بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من اتبع هداه.
أما بعد:
فهذه دراسة حديثية لحديث "لَا يَخْرُجْ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ".
الطريق الأول:
أخرجه أبو داود في سننه باب كراهية الكلام عند الحاجة
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلَالِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا يَخْرُجْ الرَّجُلَانِ يَضْرِبَانِ الْغَائِطَ كَاشِفَيْنِ عَنْ عَوْرَتِهِمَا يَتَحَدَّثَانِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَمْقُتُ عَلَى ذَلِكَ
قَالَ أَبُو دَاوُد هَذَا لَمْ يُسْنِدْهُ إِلَّا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ
السند ضعيف لا يصلح حتى للاعتبار و فيه علتان:
الأولى: رواية عكرمة بن عمار عن يحي بن أبي كثير مضطربة.
قال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه : عكرمة مضطرب الحديثعن يحيى بن أبي كثير.
وقال أيضا عن أبيه: عكرمة مضطرب الحديث عن غير إياس بن سلمةوكان حديثه عن إياس صالحا.
وقال أبو زرعة الدمشقي سمعت أحمد يضعف رواية أيوب بن عتبة وعكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير وقال عكرمة أوثق الرجلين.
وقال ابن المديني أحاديث عكرمة عن يحيى بن أبي كثير ليست بذاك مناكير، كان يحيى بن سعيد يضعفها وقال في موضع آخر كان يحيى يضعف رواية أهل اليمامة مثل عكرمة وضربه.
وقال البخاري مضطرب في حديث يحيى بن أبي كثير ولم يكن عنده كتاب، وقال الآجري عن أبي داود ثقة وفي حديثه عن يحيى بن أبي كثير اضطراب.
وقال النسائي ليس به بأس إلا في حديث يحيى بن أبي كثير.
وقال أبو حاتم كان صدوقا وربما وهم في حديثه وربما دلس وفي حديثه عن يحيى بن أبي كثير بعض الأغاليط.
وقال الساجي صدوق وثقه أحمد ويحيى إلا أن يحيى بن سعيد ضعفه في أحاديثه عن يحيى بن أبي كثير وقدم ملازما عليه.
ذكره ابن حبان في الثقات وقال في روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب كان يحدث من غير كتابه وقال أبو أحمد الحاكم جل حديثه عن يحيى ليس بالقائم.
العلة الثانية: جهالة هلال بن عياض.
هلال بن عياض:مجهول عين لم يرو عنه غير يحي بن أبي كثير. و اختلف في اسمه فقيل عياض بن هلال و قيل هلال بن عياض.
جاء في ترجمته في تهذيب التهذيب:
عياض بن هلال وقيل ابن عبدالله وقيل ابن أبي زهير وقيل هلال ابن عياض الانصاري.
روى عن أبي سعيد الخدري.
وعنه يحيى بن أبي كثير.
قال الذهلي وأبو حاتم عياض بن هلال أشبه وقال ابن حبان في الثقات من زعم أنه هلال بن عياض فقد وهم.
له عندهم حديث في السهو وغيره وعند (د ق) حديث لا يخرج الرجلان يضربان الغائط.
قلت: وقال ابن خزيمة في صحيحه أحسب الوهم فيه عن عكرمة بن عمار حيث قال هلال بن عياض وهو عياض بن هلال روى عنه يحيى بن أبي كثير غير حديث وكذا رجح تسميته عياض بن هلال البخاري ومسلم في الوحدان والدارقطني.
قلت: وقول ابن خزيمة أن الوهم فيه من عكرمة فيه نظر لأن الأوزاعي سماه أيضا فيرويه عن يحيى بن أبي كثير عياض بن هلال مرة وهلال بن عياض مرة وكذا اختلف فيه بقية أصحاب يحيى بن أبي كثير فقال حرب وهشام وغيرهما عياض وقال ابن العطر هلال فالظاهر أن الاضطراب فيه من يحيى بن أبي كثير.
وأما قول من قال فيه عياض بن عبدالله وابن أبي زهير فهذا خلاف آخر وقد جعل الإمام علي بن المديني عياض بن أبي زهير غير عياض بن هلال فإنه قال عياض بن أبي زهير الفهري مجهول لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير وزيد بن أسلم.
قلت: وهذا عندي الصواب لأن عياض بن هلال أو هلال بن عياض أنصاري وأما هذا فإنه فهري فأنى يجتمعان وكان سبب الاشتباه أن يحيى بن أبي كثير روى عنهما جميعا لكن امتاز ابن أبي زهير برواية زيد بن أسلم عنه أيضا ويشبه أن يكون قول من قال عياض بن عبدالله أراد به ابن أبي زهير ويكون أبو زهير كنية عبدالله فالله أعلم. اه
أخرج الحديث من هذا الطريق كل من البيهقي في السنن الصغرى و الكبرى و النسائي في الكبرى و الحاكم في المستدرك و ابن خزيمة في صحيحه و أحمد في مسنده و ابن ماجة كلهم من طريق عكرمة بن عمار عن يحي به.
الطريق الثاني:
أخرجه الطبراني في الأوسط قال:
حدثنا أحمد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل المقرئ قال حدثنا جدي عبيد بن عقيل قال حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : لا يخرج اثنان إلى الغائط يجلسان يتحدثان كاشفان عن عورتهما فإن الله عز و جل يمقت على ذلك.
و أخرجه النسائي في الكبرى قال:
أخبرنا محمد بن عبد الله بن عبيد بن عقيل قال حدثنا جدي قال حدثنا عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال النبي صلى الله عليه و سلم : لا يخرج اثنان إلى الغائط فيجلسا كاشفين عن عورتهما فإن الله يمقت على ذلك.
قال أبو زيد: عبيد هذا صدوق و قد خالف جماعة من أصحاب عكرمة بن عمار فرواه عن عكرمة عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة، فيكون خالف من هو أوثق منه و أكثر عددا فتكون روايته من قبيل الشاذ.
و قد أشار إلى هذا الطبراني عند إيراده الحديث فقال " لم يرو هذا الحديث عن عكرمة عن يحيى عن أبي سلمة عن أبى هريرة إلا عبيد ورواه سفيان الثوري وغيره عن عكرمة بن عمار عن عياض بن هلال عن أبي سعيد الخدري".
الطريق الثالث:
أخرجه الدولابي في الأسماء و الكنى:
حدثنا إبراهيم بن هانئ أبو إسحاق النيسابوري ببغداد قال : ثنا محمد بن يزيد بن سنان قال : أنا يزيد عن يحيى بن أبي كثير قال : أخبرني خلاد أنه سمع أباه يقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « إذا خرج أحدكم يتغوط أو يبول فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها ، ولا يستقبل الريح ، وليتمسح ثلاث مرات ، وإذا خرج الرجلان جميعا فليتفرقا ، ولا يجلس أحدهما قريبا من صاحبه ، ولا يتحدثان ؛ فإن الله يمقت على ذلك »
و هذا السند ضعيف جدا بل منكر،فيه يزيد بن سنان ين يزيد و ابنه محمد:
قال أحمد بن أبي يحيى عن أحمد بن حنبل ضعيف،
وقال ابن معين ليس حديثه بشئ.
وقال ابن المديني ضعيف الحديث،
وقال البخاري مقارب الحديث إلا ان ابنه محمدا يروي عنه مناكير
وقال الآجري عن أبي داود ليس بشئ وابنه ليس بشئ
وقال النسائي ضعيف متروك الحديث،
و قال ابن عدي: له عن غير زيد أحاديث مسروقة عن الشيوخ وعامة حديثه غير محفوظ.
الطريق الرابع:
أخرجه أبو علي بن السكن فِي السنن الصِّحَاح المأثورة، قال:
حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني حدثنا مسكين بن بكير عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "إذا تغوط الرجلان فليتوار كل واحد منهما عن صاحبه ، ولا يتحدثان على طوقهما ، فإن الله يمقت على ذلك ".
كنت سأذهب إلى تصحيح هذا الطريق معتمدا في ذلك على ما قاله ابن القطان الفاسي في بيان الوهم و الإيهام، قال رحمه الله: " والآن فقد بلغنا إلى الغرض المقصود ، وهو أن للحديث طريقاً جيداً غير هذا.
قال أبو علي بن السكن : حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد ، حدثنا الحسن ابن أحمد بن أبي شعيب الحراني ، حدثنا مسكين بن بكير ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله. الحديث ".
و جاء كلامه هذا بعد ذكره للطرق المعلة من الحديث و بيان ما فيها من اضطراب، و زاد بعده بأن بيّن حال رجال الإسناد.
واعتمد الشيخ الإمام الألباني على كلام ابن القطان و قال رحمه الله: " والآن وقد أوقفنا ابن القطان- جزاه الله خيراً- على هذا السند الجيد من غير طريق عكرمة بن عمار، فقد وجب نقله من "ضعيف أبي داود"، إلى "صحيح أبي داود" ومن "ضعيف الجامع " إلى "صحيح الجامع "، و"ضعيف الترغيب " إلى "صحيح الترغيب "، و"ضعيف ابن ماجه " إلى "صحيح ابن ماجه "، ولفظه ولفظ أبي داود وغيرهما من طريق عكرمة نحو حديث الترجمة."
فمن باب أن من بركة العلم عزوه إلى أهله أقول أني سألت شيخنا أبا الحسن علي الرملي - حفظه الله - و قد كان أشكل عليّ هذا فأجابني حفظه الله و زاده من فضله بما يلي:
" وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
هذا وجه من وجوه الاضطراب الواقع في الحديث فالنظر في هذا الحديث ليس في صحة الإسناد ولكن في العلة الخفية التي فيه وهي الاضطراب التي عرفناها عن طريق جمع طرق الحديث .
تنبيه مهم : يجب أن ترجع إلى كتب العلل عند بحثك لأي حديث وتنظر ماذا قال أئمة العلل .
وقد رجعنا إلى أقوال الأئمة فوجنا أبا داود يقول : هذا لم يسنده إلا عكرمة بن عمار، وهو مرسل عندهم. حدثنا أبو سلمة، قال: حدثنا أبان، عن يحيى بن أبي كثير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو حديث عكرمة .
فصوّب المرسل .
وكذلك فعل أبو حاتم الرازي في العلل ، وإذا استحضرت أن رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير فيها اضطراب أصلا وإسنادك الذي ذكرته منها ؛ علمت صدق ما قاله هؤلاء الأئمة . وفقكم الله ."
قلت: كلام الشيخ حق و صواب فقد جاء في شرح علل الترمذي لابن رجب:
وذكر أحمد في رواية غير واحد من أصحابه : (( أن الأوزاعي كان لا يقيم حديث يحيى بن أبي كثير ، ولم يكن عنده في كتاب ، إنما كان يحدث به من حفظه ويهم فيه ، ويروي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي المهاجر ، وإنما هو أبو المهلب )) .
وتكلم الإمام أحمد في حديثه – أي الأوزاعي - عن يحيى بن أبي كثير خاصة ، وقال : (( لم يكن حفظه جيداً فيخطئ فيه ، وكان يروي عن يحيى بن أبي قلابة عن أبي المهاجر ، وإنما هو أبو المهلب )) .
وقال مهنا : سألت أحمد عن حديث الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير ؟ قال أحمد : كان كتاب الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قد ضاع منه فكان يحدث عن يحيى بن أبي كثير حفظاً )) .
فبهذا يتبيّن لنا أن رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير فيها من الاضطراب ما فيها خاصة إذا انضاف إلى هذا أنها جاءت من طريق آخر مرسلة كما في علل ابن أبي حاتم حيث قال –رحمه الله- :
وسمِعتُ أبِي يقُولُ فِي حدِيثٍ رواهُ عِكرِمةُ بنُ عمّارٍ ، عن يحيى بنِ أبِي كثِيرٍ ، عن هِلالِ بنِ عِياضٍ ، ويُقالُ أيضًا عِياضِ بنِ هِلالٍ ، عن أبِي سعِيدٍ الخُدرِيِّ ، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : أنّهُ نهى المُتغوِّطينِ أن يتحدّثا.
ورواهُ الأوزاعِيُّ ، عن يحيى بنِ أبِي كثِيرٍ ، عنِ النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، مُرسلا.
قال أبِي : الصّحِيحُ هذا ، يعنِي حدِيث الأوزاعِيِّ ، وحدِيثُ عِكرِمة وهمٌ.
فأرسلها تارة و وصلها أخرى.
و الصواب أن المرسلة هي أصح طرق الحديث لأن الرواية المرسلة عضدتها أختها فقد تابع أبان العطار الأوزاعيَّ في يحيى و روى الحديث مرسلا أيضا:
حدَّثنا أبو سَلَمَة ، قال : حدَّثنا أَبَان ، عن يَحيى بن أَبي كَثِير ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. نَحْوَ حديث عِكْرِمَة.
و أبان من أثبت الناس في يحيى، جاء في شرح العلل لابن رجب:
قال إسحاق بن هاني قلت لأبي عبد الله بن أحمد : (( أيما أحب إليك في حديث يحيى بن أبي كثير ؟ قال هشام أحب إلى ممن روى عن يحيى بن أبي كثير ، قلت : فحسين المعلم وحرب بن شداد وشيبان ؟ قال : هؤلاء ثقات . قلت له : فهمام ؟ قال : ليس منهم أصح حديثاً ولا أحب إلى من هشام ، قلت : فأبان العطار ، قال : هو مثل همام وشيبان )) .
و الله أعلم بالصواب و الحمد لله رب العالمين.
تعليق