العمل بالحديث الضّعيف
فقد كنت أقرأ رسالة مطبوعة عنوانها " بذل الجهد في تحقيق حديثي السوق والزّهد " لأبي عبد الله عادل بن عبد الله السعيدان ، تقديم فضيلة الشيخ مقبل بن هادي الوادعي ــ رحمه الله ــ وما زلت في الصّفحات الأوائل حتّى وقفت على نقل طيّب أثري لعلماء كبار ــ رحمهم الله ــ عن الحديث الضعيف والعمل به ، فسرّني هذا النقل وأنساني الحديثين ــ حديث السوق وحديث الزّهد ــ وجعلت أقرأه على بعض الإخوة السّلفيين لما فيه من الفائدة ، ونقلته هنا لتعمّ الفائدة .
وأصل المطبوعة رسالة وضعها الأخ أبو عبد المهيمن سمير البليدي ــ سلّمه الله ــ هنا في الآجري فجزاه الله خيرا . وإليكم النقل من الرّسالة ( وليس لي فيه إلاّ الكتابة فقط ، لا تعليق ولا غير ذلك ، ومن وجد خطأ في النقل أو سقط ينبهني عليه وجزاه الله خيرا )
:" وقد سوّغ بعضُ أهل العلم العملَ بالضعيف في ذلك مطلقا وبعضهم منع من العمل بما لم تقم به الحجة مطلقا وهو الحق ، لأن الأحكام الشرعية متساوية الأقدام فلا يحل أن ينسب للشرع ما لم يثبت كونه شرعا ، لأن ذلك من التقول على الله بما لم يقل وما كان في فضائل الأعمال إذا جعل ذلك العمل منسوبا إليه نسبة المدلول إلى الدليل ، فلا ريب أن العمل به وإن كان لم يفعل إلا الخير من صلاة أو صيام أو ذكر لكنه مبتدع في ذلك الفعل من حيث يُجوّز اعتقاد ما ليس بشرع ، وأجر ذلك العمل لا يوازي وزر الإبتداع فلم يكن فعل ما لم تثبت له مصلحة خالصة بل معارضة بمفسدة هي إثم البدعة ، ودفع المفسدة أهم من جلب المصالح ، ثم مثل هذا مما يندرج تحت عموم حديث كل بدعة ضلالة ، وقيل : إن كان ذلك العمل الفاضل الذي دلّ عليه الحديث الضعيف داخلا تحت عموم صحيح يدلّ على فضله ساغ العمل بالحديث الضعيف في ذلك وإلا فلا ، مثلا : لو ورد حديث ضعيف يدلّ على على فضيلة صلاة ركعتين في غير وقت الكراهة ، فلا بأس بصلاة تلك الركعتين لأنّه قد دلّ الدّليل العام على فضيلة الصّلاة مطلقا إلاّ ما خصّ ، ويقال : إن كان العمل بذلك العام الصحيح فلا ثمرة للإعتداد بالخاص الذي لم يثبت إلاّ لمجرّد الوقوع في البدعة ، وإن كان العمل بالخاص عاد الكلام الأول ، وإن كان العمل بمجموعهما كان فعل الطّاعة مشوبا بفعل بدعة من حيث إثبات عبادة شرعية بدون شرع هذا إذا قيل باستقلال كل واحد من العام والخاص في الإستدلال به على فعل الطّاعة ، وإن كان كل واحد منهما غير مستقل بل الدّلالة باعتبار المجموع ولا يصلح أحدهما منفردا فيقال : فالعام الذي زعم الزاعم أنّه يدلّ على تلك الطّاعة لا دلالة عليها على إنفراده وإنّما هو جزء دليل فلا تتم دعوى إندراج الطّاعة تحت عام يدلّ عليها وعجز الدّليل الآخر لا يصلح للدّلالة مطلقا ، ففاعل الطّاعة لم يفعلها بمجرّد دلالة العموم عليها بل بها ولشيء آخر لم يثبت فكان مبتدعا في هذا الإثبات ، فلا خروج عن الإثم الناشئ عن البدعة إلاّ مع قطع النّظر عن الاستدلال بالدّليل الذي لم يثبت نسبته الدّلالة إلى العام استقلالا إن وجد ، وإن لم يوجد فلا يحل العمل بما لم يبلغ الحد المعتبر وتخيل كون مدلوله طاعة باطل لأنّ الجزم بأنّ هذا الفعل طاعة وهذا الفعل معصية لا يثبت إلاّ بشرع صحيح لوجه من الوجوه ومن زعم أنّ وصف الفعل يكون طاعة تثبت بما لم يثبت فليطلب من الدليل على زعمه ...." اهـ .
قال السّخاوي في ( القول البديع في الصلاة على الحبيب الشّفيع ) ص 195 :
" سمعت شيخنا ابن حجر ــ يعني العسقلاني ــ مرارا يقول : شروط العمل بالحديث الضعيف ثلاثة :
الأول متّف عليه : وهو أن يكون الضّعف غير شديد فيخرج من إنفراد الكذّابين والمتّهمين ومن فحش غلطه .
الثّاني : أن يكون مندرجا تحت أصل عامّ ، فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصلٌ أصلاً .
الثالث : أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته ، لئلاّ ينسب إلى النّبي صلىّ الله عليه وسلّم ما لم يقله ، قال : والأخيران عن ابن عبد السلام وابن دقيق العيد ، والأول نقل العلائي الإتّفاق عليه " اهـ .
قال الحافظ في ( تبيين العجب ) ص 4،3 :
" أُشتهِر أنّ أهل العلم يتساهلون في إيراد الأحاديث في الفضائل وإن كان فيها ضعفٌ ما لم تكن موضوعة ،وينبغي مع ذلك اشتراط أن يعتقد العامل كون ذلك الحديث ضعيفا ، وأن لا يشهر ذلك لئلا يعمل المرء بحديث ضعيف فيُشرِّع ما ليس بشرع ، أو يراه بعض الجُهّال فيُظنُّ أنه سنّة صحيحة ، وقد صرّح بمعنى ذلك الأستاذ أبو محمد بن عبد السلام وغيره ، وليحذر المرء من دخوله تحت قوله صلى الله عليه وسلم " من حدّث عني بحديث يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين " فكيف بمن عمل به ؟ ولا فرق في العمل بالحديث في الأحكام أو في الفضائل إذ الكل شرع " اهـ .