توجيه معنى الحرمان من المغفرة
السؤال:
كنتُ أعتقد أنّ الله يغفرُ الذنوبَ جميعًا ما عدا الشرك، ولكن عند قراءتي للحديث الآتي، أشكل علي الأمر فأريد منكم شيخنا أن توضّحوا لي المسألة؟
وبارك الله فيكم.
عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال:
« تُفْتَحُ أَبْوَابُ الجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ، وَيَوْمَ الخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا، إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا »(1).
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فكلُّ الذنوبِ والمعاصي قَابلةٌ للتوبةِ والغُفران إلاّ الشرك بالله، سواء وقع التكفير عن الذنوب بحسنات ماحية، أو بمصائبَ مكفّرةٍ، أو بفضل مُطلق منه سبحانه إلاّ الشرك بالله تعالى لا يغفره إلاّ إذا تركه واستغفر لنفسِهِ ودخل في الإسلام، لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ}
[النساء: 48]
ولقوله تعالى:
{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ}
[التوبة: 113]
أمّا إذا عاد إلى الحقِّ واستغفر العبدُ وتَابَ وأنابَ فإنّ الله يغفرُ الذنوب جميعًا بما فيها من الشرك لقوله تعالى:
{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ}
[الزمر: 53، 54].
أمّا مراد الحديث الواردِ في وعيد المتشاحنَيْنِ والمتهاجرَيْنِ إنما يظهر وجه حكمة النهي عن المهاجرة فوق ثلاث كيلا يقع محرومًا من المغفرة في يومي عرض الأعمال، لا حرمانه من المغفرة مطلقًا.
والعلمُ عند الله تعالى، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في 25 من ذي الحجة 1427ه
الموافق ل: 14 يناير 2007م
__________
1- أخرجه مسلم في «البر والصلة »: (6544)، وأبو داود في «الأدب »: (491، والترمذي في «البر والصلة »: (2155)، وابن ماجه في «الصيام »: (1740)، ومالك في «الموطأ »: (161، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.من فتاوى الشيخ فركوس حفظه الله تعالى