بسم الله الرحمن الرحيم
«الْحَمْدُ لِلَّهِ ، نَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا (اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) ([1])
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ )([2])
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )([3])»([4])
أما بعد :
فهذه مسألة نطرحها على الإخوة وفقهم الله للدراسة والمذاكرة :
(هل مقدمة صحيح مسلم لها حكم الصحيح؟)
** مقدمة الصحيح ليس لها حكم الصحيح**
1- مَنْ صَرَّح بهذا مِنْ أهل العلم :
* قال الإمام ابن القيم في كتاب >الفروسية< ص183 – ط.المجمع : ( وأما قولكم: إن مسلمًا روى لسفيان بن حسين في >صحيحه< - فليس كما ذكرتُم ، وإنما روى له في مقدمة كتابه ، ومسلمٌ لم يشترط فيها ما شَرَطَهُ في الكتاب من الصِّحَّة ، فلها شَأْن ، ولسَائِرِ كتابه شَأْن آخر ، ولا يشكُّ أهل الحديث في ذلك ).اهـ
2- مَنْ لَوَّحَ به :
◙ صنيع الإمام مُسلم نفسه ‘ فِي مقدمة صحيحه ؛ فقد ضَمَّنها أحاديث فِيْهَا انقطاع ، وأخر فِيْهَا مقال ، فدلَّ على أنه لم يشترط فِي المقدمة مَا اشترطه فِي الصحيح . فمن ذَلِكَ :
1- أحاديث معلة كحديث : >كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ< : قد رواه مسلم عن حفص بن عاصم مرسلاً ، ثم عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي ﷺ ، وهو معل بالإرسال:
قال الإمام مسلم ‘ (ج1/ص10/رقم 5 - (5) ، عبد الباقي) : وحَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي . ح وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّحْمَنِبْنُ مَهْدِيٍّ قَالَا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ : >كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ< .
وحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِمِثْلِ ذَلِكَ .
2- وأحاديث فيها انقطاع ، مثل : أثر >مَا أَنْتَ بِمُحَدِّثٍ قَوْمًا حَدِيثًا لَا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ إِلَّا كَانَ لِبَعْضِهِمْ فِتْنَةً< (ج1/ص10- ط.عبد الباقي) ؛ منقطع بين عبيدالله([1]) بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلى وعَبْد اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ .
وقد قال الإمام المزي ‘ فِي >تحفة لأشراف< (ج7/ص90/9410) : عبيدالله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود , عن ابن مسعود - ولم يدركه .
◙ كلام لأهل العلم يوحي بالتفريق بين المقدمة والصحيح :
قال الحاكم في >المستدرك< (1/112) : حدثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ ثنا محمد بن نعيم ثنا محمد بن رافع ثنا علي بن جعفر المدائني ثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ : >كفى بالمرء إثما أن يحدث بكل ما سمع< .
قد ذكر مسلم هذا الحديث في أوساط الحكايات التي ذكرها في خطبة الكتاب عن محمد بن رافع ولم يخرجه محتجا به في موضعه من الكتاب ) . اهـ
وكذلك قال (1/103) : حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ محمد بن عبدالله بن عبد الحكم أنبأ بن وهب أخبرني سعيد بن أبي أيوب عن أبي هانئ الخولاني عن مسلم بن يسار عن أبي هريرة عن رسول الله ﷺ قال : >سيكون في آخر الزمان ناس من أمتي يحدثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم< .
هذا حديث ذكره مسلم في خطبة الكتاب مع الحكايات ، ولم يخرجاه في أبواب الكتاب . اهـ
◙ الَّذِينَ ترجموا لرجال الكتب الستة - فرقوا بَيْنَ مَن أخرج لهم مُسْلِم فِي مقدمة صحيحه ، وبين من أخرج لهم فِي الصحيح . فمن ذلك :
* أن الحافظ ابن حجر فرّق في كتابه >التقريب< ؛ فرمز لمن خرّج له في >الصحيح< بــ[م] ، ورمز لمن خرّج له في >المقدمة< بــ[مق] .
وهذه بعض الأمثلة من كتاب >التقريب< :
(1) خليفة بن موسى بن راشد العُكلي الكوفي ،، مستور [مق] .
(2) وهب بن زمعة التميمي ، أبو عبد الله المروزي ،، ثقة ر [مق] س ت .
(3) يحيى بن فلان ، عن محمد بن كعب ، مجهول ، له ذكر في مقدمة مسلم ، من السادسة ، [مق] .
(4) يحيى بن المتوكل المدني ، أبو عَقيل ، ضعيف [مق] د .
والحافظ ابن حجر فِي تقريبه متابع لأصله >تهذيب التهذيب< ، وَهُوَ بدوره متابع لأصل أصله >تهذيب الكمال< ، و>تهذيب الكمال< متابع لـ>الكمال< .
* أن الإمام الذهبي فِي >الكاشف< اقتصر عَلَى من روى لهم مُسْلِم فِي الصحيح. أما من لم يخرج لهم إلا في المقدمة - فلم يدخلهم فِي كتابه . وإذا كانوا فِي كِتَاب آخر من الكتب الستة - أشار إليهم ولم يشر إلى رواية مُسْلِم له في المقدمة .
* كذا : ابن منجويه في كتابه >رجال صحيح مسلم< ؛ لم يذكر الرواة الذين لم يخرج لهم مسلم إلا في المقدمة .
* وكذا : الحاكم في >تسمية من أخرجهم البخاري ومسلم وما انفرد به كل واحد منهما< .
[التطبيق]
** مقدمة الصحيح لها حكم الصحيح**
** مقدمة الصحيح لها حكم الصحيح**
حديث علي بن أبي طالب وأنس بن مالك والمغيرة بن شعبة رضي الله عنهم في تغليظ الكذب على رسول الله ﷺ :
فلم يخرجه مسلم - من حديثهم - إلا في المقدمة ، وقد أخرجه البخاري في صحيحه موصولا .
فهل هذه الأحاديث - من جهة تطبيق قواعد المصطلح - من المتفق عليه ، أم أنها من أفراد البخاري ؛ لأن مسلما لم يخرجها في صحيحه ؟
نرى مشاركات الإخوة ، ثم ننقل إن شاء الله بقية البحث وكلام الحفاظ في ذلك .
([1]) وَجَدُّهُ عُتْبَةُ هُوَ: أَخُو عَبْدِ اللهِ بنِ مَسْعُوْدٍ ^ .
([1]) النساء : آية 1 .
([2]) آل عمران : آية 102 .
([3]) الأحزاب : الآيتان 70 ، 71 .
([4]) الرواية هكذا كما في«سنن أبي داود»(ج2 / ص203، 204)