أمور كلية يعرف بها وضع الحديث :
قال ابن قيم الجوزية رحمه الله في كتابه المنار المنيف (ص50 ـ90) باختصار: "نحن ننبه على أمور كلية يعرف بها كون الحديث موضوعاً:
فمنها : اشتماله على أمثال هذه المجازفات التي لا يقول مثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهي كثيرة جداً، كقوله في الحديث المكذوب: "من
قال لا إله إلا الله: خلق الله من تلك الكلمة طائراً له سبعون ألف لسان، لكل لسان سبعون ألف لغة يستغفرون الله له. ومن فعل كذا وكذا أعطى في
الجنة سبعين ألف مدينة، في كل مدينة سبعون ألف قصر، في كل قصر سبعون ألف حوراء" .
ومنها : تكذيب الحس له، كحديث: "الباذنجان لما أكل له" .
ومنها : سماجة الحديث، وكونه مما يسخر منه، كحديث: "لو كان الرز رجلاً لكان حليماً، ما أكله جائع إلا أشبعه".
ومنها : مناقضة الحديث لما جاءت به السنة الصريحة مناقضة بينة، فكل حديث يشتمل على فساد، أو ظلم، أو عبث، أو مدح باطل، أو ذم حق، أو
نحو ذلك؛ فرسول الله منه بريء.
ومن هذا الباب : أحاديث مدح من اسمه محمد أو أحمد، وأن كلّ من يسمى بهذه الأسماء لا يدخل النار.
وهذا مناقض لما هو معلوم من دينه ïپ²: أن النار لا يجار منها بالأسماء والألقاب، وإنما النجاة منها بالإيمان والأعمال الصالحة.
ومنها : أن يدعي على النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعل أمراً ظاهراً بمحضر من الصحابة كلهم، وانهم اتفقوا على كتمانه، ولم ينقلوه، كما يزعم
أكذب الطوائف: أنه أخذ بيد علي بن أبي طالب بمحضر من الصحابة كلهم، وهم راجعون من حجة الوداع، فأقامه بينهم حتى عرفه الجميع، ثم
قال: "هذا وصيي وأخي، والخليفة من بعدي، فاسمعوا له وأطيعوا" ثم اتفق الكل على كتمان ذلك وتغييره ومخالفته، فلعنة الله على الكاذبين.
ومنها : أن يكون الحديث باطلا في نفسه فيدل بطلانه على أنه ليس من كلامه صلى الله عليه وسلم. كحديث: "المجرة التي في السماء من عرق
الأفعى التي تحت العرش".
ومنها : أن يكون كلامه لا يشبه كلام الأنبياء، فضلا عن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي هو وحي يوحى، كما قال الله تعالى: "وما ينطق
عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" [النجم:4] أي: وما نطقه إلا وحي يُوحى. فيكون الحديث مما لا يشبه الوحي، بل و لا يشبه كلام الصحابة.
كحديث: "ثلاثة تزيد البصر: النظرة إلى الخضرة، والماء الجاري، والوجه الحسن".
ومنها : أن يكون في الحديث تاريخ كذا و كذا. مثل قوله: إذا كان سنة كذا وكذا وقع كيت وكيت. وإذا كان شهر كذا وكذا وقع كيت وكيت.
ومنها : أن يكون الحديث بوصف الأطباء والطرقية أشبه وأليق. كحديث: "الهريسة تشد الظهر".
ومنها : أن يكون الحديث مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه. كحديث: "إن الأرض على صخرة، والصخرة على قرن ثور، فإذا حرّك الثور
قرنه تحرّكت الصخرة، فتحرّكت الأرض، وهي الزلزلة".
ومنها : مخالفة الحديث صريح القرآن. كحديث مقدار الدنيا: "وأنها سبعة آلاف سنة، ونحن في الألف السابعة"، وهذا من أبين الكذب؛ لأنه لو كان
صحيحاً لكان كل أحد عالماً أنه قد بقي للقيامة من وقتنا هذا مئتان وأحد وخمسون سنة. والله تعالى يقول:"يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا قُلْ
إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي لاَ يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّموَات وَالأرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ عَنْهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ" [سورة
الأعراف:187] وقال الله تعالى:"إِنّ اللّهَ عِندَهُ عِلْمُ السّاعَةِ"[لقمان:34].
ومنها : ركاكة ألفاظ الحديث وسماجتها، بحيث يمجها السمع ويدفعها الطبع، ويسمج معناها للفطن. كحديث: "أربع لا تشبع من أربع: أنثى من
ذكر، وأرض من مطر، وعين من نظر، وأذن من خبر"."اهـ.