نعمـةُ
حفظ السُّنة النبويَّة
لشهـر رمضــان
فضيلة الشيخ:
عطيـة محمـد سـالم
-رحمه الله ونفع بعلمه-
[من شرح بلوغ المرام]
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:
((لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا يَوْمَيْنِ، إِلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا، فَلْيَصُمْهُ)) [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ].
==============================================
جميعُ أركان الإسلام محفوظةٌ بزمن؛
تجد الصلاة: {لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ}[الإسراء:78]، {كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا}[النساء:103] فلا يصح أن تصلي قبل دخول الوقت، ولا يجوز لك أن تؤخرها حتى يخرج الوقت، فإن خرج الوقت تكون قضاءً وليست أداءً.
كذلك الحج: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة:197]، محسوبةٌ باليوم.
وكذلك الزكاة: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}[الأنعام:141]، و: ((إذا حال عليه الحول))، وبعض العلماء يقول: لا يجوز إخراج الزكاة قبل حَوَلان الحول لأنها لم تجب، ومالك يقول يجوز تقديمها الشيء القليل لِما ثبت أنّ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ استسلف من العباس زكاة سَنةٍ مُقبلة (السنة الآتية أخذها الآن)، لحاجةٍ طرأت، فهذه على غير العادة.
فجميع الأركان محددة ومقيّدة بزمنها، فرمضان مقيّد بالزمن.
وقد حدث في الأمم الماضية أنهم أخذوا باليوم واليومين المنهي عنهما -هنا-؛ قالوا: نصوم يومًا قبله احتياطاً له، ونصوم يومًا بعده احتياطاً له، فكان الصوم الرسمي: ثلاثين، وقالوا الاحتياطي يومين: نصوم يوم في الأول ويوم في الآخر، ومضى الزمن، وطالت المدة، فدخل الاحتياطي في الأصيل، وصار الصوم الرسمي اثنين وثلاثين. ثم قال الذين جاءوا بعدهم -الذين لا يعلمون بدخول الاحتياطي-، وظنوا أنه رسمي، فقالوا: نصوم يوما قبله احتياطاً ونصوم يوما بعده احتياطاً، فصاموا أربعة وثلاثين يومًا؛ اثنين وثلاثين رسمي ويومين احتياطي. طال الزمن حتى دخل الاحتياطي الثاني في الرسمي، وظن الناس أن الصوم أربعة وثلاثون يوما، فقالوا: نحتاط، فصاموا يوما قبله ويوما بعده، .. إلى خمس مرات، بزيادة عشرة أيام. والأهلّة (الأشهر الهلالية) تدور مع فصول السنة، فرمضان تارةً يأتي في الربيع -زي هذه الأيام ما شاء الله-، وتارةً يأتي في الشتاء في شدة المطر، وتارة يأتي في الصيف، وأذكر في هذه البلدة المباركة الناس كانوا يصومون ستة عشر ساعة، النهار طويل والليل قصير، مع شدة الحر.فجاءهم رمضان بخمسين يوما، وجاءهم في شدة الحر، فعجزوا عن الصيام، فقالوا: الحر شديد، ونحن لسنا قادرين على صيامه، ننقل الصوم عن الأشهر القمرية (شعبان، رمضان..) إلى الأشهر الشمسية، ونزيد عشرة أيام، ويصير خمسين يوما، ونجعل الصيام عن أشياء معينة؛ عن ما كان فيه الروح: الغنم والدجاج والسمك، و(..) الأشياء الأخرى كالنباتية، يعني صيام لعب، يأكل من النباتيات، يأكل من الخبز، يأكل من الفاكهة، صيام إيش هذا؟! لما أخطأوا بالزيادة في رمضان، وزادوا فيه، وعجزوا عنه، تحيروا ماذا يفعلون؟ انتقلوا إلى الأشهر الشمسية فضاع عليهم الشهر.
فمن هنا؛ مخافة أن تقع هذه الأمَّة في مثل هذه الخطيئة وُضع لرمضـان سيـاج، ما أقول من حديد أو من فولاذ، بل أقوى من ذلك كله، في أوله لا يمكن أن تتخطاه، ممتد إلى السماء، و في آخره لا يمكن أن تزيده فيه، فجُعـل اليـوم الـذي يُشـكّ فيـه محـرَّمٌ صومـه، فإذا كنتَ لا تصوم اليوم الذي أنت متردد فيه بين شعبان ورمضان، هل تزيد في رمضان شيئ؟! أبـدًا، وجَعل في نهايته يوم العيد، ويَحـرُم بالإجمـاع صـوم يـوم العيـد.
إذن: سلِم رمضان من الزيادة في أوله، وسلِم رمضان من الزيادة في آخره.
ولهذا -أيها الإخوة- وبفضلٍ من الله ونعمة من الله ألف وأربعمائة سنة يتكرر رمضان، ويأتي وكأنـه اليـوم شُـرع، ما زِيد فيه - ولا- ساعة أو نهار، ولا نُقص منه -ولا- ساعة، وإنما حُفـظ بهذه السُّنـة النبـويَّة الكريمـة؛ لا يُتقدم بصوم، وكذلك لا يُتبَع بصوم.
ولابد أن يُفصل بين رمضان وغيره كما جاء في حديث: ((من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال))، ليست متابعة ملازِمة، لابد أن يفصل بينهما، أقل شيء بصوم يوم العيد، وإن زاد أيامًا فلا مانع.
يهمُّنا أنَّ هذه السُّنـة النبويَّـة الكريمـة جـاءت حفظًـا لرمضـان من أنْ يدخله زيادة في أوله، أو يتبعه زيادة في آخره، ((لا تَقدَموا رمضان بصوم يوم ولا يومين، إلا رجل كان له صوم فليصمه))؛
لأنه إذا كان له صوم يوم على غير رمضان فهو في هذه الحالة سيصوم يوم ثمانية وعشرين أو تسعة وعشرين شعبان، ولا دخل له في رمضان، إنما يصومه لصومه الذي التزم به، كالنذر يصادف هذا اليوم الثامن أو التاسع والعشرين من شعبان.