[ بحوث ودراسات ]
تخريج آثار الصَّحابة في زكاة مال الصَّبـي واليـتيم
بقلم :
الشَّيخ الفاضل عمر حمرون الجزائري حفظه الله
أستاذ بمعهد القراءات بالجزائر العاصمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أمَّا بعد :
فمن المسائل التي تنازع العلماء قديما وحديثا مسألة مال الصبي غير البالغ إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول ، هل تجب فيه الزكاة كمال البالغ أم لا ؟
تلخيص هذا النـزاع في أربعة أقوال وهي :
القول الأول : أن مال الصبي كمال البالغ ولا فرق ، وعلى من ولي أمر هذا الصبي أن يخرج هذه الزكاة من ماله ، وهو مذهب جماهير العلماء ، هو قول مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله .
القول الثاني : أن مال الصبي فيه الزكاة ولكن يحصيها عليه الولي ، فإذا بلغ الطفل أعلمه ليزكي عن نفسه .
وهذا القول مروي عن ابن مسعود رضي الله عنه كما سيأتي
القول الثالث : أنه لا زكاة عليه إلا في الزروع والثمار ، وقد عزا ابن حزم هذا القول لأبي حنيفة ، وقال : " لا نعلم أحدا تقدمه إلى هذا التقسيم " ، انظر المحلى (5/205) ، وعزاه الخطَّابي لأصحاب الرَّأي .
القول الرابع : أنه لا زكاة في مال الصبي مطلقا ، وقد حكاه ابن حزم عن إبراهيم النخعي وشريح ، انظر المحلى : (5/205) .
قلت : وهو مذهب الحسن البصري والشعبي وغيرهما ، انظر : " مصنف ابن أبي شيبة " (2/380) ، وانظر لهذه الأقوال الأربعة " معالم السنن " للخطابي (2/243) .
وسبب تـنازع العلماء في هذه المسألة :
هو عدم ورود دليل خاص يبين حكم مال الصبي .
وأما أدلة المسألة العامة : فهي متعارضة ، إذ من أوجب الزكاة في مال الصبي فإنه يستدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن في حديث ابن عباس رضي الله عنهما : " فأخبركم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم " .
قالوا : فكما أن اليتيم أو الصبي داخل في قوله : " وتردُّ على فقرائهم " فهو داخل أيضا في قوله : " تؤخذ من أغنيائهم " .
قال الخطابي : " وقد يستدل من يذهب إلى وجوب الزكاة في مال اليتيم وذلك أنه لما كان معدودا من جملة الفقراء الذين تقسم فيهم الزكاة كان معدودا في جملة الأغنياء الذين تجب عليهم الزكاة ، إذ كان آخر الكلام معطوفا على أوله " إ.هـ [ من معالم السنن ( 2/242،243) ]
واحتج الذين لم يروا وجوب الزكاة في مال الصبي بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " رفع القلم عن ثلاث ... وذكر منهم : الصبي حتى يحتلم " .
قالوا : فكما لا تجب عليه الصلاة وغيرها من العبادات فلا تجب في ماله الزكاة .
وقد جرت عادة العلماء المحققين في مثل هذه المسائل التي يكثر فيها النـزاع دون أن يوجد نصّ خاص يُرجِّح أحد الأقوال .
أقول : جارت عادتهم بالرجوع إلى آثار الصَّحابة وفتاويهم وبالرجوع إلى آثارهم في هذه المسألة وجدناهم يفتون بوجوب إخراج الزكاة من مال اليتيم أو الصبي .
وقد صح ذلك عن عمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله ، وجابر ، وعائشة ، وروي عن علي رضي الله عنهم جميعا .
ولذلك قال الإمام أحمد : " خمسة من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم يزكون مال اليتيم " ، انظر : شرح الزركشي (2/414) .
وقال ابن حزم بعد أن ذكر بعض الآثار : " ولا نعلم لمن ذكرنا مخالفنا من الصحابة إلا رواية ضعيفة عن ابن عباس فيها ابن لهيعة " إ.هـ [ من المحلى (5/20 ]
قلت : وسيأتي تخريجها قريبا ، إن شاء الله تعالى ...
ولنشرع الآن في تخريج تلك الآثار المشار إليها :
** أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
روي البيهقي في " سننه الكبرى " (4/179 ،180) من طريق الدارقطني عن سعيد بن المسيَّب أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة "
قال البيهقي : " هذا إسناد صحيح وله شواهد عن عمر رضي الله عنه.
ونقل الشَّيخ الألباني في الإرواء (4/259) تصحيح البيهقي ولم يتعقبه بشيء
قلت : وقد اختُلِف في سماع ابن المسيّب من عمر بن الخطاب فأثبته الإمام أحمد ونفاه القطان وغيره ، ومال الحافظ ابن حجر إلى إثبات سماعه منه .
ولهذا الإسناد شواهد يتقوَّى بها .
فقد جاء عن عمر رضي الله عنه من طريق كل من: الزهري ومكحول عند ابن أبي شيبة (2/379) ، ومن طريق ابن سيرين وطاووس ومجاهد عند عبد الرزاق في مصنفه(4/67،69).
وهذه الطرق وإن كانت مرسلة بين هؤلاء وعمر إلا أنها يقوي بعضها بعض ، فيصح بها أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
** أثر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :
روى البيهقي (4/181) من طريق الشافعي قال : حدثنا سفيان - وهو ابن عيينة - عن أيوب عن نافع عن ابن عمر : " أنه كان يزكي مال اليتيم "
قلت : وهذا سند صحيح .
ورواه ابن أبي شيبة (2/379) من طريق ليث عن نافع عن ابن عمر ، وليث فيه ضعف .
ورواه عبد الرزاق (4/69) من طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر .
وعبد الله بن عمر المكَبَّر فيه ضعف أيضا
ومجموع هذه الطرق يزيد الأثر قوة وصحة
فالحاصل أن أثر ابن عمر رضي الله عنهما في إخراج مال الصبي صحيح ثابت .
** أثر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما :
روى عبد الرزاق في المصنَّف (4/66) عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد الله يقول يلي مال اليتيم ، قال جابر : " يعطي زكاته "
قلت : وهذا سند صحيح .
وله طريق آخر عن أبي الزبير عن جابر عند ابن أبي شيبة (2/379) .
** أثر عائشة رضي الله عنها :
روى عبد الرزاق (4/66،67) وابن أبي شيبة (2/379) من طرق عدَّة عن القاسم ابن محمد قال : " كنا يتامى في حجر عائشة فكانت تزكي أموالنا "
قلت : هذا سند صحيح أيضا .
** أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
روى البيهقي (4/180) من طريق سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن بعض ولد أبي رافع قال : " كان علي رضي الله عنه يزكي أموالنا ونحن يتامى "
قلت : وقد سمى ابن حزم في " المحلى " ولد أبي رافع فقال : عن عبيد الله بن رافع ، وهو كذلك في " مصنف عبد الرزاق " ، وهذا سند ضعيف فيه حبيب وهو مدلس وقد عنعن .
وقد رواه البيهقي (4/180) والدارقطني (2/109) والبخاري في التاريخ (4/302) من طرق عن أشعث عن حبيب بن أبي ثابت عن صلت المكي عن ابن أبي رافع .
وهذه الرواية إن ثبتت فإنها تدل على أن حبيب بن ثابت قد دلس في الإسناد السابق وأسقط الصلت المكي ، والصلت هذا مجهول ، انفرد بالرواية عنه حبيب ، ولم يوثقه إلا ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل ، وقد ترجمه البخاري في التاريخ فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا .
وإنما قلت آنفا : وهذه الرواية إن ثبتت ، لأن أشعث بن سوّار ضعيف كما في التقريب .
وعلى كلٍّ فهذا الطريق فيه ضعف .
ولأثر علي هذا طريق آخر يروية ابن أبي شيبة (2/37 والبيهقي (4/181) عن شريك عن أبي اليقظان عن عبد الرحمن بن أبي ليلي أن عليا رضي الله عنه زكى أموال بني رافع ، قال : فلما دفعها إليهم وجدوها بنقص ، فقالوا : إنا وجدناها بنقص ، فقال علي رضي الله عنه : أترون أنه يكون عندي مال لا أزكيه .
واللَّفظ للبيهقي ، ولفظ ابن أبي شيبة : " ترون كنت أَلِي مالا لا أزكيه " .
قلت : وهذا سند ضعيف ، فشريك هو ابن عبد الله القاضي ضعيف .
وشيخه أبو اليقظان هو عثمان بن عمير ضعيف مدلس وكان شيعيًّا .
ولعل أثر علي رضي الله عنه يتقوى بمجموع هذين الطريقين لخلوهما من الضعف الشديد ، والله أعلم .
** أثر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :
روى الدارقطني (2/112) من طريق ابن لهيعه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لا يجب على مال الصغير زكاة حتى تجب عليه الصلاة "
قال الدارقطني : وابن لهيعه لا يحتج به .
قلت : فلا يصح الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وقد سبق قول ابن حزم في " المحلى " (5/20 : " ولا نعلم لمن ذكرنا مخالفا من الصحابة إلا رواية ضعيفة عن ابن عباس فيها ابن لهيعة : إ.هـ .
وضعفه أيضا البيهقي في " سننه الكبرى " (4/182) بابن لهيعة .
** أثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
روى ابن أبي شيبة (2/379) والبيهقي (4/181) عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن مسعود قال : " من ولي مال يتيم فليحص عليه السنين ، فإذا دفع إليه ماله أخبره بما فيه من الزكاة ، فإن شاء زكي وإن شاء ترك "
قلت : هذا سند ضعيف فيه علتان :
ليث بن أبي سليم ضعيف ، ومجاهد لم يدرك ابن مسعود .
وبهما أعلَّه البيهقي في " سننه الكبرى " ونقل عن الشافعي رحمه الله إعلاله للأثر بالعلتين .
* الخلاصة :
وحاصل ما ذكر في هذه الورقات أنه ثبت عن جمع من الصَّحابة رضي الله عنهم القول بإخراج الزكاة من مال الصبي إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول ، ولا يعرف لهم مخالف في ذلك من الصَّحابة إلا ما يروي عن ابن مسعود وابن عباس إلا أنه لا يصح عنهما .
وهذا ما يرجح مذهب جماهير أهل العلم في وجوب الزكاة مال الصـبي .
والعلم عند الله تعالى ...
فمن المسائل التي تنازع العلماء قديما وحديثا مسألة مال الصبي غير البالغ إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول ، هل تجب فيه الزكاة كمال البالغ أم لا ؟
تلخيص هذا النـزاع في أربعة أقوال وهي :
القول الأول : أن مال الصبي كمال البالغ ولا فرق ، وعلى من ولي أمر هذا الصبي أن يخرج هذه الزكاة من ماله ، وهو مذهب جماهير العلماء ، هو قول مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله .
القول الثاني : أن مال الصبي فيه الزكاة ولكن يحصيها عليه الولي ، فإذا بلغ الطفل أعلمه ليزكي عن نفسه .
وهذا القول مروي عن ابن مسعود رضي الله عنه كما سيأتي
القول الثالث : أنه لا زكاة عليه إلا في الزروع والثمار ، وقد عزا ابن حزم هذا القول لأبي حنيفة ، وقال : " لا نعلم أحدا تقدمه إلى هذا التقسيم " ، انظر المحلى (5/205) ، وعزاه الخطَّابي لأصحاب الرَّأي .
القول الرابع : أنه لا زكاة في مال الصبي مطلقا ، وقد حكاه ابن حزم عن إبراهيم النخعي وشريح ، انظر المحلى : (5/205) .
قلت : وهو مذهب الحسن البصري والشعبي وغيرهما ، انظر : " مصنف ابن أبي شيبة " (2/380) ، وانظر لهذه الأقوال الأربعة " معالم السنن " للخطابي (2/243) .
وسبب تـنازع العلماء في هذه المسألة :
هو عدم ورود دليل خاص يبين حكم مال الصبي .
وأما أدلة المسألة العامة : فهي متعارضة ، إذ من أوجب الزكاة في مال الصبي فإنه يستدل بعموم قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن في حديث ابن عباس رضي الله عنهما : " فأخبركم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردُّ على فقرائهم " .
قالوا : فكما أن اليتيم أو الصبي داخل في قوله : " وتردُّ على فقرائهم " فهو داخل أيضا في قوله : " تؤخذ من أغنيائهم " .
قال الخطابي : " وقد يستدل من يذهب إلى وجوب الزكاة في مال اليتيم وذلك أنه لما كان معدودا من جملة الفقراء الذين تقسم فيهم الزكاة كان معدودا في جملة الأغنياء الذين تجب عليهم الزكاة ، إذ كان آخر الكلام معطوفا على أوله " إ.هـ [ من معالم السنن ( 2/242،243) ]
واحتج الذين لم يروا وجوب الزكاة في مال الصبي بعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " رفع القلم عن ثلاث ... وذكر منهم : الصبي حتى يحتلم " .
قالوا : فكما لا تجب عليه الصلاة وغيرها من العبادات فلا تجب في ماله الزكاة .
وقد جرت عادة العلماء المحققين في مثل هذه المسائل التي يكثر فيها النـزاع دون أن يوجد نصّ خاص يُرجِّح أحد الأقوال .
أقول : جارت عادتهم بالرجوع إلى آثار الصَّحابة وفتاويهم وبالرجوع إلى آثارهم في هذه المسألة وجدناهم يفتون بوجوب إخراج الزكاة من مال اليتيم أو الصبي .
وقد صح ذلك عن عمر بن الخطاب ، وابنه عبد الله ، وجابر ، وعائشة ، وروي عن علي رضي الله عنهم جميعا .
ولذلك قال الإمام أحمد : " خمسة من أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم يزكون مال اليتيم " ، انظر : شرح الزركشي (2/414) .
وقال ابن حزم بعد أن ذكر بعض الآثار : " ولا نعلم لمن ذكرنا مخالفنا من الصحابة إلا رواية ضعيفة عن ابن عباس فيها ابن لهيعة " إ.هـ [ من المحلى (5/20 ]
قلت : وسيأتي تخريجها قريبا ، إن شاء الله تعالى ...
ولنشرع الآن في تخريج تلك الآثار المشار إليها :
** أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه :
روي البيهقي في " سننه الكبرى " (4/179 ،180) من طريق الدارقطني عن سعيد بن المسيَّب أنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : " ابتغوا في أموال اليتامى لا تأكلها الصدقة "
قال البيهقي : " هذا إسناد صحيح وله شواهد عن عمر رضي الله عنه.
ونقل الشَّيخ الألباني في الإرواء (4/259) تصحيح البيهقي ولم يتعقبه بشيء
قلت : وقد اختُلِف في سماع ابن المسيّب من عمر بن الخطاب فأثبته الإمام أحمد ونفاه القطان وغيره ، ومال الحافظ ابن حجر إلى إثبات سماعه منه .
ولهذا الإسناد شواهد يتقوَّى بها .
فقد جاء عن عمر رضي الله عنه من طريق كل من: الزهري ومكحول عند ابن أبي شيبة (2/379) ، ومن طريق ابن سيرين وطاووس ومجاهد عند عبد الرزاق في مصنفه(4/67،69).
وهذه الطرق وإن كانت مرسلة بين هؤلاء وعمر إلا أنها يقوي بعضها بعض ، فيصح بها أثر عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
** أثر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :
روى البيهقي (4/181) من طريق الشافعي قال : حدثنا سفيان - وهو ابن عيينة - عن أيوب عن نافع عن ابن عمر : " أنه كان يزكي مال اليتيم "
قلت : وهذا سند صحيح .
ورواه ابن أبي شيبة (2/379) من طريق ليث عن نافع عن ابن عمر ، وليث فيه ضعف .
ورواه عبد الرزاق (4/69) من طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر .
وعبد الله بن عمر المكَبَّر فيه ضعف أيضا
ومجموع هذه الطرق يزيد الأثر قوة وصحة
فالحاصل أن أثر ابن عمر رضي الله عنهما في إخراج مال الصبي صحيح ثابت .
** أثر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما :
روى عبد الرزاق في المصنَّف (4/66) عن ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر ابن عبد الله يقول يلي مال اليتيم ، قال جابر : " يعطي زكاته "
قلت : وهذا سند صحيح .
وله طريق آخر عن أبي الزبير عن جابر عند ابن أبي شيبة (2/379) .
** أثر عائشة رضي الله عنها :
روى عبد الرزاق (4/66،67) وابن أبي شيبة (2/379) من طرق عدَّة عن القاسم ابن محمد قال : " كنا يتامى في حجر عائشة فكانت تزكي أموالنا "
قلت : هذا سند صحيح أيضا .
** أثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه :
روى البيهقي (4/180) من طريق سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن بعض ولد أبي رافع قال : " كان علي رضي الله عنه يزكي أموالنا ونحن يتامى "
قلت : وقد سمى ابن حزم في " المحلى " ولد أبي رافع فقال : عن عبيد الله بن رافع ، وهو كذلك في " مصنف عبد الرزاق " ، وهذا سند ضعيف فيه حبيب وهو مدلس وقد عنعن .
وقد رواه البيهقي (4/180) والدارقطني (2/109) والبخاري في التاريخ (4/302) من طرق عن أشعث عن حبيب بن أبي ثابت عن صلت المكي عن ابن أبي رافع .
وهذه الرواية إن ثبتت فإنها تدل على أن حبيب بن ثابت قد دلس في الإسناد السابق وأسقط الصلت المكي ، والصلت هذا مجهول ، انفرد بالرواية عنه حبيب ، ولم يوثقه إلا ابن حبان على عادته في توثيق المجاهيل ، وقد ترجمه البخاري في التاريخ فلم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا .
وإنما قلت آنفا : وهذه الرواية إن ثبتت ، لأن أشعث بن سوّار ضعيف كما في التقريب .
وعلى كلٍّ فهذا الطريق فيه ضعف .
ولأثر علي هذا طريق آخر يروية ابن أبي شيبة (2/37 والبيهقي (4/181) عن شريك عن أبي اليقظان عن عبد الرحمن بن أبي ليلي أن عليا رضي الله عنه زكى أموال بني رافع ، قال : فلما دفعها إليهم وجدوها بنقص ، فقالوا : إنا وجدناها بنقص ، فقال علي رضي الله عنه : أترون أنه يكون عندي مال لا أزكيه .
واللَّفظ للبيهقي ، ولفظ ابن أبي شيبة : " ترون كنت أَلِي مالا لا أزكيه " .
قلت : وهذا سند ضعيف ، فشريك هو ابن عبد الله القاضي ضعيف .
وشيخه أبو اليقظان هو عثمان بن عمير ضعيف مدلس وكان شيعيًّا .
ولعل أثر علي رضي الله عنه يتقوى بمجموع هذين الطريقين لخلوهما من الضعف الشديد ، والله أعلم .
** أثر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما :
روى الدارقطني (2/112) من طريق ابن لهيعه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لا يجب على مال الصغير زكاة حتى تجب عليه الصلاة "
قال الدارقطني : وابن لهيعه لا يحتج به .
قلت : فلا يصح الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما .
وقد سبق قول ابن حزم في " المحلى " (5/20 : " ولا نعلم لمن ذكرنا مخالفا من الصحابة إلا رواية ضعيفة عن ابن عباس فيها ابن لهيعة : إ.هـ .
وضعفه أيضا البيهقي في " سننه الكبرى " (4/182) بابن لهيعة .
** أثر عبد الله بن مسعود رضي الله عنه :
روى ابن أبي شيبة (2/379) والبيهقي (4/181) عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن مسعود قال : " من ولي مال يتيم فليحص عليه السنين ، فإذا دفع إليه ماله أخبره بما فيه من الزكاة ، فإن شاء زكي وإن شاء ترك "
قلت : هذا سند ضعيف فيه علتان :
ليث بن أبي سليم ضعيف ، ومجاهد لم يدرك ابن مسعود .
وبهما أعلَّه البيهقي في " سننه الكبرى " ونقل عن الشافعي رحمه الله إعلاله للأثر بالعلتين .
* الخلاصة :
وحاصل ما ذكر في هذه الورقات أنه ثبت عن جمع من الصَّحابة رضي الله عنهم القول بإخراج الزكاة من مال الصبي إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول ، ولا يعرف لهم مخالف في ذلك من الصَّحابة إلا ما يروي عن ابن مسعود وابن عباس إلا أنه لا يصح عنهما .
وهذا ما يرجح مذهب جماهير أهل العلم في وجوب الزكاة مال الصـبي .
والعلم عند الله تعالى ...
المصدر : العدد التاسع [09] لمجلَّة الإصلاح السَّلفية
كتبه - ناقلاً - على الجهاز في مجلس الواحد بعد العشاء :
سفيان ابن عبد الله الجزائري - غفر الله له .
كتبه - ناقلاً - على الجهاز في مجلس الواحد بعد العشاء :
سفيان ابن عبد الله الجزائري - غفر الله له .