قال رحمه الله :
[ صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز : النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ، وزير الدفاع ، والطيران ، والمفتش العام !
أصحاب السمو الأمراء !
أصحاب الفضيلة ، والمعالي ، والسعادة !
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
الحمد لله الذي علم بالقلم ، وأقامنا بالدين الحق على قصد الأمم ، وجعلنا باتباع الرسول النبي الأمي خير الأمم . أما بعد :
فمنذ نيف وخمسين سنة ، وأنا أطوف في آفاق السنة ، وأصعد النظر في شعابها ، وأجهد بصري في البحث والتنقيب عن نوادها وشواردها ، وأركب الصعاب والذلول من رواحلها ، وأرسل العنان لقلمي لوصل ما انقطع من نصوصها ، والتوليف والتقريب بين ما تناثر وتفرق من أجزاء متونها ، إلى غير ذلك مما حملت من أمانتها ، في مؤلفات ناهزت المائة : تخريجًا ، وتصنيفًا ، وتهذيبًا ، واختصارًا ، وتبويبًا ، وتصويبًا بتصحيح أو بتضعيفٍ ، واستخراجًا واستنباطًا لأحكامٍ ومسائل .
ومن أعلاها شأنًا ، وأحبها لي السِّلسلتان الذهبيتان : الصحيحة والضعيفة : اللتان تصدران تباعًا على تباعدٍ ، وكل واحدة منهما تعد مكتبةً قائمةً برأسها في علوم السنة ، تتم كل منهما الأخرى ، وأحسب أنه لا غنى لطلاب العلم والباحثين عنهما ، فقد أوعبت فيهما ما تفرق في دواوين الإسلام ، من علم الرجال ، والجرح والتعديل ، والأسانيد والعلل ؛ وبخاصة الخفية منها ، هذا إلى جانب الكثير من المسائل العلمية ، والفوائد النادرة ، والقواعد الفقهية الدقيقة .
وما خطوت خطوةً واحدةً في طريق هذا العلم الشريف إلاَّ وأراني لا زلت في أوله ؛ إذ هو علمٌ متجددٌ في الأحكام التي يمضيها المتخصص على نصوصه في التصحيح ، والتحسين ، والتضعيف ، بما أوفر الله لنا من فضل ، ترخي ذيوله علينا في كل يومٍ دور النشر والطباعة ، من صحاحٍ ، وسننٍ ، ومسانيدٍ ، وأجزاءٍ كانت مخطوطات مكنونةً في غيابات أجباب المكتبات العتيقة .
وكان من ثمار هذا ما وفقني إليه ربي سبحانه ، من صنعي في كتابي الأول : صحيح الترغيب والترهيب وضعيفه . والثاني : تهذيب صحيح الجامع وضعيفه . إذ جعلت لكل من نوعي الحديث الصحيح ، والضعيف خمس مراتب ، وهي حديثية من حيث التطبيق ، وقديمةٌ من حيث الوجود : صحيحٌ لذاته ، صحيحٌ لغيره ، حسنٌ لذاته ، حسنٌ لغيره ، حسنٌ صحيحٌ ، ضعيفٌ ، ضعيفٌ جداً ، موضوعٌ ، شاذٌ ، منكرٌ سنداً أو متنًا .
وليس بخافٍ على أهل العلم المكانة التي رضيها الله لسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، وأجمعت الأمة عليها ، فهي صِنوُ القرآن ، وشطر الوحي ، ولسان التأويل الصادق لكتاب الله الذي لا يضل على الدهر ، وقد علم أعداء الإسلام هذا الأمر من قديمٍ وحديثٍ ، فأوضعوا خلالها بسوء مكرهم ، يبغونا الفتنة بالتحريف ، والوضع ، والغلو ، والطعن على الأسانيد العليَّة ، والتشكيك فيما دونها ، والنيل من حفاظها ، وأمرائها ، وسدنتها ، والإنتقاص من الصحابة والتابعين ، ورؤوس القرون الثلاثة المفضلة الأولى ، في غير حقٍّ ، ولا ورعٍ ، ولا كتابٍ منيرٍ .
ومما يحاكي هذه الباب ويدخل فيه ؛ أن يقتحم هذا العلم من لم تتهيأ له أسبابه ، ونأت عنه دواعيه ، ولهذا العلم قواعده ، وأصوله ، وأبوابه وفصوله : التي يعرف بها الناسخ من المنسوخ ، والعام من الخاص ، والمطلق من المقيَّد ، وأسباب الوُرود ، والعلل الخفية الدقيقة ، والظاهرة الجلية ، إلى غير ذلك مما لا بد منه لهذا العلم الشريف .
لذا ، فإني أجدني أعييدُ النظر بين الفينة والأخرى في نصوص كنت خرجتها قبل وقوفي على طرقها الجديدة من بعد ظهور تلكم المخطوطات لأحكُم عليها بنقيضها ، مما يحسبه بعضٌ ممن يجهل هذا الأمر تناقضًا وقعت فيه ، أو وهمًا دهمني ، وما علموا أن السكوت عن الحكم الجديد وإخفاءه ضربٌ من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : ( من كذب عليَّ متعمداً فليَتَبَوَّأ مقعده من النار ) .
ونمطٌ مفظعٌ من الخيانة لله وللرسول ، والله ينهى عن ذلك في مثل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ . سورة الأنفال ، ( الآية : 27 ) .
واستسهال هذا العلم على نحو ما نرى عليه بعضًا من طلاب العلم الحدثاء الأسنان أمرٌ مستهجنٌ ، بل مُستفظعٌ ؛ لأنه ينتهي بهم إلى الخروج عن السنن الأولى التي اتفقت عليها الأمة ، واستقر عليها عمل القرون ، ومنذ أن كان لهذا العلم ذكرٌ في الناس ، وأيما شيء يحدث في حياة الأمة يجري على سنن الهدى ، وتجمع عليه الأمة ، ويستقر بين ظهرانيها ، موافقًا للأدلة التي تتأسس بها القواعد العامة في شتى المعارف والعلوم ، فلا ينبغي أن يخالف ، أو يخرج عنه ، أو يزهد فيه .
وبدهي أن قواعد العلوم الإسلامية كلها ( من علوم القرآن ، والسنة ، واللغة ) لم تثبت وتشتد ، ليصدر عنها المتخصصون الأقيال ، ويفيدوا منها ، تعلمًا وتعليمًا ، وأخذًا وردًّا ، وبحثًا واستقراءً ، في شمولية واعية ، حتى لا تكاد تشذُّ منها شاذَّةٌ ، إلا وقد طوقها من كل جهاتها نصوصٌ من الكتاب والسنة ، فمن أتاها بزيادةٍ ، أو نقصٍ فقد ثلم الإجماع الذي رضيته طوائف علماء الأمة في شتى الأعصار والقرون ، وإنما الأمة بعلمائها ، فما رضيه العلماء واستقر إجماعهم عليه ، فهو الذي رضيته الأمة ، والأمَّة ( لا تجتمع على ضلالةٍ ) ، وهي بهذا المحدث في واحدٍ من أصلي الأصول ، وهو السنة : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ) ؟!
وهو من المشاقة لله وللرسول : وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا . سورة النساء ، ( الآية : 115 ) .
فلماذا إذًا هذا التجرؤ على قواعد علم السنة ، وقد حفظها الله لنا هذه القرون بها ، كما حفظ لنا كتابه العزيز ؟!
وقد أنالنا بها من رحمته ما أنالنا نحن في هذا القرن ، على ما كانت واستقرت عليه في القرون الغابرة ، وجرى العمل بها ، ولا أحسب إلا أن هذه القواعد إنما أخذت بدايتها ومطالعها من نهج القرن الأول ، ولم يأت القرن الرابع إلا وقد استوفى علم السنة غايته منها ، وغدت السنة بها مكلوءةً أن تؤخذ على غَرَّةٍ .
وها أنا ذا بعد أن سلختُ من عمري قرابة الستين عامًا ؛ ماشيًا في ركاب هذا العلم الشريف ، أعود بالنظر والتهذيب والتقريب فيه ، وكأني لا زلت على أول مدرجته ، لذا فإني ناصحٌ أمين لطلاب العلم الشدااة بثلاثٍ :
• أولاً : أن يتعلموا العلم لأنفسهم .
• ثانيًا : وأن يكون هو شاغلهم وهمَّهم .
• ثالثًا : وأن لا يعجلوا في أمر لا ينال إلا بالتريث ، وإدامة البحث والنظر في خوافيه وقوادمه .
• ثم ليعلموا رابعًا : أن التصحيح والتضعيف في هذا العلم الشريف يدور بين الصدق وبين الكذب ، وما لم يكن مريد الاشتغال بهذا العلم حاذقًا فيه فإنه يلبس عليه فيه ، فيقع في الكذب وهو يريد الصدق ، وكفى بذلك إثمًا ، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس ككذبٍ على أحدٍ ، إنه أقرب إلى الكفر ، بل هو بالتعمد كُفرٌ بواحٌ .
وأخيرًا ، فإني أسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم النعمة على أرض الجزيرة ، وعلى سائر بلاد المسلمين ، وأن يحفظ دولة التوحيد برعاية خادم الحرمين الملك فهد بن عبد العزيز ، وأن يطيل في عمره في طاعة وسداد أمرٍ ، وتوفيقٍ موصولٍ .
وإني لأشكر لمؤسسة الملك فيصل الخيرية على ما تبذله من خيرٍ وجهدٍ ، وتكريم للعلم والعلماء ، وهي بذلك إنما تؤدي شيئًا من حق الملك فيصل - رحمه الله - عليها ، وهو شيء من معنى قوله سبحانه : وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ . سورة الشعراء ، ( الآية : 84 ) .
والحمد لله أولاً وآخراً ، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ ، وعلى آله وصحبه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .]
[ صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز : النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ، وزير الدفاع ، والطيران ، والمفتش العام !
أصحاب السمو الأمراء !
أصحاب الفضيلة ، والمعالي ، والسعادة !
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد :
الحمد لله الذي علم بالقلم ، وأقامنا بالدين الحق على قصد الأمم ، وجعلنا باتباع الرسول النبي الأمي خير الأمم . أما بعد :
فمنذ نيف وخمسين سنة ، وأنا أطوف في آفاق السنة ، وأصعد النظر في شعابها ، وأجهد بصري في البحث والتنقيب عن نوادها وشواردها ، وأركب الصعاب والذلول من رواحلها ، وأرسل العنان لقلمي لوصل ما انقطع من نصوصها ، والتوليف والتقريب بين ما تناثر وتفرق من أجزاء متونها ، إلى غير ذلك مما حملت من أمانتها ، في مؤلفات ناهزت المائة : تخريجًا ، وتصنيفًا ، وتهذيبًا ، واختصارًا ، وتبويبًا ، وتصويبًا بتصحيح أو بتضعيفٍ ، واستخراجًا واستنباطًا لأحكامٍ ومسائل .
ومن أعلاها شأنًا ، وأحبها لي السِّلسلتان الذهبيتان : الصحيحة والضعيفة : اللتان تصدران تباعًا على تباعدٍ ، وكل واحدة منهما تعد مكتبةً قائمةً برأسها في علوم السنة ، تتم كل منهما الأخرى ، وأحسب أنه لا غنى لطلاب العلم والباحثين عنهما ، فقد أوعبت فيهما ما تفرق في دواوين الإسلام ، من علم الرجال ، والجرح والتعديل ، والأسانيد والعلل ؛ وبخاصة الخفية منها ، هذا إلى جانب الكثير من المسائل العلمية ، والفوائد النادرة ، والقواعد الفقهية الدقيقة .
وما خطوت خطوةً واحدةً في طريق هذا العلم الشريف إلاَّ وأراني لا زلت في أوله ؛ إذ هو علمٌ متجددٌ في الأحكام التي يمضيها المتخصص على نصوصه في التصحيح ، والتحسين ، والتضعيف ، بما أوفر الله لنا من فضل ، ترخي ذيوله علينا في كل يومٍ دور النشر والطباعة ، من صحاحٍ ، وسننٍ ، ومسانيدٍ ، وأجزاءٍ كانت مخطوطات مكنونةً في غيابات أجباب المكتبات العتيقة .
وكان من ثمار هذا ما وفقني إليه ربي سبحانه ، من صنعي في كتابي الأول : صحيح الترغيب والترهيب وضعيفه . والثاني : تهذيب صحيح الجامع وضعيفه . إذ جعلت لكل من نوعي الحديث الصحيح ، والضعيف خمس مراتب ، وهي حديثية من حيث التطبيق ، وقديمةٌ من حيث الوجود : صحيحٌ لذاته ، صحيحٌ لغيره ، حسنٌ لذاته ، حسنٌ لغيره ، حسنٌ صحيحٌ ، ضعيفٌ ، ضعيفٌ جداً ، موضوعٌ ، شاذٌ ، منكرٌ سنداً أو متنًا .
وليس بخافٍ على أهل العلم المكانة التي رضيها الله لسنة نبيه عليه الصلاة والسلام ، وأجمعت الأمة عليها ، فهي صِنوُ القرآن ، وشطر الوحي ، ولسان التأويل الصادق لكتاب الله الذي لا يضل على الدهر ، وقد علم أعداء الإسلام هذا الأمر من قديمٍ وحديثٍ ، فأوضعوا خلالها بسوء مكرهم ، يبغونا الفتنة بالتحريف ، والوضع ، والغلو ، والطعن على الأسانيد العليَّة ، والتشكيك فيما دونها ، والنيل من حفاظها ، وأمرائها ، وسدنتها ، والإنتقاص من الصحابة والتابعين ، ورؤوس القرون الثلاثة المفضلة الأولى ، في غير حقٍّ ، ولا ورعٍ ، ولا كتابٍ منيرٍ .
ومما يحاكي هذه الباب ويدخل فيه ؛ أن يقتحم هذا العلم من لم تتهيأ له أسبابه ، ونأت عنه دواعيه ، ولهذا العلم قواعده ، وأصوله ، وأبوابه وفصوله : التي يعرف بها الناسخ من المنسوخ ، والعام من الخاص ، والمطلق من المقيَّد ، وأسباب الوُرود ، والعلل الخفية الدقيقة ، والظاهرة الجلية ، إلى غير ذلك مما لا بد منه لهذا العلم الشريف .
لذا ، فإني أجدني أعييدُ النظر بين الفينة والأخرى في نصوص كنت خرجتها قبل وقوفي على طرقها الجديدة من بعد ظهور تلكم المخطوطات لأحكُم عليها بنقيضها ، مما يحسبه بعضٌ ممن يجهل هذا الأمر تناقضًا وقعت فيه ، أو وهمًا دهمني ، وما علموا أن السكوت عن الحكم الجديد وإخفاءه ضربٌ من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : ( من كذب عليَّ متعمداً فليَتَبَوَّأ مقعده من النار ) .
ونمطٌ مفظعٌ من الخيانة لله وللرسول ، والله ينهى عن ذلك في مثل قوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ . سورة الأنفال ، ( الآية : 27 ) .
واستسهال هذا العلم على نحو ما نرى عليه بعضًا من طلاب العلم الحدثاء الأسنان أمرٌ مستهجنٌ ، بل مُستفظعٌ ؛ لأنه ينتهي بهم إلى الخروج عن السنن الأولى التي اتفقت عليها الأمة ، واستقر عليها عمل القرون ، ومنذ أن كان لهذا العلم ذكرٌ في الناس ، وأيما شيء يحدث في حياة الأمة يجري على سنن الهدى ، وتجمع عليه الأمة ، ويستقر بين ظهرانيها ، موافقًا للأدلة التي تتأسس بها القواعد العامة في شتى المعارف والعلوم ، فلا ينبغي أن يخالف ، أو يخرج عنه ، أو يزهد فيه .
وبدهي أن قواعد العلوم الإسلامية كلها ( من علوم القرآن ، والسنة ، واللغة ) لم تثبت وتشتد ، ليصدر عنها المتخصصون الأقيال ، ويفيدوا منها ، تعلمًا وتعليمًا ، وأخذًا وردًّا ، وبحثًا واستقراءً ، في شمولية واعية ، حتى لا تكاد تشذُّ منها شاذَّةٌ ، إلا وقد طوقها من كل جهاتها نصوصٌ من الكتاب والسنة ، فمن أتاها بزيادةٍ ، أو نقصٍ فقد ثلم الإجماع الذي رضيته طوائف علماء الأمة في شتى الأعصار والقرون ، وإنما الأمة بعلمائها ، فما رضيه العلماء واستقر إجماعهم عليه ، فهو الذي رضيته الأمة ، والأمَّة ( لا تجتمع على ضلالةٍ ) ، وهي بهذا المحدث في واحدٍ من أصلي الأصول ، وهو السنة : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ ) ؟!
وهو من المشاقة لله وللرسول : وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا . سورة النساء ، ( الآية : 115 ) .
فلماذا إذًا هذا التجرؤ على قواعد علم السنة ، وقد حفظها الله لنا هذه القرون بها ، كما حفظ لنا كتابه العزيز ؟!
وقد أنالنا بها من رحمته ما أنالنا نحن في هذا القرن ، على ما كانت واستقرت عليه في القرون الغابرة ، وجرى العمل بها ، ولا أحسب إلا أن هذه القواعد إنما أخذت بدايتها ومطالعها من نهج القرن الأول ، ولم يأت القرن الرابع إلا وقد استوفى علم السنة غايته منها ، وغدت السنة بها مكلوءةً أن تؤخذ على غَرَّةٍ .
وها أنا ذا بعد أن سلختُ من عمري قرابة الستين عامًا ؛ ماشيًا في ركاب هذا العلم الشريف ، أعود بالنظر والتهذيب والتقريب فيه ، وكأني لا زلت على أول مدرجته ، لذا فإني ناصحٌ أمين لطلاب العلم الشدااة بثلاثٍ :
• أولاً : أن يتعلموا العلم لأنفسهم .
• ثانيًا : وأن يكون هو شاغلهم وهمَّهم .
• ثالثًا : وأن لا يعجلوا في أمر لا ينال إلا بالتريث ، وإدامة البحث والنظر في خوافيه وقوادمه .
• ثم ليعلموا رابعًا : أن التصحيح والتضعيف في هذا العلم الشريف يدور بين الصدق وبين الكذب ، وما لم يكن مريد الاشتغال بهذا العلم حاذقًا فيه فإنه يلبس عليه فيه ، فيقع في الكذب وهو يريد الصدق ، وكفى بذلك إثمًا ، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليس ككذبٍ على أحدٍ ، إنه أقرب إلى الكفر ، بل هو بالتعمد كُفرٌ بواحٌ .
وأخيرًا ، فإني أسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم النعمة على أرض الجزيرة ، وعلى سائر بلاد المسلمين ، وأن يحفظ دولة التوحيد برعاية خادم الحرمين الملك فهد بن عبد العزيز ، وأن يطيل في عمره في طاعة وسداد أمرٍ ، وتوفيقٍ موصولٍ .
وإني لأشكر لمؤسسة الملك فيصل الخيرية على ما تبذله من خيرٍ وجهدٍ ، وتكريم للعلم والعلماء ، وهي بذلك إنما تؤدي شيئًا من حق الملك فيصل - رحمه الله - عليها ، وهو شيء من معنى قوله سبحانه : وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ . سورة الشعراء ، ( الآية : 84 ) .
والحمد لله أولاً وآخراً ، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ ، وعلى آله وصحبه ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .]
كلمة الإمام المحدث محمد ناصر الدين بن الحاج نوح الألباني رحمه الله ، وغفر له ، وجزاه عنا وعن الإسلام خير الجزاء بمناسبة حصوله على جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية عام ( 1419 هـ / 1999 م )
http://www.alalbany.net/misc004.php
منقول
http://www.alalbany.net/misc004.php
منقول