بسم الله الرحمن الرحيم
الأربعون حديثاً
أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري البغدادي
توفي سنة 360 هـ
رواية عبد الله بن عمر بن أحمد بن منصور أبو سعد الصفار النيسابوري توفي سنة 600 هـ
الأربعون حديثاً
أبو بكر محمد بن الحسين بن عبد الله الآجري البغدادي
توفي سنة 360 هـ
رواية عبد الله بن عمر بن أحمد بن منصور أبو سعد الصفار النيسابوري توفي سنة 600 هـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الشيخ أبو بكر محمد بن الحسين الآجري:
الله المحمود على كل حال وهو الموفق لكل سداد والمعين على سبل الرشاد وصلى الله على محمد النبي وآله أجمعين وحسبنا الله ونعم الوكيل.
أما بعد:
فإنه سأل سائل عن معنى حديث روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله عز وجل يوم القيامة فقيهاً عالماً.
وروي معنى هذا الحديث عن معاذ بن جبل وروي عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من السنة كنت له شفيعاً يوم القيامة).
وروي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من السنة جاء يوم القيامة في زمرة العلماء).
قال لنا السائل: أنت تعلم أن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة لا تحصى قد صنفها كثير من أصحاب الحديث قديماً وحديثاً صنفوا كتاباً كتاباً فالطهارة فيها سنن كثيرة وفي الصلاة سنن كثيرة وفي الزكاة سنن كثيرة وفي الصيام سنن كثيرة وفي الحج سنن كثيرة وفي الجهاد سنن كثيرة وفي البيوع سنن كثيرة وفي النكاح والطلاق والحدود والأيمان والنذور وسائر الأحكام سنن كثيرة وفيما أدب النبي صلى الله عليه وسلم أمته فيما حثهم عليه ورغبهم فيه مثل أدب السلام وأدب المجالسة وأدب الأكل والشرب وأدب اللباس وأدب المؤاخاة والجوار وغير ذلك مما يطول شرحه سنن كثير يعرفها أهل العلم والأدب قد صنفها الناس وعنوا بها حتى إذا فرط فيها بعض من يصنف الحديث في شيء مما ذكرناه قيل له: قد بقيت عليك أشياء لم تأت بها وربما نسبوه إلى أنه عاجز عن جمعها وعن حفظها. قال لنا السائل: فما هذه الأربعون حديثاً التي إذا حفظها من قد كتب العلم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم كان له هذا الأجر والفضل العظيم؟ وهل تغنيه أو تغني غيره؟ عَرِّفْنَا معناها فإنا نحتاج إلى معناها.
قيل له: اعلم رحمنا الله وإياك أني أجلت فكري فيما سألت عنه فلم أر لهذا الحديث وجهاً يحتمل إلا وجهاً واحداً والله أعلم.
فإن قيل: ما هو؟
قيل: كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقْدُمُون عليه من أحياء العرب البعيدة ومن القرى البعيدة النفر اليسير من كل حي ومن كل قرية فيسلمون ويتعلمون ما يجب عليهم في الوقت ثم ينصرفون إلى أحيائهم وإلى قراهم فيعلمونهم من أمر الإسلام مما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم من شريعة الإيمان والإسلام ومما أحل لهم وما حرم عليهم فيقولون لهم: قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم كذا وأمرنا بكذا ونهانا عن كذا وظاهر القرآن يدل على هذا قال الله عز وجل: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(التوبة:122) فدل والله أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم عليه هؤلاء الوفود فأسلموا وتعلموا حثهم على حفظ السنن التي قد علمهم إذ كان يمكنهم حفظها للوقت حتى يمضوا بها إلى أهليهم وإخوانهم وعشائرهم فيعلمونهم ما علمهم النبي صلى الله عليه وسلم فيقرب عليهم حفظها إذا كانت مقدار أربعين حديثاً يمكنهم حفظها فحثهم على ذلك لا أن مقدار أربعين حديثاً مجزئة عن غيرها من سنته صلى الله عليه وسلم ولكن على التقريب منه لهم على النعت الذي ذكرناه وقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فقال: (نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وحفظها ثم أدَّاها إلى من لم يسمعها فرب حامل فقه لا فقه له ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه).
قال محمد بن الحسين: لا أجد له وجهاً غير هذا وذلك أن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة في كل معنى لا يسع كثيراً من الناس جهلها وكيف يسعهم جهلها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم).
(1)
حدثنا أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار حدثنا أبو جعفر محمد بن سعد بن الحسن العوفي حدثني أبي سعد حدثني عمي الحسين بن الحسن حدثني أبي عن جدي عن عطية العوفي عن ابن عباس في قول الله تعالى: (وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(التوبة:122) قال: كان ينطلق من كل حي من أحياء العرب عصابة فيأتون النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عما يريدون من أمر دينهم ويتفقهون في دينهم ويقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما تأمرنا أن نفعله وأخبرنا بما نقول لعشائرنا إذا انطلقنا إليهم؟) فيأمرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بطاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ويبعثهم إلى قومهم بالصلاة والزكاة وكانوا إذا أتوا قومهم نادوا: (أن من أسلم فهو منا) وينذرونهم ويخبرونهم حتى إن الرجل ليفارق أباه وأمه وبما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما يرضى الله عز وجل به عنهم وينذرون قومهم إذا رجعوا إليهم يدعونهم إلى الإسلام وينذرونهم النار ويبشرونهم بالجنة.
مسألة: قال محمد بن الحسين: لا بد لهؤلاء من أن يقولوا لقومهم: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وأحل لنا كذا وحرم علينا كذا وأمرنا بكذا ونهانا عن كذا فكأنه والله أعلم حثهم على أن يحفظوا عنه أربعين حديثاً من أمر دينهم تبعثهم على طلب الزيادة لعلم ما يجب عليهم والله أعلم فهذا وجه الحديث عندي لا أعلم له وجهاً غيره إن شاء الله.
قال فإن قال قائل: فهل لك أن تؤلف لنا من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين حديثاً إذا حفظناها وحفظنا معانيها انتفعنا وانتفع بها من سمعها منا رجاء أن يكون ممن قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً في أمر دينها) كان له ذلك الفضل الذي تقدم ذكره؟
فإني أقول لك: سأجتهد لك في جمع أربعين حديثاً من سنته صلى الله عليه وسلم تنتفع بها في دينك وينتفع بها من يسمعها منك ويبعثك وإياه على طلب الزيادة لعلوم كثيرة ولا بد لك منها ولا يسعك جهلها والله تعالى الموفق لذلك والمعين عليه إن شاء الله ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(2)
حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين الآجري قال أخبرنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله الكشي قال أخبرنا سليمان بن داود الشاذكوني قال حدثنا عبد الواحد بن زياد قال أخبرنا معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين).
قال محمد بن الحسين: يدل على أنه من لم يتفقه في دينه فلا خير فيه.
فإن قلت: كيف صفة من فقهه الله عز وجل في دينه حتى يكون ممن قد أراده الله الكريم بخير؟
قيل له: هو الرجل المسلم العاقل الذي قد علم أن الله عز وجل قد تعبده بعبادات وجب عليه أن يعبده فيها كما أمره لا كما يريد هو ولكن بما أوجب العلم عليه فطلب العلم ليفقه ما تعبده الله عز وجل به من أداء فرائضه واجتناب محارمه لا يسعه جهله ولا يعذره به العلماء العقلاء في تركه وذلك مثل الطهارة ما فرائضها وما سننها وما يفسدها وما يصلحها ومثل علم صلاة الخمس لله عز وجل في اليوم والليلة وكيف يؤديها إلى الله عز وجل ومثل علم الزكاة وما يجب لله عز وجل عليه فيها ومثل صيام شهر رمضان وما يجب لله عز وجل فيه ومثل الحج متى يجب وإذا وجب ما يلزم من أحكامه كيف يؤديه إلى الله عز وجل؟ ومثل الجهاد ومتى يجب؟ وإذا وجب ما يلزمه من أحكامه وعلم المكاسب وما يحل منها وما يحرم وليأخذ الحلال بعلم ويجتنب الحرام بعلم وعلم النفقات الواجبات عليه وغير الواجبات وعلم بر الوالدين والنهى عن العقوق وعلم صلة الأرحام والنهي عن قطعها وعلم حفظ كل جارحة من جوارحه مما أمره الله عز وجل بحفظها وعلوم كثيرة يطول شرحها لا بد من علمها والعمل بها فاعقلوا رحمكم الله ما حثكم عليه نبيكم صلى الله عليه وسلم حتى يكون فيكم خير تحمدون عواقبه في الدنيا والآخرة.
(3)
قال أخبرنا أبو بكر جعفر بن محمد الفريابي حدثنا هشام بن عمار الدمشقي حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عثمان بن أبي العاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبل أن يرفع) ثم جمع بين أصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام ثم قال: (العالم والمتعلم شريكان في الأجر ولا خير في الناس بعد).
قال محمد بن الحسين: اعقل رحمنا الله وإياك ما خاطبك به النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يحثك على طلب علم ما تقدم ذِكْرنا له قبل فناء العلماء ثم اعلم أن فناء العلم بقبض أهله ثم أُعْلِمُك أن الخير إنما هو فيمن يطلب العلم وفيمن تعلم العلم فمن لم يكن كذلك فلا خير فيه، اعقل هذا واطلب من العلم ما ينفى عنك به الجهل وتعبد الله به وتريد الله العظيم به فإنه عليك فريضة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (طلب العلم فريضة على كل مسلم) ولقوله: (اطلبوا العلم ولو بالصين).
(4)
قال حدثنا أبو جعفر أحمد بن يحيى الحلواني حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس حدثنا زهير يعني ابن معاوية حدثنا يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي قال سمعت علقمة بن وقاص يقول سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: (إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه).
قال محمد بن الحسين: اعلم رحمنا الله وإياك أن هذا الحديث أصل من أصول الدين لا يجوز لأحد من المسلمين أن يؤدي ما افترض الله عز وجل عليه من فريضة ولا يتقرب إليه بنافلة إلا بنية خالصة صادقة لا رياء فيها ولا سمعة ولا يريد بها إلا الله عز وجل ولا يشرك فيها مع الله عز وجل غيره لأن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما أخلص له وأريد به وجهه لا يختلف في هذا العلماء.
فإن قلت: فأي شيء معنى هذا الحديث في الهجرة؟
قيل لك: اعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة أوجب على جميع المسلمين ممن هو بمكة أن يهاجروا ويدعوا أهاليهم وعشائرهم وديارهم يريدون بذلك وجه الله عز وجل لا غيره فكان الناس يهاجرون على هذا النعت فأثنى الله عز وجل على المهاجرين في كتابه في غير موضع وذم من تخلف عن الهجرة بغير عذر وعذر من تخلف بعذر إذا كان لا يستطيع فخرج رجل من مكة مهاجراً في الظاهر وقد شمله الطريق مع الناس والسفر ولم يكن مراده الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وإنما كان مراده تزوج امرأة من المهاجرات قبله أراد تزوجها وأراد الدنيا فلم يعد من المهاجرين وإن كان الطريق قد شمله مع الناس والسفر وخرج من وطنه إلا أن نيته مفارقة لنياتهم هم أرادوا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم وهو أراد تزوج أم قيس فكان يسمى مهاجر أم قيس فاعلم ذلك.
(5)
قال أخبرنا أبو أحمد هارون بن يوسف التاجر حدثنا ابن أبي عمر يعني محمداً العدني حدثنا سفيان بن عيينة عن سعير بن الخمس عن حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم شهر رمضان وحج البيت).
قال محمد بن الحسين: اعرف معنى هذا الحديث تفقهه إن شاء الله تعالى، اعلم أنه أول ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن يدعو الناس إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فمن قالها صادقاً من قلبه ومات على ذلك دخل الجنة ثم فرضت عليهم الصلاة بعد ذلك فصلوا ثم هاجروا إلى المدينة ثم فرضت عليهم الفرائض حالاً بعد حال كلما فرض عليهم فرض قبلوه مثل صيام شهر رمضان ومثل الزكاة ثم فرض الحج على من استطاع إليه سبيلاً فلما آمنوا بذلك وعملوا بهذه الفرائض قال الله عز وجل: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً)(المائدة:3) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس) فاعلم ذلك فمن ترك فريضة من هذه الخمس وكفر بها وجحد بها لم ينفعه التوحيد ولم يكن مسلماً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة فمن ترك الصلاة فقد كفر)، وقال ابن مسعود: (إن الله عز وجل قرن الزكاة مع الصلاة فمن لم يزك ماله فلا صلاة له) ولما قبض النبي صلى الله عليه وسلم ارتد أهل اليمامة عن أداء الزكاة وقالوا: (نصلي ونصوم ولا نزكي أموالنا) فقاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه مع جميع الصحابة حتى قتلهم وسباهم وقال: (تشهدون أن قتلاكم في النار وقتلانا في الجنة؟) كل ذلك لأن الإسلام خمس لا يقبل بعضه دون بعض فاعلم ذلك إن شاء الله.
تعليق