الجمع بين الثقيلين في الميزان
الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فهذا جمع بين حديثين ظاهرهما التعارض.
عبد الله بن عمرو بن العاص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر ثم يقول أتنكر من هذا شيئا أظلمك كتبتي الحافظون فيقول لا يا رب فيقول أفلك عذر فيقول لا يا رب فيقول بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم فتخرج بطاقة فيها أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول احضر وزنك فيقول يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات فقال إنك لا تظلم قال فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة فلا يثقل مع اسم الله شيء)).
أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم وصححه الألباني.
في هذا الحديث أن أثقل شيء في الميزان يوم القيامة كلمة التوحيد لا إله إلا الله ولا يثقل معها شيء.
وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: ((ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق)).
أخرجه أبو داود, والترمذي وصححه الألباني.
وهذا الحديث فيه أن حسن الخلق أثقل شيء في الميزان.
فإذا علمت أن حسن الخلق يتضمن توحيد الله عز وجل زال الإشكال، لأن حسن الخلق ينقسم إلى قسمين: حسن الخلق مع الخالق، وحسن الخلق مع المخلوق.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في ((كتاب العلم)): ((حسن الخلق في معاملة الخالق يجمع ثلاث أمور:
1ـ تلقِّي أخبار الله تعالى بالتصديق.
2ـ وتلقِّي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق.
3ـ وتلقِّي أقداره بالصبر والرضا.
فهذه ثلاث أشياء عليها مدار حسن الخلق مع الله عز وجل)) اهـ.
بهذا يُزال الإشكال.
قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله كما في ((المنهل الروي)) ((لا أعرف حديثين صحيحين متضادين فمن كان عنده فليأتني لأؤلف بينهما)) اهـ.
هذا وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: يوم الجمعة 17 صفر سنة 1440 هـ
الموافق 26 اكتوبر 2018 ف