الحمد لله وبعد ؛
فهذه أسئلة وجهت للشيخ البخاري فرغها أحد الأخوة وأذكرها - مع أجوبتها -لتعم الفائدة
* السائل: خبر الآحاد غير المحتف بالقرائن هل يفيد العلم؟ وهل الخلاف في ذلك خلاف غير سائغ كالخلاف في المحتف بالقرائن؟
الشيخ: هذه المسألة يعني من المسائل التي هي حادثة، أقصد لم يحدث الخلاف فيها في الزمن الأول في عهد السلف، وإنما الخلاف إنما حدث متأخرا بعد أن ذَرَّ قرن أهل الأهواء، وذَرَّت الفتن والبدع، نعم، بدأ يزداد ويتفاحل ويستفحل أمرها، وتكلمت عن هذه المسألة باستيعاب ومناقشة طويلة في شرحي على «النخبة» في الدروس الأولى؛ لأن هذا ما تعرض له الحافظ -رحمه الله- في أوائل «النخبة» -«نخبة الفكر»-، وأظن -إن لم تخني الذاكرة- أني تكلمت في هذه المسألة في ثلاثة دروس، استعراض الأقوال، ومناقشة الأقوال، والرد عليها، وبيان أن هذه الأقوال لا تصح؛ يعني أي الأقوال ما هو بين صحيح وأصح، إنما بين صحيح وضعيف أو مردود وباطل، وإلا فالصحيح الذي عليه الصحابة وأئمة السنة وأئمة التابعين وعلماء السنة المحضة: أن الحديث إذا صح فهو مذهبي، كما قال الشافعي -رحمه الله- لما روى حديثا قال له الرجل: «تقول به؟» قال مغضبا -رحمه الله-: «أرأيت في وسطي زنارا؟ أرأيتني خرجت من كنيسة؟ أروي حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا أقول به؟». ثم -بارك الله فيك- أيضا يعني حتى هذه المسألة أنا أستغرب من هذا الكلام الذي يرددونه: أن حديثا يوجب العمل ولا يوجب العلم، والتفرقة هذه، هذا السؤال سئله الإمام أحمد -رحمه الله-، قال: بعضهم يقول إنه يوجب علما، أو يوجب عملا ولا يوجب علما؟ قال: «ما أدري ما هذا»، إيش الكلام هذا؟! هذه سوفسطائية -بارك الله فيك-! والصحابة -رضي الله عنهم- كان إذا سمع أحدهم النبي -صلى الله عليه وسلم-، أُخبر من صحابي آخر أن النبي قال بهذا؛ سلم، فأوجب عنده علما، وأوجب عنده عملا، وهكذا أئمة السنة على هذا، ولهذا المقالة المشهورة التي ذكرتها قبل قليل: أن الحديث إذا صح فهو مذهبي؛ فرددنا على هذا واستوعبنا فيه، وبيَّنَّا الأدلة من الوحيين ومن فعل الصحابة والسلف على أن الحديث إذا صح أفاد علما وعملا، وناقشنا الحافظ في مسألة الاحتفاف بالقرائن... إلى آخره؛ طيب السؤال الآن الذي أطرحه على الحافظ، أو من يقول بقول الحافظ، أو من يقول بهذه المقالة -مسألة الاحتفاف-: هذا الحديث الذي أخرجه البخاري، أليس إخراج صاحبي الصحيح احتفافا؟ يذكرون مثالا بالخبر الصحيح المحتف بالقرائن كإخراج صاحبي الصحيح، جميل، هذا الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم ماذا كان يفيد عند البخاري وعند مسلم قبل أن يخرجه في الصحيح؟ ماذا يفيد هذا الحديث عند شيخ البخاري؟ ما عندهم جواب! حتى من العجائب: أن أحد الطلبة من طلابنا هناك كان يحضر يعني حاضرين، جاءني يوم بعد الدرس في المساء كذا بعد العشاء، صلينا في الحرم، خرجنا، جاءني، قال: يا شيخ، والله يعني الحجة التي أوردتها وذكرتها في الدرس قوية جدا، جزاك الله خير، قال: لكن سبحان الله يا شيخ، أنا نفسي ما راضية تقبل! قلت: كيف؟ قال: كلامك حق والله يا شيخ؛ لكن نفسي ما تقبله! قلت: يعني فيه شبهة لا زالت باقية؟ تعرف أنت تتابع الناس على مثل هذه المقالة وترديدها، يبقى أن الناس إذا ما خالفت المقالة هذه جئت بشيء يعني غريب وفيه شذوذ في ظنهم، فبعضهم جاء ببعض كلام علماء السنة المعاصرين إنه ذكر هذا، قلت: أعرف هذا الكلام يا ولدي، أنا أتكلم عن أصل المسألة: من يقول -بغض النظر عن الأسماء-، هل خرج عما نقل؟ قال: لا، قلت: انتهينا، أنا أرد على أصل المقالة، فقال: بارك الله فيك، قلت له: طيب، ما عندك شبهة؟ قال: لا، عندك حجة طيب ترد بها المقالة؟ قال: لا، قلت: أتسمع بالهوى؟ قال: نعم، قلت: هذا هو! أنت فيه! هذا هو الهوى! الآن عرفت الحق، وأنت تشهد بأنه الحق، وما عندك شبهة تمنعك من القول به، أيش يمنعك من عدم الأخذ؟! نسأل الله العافية والسلامة، فهي -بارك الله فيك- أرادوا جعل هذه القيودات: احتفاف القرائن، كذا، كذا، كذا، كذا، جاءوا بأشياء طبعا هي ما طبقوها حتى، حتى هذا الخبر المحتف عندهم بالقرينة -مع استجماع الشروط التي ذكروها-، قالوا: يفيد العلم النظري، كمان! طيب دلالة العلم النظري، تفيد الظن ولا تفيد اليقين؟ قالوا: تفيد الظن -كما بيَّن هذا مُلَّا علي قاري في «شرح النخبة»-، يعني رجعنا إليه، إلى المسألة الأصلية، وهي مسألة إفادة خبر الآحاد، هذا أصل المسألة، من هنا خرج لما تكلموا في خبر الواحد، وهذا -كما عبر عنه الإمام ابن القيم- بأنه طاغوت، في مسألة أن خبر الآحاد يفيد الظن، وفعلا، والسجزي -رحمه الله- في «رسالته إلى أهل زَبيد»، وغيره من علماء السنة؛ بارك الله فيكم.
تحميل الجواب | الإستماع |
تحميل الجواب | الإستماع |
الشيخ: لا، هي طبعا قرينة ليست قوية، العلماء عندما يتبنون حكما حول حديث، ونفسهم تميل -بحكم الصناعة- إلى توهين الحديث وتعليله، فيستدلون أيضا قرينة عندهم في هذا الحديث خاصة أنه لم يخرج في كتب السنة المعتمدة، فكونها ليست في المظان، وكون هذا الحديث في مظان الأحاديث الواهية أو المنكرة أو الضعيفة أو غير ذلك: هي قرائن، لا يدل على أنها علة، وجوده في هذا علة، أو عدم وجوده في هذا يعتبر علة مطلقا؟ لا.
* السائل: قولهم: «لا يصح في الباب حديث»، هل يتعارض مع التصحيح بالطرق؟ وهل يعتبر هذا في النظر إلى تصحيح هذا الحديث بطرقه، هل يعتبر في أثناء النظر في التصحيح؟
الشيخ: لا، أقول طبعا إذا قلنا: لم يصح في الباب شيء، أي: حديث صحيح؛ هذا في نظر الحافظ أو العالم، بعضهم يبحث ويرى أنه لم يصح في هذا الباب حديث، كما قال بعض الحفاظ في فضائل معاوية: «لا يصح في فضائل معاوية شيء»، يعني بخصوصه؛ لكنه وجد أحاديث أو وجدت أحاديث بعض الحفاظ صححوها، ولهذا لما طُلب من الإمام النسائي -رحمه الله- أن يؤلف في فضائل معاوية -كما ألف في خصائص علي-، قال: «أي شيء أكتب؟ ألا يرضى معاوية رأسا برأس حتى يفضَّل؟»، طبعا يقصد: ماذا أكتب في فضله -يعني بخصوصه-؟ ألا يرضى أن يكون رأسا برأس -بمعنى أنه من عموم الصحابة، ومن عامة الصحابة- حتى أفضله على علي؟ تريدون هذا؟ طبعا هذا كان سببا رئيسيا في مقتل الإمام النسائي -رحمه الله-؛ لأنهم ألَّبوا عليه العوام والغوغاء، إلى آخره؛ ولهذا الإمام إسحاق بن راهويه يرى أيضا إنه لم يصح في فضله شيء؛ ولهذا الإمام ابن القيم علق على هذه الأقوال في «المنار المنيف» على أن المراد: لم يصح، أي: بفضائل؛ لأن فضائل الصحابة تنقسم إلى قسمين: فضائل عامة -سواء في فضل قريش، أو في فضائل الصحابة عموما-، وفضائل مخصوصة -كما جاء في أبي بكر أو في عمر، أو في كذا كذا بخصوصهم-؛ قال: فإن كانوا يقصدون: لم يصح في فضله؛ فهو داخل في العمومات التي وردت في فضل قريش، فهو قرشي، والتي وردت في فضل عموم الصحابة، وهو من عموم الصحابة، إلى آخره، أما بخصوصه -نفسه- فهي أحاديث قليلة، فمنهم من لم يصحح شيئا، ومن من صحح بعض الأحاديث، كما في حديث مسلم: «لا أشبع الله بطنك»؛ ولهذا -بارك الله فيك- فهو قولهم من هذا الباب، هذا نظر الحافظ أنه لم يصح، لا يعني ذلك أنه لا يصحح الحديث بالطرق، إذا ما ثبتت وشروط التقوية فيه، ليس أي حديث جاءت طرق متعددة له يعتبر صحيحا أو حسنا، بمعنى: يجب أن تتوفر فيه شروط التقوية، فإن لم تتوفر؛ فلا يصح، ولو كانت ألف طريق.
تحميل الجواب | الإستماع |
الشيخ: ما معنى هذا السؤال؟
السائل: يعني مثلا إذا جاء في الرجل مثلا قول بالتضعيف، وقول بالتوثيق، فيجعلون حديثه حسنا مثلا؟
الشيخ: لا، ما هو منهج للحافظ، من ينسب هذا للحافظ؟
السائل: يعني مثلا في سؤالات أبي الحسن المأربي للشيخ الألباني، تكلم الشيخ الألباني.
الشيخ: هذا لا يعتبر به، أبو الحسن أو غيره، لا ينسَب هذا للحافظ، هذا غلط على الحافظ، ليس له أنه إذا اختلفوا: واحد وثق، واحد ضعف؛ اختاروا الأوسط، هذا ما هو صحيح، هذا نسبته للحافظ تحتاج إلى تنصيص: إما من الحافظ، أو أحد أخص طلابه ينص على هذا، أو رجل على خبرة تامة بصنيعه، فاستخرجه.
السائل: الشيخ الألباني قرر هذا.
الشيخ: ولو -بارك الله فيك-، في أمثلة: مثالين، ثلاثة، عشرة، خمسة عشر، عشرين، مائة، لا يكفي أن يكون هذا مثالا، لا بد من استقراء كلام الحافظ كاملا، ما هو بالضرورة، الشيخ الألباني عالم له جهده وجلالته واجتهاده؛ لكن هذا نسبته للحافظ ليست دقيقة أبدا ولا صحيحة، يعني هي ألصق بهذا؛ لكن نقول إن الحافظ -رحمه الله- يجتهد نظره في هذا الرجل، أو في هذا الراوي، أو في هذا الحديث، ينظر فيه: إذا كان قد وثقه جمع، وضعفه آخرون، فما تميل إليه نفسه بالنظر الدقيق وإعمال قواعد الجرح: إما يميل إلى هذا، وإما يميل إلى هذا، أو يخرج بنتيجة يرتضيها وفق القواعد، وأحيانا يخرق القواعد، يعني: ينفرد بتوثيق من لا يستحق التوثيق، أو تضعيف من لا يستحق التضعيف، أو القبول -كقوله: مقبول-، وليس كذلك؛ فليست القاعدة مطردة -بارك الله فيك-، وليس بالضرورة أن التوسط دائما أو القول بين القولين هو دائما هو الصواب، لا، ليس بالضرورة، حتى في باب الجرح والتعديل، لما يقال: فلان من المتشددين، وفلان من المعتدلين، وفلان من المتساهلين، لا يعني أن المعتدل دائما قوله حق، ودائما قوله صواب، ودائما قوله هو الصواب في الراوي، ما هو صحيح، ولا يعني المتشدد أن قوله دائما مرفوض، ودائما مردود، ودائما غير معتبر، أو المتساهل كذلك، لا، هذا باطل، إنما هؤلاء كلهم حفاظ وأئمة يعتمد قولهم في الجرح والتعديل، هذا المتشدد لو كان قوله دائما مردودا؛ لما كان في الحفاظ، ولا كان في العلماء الذي يعتمد قولهم في الجرح والتعديل، وكذلك المتساهل، فلصار علماء الجرح والتعديل قسم واحد: المعتدلون بَسْ، ولا قائل بهذا؛ لذا الصحيح أن يُنظر في كل رجل أو راو، أقوال الأئمة فيه -إن كانوا من هذا الصنف، أو هذا الصنف، أو هذا الصنف-، القسم يعني، نعم، ويُنظر في الأقوال، وتُعمل فيه قواعد الجرح والتعديل، فيُعطَى الدرجة التي يستحقها؛ بناء على النظر الدقيق وإعمال قواعد الجرح والتعديل، وطرائق أئمة الفن فيه، هذا هو.
السائل: وكذلك في الحديث صحة وضعفا؟
الشيخ: كذلك الحديث، كذلك الحديث، ما هو نقول: خلاص اختلفوا واحد صحح وواحد ضعف، يصير الحديث حسنا! هذا كلام من لا يعرف هذا الفن، بمعنى: يتمرس فيه، إنه إذا اختلفوا مباشرة يصير وسطا حسنا! ما هو صحيح، لا، بل قد يختلفون في حديث ما يكون صحيحا، أو حسنا، يكون منكرا أو واهٍ، ويطرح -بارك الله فيك-؛ لا، يعني هذا الفن أو هذا العلم ما يؤخذ بهذه الصورة، وتصير قاعدة مستمرة، غلط وخلط هذا بين القواعد، ما هو صحيح، نعم.
تحميل الجواب | الإستماع |
* السائل: طيب شيخنا -أحسن الله إليكم- مداخلة -لو تأذنون بها-: من قرر هذا من بعض المحدثين، يرد كلامه هذا؟ يعد من أخطائه؟ من قال مثلا -جعلها قاعدة مطلقة-: الحديث الحسن هو ما اختلف فيه النقاد -ما بين مصحِّح ومضعِّف-، وكمثل المنذري -رحمه الله- في بعض السؤالات التي وُجِّهت له في الجرح والتعديل، فقرر هذا المعنى؟
الشيخ: أيش قرر؟ أيش العبارة؟
السائل: العبارة تحديدا ما تحضرني، الجهاز للأسف ليس موجودا؛ لكن في «سؤالات المنذري في الجرح والتعديل»، لكن جعلها في الرواة، لا في الأحاديث.
الشيخ: أيوه أنا هذا أذكر، ولا أذكر أنه أطلق هذا القول إذا اختلفوا فيكون راويا، الرجل إذا كان اختلف فيه بين التوثيق والتضعيف يعد حسنا؛ لا أذكر هذا الكلام، قرأت هذه الرسالة وغيرها، لكن لا أعرف هذا تماما.
أما ما يتعلق بالحديث الحسن، هو حد الحسن -كما لا يخفى- كلمة الذهبي -رحمه الله- في «الموقظة»: «أنا على إياس من إيجاد تعريف عام أو شامل له أو حد مانع له»؛ ولكن هو طبعا متجاذب، فمنهم من يرى أنه إذا توفرت شروط القبول فيه، فيميل للقول بالثبوت، أو العكس، أئمة الفن لا يعني ذلك أنهم يختلفون في الشروط، إنما الكلام في تحقق الشروط،هذا هو -بارك الله فيك-.
تحميل الجواب | الإستماع |
السائل: أحسن الله إليكم.
* السائل: قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: «بل الذين كانوا قبل جمع هذه الدواوين أعلم بالسنة من المتأخرين بكثير؛ لأن كثيرا مما بلغهم وصح عندهم لا يبلغنا إلا عن مجهول، أو بإسناد منقطع، أو لا يبلغنا بالكلية، فكانت دواوينهم صدورهم التي تحوي أضعاف ما في الدواوين، وهذا أمر لا يشك فيه من علم القضية» [المجموع/ المجلد 20]، بارك الله فيكم، هل يستفاد من هذا ما عليه شيخ الإسلام ابن تيمية أنه قد يستشهد بالأحاديث التي قد لا يصح إسنادها من هذا الباب: أنه يعتبر المعنى والأصول العامة وكذا، ويستشهد بها ويستدل بها -كما نراه في تصرف شيخ الإسلام ابن تيمية-؟
الشيخ: يعني هذه طريقته؟
السائل: نعم.
الشيخ: لا، ليست طريقة له هذه، ونسبة هذا إليه مطلقا ما هو صحيح، هذا ليس صحيحا، ولا يمكن أن يستدل بحديث؛ بل هو يعيب على بعض الحفاظ الذين يروون أحاديث ولا يبينون علتها وهي ضعيفة، نَقَد الحافظ ابن عبد البر، ونَقَد الحافظ البيهقي، ونَقَد جمعا من الحفاظ في رده على البكري، وفي بعض رسائله في الاستغاثة، وينص على هذا -بارك الله فيك-؛ فهو -على كل حال- أحيانا يميل إلى القول بالثبوت، فيستدل بحديث قد لا يكون عند بعض الحفاظ أو جملة من الحفاظ أنه يثبت، وهو حافظ إمام، له حظه من النظر.
تحميل الجواب | الإستماع |
تعليق