((وإذا سمعت الرجل يطعن على الآثار أو يرد الآثار أو يريد غير الآثار فاتهمه على الإسلام ولا تشك أنه صاحب هوى مبتدع))
(شرح السنّة للبربهاري 96)
(شرح السنّة للبربهاري 96)
((المذهبية باعدت مـا بيـننا *** حتى تجافى الأهلُ والخُلطــاءُ
وعلى التعصُّب شبَّ فينا ناشءٌ *** وعلى التعصّب ضابت الكُبراءُ
المـذهبية جمّـدت تفكيرنا *** فأصابَ فكر الأمّـة الإغمـاءُ
فمـتى نثوبُ لرشدنا فكتابُنا *** وحـديثُ أحمـدَ روضةٌ غنّاءُ
فيـها سعادتُنا وفيـها مجدُنا *** والله يُؤتي الفضـل من يشاءُ))
(ديوان النصر للإسلام لخير الدّين وانلي ص80)
ماذا نفعل إذا خالف الحديث الصحيح المذهب المالكي ؟
1) نأخذ بقول علماء المذهب ونترك الحديث النبوي ولا نعمل به فهم أعلم منّا على كلّ حال!
2) نعمل بالحديث ولا نلتفت إلى غيره!
2) نعمل بالحديث ولا نلتفت إلى غيره!
اقرأ ثمّ اختر أي الجوابين أولى بالحقّ.
بحث متواضع من إعداد أخيكم في الله
أبي عبد الله غريب بن عبد الله الأثري القسنطيني
ستر الله عيوبه.
المقدّمة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبع هداهم إلى يوم الدّين وبعد:
((اعلم أيها الطالب للحق المتبرئ من الشرك والبدعة وأهلهما ! أن الله أرسل رسوله محمداً صلى الله عليه وسلّم بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً، لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين، فبلغ الرسالة ولم يخص بـها أحداً دون أحد وأدى الأمانة على أكمل وجه، وجاهد في الله حق جهاده وعبد الله حتى أتاه اليقين، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله و أصحابه العدول الثقات الذين هم أغزر هذه الأمة علماً، وأقومها سبيلاً، وأطهرها قلوباً و أتقاها لله، اختارهم الله لصحبة نبيه وقال فيهم: ((كنتم خير أمة أخرجت للناس))، و أمر كل من بعدهم باتباعهم فقال تعالى في سورة التوبة : ((والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنـهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم)).
وقال تعالى حاثاً عباده على اتباع رسوله في سورة آل عمران : ((قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم)) وقال تعالى في سورة الأعراف: ((ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة و الإنجيل)) إلى أن قال: ((فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون)) وقال تعالى في سورة الأعراف: ((اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلاً ما تذكرون)) والآيات في هذا المعنى أكثر من أن تحصى .
ثم تحمل الرسالة بعد الصحابة الكرام التابعون، ورعوها حق رعايتها وكانوا أحق بـها وأهلها، ثم حملها تابعوهم من الأئمة المجتهدين والحفاظ المبرزين نفوا عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
ولم يكن في تلك القرون المفضلة تشدد في الدين، ولا تمذهب، ولا تحزب، ولا تعصب، بل كانوا عباد الله إخوانا، وعلى طاعته أعوانا، وكان العامي في تلك العصور إذا عنت له مسألة سأل من يصادفه من العلماء، فكان الواحد يسأل في مسألة أحد الخلفاء الراشدين، وفي الأخرى عبد الله بن عباس، وفي الثالثة عبد الله بن مسعود، وفي الرابعة عبد الله بن عمر وفي الخامسة جابر بن عبد الله. وهكذا.
ولم يتخذ أحد منهم رجلاً بعينه يخص بالسؤال والاتباع دون غيره كأنه نبي مرسل.
حاشاهم من ذلك، وإنما حدث ذلك بعد القرون المفضلة أي في القرون المذمومة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلّم. (من كتاب الحسام الماحق للعلامة تقي الدين الهلالي)
((وكان النّاس في الصدر الأوّل –أعني الصحابة والتابعين والصالحين رضوان الله عليهم أجمعين- يبنون أمورهم على الحجّة، فكانوا يأخذون بالكتاب ثمّ بالسنّة ثمّ بّأقوال من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما يصحّ بالحجّة، فكان الرجل يأخذ بقول عمر رضي الله عنه في مسألة ثمّ يخالفه بقول علي رضي الله عنه في مسألة أخرى، وقد ظهر من أصاحب أبي حنيفة رحمهم الله أنّهم وافقوه مرّة وخالفوه أخرى على حسب ما تتضّح لهم الحجّة، ولم يكن المذهب في الشريعة عُمَريا ولا عَلويا، بل النّسبة كانت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقد كانوا قرونا أثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالخير، فكانوا يرون الحجّة لا علماءهم ولا نفوسهم.
فلمّا ذهب التقوى من عامّة القرن الرابع، وكسلوا عن طلب الحجج، جعلوا علماءهم حجّة واتّبعوهم، فصار بعضهم حنفيا وبعضهم مالكياً وبعضهم شافعياً، ينصرون الحجّة بالرجال، ويعتقدون الحجّة بالميلاد على ذلك المذهب، ثمّ كلّ قرن اتّبع عالمه كيفما أصابه بلا تمييز، حتّى تبدّلت السنن بالبدع، فضلّ الحق بين الهوى.)) قاله الإمام أبو زيد الدّبوسي رحمه الله –من أكابر أصحاب أبي حنيفة رحمه الله- في كتاب تقويم الأدلّة في أواخر باب الاستحسان (الفتوى في الإسلام للعلامة جمال الدين القاسمي رحمه الله ص 149، قصر الكتاب الجزائر 1988م)
ولقد كثُر الكلام هذه الأيّام -في الجزائر- حول ضرورة الإلتزام بتعاليم (!) المذهب المالكي والتحذير من فتنة (!) اللامذهبية (!!) وقد حمل لواء هذه الدعاية رجلان من أهل التصوّف والخرافة والبدعة، معروفان بعدائهما لعقيدة أهل السنّة والجماعة أهل الحديث والأثر.
أمّا الصوفي الأوّل فهو رأس البدعة في الجزائر وهو المنسّق الأعلى (الأسفل) للطريقة القادرية في الجزائر وعموم إفريقيا وهو الهيتي المدعو محمّد بن بريكة ! حيث إنّ هذا الأخير يشنُّ هذه الأيّام حملة شعواء ضدّ أهل السنّة السلفيين الذين يُسمّيهم هو بالوهّابيين. وسيكون لي وقفات مع هذا الرجل في المستقبل القريب إن شاء الله تعالى فصبرا.
وأمّا الصوفي الثاني فهو (صاحبنا!) أبو شبر شمس الدّين بوروبي! طبعاً هو غنيٌّ عن كلّ تعريف !! الرجل الذي يسبُّ الإمام أحمد والدارمي وأبي يعلى الفرّاء وابن خزيمة وابن تيمية وابن القيّم و و و ..إلى آخر القائمة الطويلة.
ومن الطريف في الأمر أنّ كلا الرجلين اجتمعت كلمتهما على وجوب صدّ الفتنة القادمة من الشرق (!) -زعموا - أي من بلاد التوحيد المملكة العربية السعودية حرسها الله تعالى وجعلها ذخرا لأهل السنّة والجماعة- وذلك بإلزام النّاس بالمذهب المالكي وتعاليمه وإن خالفت هذه التعاليم الأحاديث الصحيحة والسنن الثابتة.
وأنا أتعجّب من حمق هذين الرجلين! كيف يريدان أن يمنعا العلم القادم من أرض الحجاز وفي نفس الوقت يُريدان إلزام النّاس بمذهب إمام أرض الحجاز ؟!
أوليس الإمام مالك بن أنس رحمه الله من الحجاز ؟ أليست المملكة العربية السعودية من الحجاز ؟ ألم يكن الإمام مالك من أهل المدينة النبويّة على ساكنها أفضل صلاة وأزكى تسليم ؟ أليست المدينة في السعودية ؟ أم لعلّ القوم ظنّوا الإمام مالك جزائري ؟؟!!
ثمّ كيف يدعوا هؤلاء القوم إلى الرجوع إلى فقه الإمام مالك وجعله المصدر الأوّل والأخير في الفتيا في الجزائر وفي نفس الوقت يتغافلون عن عقيدة الإمام مالك التي لم يشيروا إليها في نُباحهم ولو من بعيد ؟!
فهل يجوز لهم أن يأخذوا من الرجل فقهه ويتركوا عقيدته ؟! قد يصحُّ هذا الفعل مع من كانت عقيدته فاسدة من أمثال العز بن عبد السلام والسبكي والمناوي وغيرهم من الذين نبغوا في العمليات وزلّت بهم القدم في العلميات فهل الإمام مالك بن أنس صاحب عقيدة فاسدة ؟!
فإن كان جوابهم لا -وهو الحقّ- وكانوا حقّا مالكيّة فلينهجوا نهج مالك في العقيدة أيضا، أو أنّهم سيزعمون أنّ الإمام مالك كان أشعريا قادريا كما هو حال بن بريكة أو جهمياً صوفياً كما هو حال شمس الدّين ؟!
أليس من الإنصاف أن يعلّم هؤلاء القوم الشعبَ الجزائريَّ عقيدة الإمام مالك قبل فقهه ؟!
أم أنّ الهوى يُسيطرُ على أفئدتهم فهم يتخيّرون ما يُناسبُهم ويتركون ما لا يُناسبُهم ؟! لا شكّ أنّ الجواب الأخير هو واقع القوم، فمالنا من حيلة مع من كانت هذه حاله إلا أن نقول لهم: حسبُنا الله ونعم الوكيل، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون.
ورحم الله أبا شامة الإمام المحدّث الفقيه (ت 665 هـ) حين تحدّث عن العلماء في عصره وتقصيرهم، وتحدّث عن المقلّدين الملتزمين بأقوال من سبقهم من الرجال من غير معرفة بأدلّتهم ولا تمحيص في مُستنداتهم، فقال عليه رحمة الله: ((ومنهم من قنع بزبالة أذهان الرجال وكناسة أفكارهم، وبالنقل عن أهل مذهبه، وقد سُئل بعض العارفين عن معنى المذهب، فأجاب أنّ معناه: ((دينٌ مُبدّل، قال تعالى: ((ولا تكونوا من المشركين من الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا)). ألا ومع هذا يُخيَّل إليه أنّه من رؤوس العلماء، وهو عند الله وعند عُلماء الدين من أجهل الجهلاء، بل بمنزلة قسّيس النّصارى أو حبر اليهود، لأنّ اليهود والنّصارى ما كفروا [إلا] بابتداعهم في الأصول والفروع، وقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلّم: ((لتركبنّ سنن من كان قبلكم)). اهـ (تاريخ الفقه الإسلامي لعمر سليمان الأشقر ص142 قصر الكتاب، البليدة، الجزائر والكتاب نافع ولكن مؤلفه عليه ملاحظات)
لأجل هذا وذاك رأيتُني متحمّساً لجمع مادة علمية في بيان حكم التمذهب بمذهب معيّن من كلام أئمّة الإسلام على مرّ السنين كما ذكرتُ في ثنايا هذا البحث المُتواضع -الذي أسأل الله أن يجعله خالصا لوجهه وأن ينفع به من قرأه- أُمورا لا غنى لطالب العلم عن معرفتها.
ورحم الله رجلا وقف على خطأ منّي فأرشدني إليه بالتي هي أحسن وصلى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم.
وكتب: أبو عبد الله غريب بن عبد الله الأثري.
قسنطينة 20/01/2008 م
تعليق