الحديث والخبر والأثر والسنة:
يستعمل المحدثون كلمات: الحديث والأثر والسنة، فلا بد من شرح ذلك بإيجاز. فالحديث: هو ما أضيف إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، من أقواله وأفعاله وأحواله حتى في الحركات والسكنات، وفي اليقظة والمنام، وكذلك إقراره وصفاته.
فما قاله، صلى الله عليه وسلم،: إن كان خبراً وجب تصديقه، وان كان تشريعاً إيجاباً أو تحريماً أو إباحة وجب اتباعه فيه.
وأفعاله، صلى الله عليه وسلم،: حجة لحديث: "صلوا كما رأيتموني أصلي" وحديث: "لتأخذوا عني مناسككم".
وبعض أفعاله، صلى الله عليه وسلم، يرد بيانا لما أجمله الكتاب كالقطع من الكوع بيانا لآية السرقة، وكأفعال الحج والعمرة ونحو ذلك.
وعُلِمَ: أن كل ما أحله الله للنبي، صلى الله عليه وسلم، فهو حلال للأمة ما لم يقم دليل التخصيص به، صلى الله عليه وسلم، كالوصال أو الزيادة على أربع نساء.
وأما أحواله، صلى الله عليه وسلم،: فإن كانت غير اختيارية كحركات الأعضاء وكانت مما وضح فيه أمر الجبلة مما لا يتعلق بالعبادات كالقيام والقعود فإنها تفيد الإباحة وإن كانت مما يحتمل أن تخرج من الجبلة إلى التشريع بمواظبته ، صلى الله عليه وسلم، عليها على هيئة مخصوصة كالأكل والشرب واللبس والنوم والحلية، فهي داخلة في الأفعال وتكون مندوبة.
وأما إقراره، صلى الله عليه وسلم،: فالمراد به عدم إنكاره لأمر رآه أو أمر بلغه عمن يكون مقاداً للشرع، مثل إقواره لعائشة على اللعب بالبنات، واقراره لغناء الجاريتين، ولعب الحبشة بالحراب في المسجد أيام الأعياد.
والخبر والأثر عند المحدثين: مرادفان للحديث، يراد بهما المرفوع، أو المرفوع والموقوف معاً، وقيل: الخبر هو المرفوع، والأثر هو الموقوف.
وأما السنة فلها إطلاقات كثيرة: فتطلق تارة على ما يرادف الحديث، وتارة تطلق على ما عليه دليل من الكتاب أو السنة، وتارة تطلق على ما يقابل البدعة.
ويطلقها الفقهاء على ما ليس بواجب، وهو اصطلاح حادث، وتطلق كذلك على ما استقر عليه عمل الصحابة.
وتطلق السنة أيضا: على معنى آخر كشف عنه الإمام الدهلوي في مقدمة كتاب "المصفى على الموطأ"، فبعد أن نقل عن عبد الرحمن بن مهدي قوله: "سفيان الثوري إمام في الحديث، والأوزاعي إمام في السنة، ومالك إمام فيهما جميعا"، فسر ذلك بقوله: إن السلف في استنباط المعاني والفتاوى كانوا على قسمين: طائفة تجمع القرآن والحديث وآثار الصحابة وتستنبط منها وهي طريقة المحدثين، وطائفة تحفظ القواعد الكلية التي نقحها جماعة من الأئمة، فكلما وردت عليهم مسألة التمسوا جوابها من تلك القواعد، وهذه هي طريقة الفقهاء.
وكانت الطريقة الأولى غالبة على بعض السلف الثانية غالبة على البعض الآخر منهم.
ولما كان الإمام مالك يعبر بالسنة عن القواعد المقررة عند أهل المدينة حيث يقول: "السنة التي لا اختلاف فيها عندنا كذا وكذا"، ذهب عبد الرحمن بن مهدي إلى ذلك الاصطلاح، يريد أن الثوري كان إماما في استحضار الأحاديث والآثار في كل باب من أبواب الفقه فيفتي بها. والأوزاعي كان إماما في معرفة قواعد السلف في كل باب من أبواب الفقه فيفتي بموجبها.
ومالك كان إماما في كلا الأمرين بموجبها اهـ باختصار. (1).
---------------------------------------
(1) الشيخ إسحاق عزوز رحمه الله، مدير مدرسة الفلاح بمكة المكرمة
(أم كريمة بنت الوردي)
------------------------------