إعـــــــلان

تقليص
1 من 3 < >

تحميل التطبيق الرسمي لموسوعة الآجري

2 من 3 < >

الإبلاغ عن مشكلة في المنتدى

تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3 < >

فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :

فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .

من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .

من هـــــــــــنا
شاهد أكثر
شاهد أقل

شرح باب الأمر بأداء الأمانة .رياض الصالحين المجلد الثاني.العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شرح باب الأمر بأداء الأمانة .رياض الصالحين المجلد الثاني.العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله

    شرح باب الأمر بأداء الأمانة .رياض الصالحين المجلد الثاني.العلامة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله

    باب الأمر بأداء الأمانة
    25- باب الأمر بأداء الأمانة
    قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)(النساء:5)

    الشرح

    قال المؤلف رحمه الله - : باب الأمر بأداء الأمانة.

    الأمانة : تطلق على معان متعددة، منها ما ائتمنه الله على عباده من العبادات التي كلفهم بها ، فإنها أمانة اتئمن الله عليها العباد.
    ومنها : الأمانة المالية، وهي الودائع التي تعطى للإنسان ليحفظها لأهلها ، وكذلك الأموال الأخرى التي تكون بيد الإنسان، لمصلحته أو مصلحة مالكها، وذلك أن الأمانة التي بيد الإنسان ؛ إما أن تكون لمصلحة مالكها ، أو لمصلحة من هي بيده ، أو لمصلحتهما جميعاً .
    فأما الأول: فالوديعة؛ الوديعة تجعلها عند شخص ، تقول مثلاً : هذه ساعتي عندك احفظها لي، أو هذه دراهم احفظها لي وما أشبه هذا ، فهذه وديعة بقيت عنده لمصلحة مالكها.
    وأما التي لمصلحة من هي بيده: فالعارية يعطيك شخص شيئاً يعيرك إياه من إناء ، أو فراش، أو ساعة، أو سيارة، فهذه بقيت في يدك لمصلحتك.
    أما التي لمصلحة مالكها ومن هي بيده: فالعينُ المستأجرة، فهذه مصلحتها للجميع؛ استأجرت مني سيارة ، وأخذتها ، فأنت تنتفع بها في قضاء حاجتك، وأنا أنتفع بالأجرة. وكذلك البيت والدكان وما أشبه ذلك. كل هذه من الأمانات.
    ومن الأمانة أيضاً: أمانة الولاية وهي أعظمها مسؤولية، الولاية العامة والولايات الخاصة، فالسلطان مثلاً الرئيس الأعلى في الدولة، أمين على الأمة كلها ، على مصالحها الدينية ومصالحها الدنيوية، على أموالها التي تكون في بيت الماس، لا يبذرها ، ولا ينفقها في غير مصلحة المسلمين وما أشبه ذلك.
    وهناك أمانات أخرى دونها، كأمانة الوزير مثلاً في وزارته، وأمانة الأمير في منطقته ، وأمانة القاضي في عمله، وأمانة الإنسان في أهله، المهم أن الأمانة باب واسعٌ جداً وأصلها أمران:
    أمانة في حقوق الله : وهى أمانة العبد في عبادات الله عزّ وجلّ.
    وأمانة في حقوق البشر" وهي كثيرة جداً ، وقد أشرنا إلى شيء منها، وكلها يؤمر الإنسان بأدائها: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) ، تأمل هذه الصيغة (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ ) صيغة قوة وسلطان لم يقل: أدوا الأمانة ، ولم يقل : إني آمركم ولكن قال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ ) بأمركم بألوهيته العظيمة، يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، فأقام الخطاب مقام الغائب تعظيماً لهذا المقام ولهذا الأمر ، وهذا كقول السلطان - ولله المثل الأعلى - إن الأمير يأمركم ، أن الملك يأمركم ، فذها أبلغ وأقوى من قوله : إني آمركم كما قال ذلك علماء البلاغة.
    (أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)ومن لازم الأمر بأداء الأمانة إلى أهلها الأمر بأداء الأمانة إلى أهلها ؛ الأمر بحفظها ؛ لأنه لا يمكن أداؤها إلى أهلها إلا بحفظها . وحفظها إلا يتعدى فيها ولا يفرك، بل يحفظها حفظاً تاماً ليس فيه تعدّ ولا تفريط، حتى يؤديها إلى أهلها .
    وأداء الأمانة من علامات الإيمان: فكلما وجدت الإنسان أميناً فيما يؤتمن عليه ، مؤدياً له على الوجه الأكمل ؛ فاعلم أنه قوي الإيمان . وكلما وجدته خائناً ؛ فاعمل أنه ضعيف الإيمان.
    ومن الأمانات : ما يكون بين الرجل وصاحبه من الأمور الخاصة التي لا يحب أن يطلع عليها أحد، فإنه لا يجوز لصاحبه أن يخبر بها، فلو استأمنك على حديث حدثك به ، وقال لك : هذا أمانة، فإنه لا يحلّ لك أن تخبر به أحداً من الناس، ولو كان أقرب الناس إليك. سواء أوصاك بأن لا تخبر به أحداً، أو عُلم من قرائن الأحوال أنه لا يحب أن يطلع عليه أحد .ولهذا قال العلماء: إذا حدثك الرجل بحديث والتفت فهذه أمانة، لماذا؟ لأنه كونه يلتفت ، فإنه يخشى بذلك أن يسمع أحدٌ ، إذاً فهو لا يحب أن يطلع عليه أحد، فإذا ائتمنك الإنسان على حديث ، فإنه لا يجوز لك أن تفشيه.
    ومن ذلك أيضاً : ما يكون بين الرجل وزوجته من الأشياء الخاصة ، فإن شر الناس منزلة عند الله تعالى يوم القيامة، الجل يفضي على امرأته وتفضي إليه، ثم يتحدث بما جرى بينهما، فلا يجوز للإنسان أن يتحدث بما جرى بينه وبين زوجته.
    وكثيرٌ من الشباب السفهاء يتفكهون في المجالس بذكر تلك الخصوصيات ، يقول الواحد منهم: فعلت بامرأتي كذا وكذا، من الأمور التي لا تحب هي أن يطلع عليها أحد. وكذلك كل إنسان عاقل له ذوقٌ سليم، لا يحب أن يطلع أحد علي ما جرى بينه وبين زوجته.
    إذاً علينا أن نحافظ على الأمانات، وأول شيء أن نحافظ على الأمانات التي بيننا وبين ربنا، لأن حقّ ربنا أعظم الحقوق علينا ، ثم بعد ذلك ما يكون من حقوق الخلق الأولى فالأولى.
    ( إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ) فأثنى الله عزّ وجلّ على ما يعظنا به من الأوامر التي يريد منا فعلها ، والنواهي التي يريد منا تركها، ثم ختم الآية بقوله:( إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً)(النساء:5، سميعاً لما تقولون، بصيراً بما تفعلون ، وختم الآية بهذين الاسمين الكريمين المتضمنين لشامل سمع الله وبصره يقتضي التهديد، فهو يهدد عزّ وجلّ من لم يقم بأداء الأمانات إلى أهلها ، والله الموفق.
    وقال تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب:72)

    الشرح
    ذكر المؤلف- رحمه الله - قوله تعالى: : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) عرض الله الأمانة وهي التكليف والإلزام بما يجب ، على السموات والأرض والجبال، ولكنها أبت أن تحملها لما فيها من المشقة، ولما تخشى هذه الثلاثة - الأرض والجبال والسموات - من إضاعتها .
    فإن قال قائل: كيف يعرض الله الأمانة على السموات والأرض والجبال ، وهي جماد ليس لها عقل ولا تشعر.
    فالجواب: أن كلّ جماد فهو بالنسبة لله عزّ وجلّ عاقل يفهم ويمتثل. أرأيت إلى قوله تعالى فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم :" إن الله تعالى لما خلق القلم قال له " اكتب". فخاطب الله القلم وهو جماد ، وردّ عليه القلم قال: " وماذا اكتب؟" لأن الأمر مجمل، ولا يمكن الامتثال للأمر المجمل إلا ببيانه ، قال " اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة" فكتب القلب بأمر الله ما هو كائن إلى يوم القيامة[306]. هذا أمر وتكليف وإلزام.
    فهنا بين الله عزّ وجلّ أنه عرض الأمانة على السموات والأرض والجبال ، فأبت أن تحملها.
    وقال تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ)(فصلت:11)
    ، فخاطبها بالأمر وقال: ائتيا طوعاً أو كرهاً ، فقالتا : أتين طائعين. ففهمت السموات والأرض خطاب الله ، وامتثلتا وقالتا : أتينا طائعين ، وعصاه بني آدم يقولون: سمعنا وعصينا.وفضله به على كثير ممن خلق تفصيلا. والرسل الذين أرسلهم الله عز وجل للإنسان . ويبينوا لهم الحق من الضلال، فلم يبق لهم عذر، ولكن مع ذلك وصف الإنسان بأنه مظلوم جهول، فاختلف العلماء هل " الإنسان" هنا عام ، أم خاصّ بالكافر، فقال بعض العلماء : إنه خاص بالكافر ، فهو الظلوم الجهول. أما المؤمن فهو ذو عدل وعلم وحكمة ورشد. وقال بعض العلماء: بل هو عام والمراد الإنسان بحسب طبيعته ، أما المؤمن فإن اله من عليه بالهداية ، فيكون مستثنى من هذا ، وإياً كان فمن قام بالأمانة انتفى عنه وصف الظلم والجهالة التي في قول الله تعالى ( وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً)(الأحزاب:72)
    فنسأل الله أن يعيننا وإياكم على أداء ما حملناه ، وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، إنه جواد كريم.
    * * *
    189- عن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسمل قال:" آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان" متفقٌ عليه[307] .
    وفي رواية :" وإن صام وصلى وزعم انهُ مسلمٌ"[308].
    الشرح
    الآية: يعني العلامة، كما قال تعالى: (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ) (الشعراء:197) ، يعني أو لم يكن لهم علامة على صدق ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وصحة وشريعته، وأن هذا القرآن حق : (أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ) ويعلمون انه هو الذي بشّر به عيسى عليه الصلاة والسلام، وكذلك قوله تعالى : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) (يّـس:41) آية يعنى علامة. فعلامة المنافق ثلاث.
    والمنافق هو الذي يسرٌ الشر ويظهر الخير. ومن ذلك : أن يسر الكفر ويظهر الإسلام . وأصله مأخوذ من نافقاء اليربوع.اليربوع- الذي نسميه الجربوع- يحفر له جحراً في الأرض ويفتح له باباً ثم يحفر في أقصى الجُحر خرقاً للخروج، لكنه خرق خفي لا يعلم به، بحيث إذا حجره أحد من عند الباب ، ضرب هذا الخرق الذي في الأسفل برأسه ثم هرب منه. فالمنافق يظهر الخير ويبطن الشر ، يظهر الخير ويبطن الكفر.
    وقد برز النفاق في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة بدر، لما قُتلك صناديد قريش في بدر ، وصارت الغلبة للمسلمين ، ظهر النفاق ، فأظهر هؤلاء المنافقون أنهم مسلمون وهم كفار ، كما قال الله تعالى (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) (البقرة:14)، وقال الله تعالى (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (البقرة:15)، وقال عنهم أيضاً : (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّه) يؤكد كلامهم بالشهادة و "بأن" و " اللام" فقال الله تعالى : وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) (المنافقون:1 ).
    فشهد شهادة اقوى منها بأنهم لطاذبون في قولهم :( نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ) في أن محمداً رسول الله ، ولهذا استدرك فقال: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) .
    والمنافق له علامات ، يعرها الذي أعطاه الله تعالى فراسة ونوراً في قلبه، يعرف المنافق من تتبع أحواله.
    وهناك علامات ظاهرة لا تحتاج إلى فراسة؛ منها هذه الثلاث التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم :" إذا حدث كذب" يقول مثلاً: فلأن فعل كذا وكذا، فإذا بحثت وجدته كذب، وهذا الشخص لم يفعل شيئاً، فإذا رأيت الإنسان يكذب؛ فاعمل أن في قلبه شعبة من النفاق.
    الثاني: " إذا وعد أخلف" يعدك ولكن يخلف، يقول لك مثلاً: سآتي إليك في الساعة السابعة صباحاً ولكن لا يأتي، أو يقول : سآتي إليك غداً بعد صلاة الظهر ولكن لا يأتي .؟ يقول : أعطيك كذا وكذا ، ولا يعطيك، فهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا وعد أخلف "، والمؤمن إذا وعد وفى، كما قال الله تعالى : ( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا)(البقرة: 177)، لكن المنافق يعدك ويغرك ، فإذا وجدت الرجل يغدر كثيراً بما يعد، ولا يفي، فاعلم أن في قلبه شعبة من النفاق والعياذ بالله.
    الثالث: " إذا اؤتمن خان" وهذا الشاهد من هذا الحديث للباب . فالمنافق إذا ائتمنته على مال خانك، وإذا ائتمنته على سر بينك وبينه خانك ، وإذا ائتمنته على أهلك خانك، وإذا ائتمنته على بيع أو شراء خانك. كلما ائتمنته على شيء يخونك والعياذ بالله ، يدلّ ذلك على أن في قلبه شعبة من النفاق .وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر لأمرين:
    الأمر الأول: أن نحذر من هذه الصفات الذميمة ؛ لأنها من علامات النفاق، ويخشى أن يكون هذا النفاق العملي مؤدياً إلى نفاق في الاعتقاد والعياذ بالله ، فيكون الإنسان منافقاً نفاقاً اعتقادياً فيخرج من الإسلام وهو لا يشعر فأخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام لنحذر من ذلك.
    الأمر الثاني: لنحذر من يتصف بهذه الصفات ، ونعلم أنه منافق يخدعنا ويلعب بنا ، ويغرنا بحلاوة لفظه وحسن قوله، فلا نثق به ولا نعتمد عليه في شيء؛ لأنه منافق والعياذ بالله، وعكس ذلك يكون من علامات الإيمان . فالمؤمن إذا وعد أوفى. والمؤمن إذا ائتمن أدى الامانة على وجهها ، وكذلك إذا حدّث كان صادقاً في حديثه مخبراً بما هو الواقع فعلاً.
    ومن الأسف فإن قوماً من السفهاء عندنا إذا وعدته بوعد يقول:" وعد انجليزي ام وعد عربي" يعني أن الإنجليز هم الذين يوفون بالوعد، فهذا بلا شك سفه وغرور بهؤلاء الكفرة، والإنجليز فيهم مسلمون ومؤمنون ولكن جملتهم كفار، ووفاؤهم بالوعد لا يبتغون به وجه الله ، لكن يبتغون به أن يحسنوا صورتهم عند الناس ليغتر الناس بهم.
    والمؤمن في الحقيقة هو الذي يفي تماماً فيمن أوفي بالوعد ؛ فهو مؤمن ، ومن أخلف الوعد ؛ كان فيه من خصال النفاق.
    نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من النفاق العملي والعقدي، أنه جواد كريمٌ.
    * * *
    200-وعن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه- قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما ، وأنا انتظر الآخر: حدثنا أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال، ثم نزل القرآن فعملوا من القرآن، وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن رفع الأمانة فقال:" ينام الرجل النومة فتقبض الأمانةُ من قلبه، فيظل أثرها مثل الوكت، ثم ينام النومةً، فتقبض الأمانةُ من قلبهِ فيظلُ أثرها مثل المجلِ، كجمر دحرجته على رجلك، فنفط فتراهُ منتبرا وليس فيه شيءُ" ثم أخذ حصاة فدحرجه على رجلهِ" فيصبح الناسُ يتبايعون، فلا يكادُ أحدٌ يؤدي الأمانة حتى يقالَ: إن في بني فُلانٍ رجُلاً أميناً ، حتى يقال للرجل : ما أجلده، ما أظرفه، ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبةٍ من خردلٍ من إيمانٍ، ولقد أتى علي زمانٌ وما أُبالي أيكم بايعتُ: لئن كان مسلماً ليردنه على دينهُ، ولئن كان نصرانياً أو يهودياً ليردنه على ساعيه، وأما اليوم فما كنتُ أُبايع منك إلا فُلاناً وفُلاناً " متفق عليه [309].
    قوله :" جذر" بفتحِ الجيمِ وإسكان الذالِ المعجمةِ: وهو أصلُ الشيء. و "الوكت" بالتاء المثناة من فوقُ: الأثر اليسيرُ،" والمجلُ" بفتح الميم وإسكان الجيم، وهو تنفظ في اليد ونحوها من أثرِ عمل وغيره .قوله:" منتبرا" مُرتفعاً قوله:" ساعيه" الوالي عليه.
    الشرح
    قال المؤلف رحمه الله تعالى - فيما نقله عن حذيفة بن اليمان- رضي الله عنه - قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثين قد رأيت أحدهما وأنا انتظر الآخر ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحدث أصحابه أحياناً بما يراه مناسباً، والنبي عليه الصلاة والسلام إذا حدث بشيء، فإنه حديث له وللأمة إلى يوم القيامة. وحذيفة بن اليمان- رضي الله عنه- يُقال له: صاحب السر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسمل حدثه عن قوم من المنافقين، علهم النبي صلى الله عليه وسلم فأخبر بهم حذيفة، وكانوا نحو ثلاثة عشر رجلاً ، سماهم بأسماءهم.
    وكان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه - لشدة خوفه من الله، يلتقى بحذيفة فيقول: أنشدك الله هل سماني لك رسول الله صلى الله عليه وسلم مع من سمى من المنافقين؟ هذا وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، الذي هو أفضل هذه الأمة بعد نبيها وأبي بكر بضي الله عنهم أجمعين، فهو الثاني بعد الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الأمة، وله من اليقين والمقامات العظيمة ما هو معلوم ، حتى قال النبي عليه الصلاة والسلام:" إن يكن فيكم محدثون فعمر" [310]يعني إن كان فيكم أحد ملهم للصواب فهو عمر، يمدحه ويثني عليه لموافقته للصواب، وإيمانه رضي الله عنه معروف مشهور ومع ذلك يقول : " أنشدك الله هل سماني لك رسول الله مع من سماهم من المنافقين؟ فيقول حذيفة: لا . ولا أزكي بعدك أحداً [311].
    فذكر رضي الله عنه ما حدثه به النبي صلى الله عليه وسلم من نزع الأمانة من قلوب الرجال، فقوله صلى الله عليه وسلم : "إن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال" يعني في أصلها ، ثم أنزل عليهم من القرآن والسنة ما يثبت ويؤيد هذا الأصل ، فجاء القرآن والسنة مؤيداً الفطرة التي فطر الناس عليها ، وعلموا من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فازدادوا بذلك إيماناً وثباتاً وأداءً للأمانة.
    ولكن أخبر بالحديث الثاني أن هذه الأمانة سوف تنزع من قلوب الرجال والعياذ بالله ، تنزع فيصبح الناس يتحدثون أن في بني فلان رجلاً أميناً، يعني أنك لا تكاد تجد في القبيلة رجلاً واحداً أميناً ، والباقي كلهم على خيانة ، لم يؤدوا الأمانة.
    ولقد شاهد الناس اليوم مصداق هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك تستعرض الناس رجلاً رجلاً حتى تبلغ إلى حدّ المائة أو المئات، لا تجد الرجل الأمين الذي أدى الأمانة كما ينبغي في حق الله ولا في حقِّ الناس.
    قد تجد رجلاً أميناً في حق الله ، ويؤدي الصلاة ، ويؤدى الزكاة ، ويصوم ، يحج، يذكر الله كثيراً ، يسبح ، لكنه في المال ليس أميناً، إن وكل إليه عملٌ حكومي فرط وصار لا يأتي للدوام إلا متأخراً، ويخرج قبل انتهاء الوقت، ويضيع الأيام الكثيرة في أشغاله الخاصة، ولا يبالي ، مع أنك تجده في مقدمة الناس في المساجد، وفي الصدقات ، وفي الصيام، وفي الحج، لكنه ليس أميناً من جهة أخرى.
    كذلك تجد الرجل أميناً في عبادة الله ، يقيم الصلاة ، ويؤتى الزكاة ويصوم ، ويحج، ويتصدق ، لكنه ليس أميناً في وظيفته، يعرف أنه لا يجوز للموظف أن يتاجر أو يفتح محل تجارة، ولكنه لا يبالي ، ويفتح محل تجارة، إما باسمه صريحاً ، أو باسم مستعار، وإما برجل أجنبي يجعله في هذا الدكان وما أشبه ذلك. فيكذب ، ويخون الدولة، ويأكل المال بالباطل، ويكون هذا المال الذي يكسبه من كسب حرام مانعاً من إجابة دعوته ، والعياذ بالله.
    قال النبي عليه الصلاة والسلام :" إن الله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) (البقرة:172)، وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)(المؤمنون:51)، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، اشعث أغبر يمدُ يديه إلى السماء: يا رب يا رب، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام، وغُذي بالحرام ،فإني يستجاب لذلك" [312].
    يقول النبي صلى الله عليه وسلم :" أني يستجاب لذلك" بعيد أن يستجيب الله لهذا الرجل، الذي هو أشعث أغبر ، يمد يديه للسماء : يا رب يا رب، ومع ذلك يبعد أن الله يستجيب له؛ لأنه يأكل الحرام. هذا الذي يكون موظفاً بمقتضى عقد الوظيفة فإنه يمنع من مزاولة التجارة، ثم يزاول التجارة، فكلُ كسب كسبه من هذه التجارة فهو حرام عليه، سحت والعياذ بالله ولا يبالي، نقول لمثل هذا : أنت الآن بالخيار؛ إن شئت أن تبقي على الوظيفة فاترك التجارة، وأن رأيت أن التجارة أنسب لك وأكثر فائدة فاترك الوظيفة.
    أمران لا يجتمعان حسب العهد الذي بينك وبين الدولة، أنت تعرف أن الدولة تمنع من مزاولة التجارة فلماذا تتاجر؟
    قال الله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ )(المائدة:1) ، (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)(الاسراء:34)، يتعلل بعض الناس فيقول: كيف تمنعوني من التجارة وهناك وزراء يتاجرون بالأراضي وعندهم شركات كبيرة، فنقول : إذا ضلّ الناس لم يكن ضلالهم هدى، وإذا كانوا هم ضالين ظالمين بما صنعوا فلا تضل أنت، فإذا قال مثلاً: هذه النظم جاءت من تحت أيديهم، هم الذين شرعوها فكيف يخالفونها؟ نقول : حسابهم على الله ، سيكونون هم أول من يحزن ويتحسر على ما صنع يوم القيامة، حيث لا مال عندهم يفدون به أنفسهم ، ولا خدم ولا حراس يحجزون عنهم، ولا نسب ولا قرابة تنفعهم. فأنت لا تتخذ من مخالفات الناس دليلاً وسلماً لمعصية الله، ولكن عليك بالوفاء بما عاهدت غيرك عليه، وإن كان غيرك يخالف ذلك فليس لك أن تخالفه أنت.
    نسأل الله لنا ولكم الهداية، وأن يجعلنا وإياكم من الأمناء المؤدين للأمانة في حق الله وحق عباده.
    * * *
    201-وعن حذيفة ، وأبي هريرة- رضي الله عنهما - قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يجمع الله تبارك وتعالى الناس، فيقوم المؤمنون حتى تزلف لهم الجنةُ، فيأتُون آدم صلواتُ الله عليه، فيقولُون : يا أبانا استفتح لنا الجنة، فيقولُ: وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئةُ أبيكم ! لست بصاحب ذلك، اذهبوا إلى إبني إبراهيم خليل الله ، قال : فيأتون إبراهيم فيقول إبراهيم : لست بصاحب ذلك إنما كنت خليلاً من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى الذي كلمه الله تكليما، فيأتون موسى فيقول : لست بصاحب ذلك؛ اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه، فيقول عيسى: لست بصاحب ذلك، فيأتون محمداً صلى الله عليه وسلم ، فيقوم فيؤذن له، وترسل الأمانةُ والرحم فيقومان جنبتي الصراط يميناً وشمالاً ، فيمر أولكم كالبرقِ" قلتُ: بأبي وأمي، أي شيءٍ كمر البرقِ؟ قال :" ألم تروا كيف يمرُ ويرجعُ في طرفة عين ؟ ثم كمر الريح ثم كمر الطيرِ، وشد الرجال تجري بهم أعمالهم ، ونبيكم قائماٌ على الصراط يقول: رب سلم سلم ، حتى تعجز أعمالُ العبادِ حتى يجيء الرجلُ لا يستطيع السير إلا زحفا، وفي حافتي الصراط كلاليبُ معلقةٌ مأمورةٌ بأخذ من أمرت به ، فمخدوشٌ ناجٍ ونكردسٌ في النار" والذي نفسُ أبي هريرة بيدهِ إنّ قعر جهنم لسبعون خريفاً" رواه مسلم [313].
    قوله :" وراء وراء" هو بالفتح فيهما وقيل : بالضم بلا تنوين ومعناه: لست بتلك الدرجة الرفيعة، وهي كلمةٌ تذكرُ على سبيل التواضُعِ. وقد بسطت معناها في شرح صحيح مسلم، والله أعلم.
    الشرح
    قال المؤلف رحمه الله - فيما نقله عن حذيفة وأبي هريرة رضي الله عنهما في حديث الشفاعة. وذلك أن النبي صلى الله عيه وسلم وعده ربهُ أن يبعثه مقاماً محموداً فقال جل وعلا: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً) (الاسراء:79)، وإذا جاءت "عسى" من الله فهي واجبة، بخلاف "عسى" من الخلق، فإنها للترجي. فإذا قلت: عسى الله أن يهديني، عسى الله أن يغفر لي، عسي الله أن يرحمني، فهذا رجاء. أما إذا قال الله " عسى" فهذا وعد لذلك قالوا:" عسى من الله واجبة" مثل قوله تعالى: (فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ) (النساء:99)، وقوله (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِه)(المائدة:52)، وما أشبه ذلك.
    فالله عزّ وجلّ وعد نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبعثه مقاماً محموداً ، أي مقاماً يحمد فيه الأولون والآخرون ، وذل من عدة أوجه: منها حديث الشفاعة، فإن الناس يُبعثون يوم القيامة حفاة عراة غرلاً ، حفاة ليس عليهم نعال، وعرأة ليس عليهم ثياب وغرلاً أي غير مختونين، يعني أن الجلدة التي تقطع في الختان للطهارة تعود يوم القيامة كما قال تعالى: ( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ )(الانبياء:104).
    فيجمع الله الخلائق، والشمس فوقهم قدر ميل، أهوال عظيمة ، يشاهدون الجبال تمر مرّ السحاب، تكون هباءً منثوراً، فيلحقهم من الهمّ والغمّ ما لا يطيقون ، فيقول بعضهم لبعض: ألا تطلبون من يشفع لنا عند الله ، فيذهبون إلى آدم فيطلبونه للشفاعة، فيذكر خطيئته التي وقعت منه.
    والخطيئة التي وقعت منه هي أن الله سبحانه وتعالى قال له ولزوجه حين أسكنهما الجنة : ( وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)(البقرة:35)، شجرة عيَّنها الله عزَّ وجلّّ وليس لنا في معرفة نوعها كبير فائدة، ولهذا فنحن لا نعرف نوع هذه الشجرة؛ هل هي من شجر الزيتون ، أم من الحنطة، أم من العنب، أم من النخل، لا ندري، فالواجب أن نبهمها كما ابهمها الله عزّ وجلّ، ولو كان لن في تعيينها فائدة لعينها الله عزّ وجلّ.
    فقال عزّ وجلّ لآدم وحواء: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)(البقرة:35)، فأتاهما الشيطان فوسوس لهما، ودلاهما بغرور ، وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين، وهكذا يفعل في بني آدم، يغرهم ويغريهم ويوسوس لهم ويقسم إني ناصح وهو كذوب.
    فيذكر خطيئته هو وزوجته أنه أكل من هذه الشجرة ، فأمرهم الله عزّ وجلّ أن يهبطا من الجنة الي الأرض؛ فهبطا إلى الأرض وكانت منهم هذه الذرية التي منها الأنبياء والرسل والشهداء والصالحون، ثم يعتذر بهذا العذر، وفي هذا الحديث - أعني حديث الشفاعة- أن آدم يعتذر بأكله من الشجرة دليلٌ على أن القصة التي رويت عن أبن عباس أن حواء حملت فجاءها الشيطان فقال: سمي الولد عبد الحارث أو لأجعلن له قرن إيل فيخرج من بطنك فيشقه فأبيا أن يطيعا، وجاءهم في المرة الثانية، فأبيا أن يطيعا، فجاءهما في المرة الثالثة فأدركهما حبّ الولد فسمياه عبد الحارث. وجعل ذلك تفسيراً لقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ)(فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (لأعراف:189-190)، فإن هذه القصة قصة مكذوبة ليست بصحيحة، من وجوه:
    الأول:أنه ليس في ذلك خبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذه القصة من الأخبار التي لا تتلقى إلا عن طريق الوحي.
    الثاني: أن الأنبياء معصومون من الشرك باتفاق العلماء.
    الثالث: أنه ثبت في حديث الشفاعة أن الناس يأتون إلى آدم يطلبون منه الشفاعة فيعتذر بأكله من الشجرة وهو معصية، ولو وقع منه الشرك لكان اعتذاره به أقوى و أولى وأحرى. فهذه الوجوه وغيرها تدل على أنه لا يجوز أن يعتقد أن آدم وحواء يقع منهما شرك بأي حال من الأحوال.
    يعتذر آدم عن الشفاعة فيأتي الناس نوحاً عليه السلام وهو أول رسول أرسله الله إلى الأرض، فيخاطبه الناس بهذه المنقبه فيقولون له: أنت أول رسول بعثه الله إلى الأرض اشفع لنا عند ربك[314] فيعتذر؛ لأنه سأل ربه ما ليس له به علم وذلك حين قال: ( فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ)(هود: من الآية45) .
    وكان لنوح ولد كافر به. والده رسول ولكنه كفر بالرسول والعياذ بالله ؛ لأن النسب لا ينفع الإنسان. فابن العالم لا يأتي عالماً، بل قد يكون جاهلاً ، وكذلك ابن العابد لا يأتي عابدأً، وقد يكون فاسقاً فاجراً ، ابن الرسول لا يكون مؤمناً بل هذا ابن نوح عليه السلام أحد أبنائه كان كافراً كان أبوه يقول : ( يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ)(هود: 42) فيجيبه قائلاً: ( سَآوي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (هود:43) .
    غرق الولد مع الكافرين- والعياذ بالله - وكان نوحٌ قد قال ربي إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين.
    فيعتذر نوح بأنه سأل ما ليس له به علم ، والشافع لا يكون بينه وبين المشفوع إليه جفوة؛ بل لا بد أن يكون بينهما صلى قوية لا يخدشها شئ مع أن نوحاً عليه الصلاة والسلام غفر الله له، وآدم غفر الله له، اجتباه ربُه فتاب عليه ، فغفر الله له، ولكن لكمال مرتبتهم وعلو مقامهم ، جعلوا هذا الذنب الذي غفر لهم جعلوه مانعاً من الشفاعة، كل هذا تعظيماً لله عزّ وجلّ وحياء منه، وخجلاً منه.
    ثم يأتون إلى إبراهيم خليل الله عزّ وجلّ عليه الصلاة والسلام ، فيعتذر ويقول : إنه كذب في ذات الله ثلاث كذبات، وهذه الكذبات التي كذبها ليست كذباً في الواقع؛ لأنه عليه الصلاة والسلام قد تأوّل فيها ، والتأول ليس بكذب، لكن لشدة لله عزّ وجلّ، رأى أن هذا مانع للشفاعة أي من أن يتقدم للشفاعة لأحد.
    ثم يأتون موسى عليه الصلاة والسلام ويقولون له: إن الله كلمك ، وكتب لك التوراة بيده، فيعتذر بأنه قتل نفساً لم يؤمر بقتلها ، وذلك أن موسى عليه الصلاة والسلام كان من أشد الرجال وأقواهم ، فمرّ ذات يوم برجلين يقتتلان، هذا من شيعته ، يعني من بني إسرائيل، وهذا من عدوه يعني من آل فرعون من القبط، فاستغاثة الذي من شيعته على الذي عدوّه، يعني طلب منه أن يغيثه وأن يعينه على هذا الرجل، فوكزه موسى إي وكز الذي من عدوه فقضى عليه ، أي هلك ومات بوكزة واحدة؛ لأنه كان قوياً شديداً عليه الصلاة والسلام. فقال ( هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ)(القصص:15)
    وفي الصباح وجد صاحبه الذي كان بالأمس وجده يتنازع مع شخص آخر ، قال تعالى (فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ) (القصص:1
    ، يعني بالأمس كنت تنازع رجلاً واليوم تنازع آخر، فهم موسى أن يبطش بالذي هو عدو لهما فقال الإسرائيلي (أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ)(القصص: 19)وكان الناس يتحسسون من الذي قتل الرجل بالأمس؟ ففطن لذلك الفرعوني، فأخبر الناس أن موسى قاتله ، فالشاهد من ذلك أن موسى عليه السلام يعتذر إلى الخلق يوم القيامة؛ لأنه قتلك نفساً لم يؤمر بقتلها.
    ثم يذهبون إلى عيسى عليه الصلاة والسلام ويقولون له : أنت كلمة الله وروحه.
    كلمة الله : يعني إنك خُلقت بكلمة الله.
    وروحه: أي أنك روح من أرواح الله عزّ وجلّ التي خلقها ، فيعتذر ولكنه لا يذكر ذنباً ، أو لا يذكر شيئاً يعتذر به، فيحيلهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : اذهبوا إلى محمد، عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فيأتون إلى النبي صلى الله عليه وسمل فيقوم فيؤذن له ، فيشفع . فيشفع في الناس حتى يُقضى بينهم.
    وفي هذا الحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله: أنّ الأمانة والرحم تقفان على جانبي الصراط.
    والصراط: جسر ممدود على متن جهنم. واختلف العلماء في هذا الجسر، هل هو جسر واسع أو هو جسر ضيق، ففي بعض الروايات أنه أدق من الشعر وأحدُ من السيف[315]، ولكن الناس يعبرون عليه ، والله على كل شيء قدير. وفي بعض الروايات ما يدل على أنه طريق دخض ومزلة[316].
    وعلى هذا الجسر كلاليب تخطف الناس بأعمالهم ، فمن الناس من يخطف فيلقى في النار، ومنهم من يمر سريعاً كلمح البرق، ومنهم من يمر كركاب الإبل أو كالريح حسب درجاتهم وأعمالهم ، تجرى بهم أعمالهم ، كل من كان في هذه الدنيا أسرع إلى التزام صراط الله عز وجل واتباع شريعته ،كان على هذا الصراط أسرع مروراً ، ومن كان متباطئاً عن الشرع في الدنيا ، كان سيره هناك بطيئاً ، ودعا الرسل يومئذ:" اللهم سلّم سلّم" كلٌّ يخاف على نفسه؛ لأن الأمر ليس بهين، الأمر شديد .الناس فيه أشد ما يكونون خوفا ًووجلاً حتى يعبر هذا الصراط إلى الجنة.
    ومن الناس من يكردس في نار جهنم ويعذب على حسب عمله.
    أما الكفار الخلص فإنهم لا يصعدون على هذا الصراط ولا يمرون عليه، بل يذهب بهم إلى جهنم قبل أن يصعدوا هذا الصراط، ويذهبون إلى جهنم ورداً، إنما يصعده المؤمنون فقط، لكن من كان له ذنوب لم تغفر فإنه قد يقع في نار جهنم ، ويعذب بحسب أعماله ، والله أعلم.
    * * *
    306 أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب في القدر، رقم (4700) ، والترمذي، كتاب القدر، باب رقم (17)حديث رقم (2155)، والإمام أحمد في المسند (5/317)
    307 أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب علامة المنافق ، رقم (33) ، ومسلم، كتاب الإيمان ، باب بيان خصال المنافق، رقم (59)
    308 أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال المنافق ، رقم (59)
    309 أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب رفع الأمانة ، رقم (6497)، ومسلم ، كتاب الإيمان، باب رفع الأمانة والإيمان من بعض القلوب ...، رقم (143)
    310 أخرجه البخاري، كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب عمر بن الخطاب رقم (3689)، ومسلم ، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل عمر...، رقم (239.
    311 أخرجه الخرائطي في مساوىء الأخلاق رقم (309).
    312 أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب، رقم (1015).
    313 أخرجه مسلم كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها ، رقم (195)
    314 في هذه الرواية التي ذكرها النووي رحمه الله ، أحالهم آدم عليه السلام على إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، ولم يذكر نوح عليه السلام، وفي حديث الشفاعة المطول المتفق عليه أحالهم آدم عليه السلام على نوح، انظر البخاري، كتاب التفسير باب ( ذرية من حلمنا مع نوح..) ، رقم (4712) ، ومسلم ، كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها ، رقم (194)
    315 رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، رقم (183).
    316 رواه مسلم ، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية ، رقم (183).
    التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد المهيمن سمير البليدي; الساعة 18-Jan-2013, 02:38 AM.
يعمل...
X