الحلقة الثانية
دراسة مرويات هشام بن الغاز
للشيخ ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله-
للشيخ ربيع بن هادي المدخلي -حفظه الله-
بسم الله الرحمن الرحيم
أورد العنابي في مقاله " بيان الغلط في تضعيف الشيخ ربيع لأثر ابن عمر –رضي الله عنهما-" عدداً من روايات هشام بن الغاز، يدّعي صحتها، منها سبعة أحاديث بالمكرر ناقشتها في الحلقة المعنون لها بـِ" الذب عن الخليفة الراشد عثمان وعن الصحابة الكرام رضوان الله عليهم على الدوام".
ناقشتُها مناقشة علمية على منهج أهل الحديث وأصولهم.
ولم يقابل العنابي مقالي المشار إليه إلا بالأراجيف والطعون الظالمة، والتهاويل البعيدة كل البعد عن منهج السلف في قبول الحق والتسليم به مع الأسف الشديد.
أعد أيها القارئ الكريم قراءة مقالي المشار إليه، وتأمل جيداً وبإنصاف مناقشاتي للأحاديث المشار إليها من (ص24- 35).
واليوم أقدم للقراء دفعة جديدة من أحاديث هشام بن الغاز انتقدها الإمام الدارقطني وبقية من الأحاديث والآثار التي رواها ابن الغاز، أوردها العنابي في مقاله، يرى أنها صحيحة، ناقشتُها -أيضاً- في ضوء منهج السلف.
وقبل عرض هذه الأحاديث ومناقشتها أُذكِّر القارئ بشي من مناقشاتي السابقة التي لم يرفع العنابي بها رأسه.
1- لقد ذكرتُ له كلام المعلمي أن بعض الأئمة ومنهم ابن معين قد يوثقون المجاهيل.
2- وذكرتُ له عدداً من فحول العلماء قد ردَّ أئمة النقد بعض مروياتهم لتفردهم بها، ومنهم معمر وعبدالرزاق الثقتان الحافظان، فهل ابن الغاز معصوم من الخطأ، لا يجوز نقد تفرداته؟
3- ذكرتُ له ولأمثاله تلقي الصحابة والتابعين لهم بإحسان الأذان العثماني بالقبول والتسليم.
فهل يقدم أثر ابن الغاز المنكر على ما تلقاه الصحابة والتابعون بالقبول والاحترام؟
وهل يقدم ابن الغاز على الصحابة والتابعين؟ فأي عقل يقبل هذا؟ وهل يوجد في شريعة الإسلام تقديم شخص مهما علت منـزلته على أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- ومن تابعهم بإحسان؟
وذكرتُ لهم ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية وابن المنذر من إجماع الأمة على قبول هذا الأذان العثماني لأنه أمر به خليفة راشد.
4- ذكرتُ لهم أن كلاً من الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر –رضي الله عنهما- صدرت منهما تصرفات مثل تصرف عثمان، وأجمعت الأمة وعلى رأسهم الصحابة الكرام على قبول هذه التصرفات واحترامها والتسليم بها، فحاصوا عنها ولم ينبسوا ببنت شفة تجاهها، ونسألهم لماذا هذه الحيصة عنها؟
5- ذكرتُ له ولأمثاله نكارة هذه الرواية لعدم ضبط راويها، ولتضمنها الطعن في الصحابة العظام والتابعين لهم بإحسان، وغير ذلك من الأدلة فلم يرفعوا بذلك رأساً، وتمادوا في مكابرتهم ومعاندتهم.
6- ذكرتُ لهم بيان الإمام مسلم لمنهج أهل الحديث في مثل هشام بن الغاز.
فحذف العنابي هذا البيان إلا جزءاً منه لا يتضح منه هذا المنهج.
وهذا نص كلام مسلم.
قال –رحمه الله- في "مقدمة صحيحه" (ص7):
"لأن حكم أهل العلم، والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا. وأمعن في ذلك على الموافقة لهم. فإذا وجد كذلك، ثم زاد بعد ذلك شيئاً ليس عند أصحابه، قبلت زيادته.
فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك. قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره. فيروِى عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث، مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس. والله أعلم".
أقول: وهشام بن الغاز من هذا الضرب الذي لا يجوز قبول ما تفرد به عن أصحاب نافع الكثيرين، ومنهم الأئمة الحفاظ من أهل المدينة وطنه وغيرهم، ولم يمعن هذا الرجل في الموافقة لهم، ومع ذلك أكثر من التفرد.
ألا يعد الإصرار على التشبث برواية ابن الغاز المنكرة من العناد والمكابرة ومن أشد الرد لهذا المنهج الذي صرّح به الإمام مسلم؟
7- ذكر العنابي عدداً ممن وثق ابن الغاز، فبيّنتُ له ولأمثاله:
أن بعضهم لا يعد من أئمة الجرح والتعديل، حتى أنه احتج بأحد الروافض.
وسقتُ كلام ابن أبي حاتم في بيان مراتب الرواة، وفي طليعتها فئة خاصة هم أهل الجرح والتعديل، وهي الطائفة ذات المرتبة الأولى كما نصّ على ذلك ابن أبي حاتم، وهذا نص كلامه:
قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (1/10) -مميزاً بين أئمة الجرح والتعديل وبين غيرهم، ولو كانوا من الثقات فضلاً عن من دونهم-:
" [ مراتب الرواة ] فمنهم الثبت الحافظ الورع المتقن الجهبذ الناقد للحديث - فهذا الذي لا يختلف فيه، ويعتمد على جرحه وتعديله، ويحتج بحديثه وكلامه في الرجال.
ومنهم العدل في نفسه، الثبت في روايته، الصدوق في نقله، الورع في دينه، الحافظ لحديثه، المتقن فيه، فذلك العدل الذي يحتج بحديثه، ويوثق في نفسه.
ومنهم الصدوق الورع الثبت الذي يهم أحياناً وقد قبله الجهابذة النقاد - فهذا يحتج بحديثه.
ومنهم الصدوق الورع المغفل الغالب عليه الوهم والخطأ والغلط والسهو فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب والزهد والآداب ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام.
وخامس قد ألصق نفسه بهم ودلسها بينهم ممن ليس من أهل الصدق والأمانة، ومن قد ظهر للنقاد العلماء بالرجال أولي المعرفة منهم الكذب - فهذا يترك حديثه ويطرح روايته".
فانظر كيف حصر ابن أبي حاتم الجرح والتعديل في الطبقة الأولى وحدها، فهذا مذهبه ومذهب غيره من نقاد أئمة الحديث.
فظهر بهذه المواقف تعصب العنابي وأنصاره وتحزبهم للباطل، وظهر منهم عدم مبالاتهم بما يترتب على تلك الرواية المنكرة من الطعن في الصحابة الكرام والتابعين لهم بإحسان، ولا يرفعون رأساً بما نقله الأئمة من إجماع على احترام هذا الأذان وقبوله والتسليم به؛ لأنه نابع من شرع محمد ومنهجه -عليه الصلاة والسلام-.
8- في ضوء الدراسة العلمية لمرويات هشام اتضح أن الراجح في توثيق هشام بن الغاز إنما هو قول الإمام أحمد، فإنه قد أعطاه حقه.
فقد قال -رحمه الله- فيه: "هشام بن الغاز صالح الحديث".
انظر "الجامع في العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد (1/125)، رقم (500).
وقال فيه مرة أخرى : "صالح"، انظر المصدر السابق ذكره (2/3، رقم (320).
وهاتان المرتبتان لا يحتج بصاحبهما، وتفرد صاحبها يعتبر من المنكرات.
قال الحافظ الذهبي في "الميزان" (3/140-141):
" وإن تفرد الثقة المتقن يعد صحيحا غريبا.
وإن تفرد الصدوق ومن دونه يعد منكرا.
وإن إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظا أو إسنادا يصيره متروك الحديث".
أقول: ولابن الغاز تفردات عديدة، لم يوافقه عليها أصحاب نافع الحفاظ.
فأين منهج السلف في العدل والإنصاف وتحري الصدق والعدل والأخلاق العالية والآداب الرفيعة وإنزال الناس منازلهم؟
أقول: وهذا نقد الإمام الدارقطني لعدد من مرويات هشام بن الغاز، وحكمه بعدم ثبوتها، وسأتبعها بمناقشاتي لبقية مروياته.
1- قال -رحمه الله- في "العلل"(14/445): "وقال هشام بن الغاز، -وذكر جماعة بين ضعيف وصدوق، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.وقال ابن عجلان، عن نافع، عن ابن عمر، موقوفا، وذلك وهم من راويه.
وَالصَّحِيحُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عن أم سلمة."
وكذا النسائي بين خطأ هشام ومن معه في هذا الحديث كما في:" السنن الكبرى" (6/303)
وكذا الحافظ في "الفتح" (10/96)".
التعليق: ساق ابن عبد البر حديث مالك عن نافع عن زيد بن عبد الله بن عمر في "التمهيد" (16/101-103) عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن أم سلمة زوج النبي –صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم".
ثم تكلم على إسناده، وذكر من رواه، مثل رواية مالك وبإسناده من الثقات كعبيد الله بن عمر العمري، وذكر من خالفه كشعبة.
ثم قال:
"ورواه خصيف وهشام بن الغازي عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من شرب في آنية الفضة فإنما يجرجر في بطنه نار جهنم".
وهذا عندي خطأ لا شك فيه ولم يرو ابن عمر هذا الحديث قط والله أعلم ولا رواه نافع عن ابن عمر ولو رواه عن ابن عمر ما احتاج أن يحدث به عن ثلاثة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما إسناد شعبة في هذا الحديث فيحتمل أن يكون إسنادا آخر ويحتمل أن يكون خطأ وهو الأغلب والله أعلم.
والإسناد الذي يجب العمل به في هذا الحديث وتقوم به الحجة إسناد مالك في ذلك وبالله التوفيق".
أقول: انظر إلى قول ابن عبد البر في رواية هشام:
1- وهذا عندي خطأ لا شك فيه.
2- ولم يرو ابن عمر هذا الحديث -قط-، والله أعلم.
3- ولا رواه نافع عن ابن عمر.
4- ولو رواه عن ابن عمر ما احتاج أن يحدث به عن ثلاثة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
هذا كله تأكيد على نكارة رواية خصيف وابن الغاز.
مع أنها لم تتضمّن معنى باطلاً مثل رواية هشام بن الغاز التي تتضمّن الطعن في أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن تبعهم بإحسان، الذين احترموا الأذان الذي أمر به عثمان، وقبلوه جيلاً بعد جيل.
وحديث أم سلمة أخرجه البخاري ومسلم.
وعلّق الحافظ ابن حجر على حديث أم سلمة هذا وإسناده في "الفتح" (10/99)، فقال:
" وهذا الإسناد كله مدنيون وقد تابع مالكا عن نافع عليه موسى بن عقبة وأيوب وغيرهما وذلك عند مسلم وخالفهم إسماعيل بن أمية عن نافع فلم يذكر زيدا في إسناده جعله عن نافع عن عبد الله بن عبد الرحمن أخرجه النسائي والحكم لمن زاد من الثقات ولا سيما وهم حفاظ وقد اجتمعوا وانفرد إسماعيل وقال محمد بن إسحاق عن نافع عن صفية بنت أبي عبيد عن أم سلمة ووافقه سعد بن إبراهيم عن نافع في صفية لكن خالفه فقال عن عائشة بدل أم سلمة وقول محمد بن إسحاق أقرب فإن كان محفوظا فلعل لنافع فيه إسنادين وشذ عبد العزيز بن أبي رواد فقال عن نافع عن أبي هريرة وسلك برد بن سنان وهشام بن الغاز الجادة فقالا عن نافع عن بن عمر أخرج الجميع النسائي وقال: الصواب من ذلك كله رواية أيوب ومن تابعه".
ألا يرى القارئ أن عدداً من أئمة النقد وهم النسائي والدارقطني وابن عبد البر وابن حجر قد انتقدوا هشام بن الغاز ومن معه في خطئهم ومخالفتهم للإمام مالك ومن معه من الحفاظ.
فهل لنا أن نقول إن ابن عمر –رضي الله عنهما- لم يقل قط: إن الأذان الذي أمر به عثمان وأقرّه عليه الصحابة والتابعون بدعة، كما قال ابن عبد البر فيما هو أهون من هذا بما لا يقاس.
2- وفي "العلل" (6/51):
"س 970- وسُئِل عَن حَدِيثِ مالِكِ بنِ يُخامِر ، عَن مُعاذٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلم ، قال : يَطَّلِعُ الله عَزّ وجَلّ إِلَى خَلقِهِ لَيلَة النِّصفِ مِن شَعبان ، فَيَغفِرُ لِجَمِيعِ خَلقِهِ إِلاّ لِمُشرِكٍ أَو مُشاحِنٍ.
قال : يُروَى عَن مَكحُولٍ ، واختُلِف عَنهُ ؛ فَرَواهُ أَبُو خُلَيدٍ عُتبَةُ بن حَمّادٍ القارِيُّ ، عَنِ الأَوزاعِيِّ ، عَن مَكحُولٍ ، وعن ابن ثوبان ، عن أبيه ، عن مكحول ، عَن مالِكِ بنِ يُخامِر ، عَن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ.
قال ذَلِك هِشامُ بن خالِدٍ : عَن أَبِي خُلَيد.
حَدَّثناهُ ابن أَبِي داوُد ، قال : حَدَّثنا هِشامُ بن خالِدٍ بِذَلِكَ.
وَخالَفَهُ سُلَيمانُ بن أَحمد الواسِطِيُّ ، فَرَواهُ عَن أَبِي خُلَيدٍ ، عَنِ ابنِ ثَوبان ، عَن أَبِيهِ ، عَن خالِدِ بنِ مَعدان ، عَن كَثِيرِ بنِ مُرَّة ، عَن مُعاذِ بنِ جَبَلٍ ، كِلاَهُما غَيرُ مَحفُوظٍ.
وَقَدْ رَوَى عَنْ مَكْحُولٍ فِي هَذَا رِوَايَاتٍ،
وَقَالَ هِشَامُ بْنُ الْغَازِ: عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وقِيل : عَنِ الأَحوَصِ بنِ حَكِيمٍ ، عَن مَكحُولٍ ، عَن أَبِي ثَعلَبَةَ.
وَقِيل : عَنِ الأَحوَصِ ، عَن حَبِيبِ بنِ صُهَيبٍ ، عَن أَبِي ثَعلَبَةَ.
وَقِيل : عَن مَكحُولٍ ، عَن أَبِي إِدرِيس مُرسَلاً.
وَقال : الحَجّاجُ بن أَرطأة ، عَن مَكحُولٍ ، عَن كَثِيرِ بنِ مُرَّة مُرسَلاً ، أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلم ، قالَ.
وَقِيل : عَن مَكحُولٍ مِن قَولِهِ ، والحَدِيثُ غَيرُ ثابِتٍ".
فيرى القارئ حكم الإمام الدارقطني على هذا الحديث الذي رواه هشام بن الغاز وغيره بأنه غير ثابت.
3- وَسُئِلَ -رحمه الله- كما في "العلل" (14/217-21: "عَنْ حَدِيثِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَضْلِ ليلة النصف من شعبان، وأن الله عز وجل يغفر فيها بعدد شعر غنم كلب.
فَقَالَ: يَرْوِيهِ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ عروة.
وروى هذا الحديث مكحول الدمشقي، واختلف عنه؛
فرواه سليمان بن موسى، عن مكحول، عن عائشة، ولم يذكر بينهما أحدا.
قال ذلك هشام بن الغاز، عنه. -وساق طرقا ثم قال:-وإسناد الحديث مضطرب غير ثابت."
- وذكر ابن رجب في "شرح علل الترمذي" أن ابن المديني جعل أصحاب نافع تسع طبقات ولم يذكر منهم هشام!!!
- وجعله النسائي في الطبقة السادسة من أصحاب نافع فقال: "الطبقة السادسة : سليمان بن موسى ، وبُرد بن سنان ، وهشام بن الغاز ، وابن أبي روّاد "
- فقرنه مع:
- سليمان بن موسى وهو-عند ابن حجر- : "صدوق فقيه في حديثه بعض لين ، و خولط قبل موته بقليل"
- وبُرد بن سنان وهو-عند ابن حجر- : "صدوق رمى بالقدر"
- وابن أبي روّاد وهو-عند ابن حجر- :"صدوق عابد ربما وهم ، و رمى بالإرجاء".
أقول: هذا النقد من الدارقطني تفضل بالتنبيه عليه الأخ الفاضل أبو عبد الرحمن مصطفى الحراشي، وأضفتُ إليه التعليق على الحديث الأول، مع إيرادي لنقد الحافظين ابن عبد البر وابن حجر، كما أضفتُ نقد الإمام الدارقطني للحديثين الآيتين:
4- قال الدارقطني في "العلل" (6/258-259):
"1116- وسُئِل عَن حَدِيثِ غُضَيفِ بنِ الحارِثِ ، عَن أَبِي ذَرٍّ ، قال رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلم : إِنّ الله وضَع الحَقّ عَلَى لِسانِ عُمَر وقَلبِهِ ، ويَقُولُ بِهِ.
فَقال : يَروِيهِ مَكحُولٌ ، واختُلِف عَنهُ ؛ فَرَواهُ مُحَمد بن إِسحاق ، عَن مَكحُولٍ ، عَن غُضَيفٍ ، عَن أَبِي ذَرٍّ.
وَرَواهُ أَبُو خالِدٍ الأَحمَرُ ، عَن مُحَمدِ بنِ إِسحاق ، ومُحَمد بن عَجلاَن ، وهِشامُ بن الغازِ، عَن مَكحُولٍ ، عَن غُضَيفٍ ، عَن أَبِي ذَرٍّ.
وَأَحسَبُ أبا خالِدٍ حَمَل حَدِيث هِشامِ بنِ الغازِ ، وابن عَجلاَن عَلَى حَدِيثِ مُحَمدِ بنِ إِسحاق ، فَجَوَّد إِسنادَهُ ، لأَنّ غَيرَهُ يَروِيهِ عَن هِشامِ بنِ الغازِ ، وعَن مُحَمدِ بنِ عَجلاَن ، عَن مَكحُولٍ مُرسَلاً ، عَن أَبِي ذَرٍّ.
وَكَذَلِك رَواهُ عُقَيلُ بن خالِدٍ ، وابن أَبِي حُسَينٍ المَكِّيُّ ، عَن مَكحُولٍ ، عَن أَبِي ذَرٍّ مُرسَلاً، وقال وكِيعٌ : عَن هِشامِ بنِ الغازِ ، عَن مَكحُولٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلم، لَم يَذكُر أبا ذَرٍّ.
وَرَواهُ بَرد بن سِنانٍ ، عَن عُبادَة بنِ نُسَيٍّ ، عَن غُضَيفِ بنِ الحارِثِ ، عَن أَبِي ذَرٍّ ، ورَوَى مِسعَرٌ ، عَن وبرَة بنِ عَبدِ الرَّحمَنِ ، عَن غُضَيفٍ ، عَن أَبِي ذَرٍّ.
وَلا يَثبُتُ عَن مِسعَرٍ ، ومُحَمد بن إِسحاق ، أَقام إِسنادَهُ عَن مَكحُولٍ".
أقول: لقد خطّأ الإمام الدارقطني هنا رواية وكيع عن هشام بن الغاز عن مكحول، حيث جاءت روايته عن مكحول معضلة، أسقط من الإسناد أبا ذر وغضيفاً، مع أن الدارقطني قد صوّب الوصل بذكر أبي ذر وغضيف، كما في رواية ابن إسحاق، فرجّح الدارقطني رواية إسحاق على رواية هشام، فما رأي العنابي وأشكاله؟
5- وقال الدارقطني في "العلل" (12/363-364):
"2788 - وسُئِل عَن حَديث نافع ، عن ابن عُمَر ، عن رسول الله ، صَلَّى الله عَلَيه وسَلم قال : من كان وُصلة لأخيه إلى ذي سلطان في منفعة ، أُعين على إجازة الصراط يوم تدحض الأقدام.
فقال : يرويه هِشام بن الغاز ، واختُلِفَ عنه :
فرواه عبد الوهاب بن هِشام بن الغاز ، عن أبيه ، عن نافع ، عن ابن عُمَر ، عنِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلم.
وخالفه محمد بن علي بن عطاء بن مقدم ، فرواه عن هِشام بن الغاز ، عن مكحول مرسلاًً، عنِ النَّبيِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلم . وهو أشبه بالصواب".
أقول: يحتمل أن يكون هذا الاختلاف من هشام أو من أحد الراويين عنه.
وهذه مناقشاتي لبقية روايات ابن الغاز التي وعدتُ القارئ بها:
الرابع والعشرون- قال العنابي في (ص26):
"4- الإمام المجدد الألباني –رحمه الله- وقد وقفت - لا على سبيل الحصر- على تصحيحه ثمانية أحاديث من طريق هشام، وأثراً مقطوعاً عنه:
-ومما صححه في "صحيح وضعيف السنن":
1) حديث في "سنن أبي داود" (70 من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال الإمام الألباني: حسن صحيح.اهـ".
أقول: هذا الحديث أورده أبو داود في موضعين.
أ- برقم (70: "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ الْغَازِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ هَبَطْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ ثَنِيَّةِ أَذَاخِرَ فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ - يَعْنِى - فَصَلَّى إِلَى جِدَارٍ فَاتَّخَذَهُ قِبْلَةً وَنَحْنُ خَلْفَهُ فَجَاءَتْ بَهْمَةٌ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَمَا زَالَ يُدَارِئُهَا حَتَّى لَصِقَ بَطْنُهُ بِالْجِدَارِ وَمَرَّتْ مِنْ وَرَائِهِ. أَوْ كَمَا قَالَ مُسَدَّدٌ.
ب- برقم (4066): "حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ الْغَازِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ هَبَطْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ ثَنِيَّةٍ فَالْتَفَتَ إِلَىَّ وَعَلَىَّ رَيْطَةٌ مُضَرَّجَةٌ بِالْعُصْفُرِ فَقَالَ « مَا هَذِهِ الرَّيْطَةُ عَلَيْكَ ». فَعَرَفْتُ مَا كَرِهَ فَأَتَيْتُ أَهْلِى وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورًا لَهُمْ فَقَذَفْتُهَا فِيهِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ فَقَالَ « يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا فَعَلَتِ الرَّيْطَةُ ». فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ « أَلاَ كَسَوْتَهَا بَعْضَ أَهْلِكَ فَإِنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ».
انظر كيف يختلف هذا الحديث في الموضع الثاني عنه في الموضع الأول.
ففي الموضع الأول :
1- نص على اسم الثنية بأنها ثنية أذاخر.
قال مرتضى الزَّبيدي في "تاج العروس من جواهر القاموس" (11/364):
"ثَنِيَّةُ أَذاخِر قُرْبَ مكّةَ ، بينها وبين المدينة".
وقال الأزرقي في "أخبار مكة" (2 / 289):
"ثنية أذاخر: الثنية التي تشرف على حائط خرمان ، ومن ثنية أذاخر دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة".
وفي الموضع الثاني ذكر الثنية، ولم يضفها إلى أذاخر، والسياق في الموضع الثاني يفيد أن هذه الثنية حول المدينة كما يدل عليه قوله: " فَأَتَيْتُ أَهْلِي وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورًا لَهُمْ فَقَذَفْتُهَا فِيهِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ....الخ".
2- وفي الموضع الأول يقول: فحضرت الصلاة -يعني فصلى إلى جدار- فاتخذه قبلة([1]).
ولم يذكر هذه الصلاة إلى الجدار في الموضع الثاني.
وفي الموضع الأول فيه مرور الشاة بين يديه "فَمَا زَالَ يُدَارِئُهَا حَتَّى لَصِقَ بَطْنُهُ بِالْجِدَارِ" ، ولم يذكر هذا في الموضع الثاني.
3- وفي الموضع الثاني ذكر أنه عند الهبوط من الثنية التفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى عبد الله وعليه ريطة مضرجة بالعصفر، فَقَالَ: « مَا هَذِهِ الرَّيْطَةُ عَلَيْكَ ». فَعَرَفْتُ مَا كَرِهَ فَأَتَيْتُ أَهْلِي وَهُمْ يَسْجُرُونَ تَنُّورًا لَهُمْ، فَقَذَفْتُهَا فِيهِ ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْغَدِ، فَقَالَ: « يَا عَبْدَ اللَّهِ مَا فَعَلَتِ الرَّيْطَةُ ». فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: « أَلاَ كَسَوْتَهَا بَعْضَ أَهْلِكَ فَإِنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ ».
ولم يذكر الريطة ومصيرها إلى آخر الحديث في الموضع الأول، وذكرها في الموضع الثاني.
ألا ترى أنه يختلف في الموضع الثاني عنه في الموضع الأول اختلافاً شديداً يدل على اضطراب وقع فيه؟، والظاهر أن هذا الاضطراب من هشام بن الغاز.
4- ومما يدل على ضعف هذا الحديث من طريقيه ما في "صحيح مسلم" حديث (2077) من طريق طاووس عن عبد الله بن عمرو قال: رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- عليَّ ثوبين معصفرين فقال: "أأمك أمرتك بهذا؟ قلت: أغسلهما. قال: بل أحرقهما".
ففي الحديث عند أبي داود من طريق هشام بن الغاز: "وعليَّ ريطة مضرجة بالعصفر".
وفي مسلم: "رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- عليَّ ثوبين معصفرين".
وفرق بين ثوبين وثوب واحد.
وفي رواية هشام بن الغاز أن عبد الله بن عمرو ذهب من قِبَل نفسه فأحرق الريطة المضرجة بالعصفر، وفي رواية طاووس في "صحيح مسلم"، قال عبد الله بن عمرو: "قلت: أغسلهما. قال: بل أحرقهما".
فالرسول هو الذي أمر عبد الله بإحراق الثوبين، بخلاف تلك الرواية الضعيفة، فإن فيها أن عبد الله أحرقها بنفسه بدون أمر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وفي رواية ابن الغاز أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يا عبد الله ما فعلت الريطة؟" ، فأخبره عبد الله، أي أنه أحرقها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "أَلاَ كَسَوْتَهَا بَعْضَ أَهْلِكَ فَإِنَّهُ لاَ بَأْسَ بِهِ لِلنِّسَاءِ".
ولا يوجد هذا في رواية طاووس في "صحيح مسلم".
وكذا لا يوجد في حديث مسلم ذكر لثنية أذاخر ولا للثنية بدون إضافة، وكذا لا ذكر فيه للصلاة.
فهل هذا الضعف والاضطراب في رواية هشام بن الغاز يدلان على أنه من الثقات الضابطين؟، كلا.
الخامس والعشرون- قال العنابي في (ص27):
"2) حديث في "سنن أبي داود" (1945) من طريق هشام يعني ابن الغاز حدثنا نافع عن ابن عمر مرفوعاً، قال: صحيح.اهـ".
أقول: هذا الحديث في "سنن أبي داود" كما قال العنابي برقم (1945) مختصراً، وفي "سنن ابن ماجه" برقم (305 مطولاً، ونصه:
"حدثنا هشام بن عمار، حدثنا صدقة بن خالد، حدثنا هشام بن الغاز، قال: سمعت نافعاً يحدث عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها، فقال النبي -صلى الله عليه و سلم-: ( أي يوم هذا؟ ) قالوا: يوم النحر، قال: ( فأي بلد هذا؟ )، قالوا: هذا بلد الله الحرام، قال: ( فأي شهر هذا؟ )، قالوا شهر: الله الحرام، قال: ( هذا يوم الحج الأكبر. ودماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة هذا البلد في هذا الشهر في هذا اليوم ) ثم قال: ( هل بلغت) ؟ قالوا: نعم . فطفق النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( اللهم اشهد )، ثم ودّع الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع" .
ثم أقول: أورد العنابي هذا الحديث فيما سلف من "مستدرك الحاكم"، فلماذا هذا التكرار؟
ونرد عليه -أيضاً- بأن البخاري روى حديث ابن عمر عن حجة الوداع. برقم (1742) من طريق عَاصِم بن مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنًى: أَتَدْرُونَ أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، فَقَالَ: فَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ بَلَدٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: بَلَدٌ حَرَامٌ، أَفَتَدْرُونَ أَيُّ شَهْرٍ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: شَهْرٌ حَرَامٌ، قَالَ: فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا.
وَقَالَ هِشَامُ ابْنُ الْغَازِ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وَقَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ بِهَذَا، وَقَالَ: هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ". فَطَفِقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ". وَوَدَّعَ النَّاسَ، فَقَالُوا: هَذِهِ حَجَّةُ الْوَدَاعِ([2]).
والمتأمل في هذين النصين يرى بينهما اختلافاً.
1- ففي حديث البخاري من رواية عاصم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : "أتدرون أي يوم هذا؟، قالوا: الله ورسوله أعلم، فقال: فإنَّ هذا يومٌ حرامٌ، أفتدرون أيُّ بلدٍ هذا؟، قالوا: الله ورسوله أعلم...".
إلى آخر الأسئلة ، السؤال والإجابة كلاهما من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وعند كل سؤال يقول الصحابة: " الله ورسوله أعلم".
وفي حديث هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يسأل الصحابة، والإجابة منهم، وهذا اختلاف واضح.
ويؤيد رواية عاصم بن محمد بن زيد ما رواه البخاري من حديث أبي بكرة برقم (1741)، وبرقم (4406)، ومسلم حديث (1679)، وفيها أن الأسئلة والأجوبة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والصحابة -رضي الله عنهم- يجيبون بقولهم: "الله ورسوله أعلم".
وفي رواية ابن ماجه عن هشام بن الغاز: "ثم ودع الناس، فقالوا: هذه حجة الوداع".
وفيها: "هذا يوم الحج الأكبر"، وليست هاتان الجملتان في رواية عاصم عن أبيه عن جده، ولا في رواية أبي بكرة، وهذه المخالفات لروايات الحفاظ في الصحيحين كلها من هشام ابن الغاز، وهي من الأدلة الواضحة على ضعفه.
السادس والعشرون- قال العنابي في (ص27):
"3) حديث في "سنن أبي داود" (4066)، وابن ماجه (3603) من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال الإمام الألباني: حسن.اهـ".
أقول: تقدّمت إشارته إلى هذا الحديث وهو حديث عبد الله بن عمرو، وهو حديث رقم (1)، وناقشته هناك، فلماذا هذا التكرار؟، ألتكثير روايات هشام بن الغاز أم لغرض آخر؟
قال العنابي في (ص27):
"4) وصحح أثراً من قوله - مقطوعاً- في "سنن أبي داود" (4067) قال: حدثنا عمرو بن عثمان الحمصي، حدثنا الوليد قال: قال هشام - يعني ابن الغاز-: المضرجة التي ليست بمشبعة ولا الموردة. قال الإمام الألباني: صحيح مقطوع.اهـ".
أقول: هذا تفسير لغوي من هشام، وليس أثراً، فلماذا تضع له رقماً؟، وفي تصحيحه نظر.
وفي الإسناد الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية، وإذا حدّث بغير دمشق يخطئ، وجاء في هذا الإسناد بـِ"قال"، وهي موضع التدليس، وعمرو بن عثمان صدوق، فمن أين جاءت الصحة لهذا الإسناد؟
السابع والعشرون- قال العنابي في (ص27):
"5)حديث في سنن الترمذي" (3601)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال الإمام الألباني: صحيح دون قول مكحول: "فمن قال ..." فإنه مقطوع، "الصحيحة" (105و 152.اهـ".
أقول: في كلام هذا الشاب مغالطة.
1- أوهم أن الألباني صحح حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- من طريق هشام ابن الغاز في موضعين:
الأول في "الصحيحة" برقم (105)، والثاني في "الصحيحة" برقم (152.
وهذا فيه مغالطة.
وبيان هذه المغالطة أن العلامة الألباني -رحمه الله- أورد قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لقيت إبراهيم ليلة أسري بي ، فقال : يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء وأنها قيعان ، غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر" .
أورده برقم (105) من حديث ابن مسعود بإسناد فيه عبد الرحمن بن إسحاق، وهو ضعيف، فضعّف الألباني هذا الحديث من هذا الوجه، ثم قال: "لكن يقويه أن له شاهدين"، ثم ساق الشاهدين من حديث أبي أيوب، ومن حديث ابن عمر –رضي الله عنهما-.
ولا ذكر هنا لرواية أبي هريرة -رضي الله عنه- من طريق هشام بن الغاز.
ولم يحكم له الألباني بالصحة، بل قال: "لكن يقويه"، إشارة إلى أنه حسن لغيره.
2- أورد العلامة الألباني -رحمه الله- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أكثروا من قول لا حول و لا قوة إلا بالله ، فإنها كنـز من كنوز الجنة " .
أورده برقم (152 بإسناده إلى سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: فذكره.
ثم ضعّفه الألباني بيحيى بن يزيد الوارد في إسناد هذا الحديث.
ثم قال: لكن الحديث صحيح ، فإن له طريقاً أخرى وشواهد.
ثم قال: "أما الطريق فأخرجه الترمذي ( 2/280 ) من طريق مكحول عن أبي هريرة به . وقال : ليس إسناده بمتصل ، مكحول لم يسمع من أبي هريرة " .
فالقائل: "ليس إسناده بمتصل...الخ"، إنما هو الترمذي، وليس الألباني.
وإلى هنا لا يرى الألباني أن الحديث صحيح، وذلك لأن له إسنادين ضعيفين، لا يرقى بهما الحديث إلى درجة الصحة.
ثم قال: "وأما الشواهد فهي من حديث أبي أيوب الأنصاري عند أحمد وغيره،وصححه ابن حبان ( 2338 ) ومن حديث عبد الله بن عمر . وقد خرجا تحت حديث ابن مسعود المتقدم برقم ( 105 )".
ثم ساق له شواهد أخرى عن جابر وعمر وأبي ذر –رضي الله عنهم جميعاً-، وضعّفها.
فهذا التصحيح الصادر من الألباني ليس منصباً على رواية هشام بن الغاز، وإنما هو لرواية ابن مسعود -رضي الله عنه- برقم (105) بشواهدها، كما يرى القارئ الفطن، وبمجموع الروايات عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وغيره، ونعوذ بالله من الجهل والمغالطات.
فكيف يستجيز العنابي إيهام الناس أن الألباني صحح حديث هشام عن مكحول عن أبي هريرة إلا قول مكحول، وقد رأى قول الترمذي: "ليس إسناده بمتصل ، مكحول لم يسمع من أبي هريرة"؟
فهل يحكم الألباني بالصحة لهذا الحديث، وقد نقل هو بنفسه قول الترمذي: "ليس إسناده بمتصل"؟، فهل الألباني يحكم بالصحة لحديث إسناده منقطع ؟ إن ذا لمن عجائب هذا العنابي.
وانظر كيف عبّر بـِ"مقطوع" بدل "منقطع"، مع أن صغار طلبة العلم يفرقون بين المقطوع، وهو وصف لكلام التابعي الموقوف عليه، وبين المنقطع الذي هو من صفات الإسناد إذا حصل فيه سقط براو واحد.
والحاصل أن لحديث أبي هريرة علتين:
إحداهما- أن في إسناده انقطاعاً؛ لأن مكحولاً لم يسمع من أبي هريرة -رضي الله عنه- كما صرّح بذلك الترمذي.
ثانيتهما- فيه هشام بن الغاز، وهو صالح الحديث كما قال الإمام أحمد، بل هو دون ذلك، كما قال الإمام أحمد مرة أخرى: "صالح"، وهو في نظري كثير الأوهام والتفردات.
وهذا الحديث في نظري لا يثبت إلا عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ".
وهو جزء من حديث طويل رواه البخاري في "المغازي" حديث (4205)، ومسلم في "الذكر" حديث (2704)، وغيرهما.
الثامن والعشرون- قال العنابي في (ص27):
"6) حديث في "سنن ابن ماجه" (1649) من حديث عائشة -رضي الله عنها-، قال الإمام الألباني: حسن صحيح، الصحيح أيضاً (2024و 2101).اهـ".
أقول: حديث (1649) في "سنن ابن ماجه"، قال:
"حدثنا هشام بن عمار، حدثنا يحيى بن حمزة، حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن ربيعة بن الغاز : أنه سأل عائشة –رضي الله عنها- عن صيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالت: كان يصوم شعبان كله حتى يصله برمضان" .
فراوي هذا الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- إنما هو ربيعة بن الغاز، لا هشام بن الغاز، ألا تُفرِّق بين ربيعة وبين هشام؟، وهل يروي هشام عن عائشة -رضي الله عنها- مباشرة؟
وقد قام العنابي بحذف هذا الحديث في الطبعة المعدلة.
ثم الصحيح عن ابن عباس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما صام شهراً كاملاً قط غير رمضان.
والراجح عن عائشة -رضي الله عنها- قولها: "...وما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيت أكثر صياماً منه في شعبان.
قال البخاري -رحمه الله- في "صحيحه" حديث (1969):
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ".
وقال -رحمه الله- في "صحيحه" حديث (1971):
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- قَالَ: مَا صَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهْرًا كَامِلًا قَطُّ غَيْرَ رَمَضَانَ، وَيَصُومُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لَا وَاللَّهِ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى يَقُولَ الْقَائِلُ: لَا وَاللَّهِ لَا يَصُومُ.
وهما في "صحيح مسلم" برقم (1156) و (1157).
التاسع والعشرون- قال العنابي في (ص27):
"7) في "سنن ابن ماجه" (305 من طريق هشام بن الغاز قال: سمعت نافعاً يحدث عن ابن عمر مرفوعاً. قال الإمام الألباني: صحيح، صحيح أبي داود (1700). اهـ".
أقول: تقدّم الكلام على هذا الحديث، وفيه القول المنسوب إلى ابن عمر: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فيها"، وأنه يخالف ما رواه الشيخان عن ابن عمر نفسه وأبي بكرة –رضي الله عنهم جميعاً -، وهو بهذا التكرار يريد أن يُكثِّر أحاديث هشام إن لم يكن سهواً منه.
الثلاثون- قال العنابي في (ص27):
" حديث عند الألباني أخرجه الدولابي في "الكنى" (1/52)، وابن عساكر في "التأريخ" (14/124-125) - من حديث جده ربيعة- حيث قال في "تحريم آلات الطرب" (ص65-66): (رجاله ثقات غير الغاز بن ربيعة وقد وثقه ابن حبان (5/294) ، وترجم له ابن عساكر برواية ثلاثة عنه فمثله حسن الحديث).اهـ".
أقول:
نص الحديث في "تأريخ دمشق" بإسناده:
قال ابن عساكر: " قرأنا على أبي عبد الله يحيى بن الحسن عن أبي الحسن محمد بن محمد بن مخلد أنبأنا علي بن محمد بن خزفة الصيدلاني أنبأنا محمد بن الحسين بن محمد الزعفراني ح وأخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أنبأنا أبو الفضل بن خيرون أنبأنا أبو طالب العشاري ح وقرأت على أبي غالب بن البنا عن أبي طالب العشاري أنبأنا أبو حفص بن شاهين حدثنا الحسين بن صدقة قالا حدثنا أحمد بن خيثمة حدثنا علي بن بحر بن بري حدثني قتادة بن الفضيل بن عبد الله بن قتادة قال سمعت هشام بن الغاز يحدث عن أبيه عن جده قال: قال يوماً لأهل دمشق: يا أهل دمشق ليكونن فيكم الخسف والقذف والمسخ، قالوا ما يقول ربيعة؟ قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( يكون في أمتي الخسف والمسخ والقذف، قالوا: فيم يا رسول الله؟ قال: باتخاذهم القينات وشربهم ). كذا في هذه الرواية والقدر المرفوع منه ما أخبرناه أبو عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم في كتابه أنبأنا أبو الفضل محمد بن أحمد بن عيسى أنبأنا أبو عبد الله عبيدالله بن محمد بن محمد بن حمدان قال: قرئ على أبي القاسم البغوي حدثني أحمد بن زهير حدثنا علي بن بحر حدثنا قتادة بن الفضيل قال: سمعت هشام بن الغاز يحدث عن أبيه عن جده ربيعة قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ( يكون في آخر أمتي الخسف والقذف والمسخ، قالوا: بم يا رسول الله؟، قال: ( باتخاذهم القينات وشربهم الخمور ) أنبأنا أبو سعد المطرز أنبأنا أبو نعيم الحافظ حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني حدثنا الحسين ابن إسحاق التستري حدثنا علي بن بحر حدثنا قتادة بن الفضيل الرهاوي قال: سمعت هشام بن الغاز يحدث عن أبيه عن جده: أن أبا مالك قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم – يقول: ( يكون في أمتي الخسف والمسخ ) قلنا فيم يا رسول الله؟ قال: (باتخاذهم القينات وشربهم الخمور )".
أقول:
هناك اختلاف في صحبة ربيعة جد هشام، كما في "الإصابة" (1/497) (261، فعلى القول بأنه من التابعين تكون روايته مرسلة، وعلى القول بأنه صحابي تكون روايته متصلة مرفوعة.
والغاز والد هشام لم يوثقه غير ابن حبان، وذكر العلامة الألباني أن ابن عساكر ترجم له برواية ثلاثة، وقال: "فمثله حسن الحديث" . وفي تحسين حديثه نظر لأمور:
1- لأنه لم يوثقه غير ابن حبان، ولم يترجم له غير ابن عساكر، فقد بحثتُ عن ترجمته في عدد من كتب الرجال، فلم أجد له ترجمة إلا عند ابن عساكر.
2- إن في إسناد هذا الحديث اضطراباً من هشام.
فتارة يقول: عن أبيه عن جده ربيعة قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول...الحديث.
وتارة يحدث عن أبيه عن جده: أن أبا مالك قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وفي المتن اختلاف بالزيادة والنقص.
وعلى هذا فالحديث ضعيف بسبب هذا الاضطراب والزيادة والنقص.
3- والألباني ما ساق حديث هشام بن الغاز إلا في الشواهد لحديث عمران بن حصين، انظر "تحريم آلات الطرب" (ص63-76).
4- في تحسين الألباني لهذا الحديث بناء على هذا الإسناد نظر، لما في إسناده من الاضطراب؛ ولأن الغاز بن ربيعة لم يوثقه غير ابن حبان، ولم يرو عنه إلا ثلاثة كما نقل ذلك الألباني عن ابن عساكر.
وهذا لا يكفي في جعل رواية هذا الصنف من قبيل الحسن، فقد جعل الحافظ ابن حجر هذا النوع في المرتبة السابعة من مراتب الرواة، فقال: "المرتبة السابعة: من روى عنه أكثر من واحد، ولم يوثق، وإليه الإشارة بلفظ مستور أو مجهول الحال"، "انظر "التقريب" (ص5).
فإن قال قائل: إنه قد وثّقه ابن حبان. قيل: إن ابن حبان متساهل جداً في التوثيق، لا سيما توثيقه للمجهولين.
وأما الحديث الذي صححه الألباني وهو حديث عمران فهو صحيح بشواهده، فالأمر كما قرره العلامة الألباني -رحمه الله-.
الحادي والثلاثون- قال العنابي في (ص27):
"9) في "التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان" (1229) من طريق عن هشام ابن الغاز عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً. قال الإمام الألباني: صحيح.اهـ".
أقول: هذا الحديث في "الإحسان بتقريب صحيح ابن حبان" برقم (1232).
قال ابن حبان: "أخبرنا الحسن بن سفيان، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شبيبة، قال: حدثنا شبابة بن سوار، عن هشام بن الغاز، عن نافع، عن ابن عمر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ( إن لله حقاً على كل مسلم أن يغتسل كل سبعة أيام يوماً، فإن كان له طيب مسه)".
والحديث بهذا اللفظ فيه مخالفة لما رواه الشيخان من حديث نافع وغيره عن ابن عمر.
1- ففي حديث ابن الغاز قوله: "فإن كان له طيب مسه".
ولا ذكر للطيب فيما رواه الشيخان عن مالك والليث عن نافع عن ابن عمر.
وكذلك لا ذكر للطيب فيما رواه الليث عن ابن شهاب عن عبد الله بن عبد الله ابن عمر عن عبد الله بن عمر.
ولا ذكر للطيب فيما رواه ابن جريج، قال أخبرني ابن شهاب، عن سالم وعبد الله ابني عبد الله بن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وفي الصحيحين: النص على الاغتسال يوم الجمعة.
وفي رواية هشام بن الغاز : " إن لله حقاً على كل مسلم أن يغتسل كل سبعة أيام يوماً" ، بدون تعيين ليوم الجمعة.
قال الإمام البخاري في "صحيحه" حديث (877):
" حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ".
وأخرجه البخاري برقم (894)، فقال:
" حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ".
وأخرجه مسلم في "كتاب الجمعة" حديث (844)، فقال:
" حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ومحمد بن رمح بن المهاجر قالا: أخبرنا الليث، ح وحدثنا قتيبة حدثنا ليث عن نافع عن عبد الله قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل".
ففي هذه الطرق في الصحيحين النص على الاغتسال في يوم الجمعة بما في ذلك رواية مالك والليث عن نافع، فقد خالف هشام بن الغاز مالكاً والليث عن نافع، وخالف -أيضاً – رواية الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه.
2- هذا الحديث الذي رواه هشام بن الغاز إنما هو من أحاديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، وليس من أحاديث ابن عمر التي اتفق عليها البخاري ومسلم عن عدد من الأئمة الحفاظ.
قال مسلم في "صحيحه" حديث (849):
" وحدثني محمد بن حاتم حدثنا بهز حدثنا وهيب حدثنا عبد الله بن طاووس عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يغسل رأسه وجسده".
وأخرجه البخاري تابعاً لحديث طويل برقم (897)، ثم ساقه برقم (89.
فابن الغاز انتقل ذهنه من حديث ابن عمر إلى حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- وهذا من الأدلة على ضعفه وعدم ضبطه.
كيف لو رأى ابن معين وسبر هذه الروايات الصادرة عن هشام بن الغاز، فماذا سيقول فيه؟
وكذلك غير ابن معين الذين وثّقوا هشاماً.
الثاني والثلاثون- قال العنابي في (ص27):
"5- الإمام المجدد مقبل بن هادي الوادعي -رحمه الله- في كتابه النفيس: "الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين" برقم (740) حيث صحح حديثين من طريقه:
1) حديث رقم (740) عند أبي داود –رحمه الله- في "سننه" (ج5 ص420).
2) حديث رقم (1197) عند ابن حبان رحمه الله كما في "الإحسان"".
أقول:
1- في الطبعة المعدلة ذكر العنابي نص الحديث في "سنن أبي داود"، من طريق هِشَام - يَعْنِى ابْنَ الْغَازِ - حَدَّثَنَا نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَقَفَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِى الْحَجَّةِ الَّتِى حَجَّ فَقَالَ « أَىُّ يَوْمٍ هَذَا ». قَالُوا يَوْمُ النَّحْرِ. قَالَ « هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ ».
وقال العنابي: وقد سبق تصحيح الإمام الألباني له أيضاً.
أقول: هذه المرة الرابعة يردد العنابي هذا الحديث لتكثير أحاديث ابن الغاز، وقد بيّنتُ ضعفه.
2- في الطبعة المعدلة قال العنابي : " حديث رقم (1197) عند ابن حبان -رحمه الله- كما في "الإحسان" من حديث واثلة بن الأسقع –رضي الله عنه- وقد سبق ذكر تصحيح الإمام الألباني له أيضاً.
أقول: لماذا لم تكتفِ بذكره مرة واحدة؟
الثالث والثلاثون- قال العنابي في (ص2:"6- العلامة عبد المحسن العبّاد -وفقه الله- حيث صحح رواية هشام بن الغاز لهذا الأثر عن ابن عمر-رضي الله عنهما- كما في "مجموع رسائله" (7/45، وقد سبق نقل نصه".
أقول:
1- هذه مغالطة كبيرة، حيث أوهم أن الشيخ العباد صحح رواية ابن الغاز المنكرة، والتي فيها أن الأذان العثماني بدعة ضلالة.
2- إن العبّاد لم يصحح إلا قول ابن عمر : "كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة"، ولم يذكر إسناده، وعزاه إلى "السنة" لمحمد بن نصر المروزي.
وهذا إسناده: قال الإمام محمد بن نصر المروزي –رحمه الله- في كتاب "السنة" ص(94):
" 82 - حدثنا إسحاق، أنبأ وكيع، عن هشام بن الغاز: أنه سمع نافعاً يقول: قال ابن عمر: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنا".
وأورده ابن بطة -رحمه الله- في "الإبانة" (1/226) رقم (20.
قال: حدثنا حفص بن عمر، قال: حدثنا أبو حاتم، قال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا شبابة بن سوار عن هشام عن نافع عن ابن عمر، قال نحو ما رواه محمد ابن نصر.
وأورده أبو القاسم اللالكائي في "شرح أصول اعتقاد أهل السنة" (1/104) برقم (126).
قال: "أخبرنا أحمد بن محمد، أنبا عمر بن أحمد، ثنا أبي، أنبا محمد بن عبيد الله، ثنا شبابة، ثنا هشام بن الغاز، عن نافع، عن ابن عمر، قال: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة".
وقال البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" (1/141) رقم (139):
"أخبرنا أبو طاهر الفقيه ، وأبو سعيد بن أبي عمرو ، قالا : ثنا أبو العباس الأصم ، ثنا محمد بن عبيد الله المنادي ، ثنا شبابة ، ثنا هشام بن الغاز ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : « كل بدعة ضلالة ، وإن رآها الناس حسنة »".
أقول: كل هؤلاء الأئمة يروون بأسانيدهم إلى وكيع وشبابة عن هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-: "كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناس حسنة"، ولم ينقل أحد منهم بهذه الأسانيد تلك الرواية المنكرة التي تدل على أن أذان عثمان بدعة ضلالة.
1- فهذا الإمام إسحاق يروي عن وكيع عن هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر هذا النص المغاير لما رواه ابن أبي شيبة عن وكيع عن هشام بن الغاز بإسناده خلاف تلك الرواية المنكرة.
2- وهذا الإمام ابن بطة يروي بإسناده إلى أبي بكر بن أبي شيبة عن شبابة عن هشام بن الغاز عن نافع هذا النص الصحيح المغاير لتلك الرواية المنكرة.
3- وهذا أبو القاسم اللالكائي يروي بإسناده إلى شبابة عن هشام بن الغاز عن نافع خلاف تلك الرواية المنكرة.
4- وهذا الحافظ البيهقي يروي بإسناده إلى شبابة عن هشام بن الغاز عن نافع خلاف تلك الرواية المنكرة.
فمجيء هذا النص عند هؤلاء الحفاظ على خلاف تلك الرواية المنكرة يدل على واحد من أمور:
1- إما أن يكون هشام بن الغاز وَهِمَ، فانتقل ذهنه عن هذه الرواية السليمة المأخوذة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى تلك الرواية المنكرة.
2- وإما أن يكون بعض أعداء عثمان لقّن هشاماً هذه الرواية المنكرة.
3- وإما أن يكون بعض أهل الضلال من أعداء عثمان قد قام بدس تلك الرواية المنكرة في "مصنف ابن أبي شيبة" وحذف الرواية السليمة من هذا المصنف.
وأُذكِّر القارئ بما نقله العنابي من مستدرك الحاكم من طريق هشام بن الغاز عن نافع عن ابن عمر، قال: " كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج يوم الجمعة فقعد على المنبر أذن بلال".
فهذا الحديث ثابت عن ابن عمر، والأحاديث الصحيحة عن غير ابن عمر تشهد له، وأما تلك الرواية المنكرة، فلا تثبت عن ابن عمر، ولا يجوز نسبتها إليه، فصدورها عن هشام ناشئ عن أحد الوجوه التي ذكرناها هنا.
ومما يؤكد ما أقول أن وكيعاً وشبابة قد رويا هذا النص السليم المخالف لتلك الرواية المنكرة.
الرابع والثلاثون- قال العنابي في (ص2:
"الوجه الثالث: عدم تخلف أصحاب السنن وكثير من أصحاب الصحاح وغيرهم عن تخريج حديثه.
فقد أخرج له أصحاب السنن الأربع حديثه:
1- النسائي. 2- وأبو داود. 3- والترمذي. 4- وابن ماجه.
5- والدارمي في "سننه". 6- وسعيد بن منصور في "سننه". 7- والبيهقي في "السنن الكبرى".
وأخرج له من أصحاب الصحاح:
8- كابن خزيمة في "صحيحه". 9- وابن حبان في "صحيحه". 10- وأبو عوانة في "مستخرجه". 11- والضياء المقدسي في "المختارة". 12- والحاكم في "المستدرك".
وأخرج له من أصحاب المسانيد: 13- أحمد بن حنبل في "مسنده". 14 - وأبو يعلى في "مسنده" . 15- والبزار في "البحر الزخار"، وغيرهم.
وهذه أمهات كتب الحديث بعد الصحيحين".
أقول:
1- اذكر الروايات التي أخرجها هؤلاء الأئمة من أحاديث ابن الغاز، اذكرها بأسانيدها، وأنا لا أستبعد أنها هي الروايات التي ذكرتها في مقالك، وتمت مناقشتي لها.
2- لقد أصاب الشيخان البخاري ومسلم في عدم الإخراج عن هشام بن الغاز في "صحيحهما"، وأصحاب السنن الأربع لم يلتزموا أنهم لا يخرجون في كتبهم إلا الصحيح، وقد تعقّبهم العلامة الألباني -رحمه الله- في أحاديث كثيرة جداً مجموعها في مجلدات.
وابن خزيمة ومن بعده قد يخرجون الأحاديث الضعيفة، ولا سيما الحاكم، فإنه يخرج الأحاديث الضعيفة والموضوعة ، فقد جمع الذهبي في رسالة له مائة حديث من الموضوعات.
ثم هل هؤلاء الأئمة كلهم رووا عن هشام بن الغاز تلك الرواية المنكرة التي هي موضع النـزاع وصححوها؟، حاشاهم.
وإن عدم روايتهم لتلك الرواية المنكرة لدليل على إعراضهم عنها لشدة ضعفها إن كانوا قد وقفوا عليها، أو لخفائها فلم يقف عليها أحد من هؤلاء الأئمة.
ثم إن كلامك الكثير مهما بلغ من الكثرة لا يفيدك، ولا يفيد ابن الغاز من قريب ولا من بعيد، وكله خروج عن موضع النـزاع، ولو فرضنا أن هشاماً في أعلى مراتب الثقات فإن ذلك لا يدفع الشناعة والنكارة عن روايته التي تتضمّن الطعن في الخليفة الراشد عثمان وإخوانه من الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- ومن تبعهم بإحسان.
الخامس والثلاثون- قال العنابي في (ص32):
"وقد سبق أول هذا المقال إخراج غيرهم من الأئمة لهذا الأثر:
3- فذكرنا رواية الإمام محمد نصر المروزي في "السنة" (67).
4- ورواية الإمام اللالكائي في "شرح أصول الاعتقاد" (1/134).
5- ورواية الإمام البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى" له (139)"
أقول: إن هؤلاء الأئمة لم يرو أحد منهم تلك الرواية المنكرة، وإنما رووا رواية أخرى مأخوذة من كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاتق الله ودع المغالطات.
السادس والثلاثون- قال العنابي في (ص32-33):
" بيان بعد مسلك الشيخ ربيع - في تضعف هذا الأثر- عن تصرفات الأئمة في إعلال الحديث:
أما قول الشيخ ربيع –وفقه الله-:
2- الذي يظهر لي أن روايته هذه عن نافع تعتبر منكرة.
لأنه تفرد بها من بين أصحاب نافع الكثر ، وفيهم فحول أهل بلده المدينة النبوية، فمن الرواة عنه: " أولاده أبو عمر وعمر وعبد الله وعبد الله بن دينار...- فذكر جملة كبيرة من الرواة ثم قال: - فتفرّد هشام بن الغاز عن نافع من بين هذا العدد الكبير ومنهم أبناؤه، وفيهم الفحول من أهل المدينة، ولم ينقل عنهم هذا النص العجيب .
هذا مع أن الناقل عنه هشام بن الغاز ، وهو ليس من أهل المدينة.
وإنما هو غريب أصله من دمشق ، ثم صار نزيل بغداد، وكان على بيت المال لأبي جعفر المنصور".
أقول:
1- إن كلامي هذا حق، وهو منهج السلف من أئمة النقد النبهاء، ولا يضيره عدم تسليمك به.
2- إنَّ اشتغال ابن الغاز ببيت المال لمما يُضعف حفظه، كما حصل لشريك القاضي وغيره ممن اشتغل بالقضاء أو غيره من التجارة ونحوها أنهم ضعفوا في رواياتهم للحديث بسبب هذا الاشتغال، بل الشغلة ببيت المال تعرض صاحبها لنسيان أشد من نسيان القضاة الذين يقوم قضاؤهم على العلم، لا على المال.
السابع والثلاثون- قال العنابي في (ص32-33):
"قال: ومثل حديثه هذا - وهذا حاله- يعتبر منكراً. ثم نقل كلام مسلم في "مقدمة كتابه" (ص7) وقال: تأمل قول الإمام مسلم: " أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا وأمعن في ذلك على الموافقة لهم ... فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس والله أعلم".
وهذا مفقود في ابن الغاز فهو قليل الرواية، ولم يشارك أصحاب نافع في بعض ما رووا من الأحاديث الصحيحة، ولم يمعن في موافقتهم- إلى أن قال: وقال الحافظ ابن رجب ، معلقاً على كلام الإمام مسلم هذا:
" فصرّح بأن الثقة إذا أمعن في موافقة الثقات في حديثهم ، ثم تفرد عنهم بحديث قُبل ما تفرد به ، وحكاه عن أهل العلم".
انظر "شرح علل الترمذي" (1/456- 457).
وهشام بن الغاز من النوع الذين لا يجوز أن يقبل حديثهم إذا تفردوا عن أمثال نافع والزهري بما لا يشاركه فيه أحد من ثقات أصحابهما ).اهـ".
ثم قال العنابي في (ص33-34) معلقاً على كلامي هذا:
"فإن هذا المسلك لم يكن أئمة العلل والحديث يطبقونه على جميع تفردات الثقات؛ لأمور:
1- أن الأصل قبول خبر الثقة وعدم التشكيك في خبره إلا إذا أقيم الدليل على وهمه:
- إما بتنصيص إمام على ذلك، أو ذكره لخبره في ترجمته من كتب الضعفاء منكرا لها.
- أو مخالفة من هو أرجح منه من حيث الوصف والعدل.
ولا يكفي في ذلك مجرد دعوى التفرد بعد أن ثبت توثيق المتفرد.
ولا أظن الشيخ ربيعاً ينـزل نفسه منـزلة أولئك الأئمة الحفاظ الذين عاينوا الأصول وحفظوا أحاديث الرواة وأحاديث قرنائهم ومشايخهم، الأمر الذي يمكنه من الحكم على تفرد الثقة بالثقة بالضعف فضلاً عن النكارة(!!) حتى يقول: (الذي يظهر لي أن روايته هذه عن نافع تعتبر منكرة).
وحتى يقول: (وهشام بن الغاز من النوع الذين لا يجوز أن يقبل حديثهم إذا تفردوا(!) عن أمثال نافع والزهري بما لا يشاركه فيه أحد(!) من ثقات أصحابهما)!!!
وحتى يقول: (وهذا مفقود(!) في ابن الغاز فهو قليل الرواية(!)، ولم يشارك أصحاب نافع في بعض ما رووا من الأحاديث الصحيحة، ولم يمعن في موافقتهم)!!.
وهذا القول من الشيخ ربيع –وفقه الله- مجازفة! ولو أنه كلّف نفسه عناء البحث لوجد من ذلك ما هو على النقيض مما جزم به!!
حيث إن روايات هشام بن الغاز عن نافع على نقيض ذلك، وخاصة ما كان من جانب الآثار! ولذلك تجد أن ابن أبي شيبة –رحمه الله- يعتني بإخراج رواياته عن نافع، وخاصة ما كان منها عن ابن عمر –رضي الله عنهما- كما هو حال أثرنا، وقد علمتَ أن مصنفه عمدة في هذا الباب، الأمر الذي يؤكد بُعد ما قرّره الشيخ ربيع –وفقه الله- حيث إن كلامه منصب حول رواية هشام بن الغاز عن نافع في الأحاديث الأحكام، ولذلك أتى بكلام أهل العلم في هذا الجانب الذي عُلم تشديد الأئمة فيه، بخلاف أمر الآثار عن السلف –وقد علم أن بحثنا حول أثر-؛ فلم يكن تشديدهم فيها كأحاديث الأحكام.
وهذا لوحده – مع ما مر من إثبات ثقة ابن الغاز- كاف في هدم ما سطره الشيخ ربيع –وفقه الله- لإثبات دعواه".
أقول:
1- أنت البعيد جداً عن مسلك أهل الحديث وتصرفات الأئمة، فبينك وبينهم بعد المشرقين.
2- من أين لك هذه الشروط؟ انقلها لنا عن أئمة الجرح والتعديل.
3- إن هذا الكلام الذي استنكرته حق وسير مني على منهج السلف، فلا تجعل الحق المعروف منكراً.
4- لم أجد من كلام أهل العلم ما يناقض كلامي، وهذا الإمام الدارقطني قد سبقني إلى نقد عدد من روايات هشام بن الغاز، فأين ما يناقض كلامي من كلام أئمة الجرح والتعديل؟
5- لقد طبّقتُ منهج أهل الحديث تطبيقاً صحيحاً لا يعارضه إلا مكابر.
6- لماذا لم تنقل كلام الإمام مسلم الذي نقله عن أهل العلم والذي تظهر به قوة حجتي، وينطبق فعلاً على هشام بن الغاز وأمثاله إذا تفردوا؟؛ الأمر الذي لا يخالفه إلا معاند، لا سيما وهذا التفرد يمس كرامة عثمان والصحابة الكرام –رضي الله عنهم-.
وهذا منهج العلماء الأئمة الذي نقله عنهم الإمام مسلم ليتأسى به من بعدهم.
قال الإمام مسلم –رحمه الله- في "مقدمة صحيحه" (ص7):
"لأن حكم أهل العلم، والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا. وأمعن في ذلك على الموافقة لهم. فإذا وجد كذلك، ثم زاد بعد ذلك شيئاً ليس عند أصحابه، قبلت زيادته.
فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك. قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره. فيروِى عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث، مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس. والله أعلم".
أقول: فهذه شروط أهل العلم بالحديث لقبول ما يتفرد به المحدث:
أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم.
وواقع هشام بن الغاز بخلاف ذلك:
1- فهو لم يشارك أهل الحفظ المتقنين من أصحاب نافع في روايات الأحاديث الصحيحة.
2- فقد تفرّد عن الحفاظ المتقنين من أصحاب نافع بعدد من الروايات التي لا يشاركه فيها هؤلاء الحفاظ المتقنون، والتي لا يعرفونها، وهو لم يشاركهم في الأحاديث الصحيحة التي رووها واشتهرت عنهم، وإذا شارك أحداً منهم نادراً خالفه واضطرب في روايته.
3- فغير جائز قبول رواياته التي تفرّد بها عن أصحاب نافع الحفاظ العالمين بحديثه والتي لا شاهد لها، لا سيما تلك الرواية المنكرة الشديدة النكارة التي تتضمّن الطعن في الخليفة الراشد عثمان وإخوانه من الصحابة الكرام –رضي الله عنهم-.
4- أنا أسأل العنابي: هل يحرم في منهجك الأخذ بهذا المنهج الذي اتفق عليه أئمة الحديث وعلماؤهم والذي قدّمه الإمام مسلم نصحاً للإسلام وللمسلمين الذين يأتون بعدهم ليسيروا على منوالهم؟!!
وهل أغلق في منهجك باب الجرح والتعديل والتصحيح والتضعيف والتعليل؟؟!!
إن قلت: نعم، فقد جنيتَ على نفسك، وخرجتَ عن زمرة أهل الحديث.
وإن قلت: لا، لزمك الأخذ بهذا المنهج، وسقطتْ اعتراضاتك وتهاويلك التي أكثرتَ منها.
وأنا أسألك عن مؤلفات الشيخ مقبل ؛ مثل كتاب "أحاديث معلة ظاهرها الصحة"، وقد اشتمل على نحو خمسمائة حديث، هل عمله هذا صحيح وجائز، أو لا؟
وأسألك عن كتابه "الجامع الصحيح" في خمسة مجلدات.
وأسألك عن تأليف الحجوري لعدد من المؤلفات، ومنها "الرياض المستطابة في صحيح وضعيف أحاديث مفاريد الصحابة".
أرجو الإجابة العلمية المقنعة.
ثم أنا لا أستبعد أن هذا الأثر المنكر قد تلقّنه هشام بن الغاز من بعض الروافض، فلضعف ذاكرته ذهب ينسبه إلى نافع عن ابن عمر.
كما لا أستبعد -أيضاً- أن يكون بعض أعداء عثمان والصحابة قد دسَّ هذا الكلام المنكر جداً في مصنف ابن أبي شيبة، إلى آخر الاحتمالات التي أسلفتها.
وأنا أعيد لك سؤالي الأول هل يحرم عندك تطبيق منهج السلف واقتفاء آثارهم، لا سيما في الذب عن أصحاب نبيهم، واستنكار ما يهز مكانتهم ويشوه صورتهم ،مثل هذا النص الشديد النكارة؟
فلو جاء من طريق أوثق من هشام بن الغاز بمراحل لما جاز لمسلم يحترم أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – أن يقبله، لا سيما إذا أدرك ما يؤول إليه من الباطل المضاد لتزكية الله لهم بقوله: ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).
وقوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ).
والمضاد لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : " لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ".
وهذا الأثر ينطوي على الطعن فيهم.
ولقوله -صلى الله عليه وسلم- : "خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ".
والله يقول: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).
وهذا الأثر مضمونه أن أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- والتابعين لهم بإحسان لم ينكروا هذا المنكر، الذي ترونه مع الأسف من المعروف الذي يجب الدفاع عنه.
فهل تكفي هذه الآيات والأحاديث عندك وعند غيرك لإدانة هذا الأثر بالنكارة والبطلان، أو لا ؟
أرجو أن تعتقدوا أن في بعضها الكفاية.
الثامن والثلاثون- قال العنابي في (ص34):
"وقد روى هشام بن الغاز آثار([3]) كثيرة عن نافع عن ابن عمر –رضي الله عنهما- الأمر الذي يؤكد اختصاصه بنافع وخاصة فيما رواه عن ابن عمر –رضي الله عنهما- في جانب الآثار".
أقول:
1- كم بلغت هذه الآثار حتى تصفها بالكثرة، هل بلغت المئات أو الألوف؟!!
إن الأحاديث التي رواها ولم يضبطها ليحفظ أكثر منها كثير من طلاب العلم الصغار ويضبطونها، فمروياته لا تعادل الأربعين النووية ولا تقاربها، ويحفظ هذه الأربعين كثير من طلاب العلم الصغار، فدع المبالغات في ابن الغاز ورواياته.
2- قولك: "الأمر الذي يؤكد اختصاصه بنافع" ، فهل ثبت عندك بالأدلة شدة ملازمة ابن الغاز لنافع تلك الملازمة التي فاق بها كبار أصحاب نافع من أهل المدينة وغيرهم من الثقات الأثبات ففاقهم بهذا التخصص.
ثم هل تميز ابن الغاز بهذا الاختصاص عن أهل المدينة من أصحاب نافع مثل عبيدالله ابن عمر ومالك والزهري وأبناء نافع؟، وهل وضعه ابن المديني في الطبقة الأولى من أصحاب نافع من أجل هذا التخصص الذي ميّزه وقدّمه على أصحاب نافع؟، وهل فعل النسائي مثل ذلك؟، نعوذ بالله من الغلو في الباطل.
فهذا الحافظ الناقد العالم بالرجال وأحوالهم علي بن المديني قد قسّم أصحاب نافع إلى تسع طبقات.
قال الحافظ ابن رجب في شرح "علل الترمذي" (1/401-402):
" أصحاب نافع قسمهم ابن المديني تسع طبقات:
الطبقة الأولى : أيوب ، وعبيد الله بن عمر ، ومالك ، وعمر ابن نافع ، قال : (( فهؤلاء أثبت أصحابه ، وأثبتهم عندي أيوب )) . قال : وسمعت يحيى يقول : (( ليس ابن جريج بدونهم فيما سمع من نافع )) .
الطبقة الثانية : عبد الله بن عون ، ويحيى الأنصاري ، وابن جريج .
الطبقة الثالثة : أيوب بن موسى ، وإسماعيل بن أمية ، وسليمان ابن موسى ، وسعد بن إبراهيم .
الطبقة الرابعة : موسى بن عقبة ، ومحمد بن إسحاق ، وداود بن الحصين .
الطبقة الخامسة : محمد بن عجلان ، والضحاك بن عثمان ، وأسامه ابن زيد الليثي ، ومالك بن مغول .
الطبقة السادسة : ليث بن سعد ، وإسماعيل بن إبراهيم بن عقبة ، وسليمان بن مساحق ، وابن عنج المصري .
الطبقة السابعة : عبد الرحمن السراج ، وسعيد بن عبد الله ابن حرب ، وسلمة بن علقمة، وعلي بن الحكم ، والوليد بن أبي هشام .
الطبقة الثامنة: أبو بكر بن نافع، وخليفة بن غلاب، ويونس بن يزيد، وجويرية بن أسماء ، وعبد العزيز بن أبي رواد ، ومحمد بن ثابت العبدي ، وأبو علقمة الفروي ، وعطاف بن خالد ، وعبد الله بن عمر ، وحجاج بن أرطأة ، وأشعث بن سوار ، وثور بن يزيد .
وطبقة تاسعة لا يكتب عنهم : عبد الله بن نافع ، وأبو أمية اين يعلى ، وعثمان البري ، وعمر بن قيس سندل . انتهى" .
ولم يذكر ابنُ المديني هشام بن الغاز في أي من هذه الطبقات حتى الطبقة التاسعة، وهي طبقة ضعفاء أصحاب نافع.
فهل جهل علماء الجرح والتعديل-ومنهم علي بن المديني- اختصاص ابن الغاز بنافع وعَلِمْتَهُ أنت ؟!
وفي أي طبقة تضعه؟، أتضعه في الطبقة الأولى، أو تجعله في طبقة فوق طبقة الليث بن سعد الإمام الحافظ الفقيه؟
قالوا: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب.
ومن العجائب دعوى اختصاص ابن الغاز بنافع عن ابن عمر، ولا سيما في جانب الآثار.
التاسع والثلاثون- قال العنابي في (ص34-35):
"منها إضافة إلى أثرنا هذا:
2- ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (145 قال: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ ، قَالَ : حدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ الْغَازِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : مَنْ كَانَ بِهِ جُرْحٌ مَعْصُوبٌ فَخَشِيَ عَلَيْهِ الْعَنَتَ، فَلْيَمْسَحْ مَا حَوْلَهُ ، وَلاَ يَغْسِلْهُ.اهـ.
3- ورواه ابن المنذر في "الأوسط" (2/177 برقم 504)([4]) من فعله أيضاً؛ فقال: حدثنا موسى بن هارون، ثنا إسحاق، ثنا الوليد بن مسلم، عن ابن الغاز، عن نافع، عن ابن عمر، قال: إذا كان عليه عصاب مسحه، وإن لم يكن عليه عصاب غسل ما حوله ولم يمسه الماء. اهـ".
أقول: بين هاتين الروايتين اختلاف يدل على ضعف هشام بن الغاز.
ففي رواية شبابة عنه أن من كان به جرح معصوب فخشي عليه العنت فليمسح ما حوله، وهذا باطل يستبعد أن يقوله ابن عمر.
كيف لا يمسح على ما عصبه على جرحه ويمسح ما حوله؟
وما حوله لا بد من غسله، فهذا كلام باطل ، برأ الله منه ابن عمر ونافعاً؛ لأنه من أوهام ابن الغاز.
وخالفت رواية الوليد عن هشام رواية شبابة عن هشام إذ فيها أن من وضع على جرحه عصاباً فإنه يمسح على هذا العصاب، وإن لم يكن عليه عصاب غسل ما حوله ولم يمسه الماء.
ورواية الوليد شطرها الأول هو الذي عليه كثير من العلماء، وما هو مشهور عن ابن عمر –رضي الله عنهما-، أما الشطر الثاني منه ففيه نظر.
ومن العجائب أن العنابي ينقل عن ابن الغاز روايتين مختلفتين، ولا يدرك هذا الاختلاف، ولا يدرك أن هذا الاختلاف مما يدمغ ابن الغاز بالضعف.
قال أبو بكر بن المنذر –رحمه الله- في كتابه "الأوسط" (2/142-143):
" ذكر المسح على الجبائر والعصائب.
اختلف أهل العلم في المسح على الجبائر والعصائب فأجاز كثير منهم المسح عليها فممن رأى المسح على العصائب تكون على الجروح ابن عمر وعطاء وعبيد بن عمير وكان إبراهيم والحسن ومالك وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي وأبو ثور والمزني يرون المسح على الجبائر.
وروي عن ابن عمر أن إبهام رجله جرحت فألقمها مرارة، وعن ابن عباس أنه قال: امسح على الجروح.
522- حدثنا موسى بن هارون ثنا إسحاق نا الوليد بن مسلم عن ابن الغاز عن نافع عن ابن عمر، قال: إذا كان عليه عصاب مسحه، وإن لم يكن عليه عصاب غسل ما حوله ولم يمسه الماء .
فهذا ابن المنذر ينقل رواية الوليد عن ابن الغاز، ولم ينقل رواية شبابة لنكارتها.
وقال ابن المنذر:
523- حدثنا موسى بن هارون نا سماغ([5]) ثنا الوليد نا سعيد بن أبي عروبة حدثني سليمان بن موسى عن نافع قال: جرحت إبهام رجْل ابن عمر فألقمها مرارة فكان يتوضأ عليها.
أقول: وهذه الرواية تبين مع الرواية الثانية شدة ضعف الرواية الأولى التي تمنع من المسح على العصاب.
ثم قال: "524- وحدثونا عن الحنظلي إسحاق، أنا حميد بن عبد الرحمن، نا الحسين بن صالح عن ليث عن ابن جبير عن ابن عباس قال: امسح على الجرح إذا خشيت على نفسك في الوضوء".
فهل مثل هذا التناقض وغيره يدل على ضبط ابن الغاز واختصاصه بنافع؟
الأربعون- قال العنابي في (ص35):
"4- ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (2895) قال: "حَدَّثَنَا وَكِيعٌ ، عَنْ هِشَامِ ابْنِ الْغَازِ ، عَنْ نَافِعٍ ، قَالَ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا لَمْ يَجِدْ سَبِيلاً إلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ ، قَالَ لِي : وَلِّنِي ظَهْرَك".
أقول: وجدتُ هذا الأثر برقم (2892) ووجدتُ نحوه لعبيد الله عن نافع برقم (2895).
الحادي والأربعون- قال العنابي في (ص35):
"5- ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (821 قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ الْغَازِ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْصُرُ الصَّلاَة إِلاَّ فِي الْيَوْمِ التَّامِّ.
قَالَ هِشَامٌ : وَسَمِعْتُ مَكْحُولاً يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ".
أقول: هذا الأثر عن هشام يخالف ما ثبت عن ابن عمر وابن عباس –رضي الله عنهم-.
قال ابن المنذر في "الأوسط" (4/401-402):
" 2250- أخبرنا الربيع، قال: أخبرنا الشافعي، قال: أخبرنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم، أن ابن عمر ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة في مسيره ذلك، قال مالك: وبين ذات النصب والمدينة أربعة برد.
2251- حدثنا موسى بن هارون ثنا قتيبه ثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح أن ابن عمر وابن عباس كانا يصليان ركعتين ويفطران في أربع برد فما فوق ذلك.
2252- أخبرنا الربيع قال: أخبرنا الشافعي، قال أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أنه سئل أيقصر إلى عرفه قال: لا، ولكن إلى عسفان وإلى جدة، وإلى الطائف.
وهذا على مذهب أحمد وإسحاق وأبي ثور وحكى أبو ثور ذلك عن مالك والشافعي، وبه قال الليث بن سعد في تقصير الصلاة، وكذلك قال عبد الملك الماجشون".
أقول: قال الأثرم: "قيل لأبي عبد الله : في كم تقصر الصلاة، قال: في أربعة برد، قيل له: مسيرة يوم تام؟، قال: لا، أربعة برد ستة عشر فرسخاً مسيرة يومين"، "المقنع" (1/224-225).
أقول: وهذه المخالفات الواضحة من هشام من أوضح الأدلة على ضعفه، فما رأي العنابي وأمثاله؟
الثاني والأربعون- قال العنابي في (ص35):
"6- ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (9413) قال: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ هِشَامٍ بن الغَاز ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ؛ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ عِنْدَ اللَّيْلِ وَهُوَ صَائِمٌ".
أقول: وجدتُ هذا الأثر في "مصنف ابن أبي شيبة" برقم (9406)، وفيه قصور عن بيان حال ابن عمر وواقعه الذي بيّنه غيره.
ففي "الموطأ (1/29:
"عَنْ مَالِك عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ، قَالَ: ثُمَّ تَرَكَ ذَلِكَ بَعْدُ. فَكَانَ إِذَا صَامَ لَمْ يَحْتَجِمْ حَتَّى يُفْطِرَ".
وقال ابن أبي شيبة في "مصنفه" حديث (9405):
"حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ أَيُّوبَ ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنْ ابْنَ عُمَرَ ، قَالَ : كَانَ يَحْتَجِمُ وَهُوَ صَائِمٌ ، ثُمَّ تَرَكَهَا بَعْدُ ، فَكَانَ يَحْتَجِمُ لَيْلاً".
وقال عبد الرزاق في "مصنفه" (4/211):
7531 - عن معمر عن الزهري عن سالم أن ابن عمر كان يحتجم وهو صائم، ثم تركه بعد، فكان إذا غابت الشمس احتجم.
7532 - عن معمر عن أيوب عن نافع قال كان ابن عمر يحتجم وهو صائم، ثم تركه بعد، فكان يصنع المحاجم، فإذا غابت الشمس ، أمره أن يشرط، قال: فلا أدري أكرهه أم شيء بلغه".
فرواية ابن الغاز فيها قصور عن روايات هذا العدد من الحفاظ، يدل هذا القصور على عدم حفظه وضبطه؛ إذ تدل روايته على أن لابن عمر حالة واحدة في حياته؛ ألا وهي أنه لا يحتجم وهو صائم إلا عند الليل.
بينما الروايات الصحيحة تدل على أن له حالتين:
الأولى- أنه كان يحتجم وهو صائم، ثم ترك ذلك بعد فكان يحتجم ليلاً.
والحالة الثانية- ولعله بعدما كبر وضعف- أنه كان إذا كان صائماً لا يحتجم إلا في الليل.
وانظر إلى الفرق بين قوله: إنه كان يحتجم عند الليل وهوصائم.
فإن قوله : "عند الليل" يحتمل أن يكون قبل غروب الشمس.
وبين قول غيره من الحفاظ: "فكان يحتجم ليلاً"، وقول الآخر: "فكان إذا غابت الشمس احتجم" ، تلك العبارات الواضحة البعيدة عن اللبس.
الثالث والأربعون- قال العنابي في (ص35):
"7- ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (9671) قال: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ ، قَالَ : حدَّثَنَا هِشَام بْنُ الْغَازِ ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : لَوْ نَادَى الْمُنَادِي وَأَنَا بَيْنَ رِجْلَيْهَا لَقُمْتُ فَأَتْمَمْتُ الصِّيَامَ ، صِيَامَ رَمَضَانَ كَانَ ، أَوْ غَيْرَهُ".
أقول:
وجدتُ هذا الأثر برقم (9665).
وإني لأستبعد هذا القول من ابن عمر -رضي الله عنهما- وهو الشديد الورع والشديد الاتباع لأقوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله، فكيف يقبل نسبة هذا القول إليه -رضي الله عنه-، لا سيما وقد تفرّد به هشام من بين أصحاب نافع الحفاظ الجبال؟
كيف يقول ابن عمر هذا، وقد روى حديث الأذانين: أذان بلال بليل، وأذان ابن أم مكتوم بعد ظهور الفجر، وهو لا يؤذن حتى يقال له: أصبحتَ أصبحتَ.
وهذا الحديث رواه كل من مالك والبخاري ومسلم -رحمهم الله- عن ابن عمر-رضي الله عنهما-.
قال البخاري -رحمه الله- في "صحيحه" حديث (617):
"حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: إِنَّ بِلَالًا يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِيَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ. ثُمَّ قَالَ: وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى لَا يُنَادِي حَتَّى يُقَالَ لَهُ: أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ".
ورواه مالك في "الموطأ" (1/74-75).
ورواه مسلم في "صحيحه" حديث (1092) من طرق.
قال -رحمه الله-:
"حدثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح، قالا: أخبرنا الليث ح وحدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا تأذين بن أم مكتوم.
حدثني حرملة بن يحيى أخبرنا بن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان بن أم مكتوم.
حدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مؤذنان بلال وابن أم مكتوم الأعمى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم. قال: ولم يكن بينهما إلا أن ينـزل هذا ويرقى هذا.
وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا عبيد الله حدثنا القاسم عن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله.
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو أسامة ح وحدثنا إسحاق أخبرنا عبدة ح وحدثنا ابن المثنى حدثنا حماد بن مسعدة كلهم عن عبيد الله بالإسنادين كليهما نحو حديث ابن نمير".
فإذا كان ما بين الأذانين إلا أن ينـزل هذا ويرقى هذا، كما في رواية عبيد الله عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، وكما في رواية عبيد الله عن القاسم عن عائشة -رضي الله عنها- فكيف تسمح لابن عمر نفسه -وهو من أتقى الناس وأورعهم وأتبعهم للسنة- أن يذهب فيجامع أهله في هذا الوقت وهذا كالفتوى منه لغيره؟ ، حاشاه، ثم حاشاه، وأعتقد أنه لا يفعل هذا من هو دون ابن عمر بمراحل.
لو كان ابن الغاز من أهل الحديث الحريصين عليه لروى عن نافع أو سالم هذا الحديث الصحيح الذي يبطل ذلك الأثر.
الرابع والأربعون- قال العنابي في (ص36):
"8- ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (15862)، قال: حَدَّثَنَا شَبَابَةُ عن هشام ابن الغاز , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : مَنْ قَتَلَ ضَبُعًا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَعَلَيْهِ الْفِدَاء".
أقول: لم أجد هذا الأثر في هذا الموضع ووجدته برقم (15845).
ثم الله أعلم بثبوت هذا الأثر عن ابن عمر؛ لأنه مما انفرد به هشام بن الغاز، وقد ثبتَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنِ الضَّبُعِ فَقَالَ: « هُوَ صَيْدٌ وَيُجْعَلُ فِيهِ كَبْشٌ إِذَا صَادَهُ الْمُحْرِمُ ».
رواه أبو داود في "سننه" حديث (3801)، والترمذي في "سننه"حديث (851)، وابن ماجه في "سننه" حديث (3085).
فلو كان هشام من أهل الحديث لروى لنا مثل هذا الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي فيه بيان حل أكل الضبع، وبيان ما يجب على المحرم إذا قتله، وهو الفداء عنه بكبش. بخلاف الأثر الذي رواه هشام، فإنه خال من بيان هذين الحكمين اللذين يجب على المسلم معرفتهما، ولعل نافعاً رواه عن ابن عمر على الوجه الصحيح، فأخلَّ به هشام ابن الغاز.
الخامس والأربعون- قال العنابي في (ص36):
"9- ما رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (16704) قال: حَدَّثَنَا شبابة قَالَ : حدَّثَنَا هِشَام بْنِ الغَاز , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى امْرَأَةٍ حَتَّى يَقْدُمَ إليها ما قَلَّ ، أَوْ كَثُرَ".
أقول: لم أجد هذا الأثر في هذا الموضع ووجدته برقم (1658.
وأستبعد أن يكون ابن عمر -رضي الله عنهما- قاله على هذه الصورة؛ لأن فيه مخالفة لقول الله تعالى: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ).
قال ابن العربي في "أحكام القرآن" (1/264)، في تفسير هذه الآية:
"الْآيَة الرَّابِعَة وَالسَّبْعُونَ: قَوْله تَعَالَى: (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) [سورة البقرة: 236].
فِيهَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ: اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَقْدِيرِهَا؛ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهَا لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ الْمَفْرُوضَ لَهُنَّ الصَّدَاقُ مِنْ قَبْلِ الدُّخُولِ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ وَغَيْرَ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ قَبْلَ الْفَرْضِ؛ قَالَهُ الطَّبَرِيُّ وَاخْتَارَهُ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهَا إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ وَلَمْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً، وَتَكُونُ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ.
الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، تَقْدِيرُهُ لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَرَضْتُمْ أَوْ لَمْ تَفْرِضُوا، وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ تَرْجِعُ إلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تُقَدَّرُ بِهِ الْآيَةُ، وَتَبْقَى أَوْ عَلَى بَابِهَا، وَتَكُونُ بِمَعْنَى التَّفْصِيلِ وَالتَّقْسِيمِ وَالْبَيَانِ، وَلَا تَرْجِعُ إلَى مَعْنَى الْوَاوِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الإنسان: 24] فَإِنَّهَا لِلتَّفْصِيلِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: إنَّهَا بِمَعْنَى الْوَاوِ بِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَيْهَا بَعْدَ ذَلِكَ الْمَفْرُوضَ لَهُنَّ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] فَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ لِبَيَانِ طَلَاقِ الْمَفْرُوضِ لَهُنَّ قَبْلَ الْمَسِيسِ لَمَا كَرَّرَهُ، وَهَذَا ظَاهِرٌ.
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِ " مُلْجِئَةِ الْمُتَفَقِّهِينَ " ذَلِكَ.
وَلَا فَرْقَ فِي قَانُونِ الْعَرَبِيَّةِ بَيْنَ تَقْدِيرِ حَذْفٍ، أَوْ تَكُونُ أَوْ بِمَعْنَى الْوَاوِ؛ لِأَنَّ الْمَعَانِيَ تَتَمَيَّزُ بِذَلِكَ، وَالْأَحْكَامُ تَتَفَصَّلُ، فَإِنَّ الْمُطَلَّقَةَ الَّتِي لَمْ تُمَسَّ، وَلَمْ يُفْرَضْ لَهَا لَا تَخْلُو مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
الْأَوَّلُ: مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الْمَسِّ وَبَعْدَ الْفَرْضِ.
الثَّانِي: مُطَلَّقَةٌ بَعْدَ الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ.
الثَّالِثُ: مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَبَعْدَ الْفَرْضِ.
الرَّابِعُ: مُطَلَّقَةٌ بَعْدَ الْمَسِّ، وَقَبْلَ الْفَرْضِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْمُتْعَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ دَائِرَةٍ مَعَ الْأَرْبَعَةِ الْأَقْسَامِ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحُكْمِ إلَّا قِسْمَيْنِ: مُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الْمَسِّ وَقَبْلَ الْفَرْضِ، وَمُطَلَّقَةٌ قَبْلَ الْمَسِّ وَبَعْدَ الْفَرْضِ؛ فَجَعَلَ لِلْأُولَى الْمُتْعَةَ، وَجَعَلَ لِلثَّانِيَةِ نِصْفَ الصَّدَاقِ، وَآلَتْ الْحَالُ إلَى أَنَّ الْمُتْعَةَ لَمْ يُبَيِّنْ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وُجُوبَهَا إلَّا لِمُطَلَّقَةٍ قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ.
وَأَمَّا مَنْ طَلُقَتْ وَقَدْ فُرِضَ لَهَا فَلَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ نِصْفُ الْفَرْضِ، وَلَهَا بَعْدَ الْمَسِيسِ جَمِيعُ الْفَرْضِ أَوْ مَهْرُ مِثْلِهَا...".
أقول: انظر هذه الأقسام الأربعة الجائزة.
التي منها: مطلقة بعد المس وقبل الفرض.
هذا ولم أرَ أحداً من المفسرين نقل قول ابن عمر –رضي الله عنهما- الذي رواه ابن الغاز، والحق أن نقل هذه المسألة من مثل ابن الغاز لا تقبل إذا تفرد بها.
وقال ابن قدامة والشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في "المقنع وحاشيته"، (3/91):
"فصل في المفاوضة.
والتفويض على ضربين تفويض البضع وهو أن يزوج الأب ابنته البكر أو تأذن المرأة لوليها في تزويجها بغير مهر وتفويض المهر وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو شاء أجنبي ونحو ذلك.
فالنكاح صحيح ويجب مهر المثل بالعقد ولها المطالبة بفرضه فإن فرضه الحاكم لم يجز إلا بمقداره وإن تراضيا على فرضه جاز ما اتفقا عليه من قليل وكثير".
___________________________________
قال الشيخ سليمان: "قوله: "والتفويض على ضربين تفويض البضع... الخ " فعلم منه أن النكاح صحيح من غير تسمية صداق في قول عامة أهل العلم لقوله تعالى (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن ) الآية ولقول ابن مسعود وسيأتي ، وسواء تركا ذكر المهر أو شرطا نفيه مثل أن يقول زوجتك بغير مهر فيقبله كذلك ، ولو قال زوجتك بغير مهر في الحال ولا في المآل صح أيضا. وقال بعض الشافعية لا يصح في هذه الصورة لأنها تكون كالموهوبة وليس بصحيح فإنه يصح فيما إذا قال زوجتك بغير مهر فيصح ههنا لأن معناهما واحد وليست كالموهوبة لأن الشرط يفسد ويجب المهر".
أقول: تأمل جيداً كلام الشيخ سليمان، وتصحيحه النكاح في عدد من الصور، واستدلاله بالآية الكريمة، ونسبة أحد الأقوال إلى عامة أهل العلم.
السادس والأربعون- قال العنابي في (ص36):
"10- وما رواه ابن المقرئ في "معجمه" (200) قال: حدثنا محمد ، حدثنا عبدالله ، حدثنا شبابة ، حدثنا هشام بن الغاز ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : « لا يحل لرجل تزوج امرأة إلا بنكاح مثبوت وصداق يرثها وترثه »".
أقول: لم أجد هذا الأثر في هذا الموضع من "المعجم"، ووجدته برقم (214).
وإني أستبعد أن يكون ابن عمر-رضي الله عنهما- قد قال هذا الكلام الذي يخالف الكتاب والسنة، كيف يشترط أن يكون الصداق مما يورث.
قال الإمام البخاري -رحمه الله- في "صحيحه" في "كتاب النكاح" حديث (5121):
" حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ، قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ ابنِ سَعْدٍ : أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ زَوِّجْنِيهَا فَقَالَ مَا عِنْدَكَ قَالَ مَا عِنْدِي شَيْءٌ قَالَ اذْهَبْ فَالْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي وَلَهَا نِصْفُهُ قَالَ سَهْلٌ وَمَا لَهُ رِدَاءٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قَامَ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَاهُ أَوْ دُعِيَ لَهُ فَقَالَ لَهُ مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ فَقَالَ مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ يُعَدِّدُهَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْلَكْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ".
وقال في "صحيحه" حديث (5135):
"حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: إِنِّي وَهَبْتُ مِنْ نَفْسِي، فَقَامَتْ طَوِيلًا، فَقَالَ رَجُلٌ: زَوِّجْنِيهَا إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ، قَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ تُصْدِقُهَا؟ قَالَ: مَا عِنْدِي إِلَّا إِزَارِي، فَقَالَ: إِنْ أَعْطَيْتَهَا إِيَّاهُ جَلَسْتَ لَا إِزَارَ لَكَ، فَالْتَمِسْ شَيْئًا، فَقَالَ: مَا أَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ: الْتَمِسْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَلَمْ يَجِدْ، فَقَالَ: أَمَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ؟ قَالَ: نَعَمْ سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا، لِسُوَرٍ سَمَّاهَا، فَقَالَ: قَدْ زَوَّجْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ".
وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي.
فقد أجاز النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يكون الصداق خاتماً من حديد، وأجاز أن يعلم زوجته سوراً من القرآن، وهذه منفعة غير مالية، فكيف يرثها أو ترثه في هذين النوعين من الصداق؟
قال الترمذي معلقاً على هذا الحديث: " هذا حديث حسن صحيح، وقد ذهب الشافعي إلى هذا الحديث فقال: إن لم يكن له شيء يُصْدِقُها، فَتَزوجها على سورة من القرآن، فالنكاح جائز، ويُعلِّمها سورة من القرآن.
وقال بعضُ أهلِ العلم: النكاح جائز، ويجعل لها صَدَاقَ مِثلِها، وهو قول أهل الكوفة و أحمد و إسحاق".
فاتفقوا على جواز هذا النكاح، لكن أهل الكوفة ومن ذكر معهم قالوا يعطيها مهر مثلها، وهذا القول يخالف هذا الحديث.
قال تعالى عن زواج موسى -عليه السلام-: (قَالَ([6]) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ).
وهذا زواج على منفعة، وهي رعي الغنم، فكيف يتصور فيها التوارث؟
أقول: ومن هذه الدراسة الجادة على منهج أئمة النقد يتضح للقارئ المنصف حال ابن الغاز، وأن أدق وصف له هو قول الإمام أحمد أنه: "صالح".
أي أنه صالح في دينه، وليس من الثقات الضابطين.
ويقاربه قول ابن معين: "ليس به بأس".
ويقاربه -أيضاً- من يأتي ذِكْرُه:
قال ابن أبي حاتم في ترجمة عمر بن عمرو الأحموسي: "لا بأس به صالح الحديث هو من ثقات الحمصيين بابة عتبة بن أبي حكيم وهشام بن الغاز".
وعتبة بن أبي حكيم نقل أبو حاتم أن الإمام أحمد كان يوهنه قليلاً.
ثم قال ابن أبي حاتم: "انا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إليَّ قال: سمعت يحيى ابن معين يقول: عتبة بن أبى حكيم ضعيف الحديث.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سئل أبي عنه، فقال: صالح، لا بأس به".
فهذا الإمام أحمد يوهن عتبة بن أبي حكيم قليلاً، وابن معين يقول فيه: ضعيف، وأبو حاتم يقول: صالح، لا بأس به.
وهو وهشام بن الغاز عنده من بابة واحدة.
ألا يدرك العاقل المنصف مرتبة ابن الغاز من كلام هؤلاء الأئمة، ومن حال مروياته التي انتقدها الإمام الدارقطني، والتي انتقدتُها في ضوء منهج أئمة النقد؟
وإني لأنصح العنابي وأمثاله أن يتقوا الله وأن يتركوا العناد والجدال بالباطل، وأن يدركوا مكانة الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فلا يدافعوا عن رواية باطلة تتضمّن الطعن فيهم، وأن يحترموا الأئمة الذين نقلوا الإجماع على قبول الأذان العثماني؛ لأنه خليفة راشد، ولأن تصرفه صحيح نابع من منهج الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-.
السابع والأربعون- قال العنابي في (ص36):
"فهل بقي لك أخي القارئ بعد سوق هذا الكم من الروايات شكٌّ في أن هشام ابن الغاز من المتثبتين المختصين في الرواية عن نافع وخاصة فيما يرويه عن ابن عمر -رضي الله عنهما-؟
الأمر الذي لا يجعل لكلام الشيخ ربيع -وفقه الله- : (وهذا مفقود في ابن الغاز فهو قليل الرواية) أي اعتبار، والله الموفق".
أقول:
1- إن رواياته لقليلة، هذا بالنظر إلى الكم، وضعيفة بالنظر إلى الكيف، والعبرة بالكيف لا بالكم.
2- ولقد ظهر للقارئ الكريم ضعف هشام بن الغاز، وبعده عن التثبت والضبط، وخاصة فيما يرويه عن نافع عن ابن عمر –رضي الله عنهما-.
3- لماذا يُعنى ابن الغاز برواية الآثار والتفرد بها عن أصحاب نافع عن ابن عمر، ولا يعتني برواية الأحاديث؟ أليس في هذا دلالة على ضعف همته وعجزه، لا سيما وهو يتخبط فيما يرويه؟
أليس من المجازفة والقول الباطل ادعاء العنابي أن ابن الغاز من المتثبتين المختصين بالرواية عن نافع وخاصة فيما يرويه عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، نعوذ بالله من هذا التخصيص وادعائه؟
4- راجع (ص34) في مقدار رواياته.
5- هذه الأحاديث والآثار التي رواها ابن الغاز يحفظ كثير من صغار طلاب العلم أضعافها، فهي أقل من الأربعين النووية التي يحفظها كثير من الصغار، فما هذا التهويل؟؟
هذا وكلام العنابي كثير، وفيه تحامل شديد يرفضه الإسلام والمسلمون، أعرضتُ عنه، واكتفيتُ بمناقشة روايات ابن الغاز التي قدّمها العنابي لإقناع من لا يفهم بمنـزلة ابن الغاز ومكانته من التثبت والضبط والاختصاص بنافع.
وهذا كله من غير دراسة منه لمرويات ابن الغاز، وفاقد الشيء لا يعطيه.
والعلم كما يقول شيخ الإسلام: "بحث محقق، ونقل موثق، وما عدا ذلك فباطل مزوق".
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
ربيع بن هادي عمير المدخلي
[1] - يعني: سترة.
[2] - لا أستبعد أن البخاري أورد هذا النص من رواية ابن الغاز على سبيل الإنكار.
[3] - كذا.
[4] - كذا، والصواب (2/142-143) برقم (522).
[5] - ولعل الصواب: إسحاق.
تعليق