[مدارسة] مدارسة في حديث أبي هريرة مرفوعاً : إذا أدخل أحدكم رجليه في خفيه وهما طاهرتان فليمسح عليهما ثلاثا للمسافر، ويوما للمقيم.

[أبو حمزة مأمون الشامي]

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين, أما بعد:

فقد قال ابن أبي شيبة 1882 - حدثنا وكيع، قال: نا جرير، عن أيوب، عن أبي زرعة بن عمرو، قال: «رأيت جريرا، مسح على خفيه»
قال: وقال أبو زرعة: قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أدخل أحدكم رجليه في خفيه وهما طاهرتان فليمسح عليهما ثلاثا للمسافر، ويوما للمقيم».

ظاهر هذا الإسناد الصحة وقد صححه العلامة الألباني في الصحيحة 1201 وقال: وهذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين.

لكن الذي يظهر أن تصحيفاً وقع في الإسناد فأيوب لا يعرف بالرواية عن أبي زرعة فقوله (جرير عن أيوب) خطأ وصوابه (جرير بن أيوب) وبيان ذلك في العلل للدارقطني :

1563- وسئل عن أحاديث رويت، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين، منها: حديث يرويه جرير بن أيوب البجلي، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أدخل أحدكم قدميه طاهرتين فليمسح للمقيم يوما، وللمسافر ثلاثا.

فقال: هذا باطل عن أبي هريرة، وقد قال أبو نعيم: كان جرير يضع الحديث.


هذا وقد روى أبو زرعة نفسه إنكار أبي هريرة المسح ففي التمييز للإمام مسلم :
89 - حدثنا محمد بن المثنى ثنا محمد ثنا شعبة عن يزيد بن زاذان قال سمعت أبا زرعة قال سألت أبا هريرة عن المسح على الخفين قال فدخل أبو هريرة دار مروان بن الحكم فبال ثم دعا بماء فتوضأ وخلع خفيه وقال ما أمرنا الله أن نمسح على جلود البقر والغنم.

وهذا صحيح صححه مسلم حيث قال عقبه:
فقد صح برواية أبي زرعة وأبي رزين عن أبي هريرة انكاره المسح على الخفين .. إلى آخر كلامه ..

ورواية أبي رزين أخرجها ابن أبي شيبة قال:
1952 - حدثنا يونس بن محمد، قال: نا عبد الواحد بن زياد، قال: حدثنا إسماعيل بن سميع، قال: حدثني أبو رزين قال: قال أبو هريرة: «ما أبالي على ظهر خفي مسحت، أو على ظهر حمار»

وهي صحيحة صححها مسلم كما تقدم.

وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى تضعيف ما جاء عن أبي هريرة من إنكاره للمسح لكن الصواب أنها صحيحة من طريقين عنه رضي الله عنه ..

وقد نقل الحافظ في "التلخيص " (1/15 عن الإمام أحمد أنه يضعفها :
"قال أحمد: لا يصح حديث أبي هريرة في إنكار المسح، وهو باطل ".

وفي ثبوت هذا عن الإمام أحمد نظر من وجهين:
الأول : أن ابن رجب نقل عنه خلاف هذا وهو أعلم به وبأقواله , قال ابن رجب في شرح علل الترمذي 1/159:
قد ضعف الإمام أحمد وأكثر الحفاظ أحاديث كثيرة بمثل هذا (تضعيف حديث الراوي إذا روى ما يخالف رأيه).
فمنها: أحاديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين، ضعفها أحمد ومسلم وغير واحد
وقال أحمد أبو هريرة ينكر المسح على الخفين فلا يصح له فيه رواية.

الثاني: أن المعروف عن الإمام أحمد إنكاره لحديث أبي هريرة في المسح, لا في إنكار المسح, قال الدارقطني في العلل 1563:
وقال أحمد بن حنبل: هذا حديث منكر، وكلها باطلة، ولا يصح عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح.

ومما يذكر عن أبي هريرة في هذا الباب ما رواه ابن ماجة:
555 - حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب، قالا: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا عمر بن عبد الله بن أبي خثعم اليمامي قال: حدثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قالوا: يا رسول الله ما الطهور على الخفين؟ قال: «للمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وللمقيم يوم وليلة».

وهذه الرواية لا تصح والحمل فيها على عمر بن أبي خثعم :

قال الترمذي في العلل 61:
سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: عمر بن أبي خثعم منكر الحديث ذاهب , وضعف حديث أبي هريرة في المسح ..

وضعف هذا الحديث مسلم كما في التمييز ص209 بقوله:
هذه الرواية في المسح عن أبي هريرة ليست بمحفوظة.

وكذلك ضعفها الدارقطني في العلل 1563.

وقد تقدم أن مسلم ضعف كل ما جاء عن أبي هريرة في المسح وكذلك أحمد والدارقطني كما في العلل 1563 وساق غير هاتين الروايتين عن أبي هريرة وضعفها كلها ثم ساق قول أحمد المتقدم.


وينبه أيضاً إلى أن ابن عبد البر في التمهيد 11/139 ذكر عن أبي زرعة عن أبي هريرة: أنه كان يمسح على خفيه ويقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أدخل رجليه في خفيه ... إلخ (أي روي من فعله أيضاً) وهذا مردود بأقوال الأئمة السابقة وقد رده العلامة الألباني كما في الصحيحة 3455.

وذكر الزيلعي في نصب الراية 1/174 عن ابن جريج عن أبي هريرة فعله أيضاً ولم أقف عليه وأظنه وهم.

ومن كانت لديه إضافة أو استدراك فليتفضل مشكوراً.

والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.