بسم الله الرحمن الرحيم
أما بعد : لقد سئلت في غرفة سبيل السلف الصالح هذا السؤال ، هل يجوز تغيير لفظ : قال النبي ( صلى الله عليه وسلم ) إلى قال رسول الله ..؟
فأجبت عن ذلك ، ولعلي قصرت في الجواب الارتجالي ، ولما كان هذا السؤال مهما ويتعلق بنقل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظه أو معناه أحببت أن أضيف هنا بعض الفوائد إلى ما كنت أجبت به لعل الأخ السائل يطلع عليها ويستفيد منها ، ويذكرني بخير .
وللعلم فإن المسألة خلافية كغيرها من المسائل ، فهناك من أهل العلم من أجازها ، بناء على جواز الرواية بالمعنى ، وأن الرسول هنا هو النبي لا شك عند إطلاق لفظ أحدهما على الآخر يتبادر لذهن السامع أن النبي هو الرسول ، والعكس..
ومنهم من منع إبدال لفظ النبي بالرسول لاختلاف معناهما وإتباعا لأصل الرواية ، ومنهم من فصل في ذلك كما سيأتي - إن شاء الله -.
قال العلامة ابن الصلاح – رحمه الله – : إنه لا يجوز تغيير قال -النبي صلى الله عليه وسلم – إلى قال رسول الله ، ولا عكس ، وإن جازت الرواية بالمعنى .المعجم الوسيط في علوم ومصطلح الحديث (ص 163).وذكرها العراقي والسخاوي وغيرهم .
وقال الإمام النووي - رحمه الله -: والصواب – والله اعلم – جوازه لأنه وإن اختلف معناه في الأصل لا يختلف به هنا معنى إذ المقصود نسبة القول إلى قائله ، وذلك حاصل بأي وصف وصف به القائل ، ونبينا محمد رسول ونبي ، وقال : وهو مذهب أحمد بن حنبل لما سأله ابنه صالح عن هذا فقال أرجو أن لا يكون به بأس . وما تقدم عنه محمول على الاستحباب لا اللزوم وهو مذهب حماد بن سلمة والخطيب .
وقال العراقي – رحمه الله - النوع الثامن عشر: الظاهر أنه لا يجوز تغيير عن النبي إلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا بالعكس وإن جازت الرواية بالمعنى فإن شرط ذلك أن لا يختلف المعنى والمعنى في هذا مختلف.التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح (1/239)زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي 725 - 806 هـ وتحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان .
قال السخاوي في ألفيته الفصل الثاني عشر : إبدال الرسول بالنبي وعكسها
( وإن رسول بنبي أبـــدلا ... فالظاهر المنع كعكس فعلا )
( وقد رجى جوازه ابن حنبل ... والنووي صوبه وهو جـلي )
وإن رسول وقع في الرواية بأن قيل رسول الله صلى الله عليه و سلم بنبي أي بلفظ النبي أبدلا وقت التحمل والأداء والكتابة فالظاهر كما قال ابن الصلاح : المنع منه والتقيّد بما في الرواية كعكس فعلا بأن يبدل الرواية فيه بلفظ النبي صلى الله عليه و سلم برسول الله صلى الله عليه و سلم وإن جازت الرواية بالمعنى . لأن المعنى هنا مختلف بعني بناء على القول بعدم تساوي مفهومهما (أي: لفظ النبي والرسول) وقد كان الإمام أحمد بن حنبل فيما رواه عنه ابنه عبد الله إذا سمع من لفظ المحدث رسول الله ضرب من كتابه نبي الله وكتب ذلك بدله لكن قال الخطيب إن ذلك ليس على وجه اللزوم بل على الاستحباب في اتباع المحدث في لفظه وقد رجا جوازه ابن حنبل نفسه حيث قال إذ سأله ابنه صالح إنه يكون في الحديث رسول الله فيجعل الإنسان بدله النبي أرجو أن لا يكون به بأس .وكذا جوزه حماد بن سلمة بل قال لعفان وبهز لما جعلا يغيرا لفظ النبي يعني الواقع في الكتاب برسول الله يعني الواقع من المحدث أما أنتما فلا تفقهان أبدا والإمام النووي أيضا صوبه ، أي الجواز ؛ وهو جلي واضح بل قال بعض المتأخرين إنه لا ينبغي أن يختلف فيه .
وقول ابن الصلاح إن المعنى فيهما مختلف لا يمنعه فإن المقصود إسناد الحديث إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حاصل بكل واحد من الصفتين وليس الباب باب تعبد في اللفظ لا سيما إذا قلنا إن الرسالة والنبوة بمعنى واحد . فتح المغيث في شرح ألفية الحديث (2/299) للسخاوي.
قلت : والخلاف مبني على مسألتين مهمتين ، الأولى : رواية الحديث بالمعنى ، فمن منعها منع تغيير لفظ النبي بالرسول ، وعلى هذا ينبني قول المانعين كما ذكره ابن الصلاح إذ معنى النبي والرسول يختلفان في الأصل.وغن كان يشتركان في بعض معناهما، ومن أجازها أجاز تغيير اللفظين ببعضهما البعض، وعلل أن العبرة هنا ليست بتعبد اللفظين ، وإنما العبرة بنقل قول القائل بأي وصف كان ، ونبينا موصوف بهما ، كما بينه النووي ، وعند إطلاق إحدهما فلا يشك أي سامع أنه النبي الرسول ، أو الرسول النبي ولا فرق .
والمسألة الثانية : هي إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابي الذي علمه الدعاء عند النوم ، فلما ردده عليه غير لفظ النبي بالرسول فقال له : قل :<< وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ>> .في الصحيحين من حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأَيْمَنِ ثُمَّ قُلِ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ اللهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ، فَأَنْتَ عَلَى الْفِطْرَةِ وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ قَالَ، فَرَدَدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ اللهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ قُلْتُ: وَرَسُولِكَ قَالَ: لاَ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ . اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان (1734 ).
فمن منع تغيير اللفظين بعضهما ببعض فإنما استند إلى هذا ، وقال أنكر عليه لأن معناهما مختلف ، فالنبي من النبوة وهي من النبأ وهو الخبر فالنبي في العرف هو المنبأ من جهة الله بأمر يقتضي تكليفا فإن أمر تبليغه إلى غيره فهو رسول وإلا فهو نبي غير رسول وحينئذ فالنبي والرسول اشتركا في أمر عام وهو النبأ وافترقا في الرسالة ، فكل رسول نبي ولا عكس ، وأيضا هذا ذكر تعبدي وألفاظه الأذكار توقيفية فلا يدخلها القياس بل يجب المحافظة على اللفظ الذي جاءت به الرواية ولو كان جائزا لما استنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم استبداله اللفظ ، وهو قول متجه ..
لكن رد من أجاز ذلك فقال : إن ذلك في باب الإيمان لأن فيه : آمنت بكتابك ، وعطف عليه الإيمان بالنبي ، ولفظ جملة :<< ونبيك الذي أرسلت >> ليجمع له بين النبوة والرسالة ، أما لو لم يصحح له لكانت الجملة :<< آمنت برسولك الذي أرسلت >> وهي واضحة في إخراج النبوة من الإيمان وهذا فيه خلل في الإيمان أو ويفوت عليه الفائدة التامة في إيمانه ، إذا آمن له بالرسالة دون النبوة وهذا متجه ..
ويقال أيضا :أن ردّه عليه السلام الرجلَ من قوله : << ورسولك إلى قوله ونبيك>>؛ لأن لفظ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أمدح؛ ولكل نعت من هذين النعتين موضع . ألا ترى أن اسم الرسول يقع على الكافة ، واسم النبيّ لا يستحقه إلا الأنبياء عليهم السلام! وإنما فُضّل المرسلون من الأنبياء لأنهم جمعوا النبوّة والرسالة .وهذا ما أراد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقصد قط الإنكار عليه نقل الخبر ، لأنه هنا ليس في موضع نقل الأخبار ، وإنما كان الأمر في موضع العبادة والإيمان .
وأما نقل الخبر وخاصة عن نبينا فهو يحص بأي وصف له ، ولا يعتقد عند سماع الوصف إلا النبي الرسول محمد صلى الله عليه وسلم .
قال العراقي التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح (1/239)
قوله الظاهر أنه لا يجوز تغيير عن النبي إلى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا بالعكس وإن جازت الرواية بالمعنى فإن شرط ذلك أن لا يختلف المعنى والمعنى في هذا مختلف انتهى.
وفيه نظر من حيث أن المعنى لا يختلف في نسبة الحديث لقائله بأي وصف وُصف من تعريفه بالنبي أو رسول الله صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك فإن اختلف مدلول لفظ النبي والرسول فليس المقصود هنا بيان وصفه إنما المراد تعريف القائل بأي وصف عرف به واشتهر وأما ما استدل به بعض من اختصر كتاب ابن الصلاح على منع ذلك.
وهو ما رجحه حافظ حكمي -رحمه الله – في كتابه أرباب الفلاح لتحقيق فن الاصطلاح (1/147):فقال [ إِبدالُ لَفظِ (النَّبِيِّ) بِـ(الرَّسولِ) ]
• الفَائِدَةُ العاشِرَةُ : قال رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى : "إذا كان في سماعه عن رسول الله ( : فأراد أن يرويه ويقول عن النبي ( أو عكسه فالصحيح الذي قاله حماد بن سلمة وأحمد بن حنبل وأبو بكر الخطيب إنه جائز لأنه : لا يختلف فيه هنا معنى . وقال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله : "الظاهر أنه لا يجوز وإن جازت الرواية بالمعنى لاختلافه" والمختار ما قدمته لأنه وإن كان أصل النبي والرسول مختلفاً فلا خلاف هنا ولا لبس ولاشك والله أعلم .
وذهب البدر بن جماعة إلى تفصيل آخر فقال : أنه لو قيل بالجواز في إبدال النبي بالرسول خاصة لما بعد لأن في الرسول معنى زائد على النبي وهو الرسالة إذ كل رسول نبي ولا عكس .المعجم الوسيط (164)والسخاوي في فتح المغيث (2/300).
قلت : وقوله هذا مبني على هذا تغاير معني اللفظين في بعض معانيهما يَرِدُ عليه ردُّ النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابي ذلك فهو إنما استبدل لفظ النبي بالرسول ، والخلاصة : هي ما رجحه النووي وحافظ الحكمي وغيرهما-رحمهم الله جميعا- من جواز ذلك في الرواية دون الذكر والدعاء في موضع التعبد لله تعالى والله أعلم .