قال المعلمي رحمه الله في التنكيل (1/457) ومابعدها :
والذي يظهر لي في ما وقع في (المستدرك) من الخلل أن له عدة أسباب:
الأول:
حرص الحاكم على الإكثار وقد قال في خطبة (المستدرك): "قد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يشمتون برواة الآثار بأن جميع ما يصح عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أقل أو أكثر كلها سقيمة غير صحيحة" فكان له هوى في الإكثار للرد على هؤلاء.
والثاني:
أنه قد يقع له الحديث بسند عال أو يكون غريباً مما يتنافس فيه المحدثون فيحرص على إثباته.وفي تذكرة الحفاظ ج2ص270 قال الحافظ أبو عبد الله الأخرم : "استعان بي السراج في تخريجه على صحيح مسلم فكنت أتحير من كثرة حديثه وحسن أصوله، وكان إذا وجد الخبر عاليا يقول :لابد أن نكتبه (يعني في المستخرج)فأقول: ليس من شرط صاحبنا (يعني مسلما)فشفعني فيه".فعرض للحاكم نحو هذا كلما وجد عنده حديثا يفرح بعلوه أو غرابته اشتهى أن يثبته في المستدرك.
الثالث:
أنه لأجل السببين الأولين ولكي يخفف عن نفسه من التعب في البحث والنظر لم يلتزم أن لا يخرج ماله علة وأشار إلى ذلك، قال في الخطبة: "سألني جماعة ... أن أجمع كتاباً يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له فإنهما رحمهما الله لم يدعيا ذلك لأنفسهما" ولم يصب في هذا فإن الشيخين ملتزمان أن يخرجا إلا ما غلب على ظنهما بعد النظر والبحث والتدبر أنه ليس له علة قادحة، وظاهر كلامه أنه لم يلتفت إلى العلل البتة وأنه يخرج ما كان رجاله مثل رجالهما وأن لم يغلب على ظنه أنه ليس له علة قادحة.
الرابع:
أنه لأجل السببين الأولين توسع في معنى قوله: "بأسانيد يحتج .. بمثلها" فبنى على أن في رجال الصحيحين من فيه كلام فأخرج عن جماعة يعلم أن فيهم كلاماً. ومحل التوسع أن الشيخين إنما يخرجان لمن فيه كلام في مواضع معروفة.
أحدهما: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن الكلام لا يضره في روايته البتة، كما أخرج البخاري لعكرمة.
الثاني: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقروناً أو حيث تابعه غيره ونحو ذلك.
ثالثها: أن يريا: أن الضعف الذي في الرجل خاص بروايته عن فلان من شيوخه، أو برواية فلان عنه، أو بما يسمع منه من غير كتابه، أو بما سمع منه بعد اختلاطه، أو بما جاء عنه عنعنة وهو مدلس ولم يأت عنه من وجه آخر ما يدفع ريبة التدليس. فيخرجان للرجل حيث يصلح ولا يخرجان له حيث لا يصلح. وقصر الحاكم في مراعاة هذا وزاد فأخرج في مواضع لمن لم يخرجا ولا أحدهما له بناء على أنه نظير من قد أخرجا له، فلو قيل له: كيف أخرجت لهذا وهو متكلم فيه؟ لعله يجيب بأنهما قد أخرجا لفلان وفيه كلام قريب من الكلام في هذا ولو وفي بهذا لها الخطب، لكنه لم يف به بل أخرج لجماعة هلكى.
الخامس:
أنه شرع في تأليف (المستدرك) بعد أن بلغ عمره اثنتين وسبعين سنة وقد ضعفت ذاكرته كما تقدم عنه وكان يظهر تحت يده كتب أخرى يصنفها مع (المستدرك) وقد استشعر قرب أجله فهو حريص على إتمام (المستدرك) وتلك المصنفات قبل موته، فقد يتوهم في الرجل يقع في السند أنهما أخرجا له، أو أنه فلان الذي أخرجا له، والواقع أنه رجل آخر، أو أنه لم يجرح أن نحو ذلك، وقد رأيت له في (المستدرك) عدة أوهام من هذا القبيل يجزم بها فيقول في الرجل: قد أخرج له مسلم مثلاً، مع أن مسلماً إنما أخرج لرجل آخر شبيه اسمه باسمه ويقول في الرجل: فلان في السند هو فلان بن فلان والصواب أنه غيره.
لكنه مع هذا كله لم يقع خلل ما في روايته لأنه إنما كان ينقل من أصوله المضبوطة، وإنما وقع الخلل في أحكامه، فكل حديث في (المستدرك) فقد سمعه الحاكم كما هو، هذا هو القدر الذي تحصل به الثقة، فأما حكمه بأنه على شرط الشيخين، أو أنه صحيح، أو أن فلاناً المذكور فيه صحابي، أن أنه هو فلان بن فلان، نحو ذلك فهذا قد وقع فيه كثير من الخلل.
هذا وذكرهم للحاكم بالتساهل إنما يخصونه بـ (المستدرك) فكتبه في الجرح والتعديل لم يغمزه أحد بشيء مما فيها فيما أعلم، وبهذا يتبين أن التشبث بما وقع له في (المستدرك) وبكلامهم فيه لأجله إن كان لا يجاب التروي في أحكامه التي في (المستدرك) فهو وجيه، وإن كان للقدح في روايته أو في أحكامه في غير (المستدرك) في الجرح والتعديل ونحوه فلا وجه لذلك، بل حاله في ذلك كحال غيره من الأئمة العارفين، إن وقع له خطأ فنادر كما يقع لغيره، والحاكم في ذلك إطراح ما قام الدليل على أنه أخطأ فيه، وقبول ماعداه.والله الموفق.
والذي يظهر لي في ما وقع في (المستدرك) من الخلل أن له عدة أسباب:
الأول:
حرص الحاكم على الإكثار وقد قال في خطبة (المستدرك): "قد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يشمتون برواة الآثار بأن جميع ما يصح عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أقل أو أكثر كلها سقيمة غير صحيحة" فكان له هوى في الإكثار للرد على هؤلاء.
والثاني:
أنه قد يقع له الحديث بسند عال أو يكون غريباً مما يتنافس فيه المحدثون فيحرص على إثباته.وفي تذكرة الحفاظ ج2ص270 قال الحافظ أبو عبد الله الأخرم : "استعان بي السراج في تخريجه على صحيح مسلم فكنت أتحير من كثرة حديثه وحسن أصوله، وكان إذا وجد الخبر عاليا يقول :لابد أن نكتبه (يعني في المستخرج)فأقول: ليس من شرط صاحبنا (يعني مسلما)فشفعني فيه".فعرض للحاكم نحو هذا كلما وجد عنده حديثا يفرح بعلوه أو غرابته اشتهى أن يثبته في المستدرك.
الثالث:
أنه لأجل السببين الأولين ولكي يخفف عن نفسه من التعب في البحث والنظر لم يلتزم أن لا يخرج ماله علة وأشار إلى ذلك، قال في الخطبة: "سألني جماعة ... أن أجمع كتاباً يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له فإنهما رحمهما الله لم يدعيا ذلك لأنفسهما" ولم يصب في هذا فإن الشيخين ملتزمان أن يخرجا إلا ما غلب على ظنهما بعد النظر والبحث والتدبر أنه ليس له علة قادحة، وظاهر كلامه أنه لم يلتفت إلى العلل البتة وأنه يخرج ما كان رجاله مثل رجالهما وأن لم يغلب على ظنه أنه ليس له علة قادحة.
الرابع:
أنه لأجل السببين الأولين توسع في معنى قوله: "بأسانيد يحتج .. بمثلها" فبنى على أن في رجال الصحيحين من فيه كلام فأخرج عن جماعة يعلم أن فيهم كلاماً. ومحل التوسع أن الشيخين إنما يخرجان لمن فيه كلام في مواضع معروفة.
أحدهما: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن الكلام لا يضره في روايته البتة، كما أخرج البخاري لعكرمة.
الثاني: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقروناً أو حيث تابعه غيره ونحو ذلك.
ثالثها: أن يريا: أن الضعف الذي في الرجل خاص بروايته عن فلان من شيوخه، أو برواية فلان عنه، أو بما يسمع منه من غير كتابه، أو بما سمع منه بعد اختلاطه، أو بما جاء عنه عنعنة وهو مدلس ولم يأت عنه من وجه آخر ما يدفع ريبة التدليس. فيخرجان للرجل حيث يصلح ولا يخرجان له حيث لا يصلح. وقصر الحاكم في مراعاة هذا وزاد فأخرج في مواضع لمن لم يخرجا ولا أحدهما له بناء على أنه نظير من قد أخرجا له، فلو قيل له: كيف أخرجت لهذا وهو متكلم فيه؟ لعله يجيب بأنهما قد أخرجا لفلان وفيه كلام قريب من الكلام في هذا ولو وفي بهذا لها الخطب، لكنه لم يف به بل أخرج لجماعة هلكى.
الخامس:
أنه شرع في تأليف (المستدرك) بعد أن بلغ عمره اثنتين وسبعين سنة وقد ضعفت ذاكرته كما تقدم عنه وكان يظهر تحت يده كتب أخرى يصنفها مع (المستدرك) وقد استشعر قرب أجله فهو حريص على إتمام (المستدرك) وتلك المصنفات قبل موته، فقد يتوهم في الرجل يقع في السند أنهما أخرجا له، أو أنه فلان الذي أخرجا له، والواقع أنه رجل آخر، أو أنه لم يجرح أن نحو ذلك، وقد رأيت له في (المستدرك) عدة أوهام من هذا القبيل يجزم بها فيقول في الرجل: قد أخرج له مسلم مثلاً، مع أن مسلماً إنما أخرج لرجل آخر شبيه اسمه باسمه ويقول في الرجل: فلان في السند هو فلان بن فلان والصواب أنه غيره.
لكنه مع هذا كله لم يقع خلل ما في روايته لأنه إنما كان ينقل من أصوله المضبوطة، وإنما وقع الخلل في أحكامه، فكل حديث في (المستدرك) فقد سمعه الحاكم كما هو، هذا هو القدر الذي تحصل به الثقة، فأما حكمه بأنه على شرط الشيخين، أو أنه صحيح، أو أن فلاناً المذكور فيه صحابي، أن أنه هو فلان بن فلان، نحو ذلك فهذا قد وقع فيه كثير من الخلل.
هذا وذكرهم للحاكم بالتساهل إنما يخصونه بـ (المستدرك) فكتبه في الجرح والتعديل لم يغمزه أحد بشيء مما فيها فيما أعلم، وبهذا يتبين أن التشبث بما وقع له في (المستدرك) وبكلامهم فيه لأجله إن كان لا يجاب التروي في أحكامه التي في (المستدرك) فهو وجيه، وإن كان للقدح في روايته أو في أحكامه في غير (المستدرك) في الجرح والتعديل ونحوه فلا وجه لذلك، بل حاله في ذلك كحال غيره من الأئمة العارفين، إن وقع له خطأ فنادر كما يقع لغيره، والحاكم في ذلك إطراح ما قام الدليل على أنه أخطأ فيه، وقبول ماعداه.والله الموفق.
تعليق