تساعدنا البلاغات الواردة من الأعضاء على منتدى الآجري في تحديد المشكلات وإصلاحها في حالة توقف شيء ما عن العمل بشكل صحيح.
ونحن نقدّر الوقت الذي تستغرقه لتزويدنا بالمعلومات عبر مراسلتنا على بريد الموقع ajurryadmin@gmail.com
3 من 3<>
فهرسة جميع الشروح المتوفرة على شبكة الإمام الآجري [مبوبة على حسب الفنون] أدخل يا طالب العلم وانهل من مكتبتك العلمية
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه - وعلى آله ومن ولاه وبعد :
فرغبة منا في تيسير العلم واشاعته بين طلابه سعينا لتوفير جميع المتون وشروحها المهمة لتكوين طلبة العلم ، وقد قطعنا شوطا لابأس به في ذلك ولله الحمد والمنة وحده ، إلا أنه إلى الآن يعاني بعض الأعضاء والزوار من بعض الصعوبات في الوصول للشروح والمتون المرادة لتداخل الشروح أو لقلة الخبرة التقنية .
من أجل هذا وذاك جاء هذا الموضوع ليكون موضوعا مرجعا جامعا مرتبا بإذن الله لكل المواد العلمية الموضوعة حاليا في شبكتنا ومرتبا على حسب أبواب الفنون العلمية (العقيدة، الفقه، الحديث،...)وسنحاول أيضا ترتيبها على مستويات الطلب (المبتدئ ، المتوسط ، المنتهي) سيتم تحديثه تبعا بعد إضافة أي شرح جديد .
وهذه فتوى جديدة للشيخ عبيد الجابري
6رمضان1434-موقع ميراث الأنبياء.
وهذا السؤال الثاني عشر من ليبيا:
يقول السائل:هل الواجب تحرِّي الغروب والفجر الصادق للإفطار والإمساك؟ وقد ثبت عندنا من إخوةخرجوا للصحراء أنَّ الفجر عندنا يؤذنقبل طلوع الفجر الثاني بعشرين دقيقة، والمغرب بعد غروب الشمس عندنا بدقيقتين، فما العمل؟ هل نمسك ونفطر على الأذان؟ أم نتحرَّى طلوع الفجر وغروب الشمس؟
الجواب:
عُرِض عليَّ هذا السؤال مراتٍ لا أحصيها، وقد أفتيت من أفتيت ممن سألني، وأكرره الآن؛ فأقول: إن كنت في المدينة فأَفطِر مع الناس وصم معهم، أمسك معهم، وإن كانت خارج القرية في الصحراء، فلك رؤيتك من حيث طلوع الفجر الثاني الصادق، ومن حيث غروب الشمس، ولا تُكلِّفوا أنفسكم، وتشتغلوا أذهانكم بما أنتم منه في عافية.
مشاركتي بكلام نفيس لـــ :
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني -رحمه الله- (توفي سنة 852 هـ):
" من البدع المُنكرة: ما أُحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام، زعماً ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرّهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجةٍ لتمكين الوقت -زعموا-، فأخّروا الفطور، وعجّلوا السحور، وخالفوا السُّنة؛ فلذلك قلّ عنهم الخير، وكَثُر فيهم الشّر، والله المستعان ".
-----------------------
"فتح الباري" (4/713).
والكلام النفيس الثاني للشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله رحمة واسعة
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وسن تعجيل فطر أي : المبادرة به إذا غربت الشمس ، فالمعتبر غروب الشمس ، لا الأذان ، لاسيما في الوقت الحاضر حيث يعتمد الناس على التقويم ، ثم يعتبرون التقويم بساعاتهم ، وساعاتهم قد تتغير بتقديم أو تأخير ، فلو غربت الشمس ، وأنت تشاهدها ، والناس لم يؤذنوا بعد ، فلك أن تفطر ، ولو أذنوا وأنت تشاهدها لم تغرب ، فليس لك أن تفطر ؛ لأن الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال : ( إذا أقبل الليل من هاهنا وأشار إلى المشرق ، وأدبر النهار من هاهنا وأشار إلى المغرب ، وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ) .
ولا يضر بقاء النور القوي ، فبعض الناس يقول : نبقى حتى يغيب القرص ويبدأ الظلام بعض الشيء فلا عبرة بهذا ، بل انظر إلى هذا القرص متى غاب أعلاه فقد غربت الشمس ، وسن الفطر .
ودليل سنية المبادرة : قوله صلّى الله عليه وسلّم : ( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) ، وبهذا نعرف أن الذين يؤخرون الفطر إلى أن تشتبك النجوم كالرافضة أنهم ليسوا بخير .
فإن قال قائل : هل لي أن أفطر بغلبة الظن ، بمعنى أنه إذا غلب على ظني أن الشمس غربت ، فهل لي أن أفطر ؟
فالجواب : نعم ، ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : ( أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم ، ثم طلعت الشمس ) ومعلوم أنهم لم يفطروا عن علم ، لأنهم لو أفطروا عن علم ما طلعت الشمس ، لكن أفطروا بناءً على غلبة الظن أنها غابت ، ثم انجلى الغيم فطلعت الشمس " انتهى .
"الشرح الممتع" (6/267) .
-----------
والذي فهمته أنا العبد الفقير من كلام شيخنا محمد علي فركوس حفظه الله وزاده علما وعملا أنّ المقصود
درئ المفسدة أولى .
(( من جراء ما حصل من بعض الإخوة قديما من التسرع في بعض الأمور ، وهذا ناتج للحماسة الزائدة عند معرفة الحق
فقد حصل عندنا نحن مثلا من بعض من كانوا محسوبين على أهل السنّة حيث أدى بهم التسرع إلى الفطر في أماكن
شبهة أدت إلى كثير من الكلام من قبل من لا يخافون الله ويتربصون بالسلفيين ))
وأنا أعتذر عن التقدم بين الإخوة الأكارم جزاكم الله خيرا .
المشاركة الأصلية بواسطة أبو أمامة حمليلي الجزائريمشاهدة المشاركة
للتذكير ، بارك الله فيكم .
بالمناسبة أخي أبا أمامة ، لازلت أعتقد صحة ما ذهب إليه الشيخ فركوس،، ابتسامة
وأردت التنبيه إلى أمر هنا ذكرتني به وهو ما أراه يرجح الكفة والذي لم ينتبه إليه الكثير :
وهو ما يتوهم من فتوى شيخ فركوس - بارك الله في علمه - أنه يسقط العمل بتعجيل الفطر وهو خلاف واقع الشيخ:
فالشيخ يرى العمل بجميع الأدلة، أي أدلة لزوم الجماعة العامة + لزوم جماعة المسلمين في الفطر والصوم + تعجيل الفطر إنما يحمل: تعجيل الفطرعلى الصوم الفردي [نفلا أو واجبا] والصائم في رمضان لمن لا يسمع النداء
جريا على قاعدة الإعمال أولى من الإهمال
و إعمال جميع النصوص أولى من إسقاط بعضها
و الجمع أولى من الترجيح
على خلاف القول الثاني الذي يظهر فيه إهمال أدلةلزوم الجماعة العامة + ولزوم جماعة المسلمين في الفطر والصوم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله النبي الأمي الأمين وبعد :
فالمسألة هنا وقع فيها تعارض بين التعجيل في الإفطار والإفطار مع الجماعة
وقبل الولوج في المسألة أقول قد انتشرت في بلادنا الجزائر وغيرها من البلدان المسلمة بدعة شنيعة وهي رفع آذان الفجر قبل الوقت الشرعي وذلك في سائر العام وفي شهر رمضان يكون أبشع وأبعد عن الوقت الشرع وتأخير الآذان لوقت المغرب أيضا وهذا كله زعموا من أجل الاحتياط وهذا من الجرم العظيم لأن الله عز وجل يخاطب الخلق بما يعقل فوقت الصبح ووقت المغرب معروفة معلومة ومن يجهل ذلك فهو المقصر ولا عبرة به وعدم التفريق بين الفجر الصادق والفجر الكاذب يعود للتقصير في التعلم والبحث وسؤال أهل الإختصاص وتجدنا نبحث ونجتهد في الأمور الدنيوية بل وحتى البحث عن أحسن مخبزة تبيع الخبز في رمضان وتجدنا في الأمور الشرعية التي تتعلق بها السنة والبدعة وصحة وبطلان العبادة لا نبالي ونلصق كل شيء في الجهل حتى أصبح الجهل منقبة والعلم مذمة وإلى الله المشتكى
وهل كان السلف يتساهلون في تحديد وقت صلاة الفجر دون تحري دقيق؟
قال ابن حزم: ((ولا يجزئ لها الأذان الذي كان قبل الفجر، لأنه أذان سحور، لا أذان للصلاة، ولا يجوز أن يؤذن لها قبل المقدار الذي ذكرناه.(راجعه فإنه مهم!)
وروى إبن حزم بسنده عن الحسن البصري أن رجلاً قال: يا أبا سعيد، الرجل يؤذن قبل الفجر يوقظ الناس؟ فغضب وقال: علوج فراغ، لو أدركهم عمر بن الخطاب لأوجع جنوبهم! من أذن قبل الفجر فإنما صلى أهل ذلك المسجد بإقامة لا أذان فيه)) وفي رواية: ((أنه سمع مؤذناً أذن بليل فقال: ((علوج تباري الديوك، وهل كان الأذان على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد ما يطلع الفجر)).
وعن إبراهيم النخعي قال: سمع علقمة ابن قيس مؤذناً بليل فقال: لقد خالف هذا سنة من سنة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو نام على فراشه لكان خيراً له))، وفي رواية عن النخعي قال: كانوا إذا أذن المؤذن بليل قالوا له: اتق الله وأعد أذانك)). انتهى من [المحلى 3/117-118]
فانظروا رحمكم الله السنة وأهلها ، فهل يصح أن نتبع آذانا علما أنه يؤذن قبل الوقت وآخر بعد الوقت ونقول الجماعة ، الجماعة هي من تكون على الحق ولو كنت وحدك فلو كنت في قرية يؤذن فيها الصبح قبل الوقت وأنت تعلم أنهم كذلك وتميز بين الوقتين فأنت على الحق وأنت الجماعة وكل ما عداك على خطأ ، وقد تذكرت مرة قال لي إذا أردت أن أعرف اين أنت في صلاة ما فأنتظر أن يسجد كل الناس فأنتبه أين أنت لأنك أنت آخر من تسجد وقالها ضخكا واستهزاءا فذكرته بالحديث المتفق عليه عند البخاري ومسلم وهو من حديث البراء بن عازب قال :" كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ حَتَّى يَقَعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدًا ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ" واللفظ للبخاري فتعجب من ذلك وكانت ردة فعله أن جميع الناس أو غالب الناس لا تعمل بهذه السنة المهجورة فهل يمنع من عرف هذا الحديث أن يلغيه أو لا يعمل به طبعا لا
فالمشكل عندنا الجهل والنبي صلى الله عليه وسلم قال ( الْإِمَامُ ضَامِنٌ ، وَالْمُؤَذِّنُ مُؤْتَمَنٌ ، اللَّهُمَّ أَرْشِدْ الْأَئِمَّةَ ، وَاغْفِرْ لِلْمُؤَذِّنِينَ ) رواه أبو داود وصححه العلامة الألباني في صحيح أبي داود والحديث أخرجه الترمذي في جامعه والإمام أحمد في مسنده وغيرهما فالمؤذن الذي يرتقي لهذا المنصب وهو يجهل أوقات الصلاة أو يعلمها ويتعمد تأخيرها وتقديمها هذا خائن ولا يجوز له أن يلتزم بذلك إما جهلا أو عمدا .
أما عن اتباع الجماعة في الإفطار فاتباع الجماعة التي تكون على حق وعلم لا إن كانت على خطأ وجهل وضلال .
قال الـحافظ ابن حجر في فتح الباري: من البدع المنكرة ما أحدث في هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام، زعماً ممن أحدثه: أنه للاحتياط في العبادة، ولا يعلم بذلك إلا آحاد الناس، وقد جرهم ذلك إلى أن صاروا لا يؤذنون إلا بعد الغروب بدرجة، لتمكين الوقت زعموا، فأخروا الفطر، وعجلوا السحور، وخالفوا السنة، فلذلك قل عنهم الخير، وكثر فيهم الشر، والله المستعان ))، والدرجة تقدر من 4- 4.45 دقيقة.
والذي يظهر من كلام الحافظ أن تقديم الأذان إلى الفجر الكاذب كان في رمضان أول الأمر، ثم صار مع مرور الزمن في أشهر السنة كافة،وإلى الله المشتكى .
ومع هذا كله أقول إلى الذي يفطر قبل الآذان لا يعني هذا أن تتعجل وتجتهد للفطر قبل الآذان ولا تجتهد في معرفة الوقت الشرعي للآذان فإن من الناس من فيه غيرة على السنة ربما قادته إلى الطرف الآخر وهو الغلو، فتراه يستعجل ويفطر قبل أن يستيقن الغروب، وهذا لا ينبغي فلا يقودك الجفاء إلى الغلو أو الغلو إلى الجفاء وعلى هذا عليه أن يتأكد ولا يستعجل ولا يتساهل وقد روى ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه عن أبي أمامة الباهليّ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يَقُولُ: « بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلاَنِ، فَأَخَذَا بِضَبُعَيّ-بعضدَيّ- فَأَتَيَا بِي جَبَلاً وَعْراً، فَقَالاَ لِي: اِصْعَدْ ! حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الجَبَلِ-أي: وسطه- فَإِذَا أَنَا بِصَوْتٍ شَدِيدٍ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ ؟ قَالاَ: هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ ! ثمّ انْطَلَقاَ بِي فَإِذَا بِقَوْمٍ مُعَلَّقِينَ بِعَرَاقِيبِهِمْ-وهو العصب خلف الكعبين- مُشَقَّقَةً أَشْدَاقُهُمْ-أي: جوانب الفم- تَسِيلُ أَشْدَاقُهُمْ دَمًا فَقُلْتُ: مَنْ هَؤُلاَءِ ؟ فَقِيلَ: هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُفْطِرُونَ قَبْلَ تَحِلَّةِ صَوْمِهِمْ ».
قال البخاري في صحيحه كتاب الصوم باب متي يحل فطر الصائم وَأَفْطَرَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِىُّ حِينَ غَابَ قُرْصُ الشَّمْسِ: حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبِى يَقُولُ سَمِعْتُ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ أَبِيهِ رضى الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ
وقال في نفس الباب : حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ الْوَاسِطِىُّ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنِ الشَّيْبَانِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى أَوْفَى رضى الله عنه قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى سَفَرٍ وَهُوَ صَائِمٌ فَلَمَّا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ لِبَعْضِ الْقَوْمِ يَا فُلاَنُ قُمْ فَاجْدَحْ لَنَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمْسَيْتَ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَوْ أَمْسَيْتَ قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا قَالَ إِنَّ عَلَيْكَ نَهَارًا قَالَ انْزِلْ فَاجْدَحْ لَنَا فَنَزَلَ فَجَدَحَ لَهُمْ فَشَرِبَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ إِذَا رَأَيْتُمُ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ
قال الحافظ ابن حجر : ووجه الدلالة منه أن ابا سعيد لما تحقق غروب الشمس لم يطلب مزيدا علي ذلك و لا التفت إلي موافقة من عنده علي ذلك فلو كان عنده إمساك جزء من الليل لاشترك الجميع في معرفة ذلك .
وقال أيضا : وفي الحديث أيضا استحباب تعجيل الفطر و أنه لا يجب إمساك جزء من الليل مطلقاً بل متى تحقق الغروب حل الفطر .
و في حديثي الباب من الفوائد بيان وقت الصوم و أن الغروب متى تحقق كفى ، و فيه إيماء إلى الزجر عن متابعة أهل الكتاب فإنهم يؤخرون الفطر عن الغروب . إلخ
وقد مر معنا في مشركاتكم فضل تعجيل الفطر فلا داعي للتكرار ولا أزيد إلا بعض الكلام لشرح هذه الأحاديث فأقول وبالله أستعين :
أخرج مسلم في صحيحه من حديث سهل وحديث أبي عطية قال : دخلت أنا و مسروق علي عائشة فقلنا : يا أم المؤمنين ، رجلان من أصحاب محمد صلي الله عليه و سلم أحدهما يعجل الفطور و يعجل الصلاة و الآخر يؤخر الإفطار و يؤخر الصلاة قالت أيهما الذي يعجل الإفطار و يعجل الصلاة ؟ قال : فقلنا عبد الله – يعني ابن مسعود قالت " كذلك كان يصنع رسول الله صلي الله عليه و سلم .
قال القاضي عياض : عند حديث سهل : ظاهره أنه – عليه السلام أشار أن فساد الأمور يتعلق بتغيير هذه السنة التي هي تعجيل الفطر و أن تأخيره و مخالفة السنة في ذلك كالعلم على فساد الأمور .
وقال القاضي عياض ........ ليبين له أن مثل هذا من بقايا شعاع الشمس و ما بعد مغيبها لا يلتفت إليه ، و لا يستحقه أمد الصوم ، و أن مغيب قرصها أوجب الفطر و دخل الليل أو أن التعجيل بالإفطار أولى و أحق .
وقال ابن عبد البر في التمهيد : من السنة تعجيل الفطر و تأخير السحور و التعجيل إنما يكون بعد الاستيقان بمغيب الشمس و لا يجوز لأحد أن يفطر وهو شاك هل غابت الشمس أم لا ؟ لأن الفرض إذا لزم بيقين لم يخرج عنه و الله عز وجل يقول ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) و أول الليل مغيب الشمس كلها في الأفق عن أعين الناظرين و من شك لزمه التمادي حتى لا يشك في مغيبها قال صلي الله عليه و سلم " إذا أقبل الليل من هاهنا – يعني المشرق – و أدبر النهار من هاهنا – يعني المغرب – و غربت الشمس فقد أفطر الصائم " .
قال ابن دقيق العيد : كما في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام : تعجيل الفطر بعد تيقن الغروب مستحب باتفاق العلماء ، و دليله هذا الحديث و فيه دليل علي الرد علي المتشيعة اللذين يؤخرون إلى ظهور النجم و لعل هذا هو السبب في كون الناس لا يزالون بخير ما عجلوا الفطر لأنهم إذا أخروه كانوا داخلين في فعل خلاف السنة و لا يزالون بخير ما فعلوا السنة .
قال ابن بطال في شرحه للبخاري : أجمع العلماء على أنه إذا غربت الشمس فقد حل فطر الصائم و ذلك آخر النهار و أول أوقات الليل .
قال أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم أبادي كما في عون المعبود في شرح سنن أبي داود : " ما عجل الناس الفطر " ما ظرفيه أي : مدة تعجيلهم الفطر . " لأن اليهود و النصارى يؤخرون " أي الفطر . قال الطيبي : في هذا التعليل دليل على أن قوام الدين الحنيفي على مخالفة الأعداء من أهل الكتاب وأن موافقتهم تلفا للدين .
وسئل شيخ الإسلام كما في الفتاوى الكبرى ( 469/2) و مجموع الفتاوى ( 117/25) عن غروب الشمس : س / هل يجوز للصائم أن يفطر بمجرد غروبها ؟
فأجاب : إذا غاب جميع القرص أفطر الصائم ولا عبرة بالحمرة الشديدة الباقية في الأفق ، و إذا غاب جميع القرص ظهر السواد من المشرق كما قال النبي صلي الله عليه و سلم " إذا أقبل الليل من هاهنا و أدبر النهار من هاهنا و غربت الشمس فقد أفطر الصائم .
و قال رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم وهذا يدل على أن الفصل بين العبادتين أمر مقصود للشارع وقد صرح بذلك فيما رواه أبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه و سلم " لا يزال الدين ظاهراً ما عجلوا الناس الفطر لأن اليهود و النصارى يؤخرون ) و هذا نص في أن ظهور الدين يحصل بتعجيل الفطر لأجل مخالفة اليهود و النصارى و إذا كان مخالفتهم سبباً في ظهور الدين فإنما المقصود بإرسال الرسل أن يظهر دين الله على الدين كله فبكون نفس مخالفتهم من أكبر مقاصد البعثة .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (286/10) : س / يقول الرسول صلى الله عليه و سلم في الحديث الصحيح " إذا غابت الشمس من هاهنا يعني المغرب و طلع الليل من هاهنا يعني المشرق فقد أفطر الصائم أو كما قال صلى الله عليه و سلم و اتضح لنا بعد التبيان أن الشمس تغيب حقيقة و بعدها بخمس أو بسبع دقائق يؤذن المؤذن للإفطار على ميقات العجيري في الكويت ، فهل يجوز الإفطار قبل المؤذن و بعد التحقق من مغيب الشمس ؟
ج / إذا تحقق الصائم غروب الشمس و إقبال الليل فقد حل له الفطر قال تعالى( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) و قال صلى الله عليه و سلم " إذا أقبل الليل من هاهنا و أدبر النهار من هاهنا و غربت الشمس فقد أفطر الصائم " متفق على صحته ، و بذلك يعلم أنه لا يعتبر ما خالف ذلك من التقاويم كما أنه لا يشترط سماع الأذان بعد تحقق غروب الشمس .
وقد سئل الشيخ صالح الفوزان السؤال: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما زالت أمتي بخير ما عجلوا الفطور وأخروا السحور" (عند البخاري في صحيحه)، وأنا أفطر على أول مؤذن في حَيِّنَا، وأمسك عن الأكل والشرب على آخر مؤذن يؤذن في حَيِّنَا. فهل أنا محق في ذلك وعلى صواب؟
الإجابة: تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس، وتأخير السحور إلى ما قبل أن يتحقق طلوع الفجر سنة، وأذان المؤذن لا يعتمد عليه في ذلك إلا إذا تقيد بالتوقيت الصحيح لغروب الشمس وطلوع الفجر، وإلا فإن الاعتماد عليهما لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" (رواه الإمام البخاري في صحيحه)، وكان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال له: "أصبحتَ، أصبحت".
وفي هذا كفاية لمن ألقى السمع وهو بصير وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
هذا تفريغ لشرح هذا حديث سهل بن سعد رضي اللهُ عنه في تعجيل الفطر من شرح الشَّيخ سُليمان الرُّحيليِّ لكتاب الصِّيام مِن بلوغ المرام، شرحه الشَّيخ في دورة الخليفة الرَّاشد عليٍّ بن أبي طالب رضي اللهُ عنه المقامة في الكويت من عام 1434هـ؛ فأسألُ اللهَ أنْ ينفع به.
الحمد لله ربَِّ العالمين والصَّلاة والسَّلام على سيِّد المُرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الحافظُ رحمه اللهُ تعالى:
عن سهل بن سعد رضي اللهُ عنهما أنَّ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "لا يزال النَّاسُ بخير ما عجَّلوا الفِطرَ" مُتَّفقٌ عليه.
وللتِّرمذِيِّ مِن حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: قال اللهُ عزَّ وجلَّ: "أحبُّ عبدي إليَّ أعجلُهم فِطرًا".
نعم، يسير الحافظُ رحمه اللهُ على ترتيب بديع للأحاديث، حيث بدأ بما يتعلَّق بالمُقدِّمة لرمضان وهو صيام يوم الشَّك، ثُمَّ عن دخول شهر رمضان، ثُمَّ الآن يتكلَّم عمَّا يُفعل في رمضان.
هذا الحديث يدُلُّ على أنَّ الإفطار عبادةٌ وليس مِن باب العادات، الأصل في الأكل أنَّه عادةٌ، لكنَّ الإفطار مِن الصِّيام عبادة، فالأكل للفطر عبادةٌ يُتقرَّبُ بها إلى الله سُبحانه وتعالى وهو علامةٌ على الخيْريَّة.
كذلك يدلُّ الحديث يا إخوة على أنَّ الخير في ما شرعه اللهُ لا في ما رآه النَّاسُ، وأنَّ الاقتِصادَ في السُّنَّة خيرٌ مِن الاجتِهاد في البِدعة، والَّذي يُعجِّل الفِطر عند أوَّل تحقُّق الغُروب خيرٌ مِن الَّذي يُؤخِّر الفطر بحُجَّة التَّمتُّع بمزيد الصِّيام.
بعضُ النَّاس يقع عنده فيقول: أنا أُريد أنْ أتمتَّع بالصِّيام، أنا أحبُّ الصِّيام وأبقى خمس دقائق أو ثلاث دقائق بعد تحقُّق الغُروب، ثُمَّ أُفطر! نقول: الَّذي يُعجِّلُ في الفطور خيرٌ مِنك، وأشدُّ عبادة مِنك، فالخيرُ كُلُّه فيما شرعه اللهُ عزَّ وجلَّ.
يدُلُّ هذا الحديث كذلك على أنَّ الخيرَ في أهل السُّنَّة، وهو شهادةٌ لأهل السُّنَّة بالخيريَّة؛ لأنَّهم هم الَّذين يُعجِّلُون الفطر بخلاف غيرِهم الَّذين يُؤخِّرون الفطر إلى أنْ تشتبك النُّجوم، أولئك خلَوا مِن الخيريَّة. الخيريَّة هي لِمَن عجَّل الفطر وهم أهل السُّنَّة.
وفي حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه إثبات صفة الكلام لله عزَّ وجلَّ حقيقةً، وإثبات صفة المحبَّة لله سُبحانه وتعالى.
كذلك في حديث أبي هريرة رضي اللهُ عنه إثبات أنَّ الخلقَ يتفاوتون في محبَّة الله لهم.
آللهُ يُحبُّ أحدًا مِن خلقه؟ نعم.
هل مَن يُحبُهم اللهُ على درجة واحدة في محبَّة الله؟ لا، بل يتفاوتون، بمقدار الإيمان يتفاوت النَّاسُ في محبَّة الله.
كُلُّنا يُريد أنْ يُحبَّه اللهُ، ومَن أراد أنْ يُحبَّه اللهُ فليجتهد في الأعمال الصَّالحة؛ فإنَّ الإيمان يزيد بالطّاعات وينقص بالمعاصي.
فالحديث يدُلُّ على أنَّ العباد يتفاوتون في محبَّة الله لهم، وأنَّهم ليسوا على درجة واحدة.
كذلك قال العلماء إنَّ الحديث يدُلُّ على أنَّ الإيمان يتفاضل، ويزيد وينقص بدليل تفاضل النَّاس في محبَّة الله، وتفاضل النَّاس في محبَّة الله هو بتفاضلهم في الإيمان.
دلَّ الحديث على سُنيَّة تعجيل الفطر، وتعجيل الفطر يكون عند غُروب الشَّمس، إذا غربتْ الشَّمسُ فإنَّه يُعجَّل الفطر، فقد ذكر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثلاث علامات مُتلازمة لحُصُول الفطر، حيث قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إذا أقبل اللَّيلُ مِن ههنا ـ أي مِن جهة الشَّرق في مكانه ـ، وأدبر النَّهار مِن ههنا ـ أي مِن جهة الغرب في مكانه ـ، وغربتْ الشَّمسُ، فقد أفطر الصَّائم"، طبعًا لِكُلِّ بلد شرقه وغربه، لكن كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يُشير إلى الشَّرق في مكانه والغرب في مكانه.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إذا أقبل اللَّيلُ مِن ههنا،وأدبر النَّهار مِن ههنا، وغربتْ الشَّمسُ؛ فقد أفطر الصَّائم". إذًا هُناك ثلاثة أُمور:
أقبل اللَّيل، وأدبر النَّهار، وغربتْ الشَّمس، وهذه الثَّلاثة مُتلازمة، والحديث في الصَّحيحيْن.
ـ ما معنى إذا أقبل اللَّيل؟ يعني رأيتَ ظُلمةَ اللَّيل مُستبينة، أي قد بدأتْ ظُلمةَ اللَّيل تستبينُ مِن جهة الشَّرق.
ـ وأدبر النَّهار: يعني انحسرتْ الشَّمس عن أُفقِ البلد.
ـ وغربتْ: وغابتْ.
فإذا حصلتْ الأُمور الثَّلاثة فقد أفطر الصَّائم، قال العُلماء هذه الثَّلاثة مُتلازمة، لكنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جمع بينها لتحقُّقِ الغُروب.
طيِّب، الإنسان قد ينظر إلى الشَّرق فيُخيَّل إليه الظَّلام وليس بظََّلام، كأنْ يكون هُناك سحابٌ أحيانًا.
قد ينظر ويُخيَّل إليه الظَّلام هذا لا عبرة به، وإنَّما العبرة بحقيقة وُجود الظَّلام، وكذلك بالنِّسبة للغُروب.
قال العُلماء: ولا عبرة بضوء السَّماء. الآن بعضُ النَّاس يقُولون: والله يُفطرون قبل الوقت! يرى السَّماء فيها ضوء، هذا لا عبرة به؛ فإذا حصل إقبال اللَّيل، وإدبار النَّهار، وغربتْ الشَّمسُ فقد أفطر الصَّائمُ ولو كان هُناك ضوءٌ في السَّماء.
جاء في الصَّحيحيْن عن عبدالله بن أبي أوفى قال: "سِرنا مع رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو صائم ـ وفي رواية لمُسلمٍ "في سفر في شهر رمضان"ـ، قال: فلمَّا غربتْ الشَّمسُ، قال: انزل فاجدح لنا ـ وفي رواية عند أبي داود "يا بلال انزل فاجدح لنا"، يعني صرَّح بالمأمورـ، قال: يا رسول الله لو أمسيتَ ـ لأنَّه يرى ضوء السَّماء ـ،فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: انزل فاجدح لنا، قال: يا رسول الله إنَّ عليك لنهارا ـ لأنَّه يرى ضوء السَّماء، يرى السَّماء مُضيئة ـ، قال: يا رسول الله إنَّ عليك لنهارا، قال: انزل فاجدح لنا، فنزل رضي اللهُ عنه فجدح لهم، ثُمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بعد أنْ شرِب: إذا رأيتم اللَّيل قد أقبل مِن هُنا فقد أفطر الصَّائم" وهذا الحديث في الصَّحيحيْن مِن حيث الجملة.
النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سافر في رمضان كم مرَّة؟ سافر في رمضان مرتيْن، مرَّة في غزوة بدر، ومرَّة في عام الفتح.
والَّذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنَّ هذا السَّفر كان في غزوة الفتح؛ لأنَّ عبدالله ابن أبي أوفى لم يشهد بدرًا وهو راوي القصَّة؛ إذًا هي في عام الفتح، وهذا يدُلُّ على تأخُّر هذا الحُكم.
طيِّب، النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "انزل فاجدح لنا"، وبلال يُراجعه في هذا، لماذا راجعه بلال؟
لأنَّ بلالاً رضي اللهُ عنه كان ينظر إلى قضيَّة الضَّوء في السَّماء، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ينظر إلى العلامة الحقيقيَّة وهي: إقبال اللَّيل، وإدبار النَّهار، وغُروب الشَّمس. ولذلك يا إخوة لا عبرة بوُجود ضوء السَّماء، وإنَّما العبرة بالصِّفات الَّتي ذكرها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
طيِّب، هُنا قضيَّة مُهمَّة جدًاوهي أنَّ الغُروب علامة عامَّة وليستْ خاصَّة؛ لأنَّ بعضَ طُلاَّب العلم يقول: أنا أُفطر إذا غابتْ الشَّمسُ عن ناظِريْ، ولا عبرة عندي بالبلد!
بعضُ النَّاس مثلاً يكون في الطَّابق الأوَّل في العمارة يقول: أنا إذا غربتْ الشَّمس عن ناظِريْ أفطرتُ! حتَّى لو كان جاري في الطَّابق السَّابع أو السَّادس يراها؛ لأنَّ الخطاب مُوجَّه لي، وأنا قد غابتْ الشَّمسُ عنِّي؛ فأنا أُفطر! وهذا خطأ.
سمعتُ مِن بعض طُلاَّب العلم مَن يُقرِّر هذه القضيَّة ويقول: إنَّ الإنسان يُفطر ما دامتْ الشَّمس غابتْ عنه ولو كانتْ تُرى ببقيَّة البلد.
لماذا؟ قالوا: لأنَّه جاء في حديث ابن أبي أوفى الَّذي ذكرناه قال: "لو ترآها إنسانٌ على دابَّته لرآها"، يعني الَّذي يطلع على الدَّابة يراها، قالوا: إذًا الَّذي في الطَّابق الثَّاني مثل الَّذي على ظهر الدَّابَّة، وبالتَّالي الإنسان يُفطر بالنِّسبة له حتَّى لو كانتْ الشَّمس مرئيَّة بالنِّسبة لغيره.
وهذه الزِّيادة الَّتي ذكروها موجودة عند عبدالرَّزَّاق في المُصنَّف، وقد حكم عليها بعضُ العُلماء بالصِّحَّة، لكنَّ معناها ليس كما يعرفونه، وإنَّما المقصود قُرب العهد، يعني كأنَّها الآن غابتْ بحيث لو صعد لرآها لقُربِ عهدها.
والمقصود في هذا يا إخوة أنْ يُبيِّن الصَّحابيُّ سُرعة إفطار النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتعجيله للفطرِ عند أوَّل الغُروب، يعني مثلاً: لو أنَّ شخصًا خرج مِن المسجد، فجاء شخصُ يسألُ عنه، فقُل له: لو نظرتَ مِن الباب لرأيتَهُ؛ مقصودي قُرب خُروجه، وليس المقصود أنَّه لا زال موجودًا في المنطقة، فكذلك هذه الرِّواية يُريد بها الصَّحابيُّ ـ وهو العربيُّ الَّذي يعرف أُسلوب العرب ـ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عجَّل فطرهُ.
إذًا نقول: لا تُفطر يا عبدالله حتَّى تغيب الشَّمس عن البلد، وغيبوبة الشَّمسِ أمرٌ عامٌّ.
حديث سهل الَّذي معنا جاء في بعض رِواياته زيادة "أخَّروا السَّحور" رواها الإمام أحمد، لكن قالوا إنَّ الزِّيادة مُنكرة، لكن لا شكَّ أنَّ مِن سُننِّ الصِّيام المُستحبَّات تعجيل الفِطر وتأخير السَّحور.
فقد روى مُسلمٌ أنَّ عائشة رضي اللهُ عنها قيل لها: رجلان مِن أصحاب رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، أمَّا أحدُها فيُعجِّل الفِطرَ ويُؤخَّر السَّحور، وأمَّا الآخر فيُعجِّل السَّحور ويُؤخِّر الفَطور، قالتْ: فمَن الَّذي يُعجِّل الفَطور ويُؤخِّر السَّحور؟
انتبهوا للسُّؤال: ما قالتْ مَن هما؟ سألتْ عن المحمود فقط، سألتْ عن الصِّفة التَّي ستحمدُها وتمدحُها، قالوا: عبدالله بن مسعود، قالتْ: هكذا كان يصنع رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
وهذا مِن الأدب لطالب العلم الَّذي يتأدَّب به، فأمُّنا عائشة رضي اللهُ عنها ـ مع أنَّه ذُكر الرَّجلان، وذُكرتْ صفة هذا، وذُكرتْ صفة هذا ـ لم تقُلْ مَن هُما؟ وإنَّما سألتْ عن مَن سيكون فعله ممدوحًا، فقالتْ: مَن الَّذي يُعجِّل الفَطور ويُؤخِّر السَّحور؟ قالوا: عبدالله بن مسعود، قالتْ: هكذا كان يصنع رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. إذًا سُنَّة النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تعجيل الفَطور وتأخير السَّحور.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله روى عبدالرَّزَّاق وغيرُه بإسنادٍ صحيح عن عمر بن ميمونة قال: "كان أصحابُ رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أسرع النَّاس إفطارًا وأبطأهم سحورًا"، الصَّحابةُ رِضوان الله عليهم أيضًا فعلوا هذه السُّنَّة. إذًا نقول: تعجيل الفَطور وتأخير السَّحور هو سُنَّة النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وفِعل صحابة رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
ذكر العُلماء أنَّ تعجيل الفَطور له فوائد منها:
ـ ظُهور الخير في النَّاس ـ ليس الشَّهادة بالخير ـ، فإذا كان النَّاس يُعجِّلون الفطر فإنَّه يظهر فيهم الخير، يقول النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا يزال النَّاس بخير ما عجَّلوا الفِطر"؛ إذًا يقول العُلماء: تعجيل الفِطر علامة على الخير، وسببٌ في حُصول الخير.
ـ كذلك مِن فوائد تعجيل الفِطر أنَّ فيه إبقاءً لسُنَّة النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، يقول النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا تزال أمَّتي على سُنَّتي ما لم تنتظر بفِطرها النُّجوم" رواهُ ابنُ حبَّان بإسنادٍ صحيحٍ، ففي تعجيل الفِطر إبقاء سُنَّة النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
ـ كذلك مِن فوائد تعجيل الفِِطر أنَّ فيه مُخالفة اليهود والنَّصارى، ومُخالفة اليهود والنَّصارى محمودةٌ شرعًا، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في آخر أمره يُحبُّ مُخالفة اليهود والنَّصارى، يقول النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "لا يزال هذا الدِّين ظاهرًا ما عجَّل النَّاسُ الفِطرَ؛ لأنَّ اليهود والنَّصارى يُؤخِّرون" هذا الحديث رواه أبو داود وابنُ خزيمة وابنُ حبَّان والحاكم، وسكت عنه أبو داود، وصحَّحه مَن ذكرنا مِن الرُّواة الَّذين يلتزِمون الصِّحة، وصحَّحه أيضًا النَّوويُّ والألبانيُّ.
لكنَّ تعجيل الفِطر مشروطٌ بتحقُّقِ الغُروب باتِّفاق العلماء، فليس مِن تعجيل الفِطر أنْ تُفطر قبل الوقت، فيُشترط في تعجيل الفِطر أنْ تتحقَّق الغُروبَ بإجماع العلماء.
هُنا أذكر يا إخوة أنَّ السُّنَّة في مسألة الفِطر وسطٌ بين طرفيْن:
ـ أمَّا الطَّرف الأوَّل فهم الَّذين يُعجِّلون الفِطرَ قبل الوقت، ولا شكَّ أنَّ هذا مذمومٌ، فقد أخبر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أنَّه رأى في المنام رجالاً مُعلَّقين بعراقيبهم ـ أي بأرجلهم مُنكَّسين ـ تسيل أشداقهم دمًا، قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: قُلتُ مَن هؤلاء؟ قال: الَّذين يُفطرون قبل تحِلَّة صومهم" وهذا الحديث رواه الحاكم وابنُ خزيمة والبيهقيُّ، وصحَّحه الحاكمُ وابنُ خزيمة والألبانيُّ والوادعيُّ كلُّهم صحَّحوا هذا الحديث.
وهذا بمعناه يشمل مَن يُفطر قبل الغُروب، وكذلك يدخلُ فيه مَن يُفطر قبل انقضاء رمضان، يعني إمَّا أنْ يُفطر قبل انقضاء اليوم أو قبل انقضاء الشَّهر، فكُلُّهم يدخلون في هذا الوعيد ـ والعياذ بالله ـ هذا طرف.
ـ والطَّرف الثَّاني: الَّذين يُؤخِّرون الفطر إلى اشتباك النُّجوم، فلا يُفطرون حتَّى تشتبك النُّجوم ويسودُّ اللَّيل مِن كُلِّ جانب، ولا شكَّ أنَّ في هذا مُوافقة لليهود والنَّصارى.
ومِن الفِرق الَّتي تنتسب إلى الإسلام مَن يُشابهون اليهود والنَّصارى في كثيرٍ مِن عباداتهم، يتَّفقون مع اليهود والنَّصارى في صفة عبادتهم.
والسُّنَّة وسطٌ بين تعجيل الفِطر قبل وقته، وبين تأخير الفِطر إلى اسوِداد اللَّيل، فيُعجَّلُ الفِطرُ عند تحقُّق الوقت.
وهذه مسألة مُهمَّة؛ لأنِّي رأيتُ مِن بعض الشَّباب مَن يحرص على تعجيل الفطور، ويُبالغ حتَّى يُفطر قبل الوقت! فلا بُدَّ مِن تحقُّق الغروب.
ومِن علامات التَّحقُّق في زماننا الوقت المُحدَّد الَّذي تُصدره الجهات المسئولة في البُلدان، فإنَّ هذا الوقت الزَّمنيِّ المُحدَّد هو علامة معروفة ومُعترفٌ بها عند أهل العلم.
الأصل الثَّاني الَّذي أُحبُّ أنْ أُنبِّهَ عليه في هذه القضايا المُهمَّة أنَّ الشَّرعَ جعل للعبادات العامَّة آيات عامَّة وعلامات عامَّة، لا ينفردُ بها أحدٌ دُون أحدٍ، بل يشترك فيها مجموعُ أهل البلد، والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جاء عنه أنَّه قال: "صومُكم يومَ تصومون، وفِطرُكم يومَ تُفطِرون"، والرَّاجح في هذا الحديث أنَّه صحيحٌ، ومِن مقاصدُ الشَّريعة توحيد الفِطر والصِّيام سواءً بدُخول الشَّهر أو خروجه، أو بالنِّسبة للأيَّام.
الأصلُ الثَّالث الَّذي نُقرِّرهُ أنَّ الخلاف على وليِّ الأمر شرٌّ كما ثبت ذلك عن ابن مسعود رضي اللهُ عنه، فإذا كانت الجهة المسئولة تحت وليِّ الأمر قد أصدرتْ تقويمًا مُعتبَرًا، وأقرَّهُ عُلماء البلد فإنَّه يُلتزمُ به، ولا يجوز تفرقة الصَّف.
أيضًا نقول إنَّ بعضَ طُلاَّب العلم يقولون: إنَّ بعضَ المُؤذِّنين يُؤذِّنون على التَّقاويم، ونحنُ لا نعتبر أذانَهم، لا بُدَّ أنْ نرى نحنُ أنَّ الشَّمسَ قد غربتْ، ولذلك إمَّا أنْ نسبِقهم، وإمَّا أنْ نتأخَّر عنهم.
ونقول: إنَّ هذا ليس بصواب، وعُلماؤنا الكبار الَّذين أدركناهم، ومات مِِنهم مَن مات رحمه الله، وبقي مِنهم مَن بقي متَّعنا اللهُ بعلمه، كُلُّهم يرون أنَّه ينبغي على طالب العلم أنْ يكون مع أهل بلده ما دام حالُه كحالِهم، وإنَّما لبعض أهل العلم كالشَّيخ الألبانيِّ رحمه الله كلام فيمن يكون مثلا يُقيم في أعلى جبل، وأهل البلد في مكان مُنخفضٍ، هذا اختلاف حال، أمَّا مع تساوي أهل البلد فإنَّه ينبغي عدم الخلط في هذه الأُمور.
وفي الحقيقة هذا فيه تفصيل وبيان طويل فيما يتعلَّق بقضيَّة وليِّ الأمر ونحوه، ولكن مجال الدَّورة لا يسمح لنا أنْ نُفصِّل في هذا الأمر.
ولكنِّي أُحذِّر مِن الاستعجال في الفِطر غير المُنضبط إمَّا بسبق أهل البلد أو بالتَّعجُّل الَّذي لا يُتحقَّق فيه مِن الوقت.
تعليق