2023/06/30
نشر صاحبنا الشيخ البحَّاثة د. ليامين قدور الجزائري قبل أزْيَدَ من عشر سنين تحقيقَه لكتاب "تسمية من عرف ممن أبهم في العمدة"، أو: "مبهمات العمدة"، ضمن "مجموع فيه من مصنفات الحافظ ابن حجر العسقلاني"، عن نسخةٍ وحيدةٍ وقف عليها في المكتبة الأزهرية.وكنتُ وقفتُ قديمًا على نسخةٍ أخرى من الكتاب، محفوظةٍ في مكتبة الملك سلمان المركزية بجامعة الملك سعود بالرياض، برقم (314) [33ب-36ب]، وقد توارت عن الفهارس والمحققين لكونها وقعت غُفلًا من العنوان والنسبة، حيث اجتهد مفهرسو المكتبة في تسميتها: "رسالة في من عرفتُ اسمه من رجال العمدة"، ولم ينسبوها إلى مؤلف.
وهذه النسخة الجديدة غيرُ مؤرخة، لكنها جاءت في المخطوط عقب نسخةٍ من كتاب "عواطف النصرة" للمحب الطبري، وقد كُتبتا بقلمٍ واحدٍ متطابقٍ رسمًا ومَحْرَفًا ومسطرة. وبذلك اكتسبت نسخة "المبهمات" أهميَّتَها من جهتين:
الأولى: أن الناسخ سمَّى نفسه في الكتاب الأول: "إبراهيم بن علي الزهري"، وهذا أحدُ تلامذة المؤلف: الحافظ ابن حجر العسقلاني، نصَّ على ذلك السخاويُّ في "الجواهر والدرر" (3/1065) و"الضوء اللامع" (1/83).
الثانية: أنه أرَّخ نسخة "عواطف النصرةط في 28 رجب، سنة 866، والغالب أن نسخة "المبهمات" مكتوبةٌ قربَ ذلك التاريخ، فهي إذن أقدمُ من النسخة الأزهرية المعتمدة في المطبوع بأربعين سنةً تقديرًا، إذ وقعت تلك النسخة ضمن مجموعٍ مكتوبٍ في نسقٍ واحد، وما أرَّخه الناسخُ من رسائله أرَّخه في شهرَي رجب وشعبان، من عام 906ـ.
ولا أستبعد أن ناسخ النسخة الجديدة كان ينقلها من خط الحافظ ابن حجر مباشرةً، فقد لاحظتُ أنه بيَّض لعدَّة كلماتٍ قليلةِ الدوران، مثل: "حزم، السختياني، عائبة أو غائبة، حمنة، بِشَرِّ حيبة، الحيسر، عويمر، الأثوع"، وأخطأ في كلماتٍ شبيهةٍ أخرى، وربما رجع ذلك إلى صعوبة خط الحافظ واستغلاقه.
وما سبق من التبييض والخطأ يشير إلى أنَّ تقَدُّمَ النسخة، وتَلمَذَةَ ناسخِها للمؤلف، لا يقضيان بأنها أتقنُ من النسخة الأزهرية، بل الظاهر أنها أقلُّهما إتقانًا وضبطًا، خاصةً أن ناسخَ الأزهرية هو المحدِّث العارف العز ابن فهد الهاشمي (ت 920)، وليس قاصرًا عن إتقانٍ وضبط، ولعله كان ينقل -كما نقل كثيرًا- عن خط الحافظ السخاوي -أبرزِ تلامذة الحافظ وأضبطِهم لتراثه-، خصوصًا وقد نقل عن خطه في هذه النسخة فائدةً بُتِرت تتمَّتُها في طرف الورقة.
إلا أن الأمر الذي ينبغي ألَّا يُختلف في نفاسة النسخة الجديدة لأجله: أنها أكملت النقصَ الواقعَ في النسخة الأزهرية، فإنه بُتر فيها من آخر الكتاب مقدارُ ورقةٍ واحدة، وأُلزِقَ به كتابٌ آخر بخط ابن فهدٍ نفسِه.
ولما لم يكن المحقق الفاضل قد وقف على غير تلك النسخة، فقد اجتهد في تتميم الكتاب على نسقه، معتمدًا على «فتح الباري» وغيره، في جهدٍ مشكور، غير أنه لا يغني الآن عن نشر التتمَّة من الكتاب الأصلي نفسِه بعد الكشف عن نسخته الجديدة.
وفيما يلي نصُّ تلك التتمَّة الواقعة في الأصل في ورقةٍ واحدة [36]، جاريًا فيها على طريقة المحقق في تصدير كل حديثٍ برقمه في «العمدة»، وغيرَ قاصدٍ إلى إطالة التعليق والبحث، فلذلك موضعٌ آخر، وقد كفت تتمَّةُ المحقق في كثيرٍ منه.
والله ولي التوفيق.
تعليق