بالنكارة يحتاج إلى الراسخين من أهل العلم, و إضافة إلى ذلك سماعي كثير من أهل العلم ذاكرين للقصة اقراراً و إن لم يتعرضوا لسندها, لكن قبلوا المتن من غير استنكار, وكان آخرهم الشيخ الفوزان حفظه الله وهو من هو في العلم.
فقال : هذا يعارض نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن شرب السم و رمي النفس إلى التهلكة, فقلت إني على يقين أن لهذا جواب عن أهل العلم فهم يرون ما لا نرى ...الخ الكلام فخطر لي أن أبحث عن كلام أهل العلم على هذه القصة ومن ذكرها دون أن يعترض عليها, ومن تكلم على اسنادها دون متنها وهكذا لعل الله أن ينفع بهذا الجمع الذي ليس لي فيه إلا النقل وذكر بعض رجال السند في أحيان والله المستعان...
أولاً: ذكر من نقل القصة من أصحاب كتب الآثار:
1-الإمام أحمد في فضائل الصحابة (ولم يستنكرها).
2-الحافظ الطبراني كما ذكر ذلك الهيثمي في المجمع.
3-الحافظ أبويعلى في مسنده.
4-اللاكائي في كتابه كرامات أولياء الله عز وجل
5-الحفاظ ابن عساكر في تاريخ دمشق.
ثانيا: ذكر من تكلم على القصة إما سندا أو متنا أو ذكرها دون تعرض لها:
1-شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة وفي النبوات وفي الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
2-الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب.
3-الحافظ ابن حجر في فتح الباري.
4-الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء.
5-الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد.
6-الحافظ بدر الدين العيني في عمدة القاريء.
7-العلامة سليمان بن عبدالله بن محمد بن عبدالوهّاب كما في تيسير العزيز الحميد.
رحمهم الله جميعاً وأسكنهم فسيح جناته....
وكل من ذكرت سابقا لم يتسنكر القصة فإما ذكرها دون تعرض, أو بين أنه لا تعارض بينها وبين ماورد من نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل الحافظ ابن حجر والعيني كما في الفتح والعمدة.
ثالثاً: تحقيق القول في سند القصة:
ذكرت سابقا تصحيح الشيخ عبدالرقيب الإبي للقصة وهو من طلبة الشيخ مقبل رحمه الله وكذلك الشيخ العلامة الفوزان حفظه الله وسأذكر هنا كلام من وقفت على كلامه وهو قليل, ثم أنقل تراجم بعض رجال السند وبيان صحة الأثر بلا ريب إن شاء الله..ألخ.
1-الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد فقال: ((رواه أبو يعلى والطبراني بنحوه وأحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح وهو مرسل ورجالهما ثقات إلا أن أبا السفر وأبا بردة بن أبي موسى لم يسمعا من خالد والله أعلم)).
2-الحافظ ابن حجر والعيني حيث ذكروا القصة ووفقوا بينها وبين النصوص الأخرى التي تنهى عن شرب السم, وهذا منهم اقرار بصحتها حيث لو لم تصح عندهم لبينوا ضعفها ولم يتكلفوا الجمع بينها وبين ما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
3-الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء حيث قال بعدها ((قلت : هذه والله الكرامة وهذه الشجاعة )) وهذا تصحيح منه للقصة.
4-شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله حيث ذكرها مقراً لها كما في النبوات و المنهاج والفرقان وسأنقل كلامه لاحقاً لأبين عدم تعارض الحادثة مع أحاديث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
فأبدأ هنا بذكر أسانيد الأثر إن شاء الله:
1- قال الإمام أحمد كما في فضائل الصحابة:
أ - حدثنا عبد الله قال حدثني أبي ثنا يحيى بن زكريا قال حدثني يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر قال نزل خالد بن الوليد....
عبدالله بن الإمام أحمد ثنا أبيه الإمام أحمد ثنا يحي بن زكريا بن أبي زائدة ثقة متقن ثنا يونس بن أبي إسحاق خلاصة القول ما قال فيه الحافظ بن حجر صدوق يهم قليلاً عن أبي السفر الهمداني سعيد بن يحمد ثقة قال نزل خالد بن الوليد... والذي يظهر أن فيه انقطاع فسعيد بن يحمد توفي في سنة 112 أو 113 هـ كما في التهذيب,و خالد بن الوليد رضي الله عنه توفي سنة 21 أو 22هــ كما في ترجمته وهذا الذي ذكره الهيثمي كما بيتنه سابقاً.
ب- الطريق الثانية: حدثنا عبد الله قال حدثني أبي قثنا سفيان عن إسماعيل عن قيس أتي خالد بن الوليد....
عبدالله هو ابن الإمام ثقة والإمام أحمد ثقة ثبت حجة قال ثنا سفيان بن عيينة كما يظهر من سند اللاكائي فقد رواه هناك ((أخبرنا عيسى بن علي أنا عبد الله بن محمد البغوي قال ثنا محمد بن حسان السمتي قال ثنا سفيان بن عيينة قال ثنا بيان وإسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم)) فرواه عن سفيان بن عيينة عن إسماعيل وبيان بن أبي خالد عن قيس وكذلك عند ابن عساكر في الطريق الثالثة كما سيأتي وفيه التصريح برؤية قيس للحادثة..... وسفيان ثقة ثبت عن إسماعيل وقد حدث كما في سند اللاكائي ولا تضر عنعنة سفيان بن عيينة , قال عن إسماعيل بن أبي خالد ثقة حافظ عن شيخه قيس بن أبي حازم ثقة ممن أدرك عصر النبوة وقيل له رؤيه . روى عن جمع من الصحابة منهم خالد بن الوليد كما في الصحيح فالسند كذا يكون صحيح و كيف لا وبالمتابعات والكثيرة أذكر هنا الأسانيد في كتب الآثار دون تحقيق تسهيلاً لمن أراد تحقيقها لزيادة الأثر صحة على صحة.
2- مسند أبويعلى:
حدثنا عبد الله قال حدثني أبي قثنا يحيى بن زكريا قال حدثني يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر.....
3- الطبراني في الكبير:
حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا هارون بن إسحاق ثنا وكيع عن يونس بن أبي إسحاق : عن أبي بردة أن خالد بن الوليد....
4-الإمام اللالكائي:
أخبرنا عيسى بن علي أنا عبد الله بن محمد البغوي قال ثنا محمد بن حسان السمتي قال ثنا سفيان بن عيينة قال ثنا بيان وإسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم...
5-الحافظ بن عساكر كما في تاريخ دمشق:
أ*-الطريق الأول:
أخبرنا أبو العز كادش إذنا ومناولة وقرأ علي إسناده أبو علي محمد بن الحسين أنا المعافى بن زكريا القاضي نا محمد بن الحسن بن دريد أنا العكلي نا محمد بن مرزوق نا هشام بن محمد بن السائب عن عوانة بن الحكم وشرقي بن قطامي وأبي مخنف....
ب*-الطريق الثانية:
وأخبرنا أبو عبد الله الخلال أنا إبراهيم بن منصور أنا أبو بكر بن المقرئ قالا أنا أبو يعلى نا شريح نا يحيى بن زكريا عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر..
جـ- الطريق الثالثة:
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي أنا الحسن بن علي أنا محمد بن العباس أنا أحمد بن معروف نا الحسين بن الفهم نا محمد بن سعد أنا عبد الله بن الزبير الحميدي نا سفيان بن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم......والحمدلله على التوفيق.
رابعاً: ذكر ملابسات الحادثة وفهم أهل العلم لها و كيفية التوفيق بينها وبين الأحاديث النبوية :
أنقل هنا كلام لبعض أهل العلم وأولهم شيخ الإسلام و أنقل بعض أطراف القصة من تاريخ دمشق التي توضح سياق القصة وسبب شرب خالد بن الوليد رضي الله عنه للسم:
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله كما في النبوات حيث قال ((ومنها – أي من الكرامات- ما يتحدى بها صاحبها أن دين الاسلام حق كما فعل خالد بن الوليد لما شرب السم وكالغلام الذي أتى الراهب وترك الساحر وأمر بقتل نفسه بسهمه )) ا.هـ فهنا يبين شيخ الإسلام أن سبب شرب خالد بن الوليد السم كان لنصرة الدين وبيان أنه الحق فلا تعارض هنا مع النهي أو مع الآيات التي فيها النهي عن قتل النفس وقرنه بالصبي الذي في الأمة السابقة.
وقال أيضاً في نفس الكتاب ((ولهذا من السلف من يأتي بالآيات دلالة على صحة الاسلام وصدق الرسول كما ذكر أن خالد بن الوليد شرب السم لما طلب منه آية ولم يضره)) فهذه الآية والكرامة إنما كانت لنصرة الدين و بيان أنه الحق و بيانه ما قاله في كتابه الفرقان حيث قال هناك ((وخالد بن الوليد حاصر حصنا منيعا فقالوا : لا نسلم حتى تشرب السم فشربه فلم يضره)) فهذا هو تفصيل الحادثة و شيخ الإسلام لم يقله من عنده وحاشاه بل تصديقه ما قد أتى في رواية ابن عساكر ففيه اكمل سياق لها:
((لما انصرف خالد بن الوليد بن اليمامة ضرب عسكره على الجرعة التي بين الحيرة والنهر وتحصن منه اهل الحيرة في القصر الأبيض وقصر ابن بقيلة فجعلوا يرمونه بالحجارة حتى نفذت ثم رموه بالخزف من آنيتهم فقال ضرار بن الأزور ما لهم مكيدة أعظم مما ترى فبعث إليهم ابعثوا إلي رجلا من عقلائكم أسائله ويخبرني عنكم فبعثوا إليه عبد المسيح بن عمرو بن قيس بن حيان بن بقيلة الغساني وهو يومئذ ابن خمسين وثلاثمائة سنة فأقبل يمشي إلى خالد فلما رآه قال ما لهم أخزاهم الله بعثوا إلي رجلا لا يفقه فلما دنا من خالد قال أنعم صباحا أيها الملك فقال خالد قد أكرمنا الله بغير هذه التحية بالسلام ثم قال له خالد من اين أقصى أثرك قال من ظهر أبي قال من أين خرجت قال من بطن أمي قال على ما أنت قال على الأرض قال فيم أنت ويحك قال في ثيابي قال أتعقل قال نعم وأقيد قال ابن كم أنت قال ابن رجل واحد قال خالد ما رأيت كاليوم قط اسائله عن شيء وينحو في غيره قال ما أجيبك إلا عن ما سألت عنه فاسأل عن ما بدالك قال كم أتى لك قال خمسون وثلاثمائة قال أخبرني ما أنتم قال عرب استنطبنا ونبط استعربنا قال فحرب أنتم أم سلم قال بل سلم قال فما بال هذه الحصون قال بنيناها لنحبس السفيه حتى ينهاه الحليم قال ومعه سم ساعة يقلبه في يده فقال له ما هذا معك قال هذا السم وما تصنع به قال أتيتك فإن رأيت عندك ما يسرني وأهل بلدي حمدت الله وإن كانت الأخرى لم أكن أول من ساق إليهم ضيما وبلاء فآكله وأستريح وإنما بقي من عمري يسير فقال هاته فوضعه في يد خالد فقال بسم الله وبالله رب الأرض ورب السماء الذي لا يضر مع اسمه داء ثم أكله فتجلته غشية فضرب بذقنه على صدره ثم عرق وأفاق فرجع ابن بقيلة إلى قومه فقال جئت من عند شيطان اكل سم ساعة فلم يضره أخرجوهم عنكم فصالحوهم على مائة ألف))ا.هــ
فهنا يظهر جلياً أن الأمر إنما كان لرمي الرعب في قلوبهم وبيان أن الحق مع المسلمين ففتح الله بهذه الحادثة تلك الحصون كما قال شيخ الإسلام.
ولو سلمنا أن هناك تعارض ولو في الظاهر فقد بين الحافظ ابن حجر وجه التوفيق فقال كما في الفتح فقال رحمه الله:
(( قوله باب شرب السم والدواء به وما يخاف منه )).
هو بضم أوله وقال الكرماني يجوز فتحه وهو عطف على السم قوله والخبيث أي الدواء الخبيث وكأنه يشير بالدواء بالسم إلى ما ورد من النهي عن التداوي بالحرام وقد تقدم بيانه في كتاب الأشربة في باب الباذق في شرح حديث أن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم وزعم بعضهم أن المراد بقوله به منه والمراد ما يدفع ضرر السم وأشار بذلك إلى ما تقدم قبل من حديث من تصبح بسبع تمرات الحديث وفيه لم يضره سم فيتسفاد منه استعمال ما يدفع ضرر السم قبل وصوله ولا يخفي بعد ما قال لكن يستفاد منه مناسبة ذكر حديث العجوة في هذا الباب وأما قوله وما يخاف منه فهو معطوف على الضمير المجرور العائد على السم.
وقوله منه أي من الموت به أو استمرار المرض فيكون فاعل ذلك قد أعان على نفسه وأما مجرد شرب السم فليس بحرام على الإطلاق لأنه يجوز استعمال اليسير منه إذا ركب معه ما يدفع ضرره إذا كان فيه نفع أشار إلى ذلك بن بطال وقد أخرج بن أبي شيبة وغيره أن خالد بن الوليد لما نزل الحيرة قيل له احذر السم لا تسقيكه الأعاجم فقال ائتوني به فأتوه به فأخذه بيده ثم قال بسم الله واقتحمه فلم يضره فكأن المصنف رمز إلى أن السلامة من ذلك وقعت كرامة لخالد بن الوليد فلا يتأسى به في ذلك لئلا يفضي إلى قتل المرء نفسه ويؤيد ذلك حديث أبي هريرة في الباب ولعله كان عند خالد في ذلك عهد عمل به))ا.هــ كلامه
وذكر مثل هذا الكلام العيني في العمدة في نفس الموضع.
وبهذا ينتهي هذا الجمع الذي أسأل الله أن يبارك فيه ويكون فيه نفعاً للجميع و من لديه تعليق أو إضافة أو نقد فليتحفنا به جزاه الله خيرا والله المستعان...
كتبه أخوكم أبوصهيب عاصم بن علي الأغبري....
ملاحظة:وضعت الموضوع هنا في حال هناك من لديه تعليق أو رد ...الخ وإلا إن شاء الله ينقله الأخ المشرف إلى المنبر الإسلامي والله المستعان....
تعليق