بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده ،والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
أما بعد:
تفصيل الطرق والروايات وتخريجها
(1)
قال الإمام عبد الرزاق الصَّنْعاني في " تفسيره " :
أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال :
سئل ابن عباس عن قوله :.وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ ……؟
قال : " هي به كفر " .
كذا في " تفسير ابن كثير " ( 2 / 97 ) .
وعلَّقه أبو عُبيد في " الإيمان " ( ص 94 ) ، والبغوي في " معالم التنزيل " ( 2 / 260 ) .
قلتُ : معمر ؛ هو ابن راشد ، من كبار الأثبات .
وابن طاوس ؛ اسمه : عبد الله ، من فضلاء الثقات ، روى له الستة ، ووثقه جمعٌ غفيرٌ ؛ كأبي حاتم ، والنَّسائي ، وابن معين ، وابن خّلْفون ، والدارقطني ، وغيرهم .
انظر " تهذيب الكمال " ( 15 / 130 - 131 ) .
فالسند صحيحٌ .
ورواه ابنُ نصر في " تعظيم قدْر الصلاة " ( رقم 570 ) عن شيخين له عن عبد الرزاق به .
ورواه الطبري في " جامع البيان " ( 6 / 256 ) من طريق عبد الرزاق وقد زادوا كلهم جميعاً :
" قال ابن طاوس : وليسَ كمنْ كفرَ باللهِ وملائِكَتهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ " .
قلت : وقد وردت هذه الجملة من كلام ابن عباس نفسه في السند الآتي .
( 2 )
قال الإمام الطبري في " جامع البيان " ( 6 / 256 ) :
" حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ؟
وحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي :
عن سفيان عن معمر بن راشد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن
عباس : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ؛ قال : " هي به كُفْرٌ ، وليس كُفْراً بالله وملائكيته وكُتبه ورسله " .
قلت : ابن وكيع ؛ اسمه سفيان :
" كان صدوقاً ، إلا أنه ابتلى بورَّاقه ، فأدخل عليه ماليس من حديثه ، فنصح ، فلم يقبل ، فسقط حديثه " .
كذا قال ابن حجر في " التقريب " ( 2456 ) فيه .
وهنَّاد ؛ هو ابن السري .
ووكيع ؛ هو ابن الجراح .
ثقتان جليلان .
فالسند صحيح غاية ، ولا يضره سفيان ، فهو مقرون بهناد الثقة الإمام .
وهو متابع أيضاً :
فأخرجه ابن نصر في " الصلاة " ( رقم 571 ) قال :
" حدثنا إسحاق : أخبرنا وكيع … " .
ثم ذكره .
وإسحاق هذا هو ابن راهَوَيْهِ ، جبلُ الحفظِ .
ورواه ابن نصر في " الصلاة " ( رقم 572 ) بالسند نفسه ؛ إلا أنه زاد في أوله من قول طاوس :
قلت لابن عباس: من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ؟!
قال : " هو به كُفْرُه ، وليس …".
فذكره كسابقه .
ورواه الطبري ( 6 / 256 ) فقال :
" حدثني الحسن قال : حدثنا أبوأسامة عن سفيان عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال :
قال رجل لابن عباس في هذه الآيات : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ… فمن فعلَ هذا فقد كفر ؟
قال ابن عباس : " إذا فعل ذلك ؛ فهو به كُفْرٌ ، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر ، وبكذا وكذا " .
قلت : والحسن ؛ هو ابن يحيى العَبْديُّ ؛ قال أبو حاتم :
" صدوق " .
ووثقه ابن حبان .
واختار ابن حجر أنه :
" صدوق " .
وأبو أسامة ؛ هو حماد ابن أسامة ؛ ثقة ، لكنه رُمِيَ بالتدليس !
ولا يثبت ذلك عند النقد :
أول ذلك أن جمهور الأئمة على توثيقه ، ولم يذكره بتدليس إلا ابن سعدٍ ، فقال بعد أن وثقه :
" ... يدلِّس ، ويُبَيِّنُ (2) تدليسه " .
ونقل ابن حجر في " طبقات المدلسين " ( رقم 44 ) عن المُعَيْطِي(3) أنه قال :
" كان كثير التدليس ، ثم بعد ذلك تركه " .
وكذا نقلها الذهبي في " الميزان " ( 1 / 588 ) ، ثم عَقَّبَ في نهاية ترجمته بقوله - وقد صدرها بوصفه له : " أحد الأثبات " - :
" أبو أسامة ؛ لم أورده لشئ فيه ، ولكن لِيُعْرفَ أن هذا القول باطلٌ ".
يريد من رماه بسرقة الحديث .
فإذا اتضح ذلك ؛ فلا يضره من رماه بالتدليس ؛ كما شرحته(4) .
واختار هذا القول الدكتور بشَّار عواد معروف في تعليقه على " تهذيب الكمال " ( 7 / 224 ) .
والحمد لله على توفيقه .
فالسند حسن .
ولايضره إبهام من سأل ابن عباس ، فالخبر من روايته ، ولكنه رواية عنه صمن حكاية .
وفرق بين الصورتين ؛ كما يلاحظ المتأمل .
(3)
وقال الحافظ ابن نصر في " تعظيم قدر الصلاة " ( رقم 573 ) :
" حدثنا محمد بن يحيى : حدثنا عبد الرزاق عن سفيان عن رجل عن طاوس عن ابن عباس قال :
( كفرٌ لا ينقلُ عن الملة ) " .
قلت : محمد بن يحيى ؛ هو القُطَعي ؛ صدوق .
وبقية رجالهِ ثقات ؛ لولا إبهام الرجل !
فالسند ضعيف !
لكنه حسن في الشواهد .
ورواه ابن نصر ( رقم 574 ) ، والطبري ( 6 / 256 ) من طريق وكيع عن سفيان عن سعيد المكيِّ عن طاوس قال :
" ليس بكفر ينقل عن الملة " .
فجعله سعيد المكي من قول طاوس .
وسعيدٌ ح هو ابن حسان المخزوميُّ ؛ وثقه ابن معين ، وأبو داود ، والفسوي ، وابن سعد ، وابن حبان .
فإسناده هكذا صحيح .
فمنَ الممكن أنه تلقَّاه عمن سمعه منه ، ثمَّ أفتى به .
وهذا كثير في الروايات .
(4)
قال الإمام ابن أبي حاتم في " تفسيره "(5) :
" حدجثنا محمد بن عبدالله بن يزيد المقرئ : حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن جُحَيْر عن طاوس عن ابن عباس في قوله تعالى : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ؟
قال : ( ليس بالكفر الذي يذهبون إليه ) " .
ورواه ابن نصر في " الصلاة " ( رقم 569 ) ، وابن عبدالبر في " التمهيد " ( 4 / 237 ) من طريق سفيان به .
قلت : وهذا إسناد حسن في الشواهد .
محمد بن عبد الله ؛ قال ابن أبي حاتم :
" صدوق ثقة " .
وقال أبو حاتم :
" صدوق " .
وقال الخليليُّ :
" ثقة متفق عليه " .
وكذا وثقه النَّسائي ، وابن حِبَّان ، ومسلمة بن القاسم .
وسفيان بن عيينة ؛ لايسأل عن مثله .
وهشام بن حُجَيْر ؛ اختلف المنقولُ عن أهل العلم فيه ، وإن كان الأغلب فيما قيل فيه الجرح – على تأنٍّ – ؛ لذا اختار الحافظ ابن حَجَر في " التقريب " ( 7288 ) :
" صدوق له أوهام " ؟
وأورده في الفصل التاسع من " هدي الساري " ( ص 488 ) في سياق أسماء من طُعِنَ فيه من رجال البخاري " ؛ قائلاً :
" وثقه العِجْلي(6) ، وابن سعد(7) ، وضعفه يحيى القطان ، ويحيى بن معين … " .
قلت ووثقه أيضاً ابن حِبّان (8 ).
وقال الساجي (9) :
" صدوق " .
ووثقه ابن شاهين(10).
ولما ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والنعديل " ( 9 / 53 – 54 ) ناقلا أقوال مضعيفه ؛ ختمه بقول أبيه فيه :
" مكيّ يُكتب حديثه " .
قلت : وقد ذكر ابن أبي حاتم في " الجرح " ( 2 / 37 ) أن من ذُكروا مُعدَّلين في المرتبة الثانية والثالثة من درجات رواة الآثار ، فالقول فيهم أن الواحد منهم " يُكتب حديثه " ، ثم يتنوعون على اعتبار ماقيل فيهم :
فمنهم من : " يُكتب حديثه وينظر فيه " .
وهي المرتبة الثانية .
ومنهم من " يُكتب حديثه وينظر فيه " .
إلا أنه دون الثانية .
ومنهم من : " يُكتب حديثه للاعتبار " .
وهكذا ...
فليكن هشام من المرتبة الثالثة (11) .
فعلى هذا ؛ فإن الأخبار الأخرى الواردة عن ابن عباس بالأسانيد الثابتة في معنى الخبر نفسه تقوَّى خبره هذا ، ولاتردُّه ؛ كما سيأتي .
فهو حَسَنٌ لغيرهِ على أقلِّ الأحوالِ .
(5)
وروى الأثر السابق : الحاكم في " امستدرك " ( 2 / 313 ) ، وعنه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 8 / 20 ) ؛ من طريق عليّ بن حرب عن سفيان به بلفظ :
" إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه ، إنه ليس كفراً ينقُلُ عن الملة ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ؛ كفر دون كفرٍ ".
ورواه سعيد بن منصور ، والفِرْيابي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وزاد بعضهم :
" ... وظلمٌ دونَ ظلمٍ ، وفسقٌ دون فسق " .
كذا في " الدر المنثور " ( 3 / 87 ) للسيوطي .
وقد قال الحاكم بعد إخراجه :
" هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه " !
ووافقه الذهبيُّ !
وكذا ابنُ كثير في " تفسيره " ( 2 / 97 ) !
والقول فيه ما ذكر آنفاً .
(6)
وقال الإمام ابن جرير في " تفسيره " ( 6 / 257 ) :
" حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني مُعاوية ابن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ؛ قال :
" من جحد ماأنزل الله ؛ فقد كفر ، ومن أقرَّ به ، ولم يحكم ؛ فهز ظالم فاسق " .
وأخرجه ابنُ المنذر ، وابنُ أبي حاتم .
كذا في " الدر المنثور " ( 3 / 87 ) .
قلت : عبد الله بن صالح ؛ هو كاتب الليثِ ، وثقه بعض الأئمة ، وجرحه بعض آخر جرحاً مفسراً ، وجامع القولِ فيه ماقاله ابن حَجَر في " التقريب " ( 3388 ) :
" صدوق كثير الغلط ، ثَبْتٌ في كتابه ، وكانت فيه غَفْلَةٌ " .
ورواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس منقطعة .
قاله جماعة من أهل العلم .
انظر " جامع التحصيل " ( ص 240 - 241 ) .
(7)
" نِعْمَ القومُ أنتم ؛ إن كان ما كان من حُلْوِ ؛ فهو لكم ، وما كان من مٌرٍّ ؛ فهو لأهل الكتاب ، كأنه يرى أن ذلك ليس في المسلمين : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ " .
أخرجه ابن المنذر .
كذا في " الرد المنثور " ( 3 / 88 ) .
ولم أقف على سنده .
لكن روى ابن جرير ( 6 / 252 ) من طريق حبيب بن أبي ثابت عن أبي البَخْتَري عن حُذَيْفَة نحوه .
وأبو البَخْتَري ؛ اسمه سعيد بن فيروز ؛ ثقة ، لكنه يُرْسِلُ ، وقد أرْسَلَ عن ابن مسعود .
كذا في " جامع التحصيل " (ص 183 ) .
وحبيبُ بن أبي ثابت ؛ مدلِّس – على ثقته - ، وقد عنعنه !
ولكن له طريقاً أخرى :
أخرجه الحاكم في " المستدرك " ( 2 / 312 ) من طريق جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن همام قال :
" كُنَّا عند حُذَيْفَة ... " .
فذكر نحوه .
قلتُ : همَّام ؛ هو ابن الحارث ؛ ثقةٌ عابدٌ .
وإبراهيم ؛ هو النخعي ؛ ثقة جليل .
وباقي رجاله معروفون ، وهم أئمة أثباتٌ .
وصحَّحه الحاكم على شرط الشخين .
ووافقه الذهبيُّ .
وهو كما قالا .
(
عن ابن عباس قال :
" إنما نَزَّلَ الله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ، و الظَّالمون ، و الفاسقون ؛ في اليهود خاصَّة " .
رواه سعيد بن منصور ، وأبو الشيخ وابن مَرْدَوَيْه .
كذا في " الدر المنثور " ( 3 / 83 ) .
ولم أقف على سنده .
وفي " صحيح مسلم " ( رقم 1700 ) ، و " سنن أبي داود ( 4448 ) ، و " مسند أحمد " ( 4 / 286 ) عن البَراء بن عازب عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال :
" هي في الكُفَّارِ كُلُّها " .
ورواه - أيضاً – ابن ماجه ( 2558 ) ، والنسائي في " الكبرى " - كما في " تحفة الأشراف " ( 2 / 23 ) - ، والطبري ( 6 / 254 ) ، والواحدي في " أسباب النزول " ( ص 226 ) ، وابن النحَّاس في " الناسخ والمنسوخ " ( ص 161 ) .
نقلته مع تصرف.
الحمد لله وحده ،والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
أما بعد:
تفصيل الطرق والروايات وتخريجها
(1)
قال الإمام عبد الرزاق الصَّنْعاني في " تفسيره " :
أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال :
سئل ابن عباس عن قوله :.وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ ……؟
قال : " هي به كفر " .
كذا في " تفسير ابن كثير " ( 2 / 97 ) .
وعلَّقه أبو عُبيد في " الإيمان " ( ص 94 ) ، والبغوي في " معالم التنزيل " ( 2 / 260 ) .
قلتُ : معمر ؛ هو ابن راشد ، من كبار الأثبات .
وابن طاوس ؛ اسمه : عبد الله ، من فضلاء الثقات ، روى له الستة ، ووثقه جمعٌ غفيرٌ ؛ كأبي حاتم ، والنَّسائي ، وابن معين ، وابن خّلْفون ، والدارقطني ، وغيرهم .
انظر " تهذيب الكمال " ( 15 / 130 - 131 ) .
فالسند صحيحٌ .
ورواه ابنُ نصر في " تعظيم قدْر الصلاة " ( رقم 570 ) عن شيخين له عن عبد الرزاق به .
ورواه الطبري في " جامع البيان " ( 6 / 256 ) من طريق عبد الرزاق وقد زادوا كلهم جميعاً :
" قال ابن طاوس : وليسَ كمنْ كفرَ باللهِ وملائِكَتهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ " .
قلت : وقد وردت هذه الجملة من كلام ابن عباس نفسه في السند الآتي .
( 2 )
قال الإمام الطبري في " جامع البيان " ( 6 / 256 ) :
" حدثنا هناد قال : حدثنا وكيع ؟
وحدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي :
عن سفيان عن معمر بن راشد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن
عباس : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ؛ قال : " هي به كُفْرٌ ، وليس كُفْراً بالله وملائكيته وكُتبه ورسله " .
قلت : ابن وكيع ؛ اسمه سفيان :
" كان صدوقاً ، إلا أنه ابتلى بورَّاقه ، فأدخل عليه ماليس من حديثه ، فنصح ، فلم يقبل ، فسقط حديثه " .
كذا قال ابن حجر في " التقريب " ( 2456 ) فيه .
وهنَّاد ؛ هو ابن السري .
ووكيع ؛ هو ابن الجراح .
ثقتان جليلان .
فالسند صحيح غاية ، ولا يضره سفيان ، فهو مقرون بهناد الثقة الإمام .
وهو متابع أيضاً :
فأخرجه ابن نصر في " الصلاة " ( رقم 571 ) قال :
" حدثنا إسحاق : أخبرنا وكيع … " .
ثم ذكره .
وإسحاق هذا هو ابن راهَوَيْهِ ، جبلُ الحفظِ .
ورواه ابن نصر في " الصلاة " ( رقم 572 ) بالسند نفسه ؛ إلا أنه زاد في أوله من قول طاوس :
قلت لابن عباس: من لم يحكم بما أنزل الله فهو كافر ؟!
قال : " هو به كُفْرُه ، وليس …".
فذكره كسابقه .
ورواه الطبري ( 6 / 256 ) فقال :
" حدثني الحسن قال : حدثنا أبوأسامة عن سفيان عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال :
قال رجل لابن عباس في هذه الآيات : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ… فمن فعلَ هذا فقد كفر ؟
قال ابن عباس : " إذا فعل ذلك ؛ فهو به كُفْرٌ ، وليس كمن كفر بالله واليوم الآخر ، وبكذا وكذا " .
قلت : والحسن ؛ هو ابن يحيى العَبْديُّ ؛ قال أبو حاتم :
" صدوق " .
ووثقه ابن حبان .
واختار ابن حجر أنه :
" صدوق " .
وأبو أسامة ؛ هو حماد ابن أسامة ؛ ثقة ، لكنه رُمِيَ بالتدليس !
ولا يثبت ذلك عند النقد :
أول ذلك أن جمهور الأئمة على توثيقه ، ولم يذكره بتدليس إلا ابن سعدٍ ، فقال بعد أن وثقه :
" ... يدلِّس ، ويُبَيِّنُ (2) تدليسه " .
ونقل ابن حجر في " طبقات المدلسين " ( رقم 44 ) عن المُعَيْطِي(3) أنه قال :
" كان كثير التدليس ، ثم بعد ذلك تركه " .
وكذا نقلها الذهبي في " الميزان " ( 1 / 588 ) ، ثم عَقَّبَ في نهاية ترجمته بقوله - وقد صدرها بوصفه له : " أحد الأثبات " - :
" أبو أسامة ؛ لم أورده لشئ فيه ، ولكن لِيُعْرفَ أن هذا القول باطلٌ ".
يريد من رماه بسرقة الحديث .
فإذا اتضح ذلك ؛ فلا يضره من رماه بالتدليس ؛ كما شرحته(4) .
واختار هذا القول الدكتور بشَّار عواد معروف في تعليقه على " تهذيب الكمال " ( 7 / 224 ) .
والحمد لله على توفيقه .
فالسند حسن .
ولايضره إبهام من سأل ابن عباس ، فالخبر من روايته ، ولكنه رواية عنه صمن حكاية .
وفرق بين الصورتين ؛ كما يلاحظ المتأمل .
(3)
وقال الحافظ ابن نصر في " تعظيم قدر الصلاة " ( رقم 573 ) :
" حدثنا محمد بن يحيى : حدثنا عبد الرزاق عن سفيان عن رجل عن طاوس عن ابن عباس قال :
( كفرٌ لا ينقلُ عن الملة ) " .
قلت : محمد بن يحيى ؛ هو القُطَعي ؛ صدوق .
وبقية رجالهِ ثقات ؛ لولا إبهام الرجل !
فالسند ضعيف !
لكنه حسن في الشواهد .
ورواه ابن نصر ( رقم 574 ) ، والطبري ( 6 / 256 ) من طريق وكيع عن سفيان عن سعيد المكيِّ عن طاوس قال :
" ليس بكفر ينقل عن الملة " .
فجعله سعيد المكي من قول طاوس .
وسعيدٌ ح هو ابن حسان المخزوميُّ ؛ وثقه ابن معين ، وأبو داود ، والفسوي ، وابن سعد ، وابن حبان .
فإسناده هكذا صحيح .
فمنَ الممكن أنه تلقَّاه عمن سمعه منه ، ثمَّ أفتى به .
وهذا كثير في الروايات .
(4)
قال الإمام ابن أبي حاتم في " تفسيره "(5) :
" حدجثنا محمد بن عبدالله بن يزيد المقرئ : حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن جُحَيْر عن طاوس عن ابن عباس في قوله تعالى : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ؟
قال : ( ليس بالكفر الذي يذهبون إليه ) " .
ورواه ابن نصر في " الصلاة " ( رقم 569 ) ، وابن عبدالبر في " التمهيد " ( 4 / 237 ) من طريق سفيان به .
قلت : وهذا إسناد حسن في الشواهد .
محمد بن عبد الله ؛ قال ابن أبي حاتم :
" صدوق ثقة " .
وقال أبو حاتم :
" صدوق " .
وقال الخليليُّ :
" ثقة متفق عليه " .
وكذا وثقه النَّسائي ، وابن حِبَّان ، ومسلمة بن القاسم .
وسفيان بن عيينة ؛ لايسأل عن مثله .
وهشام بن حُجَيْر ؛ اختلف المنقولُ عن أهل العلم فيه ، وإن كان الأغلب فيما قيل فيه الجرح – على تأنٍّ – ؛ لذا اختار الحافظ ابن حَجَر في " التقريب " ( 7288 ) :
" صدوق له أوهام " ؟
وأورده في الفصل التاسع من " هدي الساري " ( ص 488 ) في سياق أسماء من طُعِنَ فيه من رجال البخاري " ؛ قائلاً :
" وثقه العِجْلي(6) ، وابن سعد(7) ، وضعفه يحيى القطان ، ويحيى بن معين … " .
قلت ووثقه أيضاً ابن حِبّان (8 ).
وقال الساجي (9) :
" صدوق " .
ووثقه ابن شاهين(10).
ولما ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح والنعديل " ( 9 / 53 – 54 ) ناقلا أقوال مضعيفه ؛ ختمه بقول أبيه فيه :
" مكيّ يُكتب حديثه " .
قلت : وقد ذكر ابن أبي حاتم في " الجرح " ( 2 / 37 ) أن من ذُكروا مُعدَّلين في المرتبة الثانية والثالثة من درجات رواة الآثار ، فالقول فيهم أن الواحد منهم " يُكتب حديثه " ، ثم يتنوعون على اعتبار ماقيل فيهم :
فمنهم من : " يُكتب حديثه وينظر فيه " .
وهي المرتبة الثانية .
ومنهم من " يُكتب حديثه وينظر فيه " .
إلا أنه دون الثانية .
ومنهم من : " يُكتب حديثه للاعتبار " .
وهكذا ...
فليكن هشام من المرتبة الثالثة (11) .
فعلى هذا ؛ فإن الأخبار الأخرى الواردة عن ابن عباس بالأسانيد الثابتة في معنى الخبر نفسه تقوَّى خبره هذا ، ولاتردُّه ؛ كما سيأتي .
فهو حَسَنٌ لغيرهِ على أقلِّ الأحوالِ .
(5)
وروى الأثر السابق : الحاكم في " امستدرك " ( 2 / 313 ) ، وعنه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 8 / 20 ) ؛ من طريق عليّ بن حرب عن سفيان به بلفظ :
" إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه ، إنه ليس كفراً ينقُلُ عن الملة ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ؛ كفر دون كفرٍ ".
ورواه سعيد بن منصور ، والفِرْيابي ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وزاد بعضهم :
" ... وظلمٌ دونَ ظلمٍ ، وفسقٌ دون فسق " .
كذا في " الدر المنثور " ( 3 / 87 ) للسيوطي .
وقد قال الحاكم بعد إخراجه :
" هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه " !
ووافقه الذهبيُّ !
وكذا ابنُ كثير في " تفسيره " ( 2 / 97 ) !
والقول فيه ما ذكر آنفاً .
(6)
وقال الإمام ابن جرير في " تفسيره " ( 6 / 257 ) :
" حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني مُعاوية ابن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : قوله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ؛ قال :
" من جحد ماأنزل الله ؛ فقد كفر ، ومن أقرَّ به ، ولم يحكم ؛ فهز ظالم فاسق " .
وأخرجه ابنُ المنذر ، وابنُ أبي حاتم .
كذا في " الدر المنثور " ( 3 / 87 ) .
قلت : عبد الله بن صالح ؛ هو كاتب الليثِ ، وثقه بعض الأئمة ، وجرحه بعض آخر جرحاً مفسراً ، وجامع القولِ فيه ماقاله ابن حَجَر في " التقريب " ( 3388 ) :
" صدوق كثير الغلط ، ثَبْتٌ في كتابه ، وكانت فيه غَفْلَةٌ " .
ورواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس منقطعة .
قاله جماعة من أهل العلم .
انظر " جامع التحصيل " ( ص 240 - 241 ) .
(7)
" نِعْمَ القومُ أنتم ؛ إن كان ما كان من حُلْوِ ؛ فهو لكم ، وما كان من مٌرٍّ ؛ فهو لأهل الكتاب ، كأنه يرى أن ذلك ليس في المسلمين : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ " .
أخرجه ابن المنذر .
كذا في " الرد المنثور " ( 3 / 88 ) .
ولم أقف على سنده .
لكن روى ابن جرير ( 6 / 252 ) من طريق حبيب بن أبي ثابت عن أبي البَخْتَري عن حُذَيْفَة نحوه .
وأبو البَخْتَري ؛ اسمه سعيد بن فيروز ؛ ثقة ، لكنه يُرْسِلُ ، وقد أرْسَلَ عن ابن مسعود .
كذا في " جامع التحصيل " (ص 183 ) .
وحبيبُ بن أبي ثابت ؛ مدلِّس – على ثقته - ، وقد عنعنه !
ولكن له طريقاً أخرى :
أخرجه الحاكم في " المستدرك " ( 2 / 312 ) من طريق جرير عن الأعمش عن إبراهيم عن همام قال :
" كُنَّا عند حُذَيْفَة ... " .
فذكر نحوه .
قلتُ : همَّام ؛ هو ابن الحارث ؛ ثقةٌ عابدٌ .
وإبراهيم ؛ هو النخعي ؛ ثقة جليل .
وباقي رجاله معروفون ، وهم أئمة أثباتٌ .
وصحَّحه الحاكم على شرط الشخين .
ووافقه الذهبيُّ .
وهو كما قالا .
(
عن ابن عباس قال :
" إنما نَزَّلَ الله : وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ ، و الظَّالمون ، و الفاسقون ؛ في اليهود خاصَّة " .
رواه سعيد بن منصور ، وأبو الشيخ وابن مَرْدَوَيْه .
كذا في " الدر المنثور " ( 3 / 83 ) .
ولم أقف على سنده .
وفي " صحيح مسلم " ( رقم 1700 ) ، و " سنن أبي داود ( 4448 ) ، و " مسند أحمد " ( 4 / 286 ) عن البَراء بن عازب عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال :
" هي في الكُفَّارِ كُلُّها " .
ورواه - أيضاً – ابن ماجه ( 2558 ) ، والنسائي في " الكبرى " - كما في " تحفة الأشراف " ( 2 / 23 ) - ، والطبري ( 6 / 254 ) ، والواحدي في " أسباب النزول " ( ص 226 ) ، وابن النحَّاس في " الناسخ والمنسوخ " ( ص 161 ) .
نقلته مع تصرف.