عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من تعار من الليل، فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا، استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته ” أخرجه البخاري برقم (1154)
قوله: ((من تعار)) بتشديد الراء. أي: انتبه، مع صوت من استغفار، أو تسبيح، أو نحوه. وهذا حكمة العدول إليه عن التعبير بالانتباه، فإن من هبَّ من نومه، ذاكرًا لله تعالى وسأله خيرًا، أعطاه، وإنما يكون ذلك لمن تعود الذكر واستئناس به، وغلب عليه حتى صار حديث نفسه في نومه ويقظته، قالوا: وأصل التعار: السهر والتقلب على الفراش.
قال ابن بطال: هو حديث شريف القدر، وفيه ما وعد اللَّه عباده على التيقظ من نومهم، لهجة ألسنتهم بشهادة اللَّه بالوحدانية والربوبية والإذعان له بالملك والاعتراف له بالحمد على جميع نعمه التي لا تُحصى، رطبة أفواههم بالإقرار له بالقدرة التي لا تتناهى، مطمئنة قلوبهم بحمده وتسبيحه وتنزيهه عما لا يليق بالإلهية (2) من صفات النقص، والتسليم له بالعجز عن القدرة عن نيل شيء إلا بقدرته، فوعد بإجابة من دعاه وقبول صلاته، وهو تعالى لا يخلف الميعاد، فينبغي لكل مؤمن بلغه هذا الحديث أن يغتنم العمل به، ويخلص نيته أن يرزقه اللَّه حظًّا من قيام الليل، فمن رزقه اللَّه حظًّا من قيام الليل فليكثر شكره ويسأله أن يديم له ما رزقه ( “شرح ابن بطال” 3/ 14
ترك ذكر الثواب؛ ليدل علي ما لا يدخل تحت الوصف، كما في قوله تعالي: {تتجافي جنوبهم عن المضاجع- إلي قوله- فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين}. ( شرح المشكاة للطيبي )
قوله: [(من تعار من الليل فقال حين يستيقظ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)] وهذا ثناء على الله عز وجل فيه الاعتراف بأُلوهيته، وأنه هو الإله الحق وحده لا شريك له الذي لا تكون العبادة إلا له، و (لا) نافية و (إله) اسمها فهي نافية للجنس أي: نافية لجنس الإله، إلا أن يكون بحق وهو الله سبحانه وتعالى، والتقدير لا إله حق إلا الله، ولا يكون التقدير لا إله موجود فإن هذا كلام غير صحيح؛ لأنه مخالف وغير مطابق للواقع؛ لأن الآلهة موجودة مع الله من ناحية الوجود، وتعبد من غير الله، لكن الآلهة التي تعبد من غير الله تعبد بغير حق.
فإذاً: (لا إله حق إلا الله) هذا هو الذي يستقيم به المعنى ويكون مطابقاً للواقع، أما إذا قدر لا إله موجود فإنه يكون باطلاً وغير مطابق للواقع ويكون كذباً؛ لأن الآلهة والمعبودات التي يعبدها المشركون والكفار موجودة، منهم من يعبد الملائكة ومنهم من يعبد الجن ومنهم من يعبد الشجر ومنهم من يعبد الحجر وكل هذه أمور موجودة، ولكن المعبود بحق والإله بحق هو الله سبحانه وتعالى.
قوله: [(لا إله إلا الله وحده لا شريك له)] كلمة (وحده) مؤكدة لـ (إلا الله)، و (لا شريك له) مؤكدة للنفي في (لا إله) لأن (وحده لا شريك له) تعادل (إلا الله) ومعناها: لا شريك لله بل هو الإله وحده.
إذاً: فالجملة الأخيرة مؤكدة للجملة قبلها وهي لا إله إلا الله إلا أنها مقلوبة ليست على الترتيب الأول، وهي مؤكدة للإثبات الذي في الآخر فصار التأكيد في الإثبات متصلاً بعضه ببعض (إلا الله وحده).
قوله: [(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد)] أي: فهو مالك الملك وهو الذي بيده الملك وهو الذي يحمد على كل حال.
قوله: [(وهو على كل شيء قدير)] أي: لا يعجزه شيء، بل هو قدير على كل شيء سبحانه وتعالى، وهذا لفظ عام لا يستثنى منه شيء، وأما قول المتكلمين المتكلفين: وخص العقل ذاته فليس عليها بقادر، فهذا من التكلف، نعم.
ذات الله شيء، لكنها لا تدخل تحت قوله: وهو على كل شيء قدير، مع ما يدخل تحت قدرة الله عز وجل في كونه يوجد ويميت ويحيي.
وتفسير الجلالين مع اختصاره ووجازته ما سلم من مثل هذا التكلف، فإنه عند ختام سورة المائدة وهي: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة:120] قال: وخص العقل ذاته فليس عليها بقادر، مع أنه مختصر جداً ومع ذلك يأتي بهذا الباطل ويحافظ عليه ولا ينسى، مع أنه تكلف وكلام باطل.
قوله: [(سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوله إلا بالله)] هذه خمس جمل: سبحان الله: وهي تنزيه لله عز وجل، والحمد يأتي للإثبات، فهناك تنزيه وإثبات، فالمحامد هي إضافات تضاف إلى الله عز وجل، وأما سبحان فإنه تنزيه لله عز وجل عما لا يليق به؛ ولهذا يأتي كثيراً في بعض الأحاديث: (سبحان الله وبحمده) فيجمع بين التسبيح والتحميد؛ لأن هذا تنزيه وهذا إثبات، هذا نفي وهذا إثبات، فيكون الإنسان جامعاً بين هذا وهذا.
ولا إله إلا الله هذه كلمة الإخلاص وكلمة التوحيد.
ولا حول ولا قوة إلا بالله، يعني: أن الإنسان يبرأ من الحول والقوة، وأنه لا يحصل ذلك إلا بالله ولا يقدر على ذلك إلا بإقدار الله، وأن كل شيء يرجع إلى قدرة الله وإلى مشيئة الله وإرادته، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكما قال عليه الصلاة والسلام في وصيته لـ ابن عباس: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك)، ثم ما يحصل عن طريق الناس من الإحسان هو من الله عز وجل الذي سخرهم، وهو الذي وفقهم لأن يحصل منهم الإحسان لمن حصل منه الإحسان، وهو الذي وفق لدفع الشر ممن فيه شر عن وصول الشر إلى من يريدون إيصاله إليه، فالله عز جل إذا شاء شيئاً وجد سواء كان خيراً أو شراً، لا يقع في ملك الله إلا ما شاءه الله.
فلا يقع في الوجود شيء إلا بمشيئته وإرادته، سواء كان نافعاً أو ضاراً.
والله أكبر تعظيم لله عز وجل، وأنه أكبر من كل شيء وأعظم من كل شيء، وكل شيء ضئيل أمام عظمته وكبريائه سبحانه وتعالى.
قوله: [(ثم دعا: رب اغفر لي)] يأتي كثيراً في أدعية الرسول صلى الله عليه وسلم التمهيد للطلب والدعاء بتعظيم الله عز وجل وتقديسه وتنزيهه وتمجيده والثناء عليه، وهذا من أسباب قبول الدعاء، مثل ما جاء في قصة الرجل الذي دعا دون حمد وثناء، فقال عليه الصلاة والسلام: (عجل هذا) حيث دعا ولم يحمد الله ولم يصل على رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولهذا شرع في صلاة الجنازة قبل الدعاء للميت في الصلاة قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى، والصلاة على النبي صلى عليه وسلم بعد التكبيرة الثانية، ثم الدعاء بعد الثالثة، فيكون قد سبق بشيء هو من أسباب قبول الدعاء، فهديه عليه الصلاة والسلام أنه في كثير من الأدعية تكون الأدعية مسبوقة بحمد وثناء وتمجيد وتعظيم وتنزيه لله سبحانه وتعالى.
[(قال الوليد أو قال: دعا استجيب له)].
يعني أن الوليد قال: دعا، وما قال: رب اغفر لي، فهو شك، هل قال هذا أو قال هذا، فكلمة (دعا) عامة، وكلمة (رب اغفر لي) دعاء خاص وهو طلب المغفرة.
قوله: [(فإن قام فتوضأ ثم صلى قبلت صلاته)].
يعني: فإن حصل منه أن قام من الليل وذكر الله بهذا الذكر ثم قام وتوضأ وصلى قبلت صلاته؛ لأنه أخذ بأسباب القبول، حيث وجد منه هذا الذكر وهذا الثناء على الله عز وجل، ثم أضاف إلى ذلك أن هب من نومه فتوضأ وصلى، فتقبل صلاته.
قوله: [(من تعار من الليل)] يدخل في هذا ما إذا استيقظ من غير إرادة منه، أو عمل شيئاً ينبهه ليقوم، فكل ذلك داخل؛ لأن كله استيقاظ سواء كان بسبب أو بغير سبب.
[ من شرح سنن أبي داود للشيخ عبد المحسن العباد وفقه الله ]
من تعار من الليل.