يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه (مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة ):
...وَقَوله وَفضل الْعَالم على العابد كفضل الْقَمَر على سَائِر الْكَوَاكِب تَشْبِيه مُطَابق لحَال الْقَمَر وَالْكَوَاكِب فان الْقَمَر يضيء الافاق ويمتد نوره فِي اقطار الْعَالم وَهَذِه حَال الْعَالم وَأما الْكَوْكَب فنوره لَا يُجَاوز نَفسه اَوْ مَا قرب مِنْهُ وَهَذِه حَال العابد الَّذِي يضيء نور عِبَادَته عَلَيْهِ دون غَيره وان جَاوز نور عِبَادَته غَيره فَإِنَّمَا يُجَاوِزهُ غير بعيد كَمَا يُجَاوز ضوء الْكَوْكَب لَهُ مُجَاوزَة يسيرَة وَمن هَذَا الاثر الْمَرْوِيّ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول الله للعابد ادخل الْجنَّة فَإِنَّمَا كَانَت منفعتك لنَفسك وَيُقَال للْعَالم اشفع تشفع فَإِنَّمَا كَانَت منفعتك للنَّاس وروى ابْن جريج عَن عطاء عن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يُؤْتى بالعابد والفقيه فَيُقَال للعابد ادخل الْجنَّة وَيُقَال للفقيه اشفع تشفع وَفِي التَّشْبِيه الْمَذْكُور لطيفه اخرى وَهُوَ ان الْجَهْل كالليل فِي ظلمته وجنسه وَالْعُلَمَاء والعباد بِمَنْزِلَة الْقَمَر وَالْكَوَاكِب الطالعة فِي تِلْكَ الظلمَة وَفضل نور الْعَالم فِيهَا على نور العابد كفضل نور الْقَمَر على الْكَوَاكِب وايضا فالدين قوامه وزينته واضاءته بعلمائه وعباده فَإِذا ذهب علماؤه وعباده ذهب الدّين كَمَا ان السَّمَاء اضاءتها وَزينتهَا بقمرها وكواكبها فَإِذا خسف قمرها وانتشرت كواكبها اتاها ماتوعد وَفضل عُلَمَاء الدّين على الْعباد كفضل مَا بَين الْقَمَر وَالْكَوَاكِب فَإِن قيل كَيفَ وَقع تَشْبِيه الْعَالم بالقمر دون الشَّمْس وَهِي اعظم نورا قيل فِيهِ فَائِدَتَانِ احداهما ان نور الْقَمَر لما كَانَ مستفادا من غَيره كَانَ تَشْبِيه الْعَالم الَّذِي نوره مُسْتَفَاد من شمس الرسَالَة بالقمر اولى من تشبيهه بالشمس الثَّانِيَة ان الشَّمْس لَا يخْتَلف حَالهَا فِي نورها وَلَا يلْحقهَا محاق وَلَا تفَاوت فِي الاضاءة واما الْقَمَر فَإِنَّهُ يقل نوره وَيكثر ويمتليء وَينْقص كَمَا ان الْعلمَاء فِي الْعلم على مَرَاتِبهمْ من كثرته وقلته فيفضل كل مِنْهُم فِي علمه بِحَسب كثرته وقلته وظهوره وخفائه كَمَا يكون الْقَمَر كَذَلِك فعالم كالبدر لَيْلَة تمه وَآخر دونه بليلة وثانية وثالثة وَمَا بعْدهَا إِلَى آخر مراتبه وهم دَرَجَات عِنْد الله فَإِن قيل تَشْبِيه الْعلمَاء بالنجوم أَمر مَعْلُوم كَقَوْلِه اصحابي كَالنُّجُومِ *وَلِهَذَا هِيَ فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا عبارَة عَن الْعلمَاء فَكيف وَقع تشبيههم هُنَا بالقمر قيل اما تَشْبِيه الْعلمَاء بالنجوم فَإِن النُّجُوم يهتدى بهَا فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر وَكَذَلِكَ الْعلمَاء والنجوم زِينَة للسماء كَذَلِك الْعلمَاء زِينَة للآرض وَهِي رجوم للشياطين حائلة بَينهم وَبَين استراق السّمع لِئَلَّا يلبسوا بِمَا يسترقونه من الْوَحْي الْوَارِد الى الرُّسُل من الله على ايدي مَلَائكَته وَكَذَلِكَ الْعلمَاء رجوم لشياطين الانس وَالْجِنّ الَّذِي يُوحى بَعضهم الى بعض زخرف القَوْل غرُورًا فَالْعُلَمَاء رجوم لهَذَا الصِّنْف من الشَّيَاطِين ولولاهم لطمست معالم الدّين بتلبيس المضلين وَلَكِن الله سُبْحَانَهُ اقامهم حراسا وَحفظه لدينِهِ ورجوما لاعدائه واعداء رسله فَهَذَا وَجه تشبيههم بالنجوم وَأما تشبههم بالقمر فَذَلِك كَانَ فِي مقَام تَفْضِيلهمْ على اهل الْعِبَادَة الْمُجَرَّدَة وموازنة مَا بَينهمَا من الْفضل وَالْمعْنَى انهم يفضلون الْعباد الَّذين لَيْسُوا بعلماء كَمَا يفضل الْقَمَر سَائِر الْكَوَاكِب فَكل من التشبهين لَائِق بموضعه وَالْحَمْد لله وَقَوله ان الْعلمَاء وَرَثَة الانبياء هَذَا من اعظم المناقب لاهل الْعلم فَإِن الانبياء خير خلق الله فورثتهم خير الْخلق بعدهمْ وَلما كَانَ كل موروث ينْتَقل مِيرَاثه الى ورثته اذهم الَّذين يقومُونَ مقَامه من بعده وَلم يكن بعد الرُّسُل من يقوم مقامهم فِي تَبْلِيغ مَا ارسلوا بِهِ الا الْعلمَاء كَانُوا احق النَّاس بميراثهم وَفِي هَذَا تَنْبِيه على انهم اقْربْ النَّاس اليهم فَإِن الْمِيرَاث إِنَّا يكون لاقرب النَّاس الى الْمَوْرُوث وَهَذَا كَمَا انه ثَابت فِي مِيرَاث الدِّينَار وَالدِّرْهَم فَكَذَلِك هُوَ فِي مِيرَاث النُّبُوَّة وَالله يخْتَص برحمته من يَشَاء وَفِيه ايضا ارشاد وامر للْأمة بطاعهم واحترامهم وتعزيزهم وتوفيرهم وإجلالهم فَإِنَّهُم وَرَثَة من هَذِه بعض حُقُوقهم على الْأمة وخلفاؤهم فيهم وَفِيه تَنْبِيه على ان محبتهم من الدّين وبغضهم منَاف للدّين كَمَا هُوَ ثَابت لموروثهم وَكَذَلِكَ معاداتهم ومحاربتهم معاداة ومحاربة لله كَمَا هُوَ فِي موروثهم قَالَ على كرم الله وَجهه ورضى عَنهُ محبَّة الْعلمَاء دين يدان بِهِ وَقَالَ فِيمَا يرْوى عَن ربه عز وَجل من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وورثة الانبياء سَادَات اولياء لله عز وَجل وَفِيه تَنْبِيه للْعُلَمَاء على سلوك هدى الانبياء وطريقتهم فِي التَّبْلِيغ من الصَّبْر وَالِاحْتِمَال ومقابلة إساءة النَّاس اليهم بالاحسان والرفق بهم واستجلابهم الى الله باحسن الطّرق وبذل مَا يُمكن من النَّصِيحَة لَهُم فَإِنَّهُ بذلك يحصل لَهُ نصِيبهم من هَذَا الْمِيرَاث الْعَظِيم قدره الْجَلِيل خطره وَفِيه ايضا تَنْبِيه لاهل الْعلم على تربية الامة كَمَا يربى الْوَالِد وَلَده فيبربونهم بالتدريج والترقي من صغَار الْعلم إِلَى كباره وتحميلهم مِنْهُ مَا يُطِيقُونَ كَمَا يفعل الاب بولده الطِّفْل فِي ايصال الْغذَاء اليه فَإِن ارواح الْبشر بِالنِّسْبَةِ الى الانبياء وَالرسل كالاطفال بِالنِّسْبَةِ الى آبَائِهِم بل دون هَذِه النِّسْبَة بِكَثِير وَلِهَذَا كل روح لم تربها الرُّسُل لم تفلح وَلم تصلح لصالحه كَمَا قيل:
...وَقَوله وَفضل الْعَالم على العابد كفضل الْقَمَر على سَائِر الْكَوَاكِب تَشْبِيه مُطَابق لحَال الْقَمَر وَالْكَوَاكِب فان الْقَمَر يضيء الافاق ويمتد نوره فِي اقطار الْعَالم وَهَذِه حَال الْعَالم وَأما الْكَوْكَب فنوره لَا يُجَاوز نَفسه اَوْ مَا قرب مِنْهُ وَهَذِه حَال العابد الَّذِي يضيء نور عِبَادَته عَلَيْهِ دون غَيره وان جَاوز نور عِبَادَته غَيره فَإِنَّمَا يُجَاوِزهُ غير بعيد كَمَا يُجَاوز ضوء الْكَوْكَب لَهُ مُجَاوزَة يسيرَة وَمن هَذَا الاثر الْمَرْوِيّ إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يَقُول الله للعابد ادخل الْجنَّة فَإِنَّمَا كَانَت منفعتك لنَفسك وَيُقَال للْعَالم اشفع تشفع فَإِنَّمَا كَانَت منفعتك للنَّاس وروى ابْن جريج عَن عطاء عن ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة يُؤْتى بالعابد والفقيه فَيُقَال للعابد ادخل الْجنَّة وَيُقَال للفقيه اشفع تشفع وَفِي التَّشْبِيه الْمَذْكُور لطيفه اخرى وَهُوَ ان الْجَهْل كالليل فِي ظلمته وجنسه وَالْعُلَمَاء والعباد بِمَنْزِلَة الْقَمَر وَالْكَوَاكِب الطالعة فِي تِلْكَ الظلمَة وَفضل نور الْعَالم فِيهَا على نور العابد كفضل نور الْقَمَر على الْكَوَاكِب وايضا فالدين قوامه وزينته واضاءته بعلمائه وعباده فَإِذا ذهب علماؤه وعباده ذهب الدّين كَمَا ان السَّمَاء اضاءتها وَزينتهَا بقمرها وكواكبها فَإِذا خسف قمرها وانتشرت كواكبها اتاها ماتوعد وَفضل عُلَمَاء الدّين على الْعباد كفضل مَا بَين الْقَمَر وَالْكَوَاكِب فَإِن قيل كَيفَ وَقع تَشْبِيه الْعَالم بالقمر دون الشَّمْس وَهِي اعظم نورا قيل فِيهِ فَائِدَتَانِ احداهما ان نور الْقَمَر لما كَانَ مستفادا من غَيره كَانَ تَشْبِيه الْعَالم الَّذِي نوره مُسْتَفَاد من شمس الرسَالَة بالقمر اولى من تشبيهه بالشمس الثَّانِيَة ان الشَّمْس لَا يخْتَلف حَالهَا فِي نورها وَلَا يلْحقهَا محاق وَلَا تفَاوت فِي الاضاءة واما الْقَمَر فَإِنَّهُ يقل نوره وَيكثر ويمتليء وَينْقص كَمَا ان الْعلمَاء فِي الْعلم على مَرَاتِبهمْ من كثرته وقلته فيفضل كل مِنْهُم فِي علمه بِحَسب كثرته وقلته وظهوره وخفائه كَمَا يكون الْقَمَر كَذَلِك فعالم كالبدر لَيْلَة تمه وَآخر دونه بليلة وثانية وثالثة وَمَا بعْدهَا إِلَى آخر مراتبه وهم دَرَجَات عِنْد الله فَإِن قيل تَشْبِيه الْعلمَاء بالنجوم أَمر مَعْلُوم كَقَوْلِه اصحابي كَالنُّجُومِ *وَلِهَذَا هِيَ فِي تَعْبِير الرُّؤْيَا عبارَة عَن الْعلمَاء فَكيف وَقع تشبيههم هُنَا بالقمر قيل اما تَشْبِيه الْعلمَاء بالنجوم فَإِن النُّجُوم يهتدى بهَا فِي ظلمات الْبر وَالْبَحْر وَكَذَلِكَ الْعلمَاء والنجوم زِينَة للسماء كَذَلِك الْعلمَاء زِينَة للآرض وَهِي رجوم للشياطين حائلة بَينهم وَبَين استراق السّمع لِئَلَّا يلبسوا بِمَا يسترقونه من الْوَحْي الْوَارِد الى الرُّسُل من الله على ايدي مَلَائكَته وَكَذَلِكَ الْعلمَاء رجوم لشياطين الانس وَالْجِنّ الَّذِي يُوحى بَعضهم الى بعض زخرف القَوْل غرُورًا فَالْعُلَمَاء رجوم لهَذَا الصِّنْف من الشَّيَاطِين ولولاهم لطمست معالم الدّين بتلبيس المضلين وَلَكِن الله سُبْحَانَهُ اقامهم حراسا وَحفظه لدينِهِ ورجوما لاعدائه واعداء رسله فَهَذَا وَجه تشبيههم بالنجوم وَأما تشبههم بالقمر فَذَلِك كَانَ فِي مقَام تَفْضِيلهمْ على اهل الْعِبَادَة الْمُجَرَّدَة وموازنة مَا بَينهمَا من الْفضل وَالْمعْنَى انهم يفضلون الْعباد الَّذين لَيْسُوا بعلماء كَمَا يفضل الْقَمَر سَائِر الْكَوَاكِب فَكل من التشبهين لَائِق بموضعه وَالْحَمْد لله وَقَوله ان الْعلمَاء وَرَثَة الانبياء هَذَا من اعظم المناقب لاهل الْعلم فَإِن الانبياء خير خلق الله فورثتهم خير الْخلق بعدهمْ وَلما كَانَ كل موروث ينْتَقل مِيرَاثه الى ورثته اذهم الَّذين يقومُونَ مقَامه من بعده وَلم يكن بعد الرُّسُل من يقوم مقامهم فِي تَبْلِيغ مَا ارسلوا بِهِ الا الْعلمَاء كَانُوا احق النَّاس بميراثهم وَفِي هَذَا تَنْبِيه على انهم اقْربْ النَّاس اليهم فَإِن الْمِيرَاث إِنَّا يكون لاقرب النَّاس الى الْمَوْرُوث وَهَذَا كَمَا انه ثَابت فِي مِيرَاث الدِّينَار وَالدِّرْهَم فَكَذَلِك هُوَ فِي مِيرَاث النُّبُوَّة وَالله يخْتَص برحمته من يَشَاء وَفِيه ايضا ارشاد وامر للْأمة بطاعهم واحترامهم وتعزيزهم وتوفيرهم وإجلالهم فَإِنَّهُم وَرَثَة من هَذِه بعض حُقُوقهم على الْأمة وخلفاؤهم فيهم وَفِيه تَنْبِيه على ان محبتهم من الدّين وبغضهم منَاف للدّين كَمَا هُوَ ثَابت لموروثهم وَكَذَلِكَ معاداتهم ومحاربتهم معاداة ومحاربة لله كَمَا هُوَ فِي موروثهم قَالَ على كرم الله وَجهه ورضى عَنهُ محبَّة الْعلمَاء دين يدان بِهِ وَقَالَ فِيمَا يرْوى عَن ربه عز وَجل من عادى لي وليا فقد بارزني بالمحاربة وورثة الانبياء سَادَات اولياء لله عز وَجل وَفِيه تَنْبِيه للْعُلَمَاء على سلوك هدى الانبياء وطريقتهم فِي التَّبْلِيغ من الصَّبْر وَالِاحْتِمَال ومقابلة إساءة النَّاس اليهم بالاحسان والرفق بهم واستجلابهم الى الله باحسن الطّرق وبذل مَا يُمكن من النَّصِيحَة لَهُم فَإِنَّهُ بذلك يحصل لَهُ نصِيبهم من هَذَا الْمِيرَاث الْعَظِيم قدره الْجَلِيل خطره وَفِيه ايضا تَنْبِيه لاهل الْعلم على تربية الامة كَمَا يربى الْوَالِد وَلَده فيبربونهم بالتدريج والترقي من صغَار الْعلم إِلَى كباره وتحميلهم مِنْهُ مَا يُطِيقُونَ كَمَا يفعل الاب بولده الطِّفْل فِي ايصال الْغذَاء اليه فَإِن ارواح الْبشر بِالنِّسْبَةِ الى الانبياء وَالرسل كالاطفال بِالنِّسْبَةِ الى آبَائِهِم بل دون هَذِه النِّسْبَة بِكَثِير وَلِهَذَا كل روح لم تربها الرُّسُل لم تفلح وَلم تصلح لصالحه كَمَا قيل:
وَمن لَا يربيه الرَّسُول ويسقه ... لبانا لَهُ قد در من ثدي قدسه
فَذَاك لَقِيط مَاله نِسْبَة الولا ...وَلَا يتَعَدَّى طور ابناء جنسه
-----------------
* أصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم إهتديتم -حديث موضوع-انظر السلسلة الضعيفة للألباني رحمه الله تعالى
*****************
فَذَاك لَقِيط مَاله نِسْبَة الولا ...وَلَا يتَعَدَّى طور ابناء جنسه
-----------------
* أصحابي كالنجوم بأيهم إقتديتم إهتديتم -حديث موضوع-انظر السلسلة الضعيفة للألباني رحمه الله تعالى
*****************
تعليق