بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين
فهذا نقل من قول شيخ الاسلام ابن تيمية عن حديث خطبة الحاجة فية فوائد كثيرة
لعل الله ينغعنا وايكم منه
فصل: في معنى حديث خطبة الحاجة
الأذكار الثلاثة التي اشتملت عليها خطبة ابن مسعود وغيره، وهي الحمد لله، نستعينه، ونستغفره: هي التي يروى عن الشيخ عبد القادر ثم أبي الحسن الشاذلي، أنها جوامع الكلام النافع. وهي: الحمد لله وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وذلك أن العبد بين أمرين: أمر يفعله الله به، فهي نعم الله التي تنزل عليه، فتحتاج إلى الشكر. وأمر يفعله هو؛ إما خير، وإما شر، فالخير يفتقر إلى معونة الله له، فيحتاج إلى الاستعانة، والشر يفتقر إلى الاستغفار؛ ليمحو أثره.
وجاء في حديث ضماد الأَزْدِي: (الحمد لله، نحمده ونستعينه) فقط،وهذا موافق لفاتحة الكتاب، حيث قسمت نصفين: نصفًا للرب، ونصفًا للعبد، فنصف الرب مفتتح بالحمد لله، ونصف العبد مفتتح بالاستعانة به، فقال نحمده ونستعينه، وقد يقرن بين الحمد والاستغفار،كما في الأثر الذي رواه أحمد في الزهد:(أن رجلًا كان على عهدالحسن فقيل له: تلقينا هذه الخطبة عن الوالد عن والده، كما يقولها كثير من الناس: الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا) فأما (نحمده ونستعينه) ففي حديث ضماد، (ونستعينه ونستغفره) في حديث ابن مسعود. وأما (نستهديه) ففي فاتحة الكتاب؛ لأن نصفها للرب وهو الحمد، ونصفها للعبد، وهو الاستعانة والاستهداء، وليس فيها الاستغفار؛ لأنه لا يكون إلا مع الذنب، والسورة أصل الإيمان، والفاتحة باب السعادة، المانعة من الذنوب. كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَي عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت: 45] .
وعـن ابن عباس أن ضمـادًا قـدم مكـة وكـان من أَزْدِشنوءة. وكان يُرْقِي من هذه الريح، فسمـع سـفهاء مـن أهـل مكـة يقولون: إن محمدًا مجنون، فقال: لو أني رأيت هـذا هذا الرجـل لعـل الله يشفيـه على يـدي، قـال: فلقيـه، فقـال: يا محمـد إني أرقي من هـذه الريـح، وإن الله يشفي على يـدي مـن شاء الله، فهـل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الحمد الله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد) قال: فقال : أعد على كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، قال: فقال: لقـد سمـعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت بمثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغت قَاعُوسَ البحر، قال: فقال هات يدك أبايعك على الإسلام، قال: فبايعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وعلى قومك؟) فقال: وعلى قومي. رواه مسلم في صحيحه.
ولهذا استحبت، وفعلت في مخاطبة الناس بالعلم عمومًا وخصوصًا؛ من تعليم الكتاب والسنة والفقه في ذلك، وموعظة الناس، ومجادلتهم أن يفتتح بهذه الخطبة الشرعية النبوية، وكان الذي عليه شيوخ زماننا، الذين أدركناهم، وأخذنا عنهم، وغيرهم يفتتحون مجلس التفسير، أو الفقه في الجوامع والمدارس، وغيرها بخطبة أخري.
مثل: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ورضي الله عنا وعنكم، وعن مشائخنا، وعن جميع المسلمين، أو وعن السادة الحاضرين، وجميع المسلمين، كما رأيت قوما يخطبون للنكاح بغير الخطبة المشروعة، وكل قوم لهم نوع غير نوع الآخرين، فإن حديث ابن مسعود لم يخص النكاح، وإنما هي خطبة لكل حاجة في مخاطبة العباد بعضهم بعضًا، والنكاح من جملة ذلك، فإن مراعاة السنن الشرعية في الأقوال والأعمال في جميع العبادات والعادات، هو كمال الصراط المستقيم، وما سوي ذلك ـ إن لم يكن منهيا عنه ـ فإنه منقوص مرجوح؛ إذْ خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
والتحقيق أن قـوله: [الحمـد لله نستعينه ونستغفره] هي الجـوامع، كما في الحـديث النبـوي، حـديث ابن مسعود ذكر ذلك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم وخواتمه وفواتحـه، كما في سـورتي [أبي] فـإن الاستهـداء يدخـل في الاستعانـة، وتكـرير نحمده قـد استغني به بقـولـه: [الحمد لله] ، فإذا فصلت جاز، كما في دعاء القنوت: (اللهم إنا نستعينك، ونستهديك ، ونستغفرك، ونؤمـن بـك، ونتـوكل عليك، ونثني عليك الخـير كله، ونشكرك، ولا نكفرك، ونخلع، ونترك من يَفْجُرُك). فهذه إحدى سورتي أبي، وهي مفتتحـة بالاستعانـة التي هي نصف العبد، مع ما بعدها من فاتحة الكتاب، وفي السورة الثانية: (اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعي ونَحْفِد، نرجو رحمتـك، ونخشي عذابك، إن عذابك الجِد بالكفار مُلْحِق). فهذا مفتتح بالعبادة التي هي نصف الرب، مع ما قبلها من الفاتحة، ففي سورتي القنوت مناسبة لفاتحة الكتاب، وفيهما جميعًا مناسبة لخطبة الحاجة وذلك جميعه من فواتح الكلم، وجوامعه، وخواتمه.
وأما قوله: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا) فإن المستعاذ منه نوعان: فنوع موجود، يستعاذ من ضرره الذي لم يوجد بعد، ونوع مفقود يستعاذ من وجوده؛ فإن نفس وجوده ضرر، مثال الأول: [أعوذ بالله من الشيطان الرجيم] ، ومثال الثاني: {رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 97، 98] ، و(اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو ُأضل أو أزل أو ُأزل). وأما قوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [سورة الفلق] . فيشترك فيه النوعان، فإنه يستعاذ من الشر الموجود ألا يضر، ويستعاذ من الشر الضار المفقود ألا يوجد، فقوله في الحديث: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا) يحتمل القسمين: يحتمل نعوذ بالله أن يكون منها شر، ونعوذ بالله أن يصيبنا شرها، وهذا أشبه، والله أعلم.
وقوله: (ومن سيئات أعمالنا) السيئات هي عقوبات الأعمال، كقوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [غافر: 45] ، فإن الحسنات والسيئات يراد بها النعم والنقم كثيرًا، كما يراد بها الطاعات والمعاصي، وإن حملت على السيئات التي هي المعاصي، فيكون قد استعاذ أن يعمل السيئات، أو أن تضره. وعلى الأول ـ وهو أشبه ـ فقد استعاذ من عقوبة أعماله أن تصيبه، وهذا أشبه.
فيكون الحديث قد اشتمل على الاستعاذة من الضرر الفاعلي، والضرر الغائي، فإن سبب الضرر هو شر النفس، وغايته عقوبة الذنب، وعلى هذا فيكون قد استعاذ من الضرر المفقود الذي انعقد سببه ألا يكون؛ فإن النفس مقتضية للشر، والأعمال مقتضية للعقوبة، فاستعاذ أن يكون شر نفسه، أو أن تكون عقوبة عمله، وقد يقال: بل الشر هو الصفة القائمة بالنفس الموجبة للذنوب، وتلك موجودة كوجود الشيطان، فاستعاذ منها أن تضره أو تصيبه، كما يقال: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وإن حمل على الشرور الواقعة، وهي الذنوب من النفس، فهذا قسم ثالث
المصدر مجموع فتاوي شيخ الاسلام ابن تيمية .. الحديث.. انتاج روح الاسلام
والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين
فهذا نقل من قول شيخ الاسلام ابن تيمية عن حديث خطبة الحاجة فية فوائد كثيرة
لعل الله ينغعنا وايكم منه
فصل: في معنى حديث خطبة الحاجة
الأذكار الثلاثة التي اشتملت عليها خطبة ابن مسعود وغيره، وهي الحمد لله، نستعينه، ونستغفره: هي التي يروى عن الشيخ عبد القادر ثم أبي الحسن الشاذلي، أنها جوامع الكلام النافع. وهي: الحمد لله وأستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وذلك أن العبد بين أمرين: أمر يفعله الله به، فهي نعم الله التي تنزل عليه، فتحتاج إلى الشكر. وأمر يفعله هو؛ إما خير، وإما شر، فالخير يفتقر إلى معونة الله له، فيحتاج إلى الاستعانة، والشر يفتقر إلى الاستغفار؛ ليمحو أثره.
وجاء في حديث ضماد الأَزْدِي: (الحمد لله، نحمده ونستعينه) فقط،وهذا موافق لفاتحة الكتاب، حيث قسمت نصفين: نصفًا للرب، ونصفًا للعبد، فنصف الرب مفتتح بالحمد لله، ونصف العبد مفتتح بالاستعانة به، فقال نحمده ونستعينه، وقد يقرن بين الحمد والاستغفار،كما في الأثر الذي رواه أحمد في الزهد:(أن رجلًا كان على عهدالحسن فقيل له: تلقينا هذه الخطبة عن الوالد عن والده، كما يقولها كثير من الناس: الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستهديه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا) فأما (نحمده ونستعينه) ففي حديث ضماد، (ونستعينه ونستغفره) في حديث ابن مسعود. وأما (نستهديه) ففي فاتحة الكتاب؛ لأن نصفها للرب وهو الحمد، ونصفها للعبد، وهو الاستعانة والاستهداء، وليس فيها الاستغفار؛ لأنه لا يكون إلا مع الذنب، والسورة أصل الإيمان، والفاتحة باب السعادة، المانعة من الذنوب. كما قال تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَي عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} [العنكبوت: 45] .
وعـن ابن عباس أن ضمـادًا قـدم مكـة وكـان من أَزْدِشنوءة. وكان يُرْقِي من هذه الريح، فسمـع سـفهاء مـن أهـل مكـة يقولون: إن محمدًا مجنون، فقال: لو أني رأيت هـذا هذا الرجـل لعـل الله يشفيـه على يـدي، قـال: فلقيـه، فقـال: يا محمـد إني أرقي من هـذه الريـح، وإن الله يشفي على يـدي مـن شاء الله، فهـل لك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الحمد الله نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد) قال: فقال : أعد على كلماتك هؤلاء، فأعادهن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات، قال: فقال: لقـد سمـعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت بمثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغت قَاعُوسَ البحر، قال: فقال هات يدك أبايعك على الإسلام، قال: فبايعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وعلى قومك؟) فقال: وعلى قومي. رواه مسلم في صحيحه.
ولهذا استحبت، وفعلت في مخاطبة الناس بالعلم عمومًا وخصوصًا؛ من تعليم الكتاب والسنة والفقه في ذلك، وموعظة الناس، ومجادلتهم أن يفتتح بهذه الخطبة الشرعية النبوية، وكان الذي عليه شيوخ زماننا، الذين أدركناهم، وأخذنا عنهم، وغيرهم يفتتحون مجلس التفسير، أو الفقه في الجوامع والمدارس، وغيرها بخطبة أخري.
مثل: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد خاتم المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ورضي الله عنا وعنكم، وعن مشائخنا، وعن جميع المسلمين، أو وعن السادة الحاضرين، وجميع المسلمين، كما رأيت قوما يخطبون للنكاح بغير الخطبة المشروعة، وكل قوم لهم نوع غير نوع الآخرين، فإن حديث ابن مسعود لم يخص النكاح، وإنما هي خطبة لكل حاجة في مخاطبة العباد بعضهم بعضًا، والنكاح من جملة ذلك، فإن مراعاة السنن الشرعية في الأقوال والأعمال في جميع العبادات والعادات، هو كمال الصراط المستقيم، وما سوي ذلك ـ إن لم يكن منهيا عنه ـ فإنه منقوص مرجوح؛ إذْ خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
والتحقيق أن قـوله: [الحمـد لله نستعينه ونستغفره] هي الجـوامع، كما في الحـديث النبـوي، حـديث ابن مسعود ذكر ذلك، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الكلم وخواتمه وفواتحـه، كما في سـورتي [أبي] فـإن الاستهـداء يدخـل في الاستعانـة، وتكـرير نحمده قـد استغني به بقـولـه: [الحمد لله] ، فإذا فصلت جاز، كما في دعاء القنوت: (اللهم إنا نستعينك، ونستهديك ، ونستغفرك، ونؤمـن بـك، ونتـوكل عليك، ونثني عليك الخـير كله، ونشكرك، ولا نكفرك، ونخلع، ونترك من يَفْجُرُك). فهذه إحدى سورتي أبي، وهي مفتتحـة بالاستعانـة التي هي نصف العبد، مع ما بعدها من فاتحة الكتاب، وفي السورة الثانية: (اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعي ونَحْفِد، نرجو رحمتـك، ونخشي عذابك، إن عذابك الجِد بالكفار مُلْحِق). فهذا مفتتح بالعبادة التي هي نصف الرب، مع ما قبلها من الفاتحة، ففي سورتي القنوت مناسبة لفاتحة الكتاب، وفيهما جميعًا مناسبة لخطبة الحاجة وذلك جميعه من فواتح الكلم، وجوامعه، وخواتمه.
وأما قوله: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا) فإن المستعاذ منه نوعان: فنوع موجود، يستعاذ من ضرره الذي لم يوجد بعد، ونوع مفقود يستعاذ من وجوده؛ فإن نفس وجوده ضرر، مثال الأول: [أعوذ بالله من الشيطان الرجيم] ، ومثال الثاني: {رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} [المؤمنون: 97، 98] ، و(اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو ُأضل أو أزل أو ُأزل). وأما قوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [سورة الفلق] . فيشترك فيه النوعان، فإنه يستعاذ من الشر الموجود ألا يضر، ويستعاذ من الشر الضار المفقود ألا يوجد، فقوله في الحديث: (ونعوذ بالله من شرور أنفسنا) يحتمل القسمين: يحتمل نعوذ بالله أن يكون منها شر، ونعوذ بالله أن يصيبنا شرها، وهذا أشبه، والله أعلم.
وقوله: (ومن سيئات أعمالنا) السيئات هي عقوبات الأعمال، كقوله: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [غافر: 45] ، فإن الحسنات والسيئات يراد بها النعم والنقم كثيرًا، كما يراد بها الطاعات والمعاصي، وإن حملت على السيئات التي هي المعاصي، فيكون قد استعاذ أن يعمل السيئات، أو أن تضره. وعلى الأول ـ وهو أشبه ـ فقد استعاذ من عقوبة أعماله أن تصيبه، وهذا أشبه.
فيكون الحديث قد اشتمل على الاستعاذة من الضرر الفاعلي، والضرر الغائي، فإن سبب الضرر هو شر النفس، وغايته عقوبة الذنب، وعلى هذا فيكون قد استعاذ من الضرر المفقود الذي انعقد سببه ألا يكون؛ فإن النفس مقتضية للشر، والأعمال مقتضية للعقوبة، فاستعاذ أن يكون شر نفسه، أو أن تكون عقوبة عمله، وقد يقال: بل الشر هو الصفة القائمة بالنفس الموجبة للذنوب، وتلك موجودة كوجود الشيطان، فاستعاذ منها أن تضره أو تصيبه، كما يقال: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، وإن حمل على الشرور الواقعة، وهي الذنوب من النفس، فهذا قسم ثالث
المصدر مجموع فتاوي شيخ الاسلام ابن تيمية .. الحديث.. انتاج روح الاسلام
تعليق