قال الإمام أحمد في المسند (14/163، ط1، 1416، دار الحديث، رقم 18319): حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ: حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْوَاسِطِيُّ: حَدَّثَنِي حَبِيبُ بْنُ سَالِمٍ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: كُنَّا قُعُودًا فِي الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ بَشِيرٌ رَجُلًا يَكُفُّ حَدِيثَهُ، فَجَاءَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ فَقَالَ: يَا بَشِيرُ بْنَ سَعْدٍ أَتَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأُمَرَاءِ؟ فَقَالَ: حُذَيْفَةُ أَنَا أَحْفَظُ خُطْبَتَهُ فَجَلَسَ أَبُو ثَعْلَبَةَ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ». ثُمَّ سَكَتَ قَالَ حَبِيبٌ: فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَكَانَ يَزِيدُ بْنُ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ فِي صَحَابَتِهِ فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيثِ أُذَكِّرُهُ إِيَّاهُ فَقُلْتُ لَهُ: إِنِّي أَرْجُو أَنْ يَكُونَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَعْنِي عُمَرَ بَعْدَ الْمُلْكِ الْعَضِّ وَالْجَبْرِيَّةِ فَأُدْخِلَ كِتَابِي عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَسُرَّ بِهِ وَأَعْجَبَهُ.
حديث صحيح: رواه أيضا أبو داود الطيالسي في مسنده (1/349-350، دار هجر، رقم439)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/491، ط1، 1408، دار الكتب العلمية)، وابن الجوزي في جامع المسانيد (2/309-310، ط1، 1426، مكتبة الرشد، رقم 1437 )من طريق أحمد وفيه: كنا قعودا في المسجد فجاء أبو ثعلبة الخشني... وابن كثير في جامع المسانيد والسنن من رواية البزار (3/352-353، ط، 1415، دار الفكر، رقم 2007).
وقال الهيثمي كما في "بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد"(5/341-342، ط، 1415، دار الفكر، رقم 8970): « رواه أحمد في ترجمة النعمان، والبزار أتم منه، والطبراني ببعضه في الأوسط، ورجاله ثقات ».
وحسن إسناده الألباني في "السلسلة الصحيحة"( 1 / 34-35) قائلا: « رواه أحمد (4/273 ): ثنا سليمان بن داود الطيالسي: ثنا داود بن إبراهيم الواسطي: ثنا حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال: كنا قعودا في المسجد - وكان بشير رجلا يكف حديثه- فجاء أبو ثعلبة الخشني، فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأمراء ؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة: فذكره مرفوعا.
قال حبيب: فلما قام عمر بن عبد العزيز وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه، فقلت له: إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين - يعني عمر - بعد الملك العاض والجبرية. فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فسر به وأعجبه.
ومن طريق أحمد رواه الحافظ العراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب " ( 17 / 2 ) و قال: « هذا حديث صحيح ، وإبراهيم بن داود الواسطي وثقه أبو داود الطيالسي وابن حبان، وباقي رجاله محتج بهم في الصحيح – يعني: صحيح مسلم -، لكن حبيبا هذا قال البخاري: فيه نظر. وقال ابن عدي: ليس في متون أحاديثه حديث منكر، بل قد اضطرب في أسانيد ما يروي عنه».
إلا أن أبا حاتم وأبا داود وابن حبان وثقوه، فحديثه حسن على أقل الأحوال إن شاء الله تعالى، وقد قال فيه الحافظ: « لا بأس به ».
والحديث في "مسند الطيالسي" ( رقم 438 ): حدثنا داود الواسطي - وكان ثقة - قال: سمعت حبيب بن سالم به.
لكن وقع في متنه سقط فيستدرك من "مسند أحمد".
وقال الهيثمي في " المجمع " (5/189) : « رواه أحمد والبزار(158 أتم منه والطبراني ببعضه في (الأوسط )، ورجاله ثقات ».
ومن البعيد عندي حمل الحديث على عمر بن عبد العزيز ، لأن خلافته كانت قريبة العهد بالخلافة الراشدة ولم تكن بعد ملكين : ملك عاض وملك جبرية ، والله أعلم . وللحديث شاهد بنحوه من حديث ابن عباس سيأتي(3270) » اهـ كلامه.
قال أبو طيبة: حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- بلفظ: « أَوَّلُ هَذَا الأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ إِمَارَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَتَكادَمُونَ عَلَيْهِ تَكادُمَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلانُ ». قال الألباني (7/802-803) فيه: « أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/88/1113: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن النَّضْرِ الْعَسْكَرِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن حَفْصٍ النُّفَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بن أَعْيَنَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ فِطْرِ بن خَلِيفَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات؛ غير سعيد بن حفص النفيلي؛ ففيه كلام يسير، وقد وثقه ابن حبان(8/26، وأخرج له في صحيحه ثلاثة أحاديث، والذهبي، والعسقلاني فقال: صدوق تغير في آخر عمره.
وأبو شهاب: هو موسى بن نافع الخياط، ووقع في الأصل ابن شهاب، والتصحيح من المخطوطة(3/111/1) وكتب الرجال.
وللحديث شاهد بنحوه من حديث حذيفة – رضي الله عنه -، وقد مضى في أول المجلد الأول برقم(5.) » اهـ كلام الألباني.
وفي "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة" (7 / 56)، تحت الحديث رقم (3055 )، بلفظ: « إن الله عز وجل بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة، وكائناً خلافة ورحمة، وكائناً ملكاً عضوضاً، وكائناً عنوة وجبرية وفساداً في الأرض، يستحلون الفروج والخمور والحرير، وينصرون على ذلك، ويرزقون أبداً حتى يلقوا الله »؛ قال – رحمه الله -: « منكر بهذا التمام. أخرجه الطيالسي (رقم 22: حدثنا جرير بن حازم عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي ثعلبة الخشني عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ رجاله ثقات غير ليث - وهو ابن أبي سليم - وهو ضعيف مختلط. ووقع في الأصل "ليث بن عبد الرحمن بن سابط"، وانطلى أمره على مرتبه الشيخ عبد الرحمن البنا الساعاتي فطبعه هكذا على الخطأ في "ترتيبه" (2592)!
قلت: والحديث مع ضعف سنده فإن قوله في آخره: « وينصرون على ذلك ... » منكر، بل باطل؛ لأنه ينافي النصوص القرآنية؛ كقوله تعالى: ﴿إن تنصروا الله ينصركم...﴾، مع مخالفته لواقع حال المسلمين اليوم، والله المستعان.
وأما سائر الحديث فهو صحيح، قد جاء من روايات أخرى. فشطره الأول قد صح من حديث حذيفة مرفوعاً نحوه. وهو مخرج في "الصحيحة" رقم (5)، وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب مرفوعاً نحوه. أخرجه الباغندي في "مسند عمر" (ص6).
وأما استحلال الفروج وغيرها فثابت في "صحيح البخاري" وهو مخرج في المصدر المذكور رقم (89 و90) » اهـ كلامه.
قال أبو طيبة: لكن قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "المطالب العالية"(9/574، ط1، 1419، دار العاصمة، رقم 2092): « أخبرنا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن ليث بن أبي سليم ، عن عبد الرحمن بن سابط الجمحي ، عن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال : كان أبو عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهما - يتناجيان بينهما حديثا فقلت لهما : أما حفظتما في وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلا يتذاكرانه فقالا : « إنما بدو هذه الأمة نبوة ورحمة ، ثم كائن خلافة ورحمة ، ثم كائن ملكا عضوضا ، ثم كائن عتوا وجبرية وفسادا في الأمة ، يستحلون الخمور والفروج ، وفسادا في الأمة ، ينصرون على ذلك ويرزقون حتى يلقوا الله عز وجل ». هذا حديث حسن: رواه الطيالسي: عن جرير بن حازم، عن ليث، نحوه. وقال أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، ثنا جرير - هو ابن عبد الحميد -. قال: وحدثنا محمد بن المنهال، ثنا عبد الواحد بن زياد، عن ليث به » اهـ الحافظ.
قال أبو طيبة: أحسب أن كلمة وفسادا في الأمة الثانية خطأ من الناشر.
وكذلك حسنه الألباني في "ظلال الجنة" (2/534-535، ط1،1400، المكتب الإسلامي) تحت الحديث رقم (1130): ثنا الفضيل بن حسين : ثنا عبد الواحد بن زياد : ثنا ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن سايط عن أبي ثعلبة عن معاذ بن جبل وأبي عبيدة قالا : سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول: « إن هذا الأمر بدأ رحمة ونبوة ثم خلافة ورحمة»، قائلا: « حديث صحيح، ورجاله ثقات رجال مسلم غير ليث بن أبي سليم وكان اختلط، ولكنه لم ينفرد به كما يأتي.
والحديث أخرجه أبو يعلى(1/ 248-249) والبزار (ص177) من طريق جرير، وأبو نعيم في الدلائل (ص 200) عن فضيل بن عياض كلاهما عن ليث به. إلا أن البزار لم يذكر معاذا. ورواه الطبراني عن معاذ وأبي عبيدة معا نحوه. قال الهيثمي (5/189): وفيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس، وبقية رجاله ثقات.
قلت: ولي عليه ملاحظات:
الأولى: ما ذكره في الليث خطأ محض، كثيرا ما يقع فيه الهيثمي - رحمه الله - وقد تعقبه الحافظ ابن حجر في غير هذا الحديث فقال في زوائد البزار (ص 297): قلت ما علمت أحدا صرح بأنه ثقة، ولا من وصفه بالتدليس قبل الشيخ.
الثانية: أنه مع رميه إياه بالتدليس، قد قال في زوائد البزار عقب الحديث: هذا إسناد حسن.
الثالثة: أن قوله ذلك يوهم أنه تفرد به وليس كذلك، فقد قال البزار: حدثنا محمد بن مسكين: ثنا يحيى بن حسان: ثنا يحيى بن حمزة عن مكحول عن أبي ثعلبة عن أبي عبيدة بن الجراح مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، ولكنه معلول بالانقطاع في موضعين:
الأول: بين مكحول وأبي ثعلبة فإنه مرسل لم يسمع منه.
والآخر: أنهم لم يذكروا يحيى بن حمزة في الرواة عن مكحول، وسنه مما يبعد صحة السماع منه؛ فإنه كان له نحو عشرة سنين حين مات مكحول والله أعلم.
لكن الحديث صحيح؛ لأن له شواهد يتقوى بها، منها ما رواه مؤمل بن إسماعيل: ثنا حماد ابن سلمة عن سعيد بن جمهان عن سفينة أن رجلا قال: يا رسول الله رأيت كأن ميزانا دلي من السماء ... الحديث وفي آخره: فتساءلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: « خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء ».
أخرجه البزار (ص 176) والحاكم (3/71) شاهدا لحديث أبي بكرة الآتي بعده في الكتاب، وقال الهيثمي في زوائد البزار: إسناده حسن.
كذا قال ، ومؤمل فيه ضعف ، لكنه يتقوى بحديث أبي بكرة المشار إليه آنفا » اهـ.
قال أبو طيبة: والمقصود أن الحديث ثابت بلفظيه، وهو يفسر بعضه بعضا، ومنهاج النبوة هو الإسلام الصحيح، وهو الصراط المستقيم، وهو سبيل الله، وهو ما كان عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه – رضي الله عنهم-، وأرجو أن يكون زمان الخلافة على منهاج النبوة قد أطل، والله أعلم.
حديث صحيح: رواه أيضا أبو داود الطيالسي في مسنده (1/349-350، دار هجر، رقم439)، والبيهقي في دلائل النبوة (6/491، ط1، 1408، دار الكتب العلمية)، وابن الجوزي في جامع المسانيد (2/309-310، ط1، 1426، مكتبة الرشد، رقم 1437 )من طريق أحمد وفيه: كنا قعودا في المسجد فجاء أبو ثعلبة الخشني... وابن كثير في جامع المسانيد والسنن من رواية البزار (3/352-353، ط، 1415، دار الفكر، رقم 2007).
وقال الهيثمي كما في "بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد"(5/341-342، ط، 1415، دار الفكر، رقم 8970): « رواه أحمد في ترجمة النعمان، والبزار أتم منه، والطبراني ببعضه في الأوسط، ورجاله ثقات ».
وحسن إسناده الألباني في "السلسلة الصحيحة"( 1 / 34-35) قائلا: « رواه أحمد (4/273 ): ثنا سليمان بن داود الطيالسي: ثنا داود بن إبراهيم الواسطي: ثنا حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال: كنا قعودا في المسجد - وكان بشير رجلا يكف حديثه- فجاء أبو ثعلبة الخشني، فقال: يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأمراء ؟ فقال حذيفة: أنا أحفظ خطبته، فجلس أبو ثعلبة، فقال حذيفة: فذكره مرفوعا.
قال حبيب: فلما قام عمر بن عبد العزيز وكان يزيد بن النعمان بن بشير في صحابته فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه، فقلت له: إني أرجو أن يكون أمير المؤمنين - يعني عمر - بعد الملك العاض والجبرية. فأدخل كتابي على عمر بن عبد العزيز فسر به وأعجبه.
ومن طريق أحمد رواه الحافظ العراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب " ( 17 / 2 ) و قال: « هذا حديث صحيح ، وإبراهيم بن داود الواسطي وثقه أبو داود الطيالسي وابن حبان، وباقي رجاله محتج بهم في الصحيح – يعني: صحيح مسلم -، لكن حبيبا هذا قال البخاري: فيه نظر. وقال ابن عدي: ليس في متون أحاديثه حديث منكر، بل قد اضطرب في أسانيد ما يروي عنه».
إلا أن أبا حاتم وأبا داود وابن حبان وثقوه، فحديثه حسن على أقل الأحوال إن شاء الله تعالى، وقد قال فيه الحافظ: « لا بأس به ».
والحديث في "مسند الطيالسي" ( رقم 438 ): حدثنا داود الواسطي - وكان ثقة - قال: سمعت حبيب بن سالم به.
لكن وقع في متنه سقط فيستدرك من "مسند أحمد".
وقال الهيثمي في " المجمع " (5/189) : « رواه أحمد والبزار(158 أتم منه والطبراني ببعضه في (الأوسط )، ورجاله ثقات ».
ومن البعيد عندي حمل الحديث على عمر بن عبد العزيز ، لأن خلافته كانت قريبة العهد بالخلافة الراشدة ولم تكن بعد ملكين : ملك عاض وملك جبرية ، والله أعلم . وللحديث شاهد بنحوه من حديث ابن عباس سيأتي(3270) » اهـ كلامه.
قال أبو طيبة: حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- بلفظ: « أَوَّلُ هَذَا الأَمْرِ نُبُوَّةٌ وَرَحْمَةٌ، ثُمَّ يَكُونُ خِلافَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَكُونُ إِمَارَةً وَرَحْمَةً، ثُمَّ يَتَكادَمُونَ عَلَيْهِ تَكادُمَ الْحُمُرِ، فَعَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ، وَإِنَّ أَفْضَلَ جهادِكُمُ الرِّبَاطُ، وَإِنَّ أَفْضَلَ رباطِكُمْ عَسْقَلانُ ». قال الألباني (7/802-803) فيه: « أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/88/1113: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن النَّضْرِ الْعَسْكَرِيُّ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بن حَفْصٍ النُّفَيْلِيُّ: حَدَّثَنَا مُوسَى بن أَعْيَنَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ فِطْرِ بن خَلِيفَةَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد جيد، رجاله كلهم ثقات؛ غير سعيد بن حفص النفيلي؛ ففيه كلام يسير، وقد وثقه ابن حبان(8/26، وأخرج له في صحيحه ثلاثة أحاديث، والذهبي، والعسقلاني فقال: صدوق تغير في آخر عمره.
وأبو شهاب: هو موسى بن نافع الخياط، ووقع في الأصل ابن شهاب، والتصحيح من المخطوطة(3/111/1) وكتب الرجال.
وللحديث شاهد بنحوه من حديث حذيفة – رضي الله عنه -، وقد مضى في أول المجلد الأول برقم(5.) » اهـ كلام الألباني.
وفي "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة" (7 / 56)، تحت الحديث رقم (3055 )، بلفظ: « إن الله عز وجل بدأ هذا الأمر نبوة ورحمة، وكائناً خلافة ورحمة، وكائناً ملكاً عضوضاً، وكائناً عنوة وجبرية وفساداً في الأرض، يستحلون الفروج والخمور والحرير، وينصرون على ذلك، ويرزقون أبداً حتى يلقوا الله »؛ قال – رحمه الله -: « منكر بهذا التمام. أخرجه الطيالسي (رقم 22: حدثنا جرير بن حازم عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط عن أبي ثعلبة الخشني عن أبي عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ رجاله ثقات غير ليث - وهو ابن أبي سليم - وهو ضعيف مختلط. ووقع في الأصل "ليث بن عبد الرحمن بن سابط"، وانطلى أمره على مرتبه الشيخ عبد الرحمن البنا الساعاتي فطبعه هكذا على الخطأ في "ترتيبه" (2592)!
قلت: والحديث مع ضعف سنده فإن قوله في آخره: « وينصرون على ذلك ... » منكر، بل باطل؛ لأنه ينافي النصوص القرآنية؛ كقوله تعالى: ﴿إن تنصروا الله ينصركم...﴾، مع مخالفته لواقع حال المسلمين اليوم، والله المستعان.
وأما سائر الحديث فهو صحيح، قد جاء من روايات أخرى. فشطره الأول قد صح من حديث حذيفة مرفوعاً نحوه. وهو مخرج في "الصحيحة" رقم (5)، وله شاهد من حديث عمر بن الخطاب مرفوعاً نحوه. أخرجه الباغندي في "مسند عمر" (ص6).
وأما استحلال الفروج وغيرها فثابت في "صحيح البخاري" وهو مخرج في المصدر المذكور رقم (89 و90) » اهـ كلامه.
قال أبو طيبة: لكن قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في "المطالب العالية"(9/574، ط1، 1419، دار العاصمة، رقم 2092): « أخبرنا جرير - هو ابن عبد الحميد - عن ليث بن أبي سليم ، عن عبد الرحمن بن سابط الجمحي ، عن أبي ثعلبة الخشني - رضي الله عنه - قال : كان أبو عبيدة بن الجراح ، ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهما - يتناجيان بينهما حديثا فقلت لهما : أما حفظتما في وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلا يتذاكرانه فقالا : « إنما بدو هذه الأمة نبوة ورحمة ، ثم كائن خلافة ورحمة ، ثم كائن ملكا عضوضا ، ثم كائن عتوا وجبرية وفسادا في الأمة ، يستحلون الخمور والفروج ، وفسادا في الأمة ، ينصرون على ذلك ويرزقون حتى يلقوا الله عز وجل ». هذا حديث حسن: رواه الطيالسي: عن جرير بن حازم، عن ليث، نحوه. وقال أبو يعلى: حدثنا أبو خيثمة، ثنا جرير - هو ابن عبد الحميد -. قال: وحدثنا محمد بن المنهال، ثنا عبد الواحد بن زياد، عن ليث به » اهـ الحافظ.
قال أبو طيبة: أحسب أن كلمة وفسادا في الأمة الثانية خطأ من الناشر.
وكذلك حسنه الألباني في "ظلال الجنة" (2/534-535، ط1،1400، المكتب الإسلامي) تحت الحديث رقم (1130): ثنا الفضيل بن حسين : ثنا عبد الواحد بن زياد : ثنا ليث بن أبي سليم عن عبد الرحمن بن سايط عن أبي ثعلبة عن معاذ بن جبل وأبي عبيدة قالا : سمعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقول: « إن هذا الأمر بدأ رحمة ونبوة ثم خلافة ورحمة»، قائلا: « حديث صحيح، ورجاله ثقات رجال مسلم غير ليث بن أبي سليم وكان اختلط، ولكنه لم ينفرد به كما يأتي.
والحديث أخرجه أبو يعلى(1/ 248-249) والبزار (ص177) من طريق جرير، وأبو نعيم في الدلائل (ص 200) عن فضيل بن عياض كلاهما عن ليث به. إلا أن البزار لم يذكر معاذا. ورواه الطبراني عن معاذ وأبي عبيدة معا نحوه. قال الهيثمي (5/189): وفيه ليث بن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس، وبقية رجاله ثقات.
قلت: ولي عليه ملاحظات:
الأولى: ما ذكره في الليث خطأ محض، كثيرا ما يقع فيه الهيثمي - رحمه الله - وقد تعقبه الحافظ ابن حجر في غير هذا الحديث فقال في زوائد البزار (ص 297): قلت ما علمت أحدا صرح بأنه ثقة، ولا من وصفه بالتدليس قبل الشيخ.
الثانية: أنه مع رميه إياه بالتدليس، قد قال في زوائد البزار عقب الحديث: هذا إسناد حسن.
الثالثة: أن قوله ذلك يوهم أنه تفرد به وليس كذلك، فقد قال البزار: حدثنا محمد بن مسكين: ثنا يحيى بن حسان: ثنا يحيى بن حمزة عن مكحول عن أبي ثعلبة عن أبي عبيدة بن الجراح مرفوعا به.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال مسلم، ولكنه معلول بالانقطاع في موضعين:
الأول: بين مكحول وأبي ثعلبة فإنه مرسل لم يسمع منه.
والآخر: أنهم لم يذكروا يحيى بن حمزة في الرواة عن مكحول، وسنه مما يبعد صحة السماع منه؛ فإنه كان له نحو عشرة سنين حين مات مكحول والله أعلم.
لكن الحديث صحيح؛ لأن له شواهد يتقوى بها، منها ما رواه مؤمل بن إسماعيل: ثنا حماد ابن سلمة عن سعيد بن جمهان عن سفينة أن رجلا قال: يا رسول الله رأيت كأن ميزانا دلي من السماء ... الحديث وفي آخره: فتساءلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: « خلافة نبوة ثم يؤتي الله الملك من يشاء ».
أخرجه البزار (ص 176) والحاكم (3/71) شاهدا لحديث أبي بكرة الآتي بعده في الكتاب، وقال الهيثمي في زوائد البزار: إسناده حسن.
كذا قال ، ومؤمل فيه ضعف ، لكنه يتقوى بحديث أبي بكرة المشار إليه آنفا » اهـ.
قال أبو طيبة: والمقصود أن الحديث ثابت بلفظيه، وهو يفسر بعضه بعضا، ومنهاج النبوة هو الإسلام الصحيح، وهو الصراط المستقيم، وهو سبيل الله، وهو ما كان عليه النبي- صلى الله عليه وسلم- وأصحابه – رضي الله عنهم-، وأرجو أن يكون زمان الخلافة على منهاج النبوة قد أطل، والله أعلم.