المؤلّفاتُ الّتي اعْتَنَتْ برجال و أطراف الكُتب السِّتّة
قال الشّيخ عبد المحسن العبّاد حفظه الله في رسالته : " كيف نستفيد من الكتب الحديثيّة الستّة " (1) المطبوعة ضمن مجموع رسائله و كتبه (3/227 إلى 244 ) و الّتي أصلها محاضرةٌ ألقاها بالجامعة الإسلامية بالمدينة النّبويّة ، قال حفظه الله :
" و هذه الكتب السّتّة لَقِيَت من العلماء عنايةً في أطرافها و رجالها ، و أحسن ما أُلِّّف في أطرافها (2) كتاب أبي الحجّاج المِزِّّي " تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف " و قد رتّبه على أسماء الصّحابة ، و عند كلّ صحابيٍّ يذكر أسماء التّابعين الّذين رَوَوْا عنه على التّرتيب ، ثمّ يذكر الأسانيد من الأئمّة أصحاب الكتب السّتّة إلى التّابعين ، و هذا الكتاب العظيم يعتبر بالنّسبة للأسانيد بمثابة نُسخٍ أخرى لتلك الكتب السّتّة .
و أحسن ما أُلّف في رجالها ، بل في رجال مؤلّفات أصحابها كتاب : " تهذيب الكمال في أسماء الرّجال " لأبي الحجّاج المزّي ، فإنّه مشتملٌ على أسماء رجال الكتب السّتّة و رجال مؤلّفاتٍ أخرى لأصحاب الكتب السّتّة مثل رجال " الأدب المفرد " ، و جزء " القراءة خلف الإمام " ، و " خلق أفعال العباد " للبخاريّ ، و غيرها .
و أمّا الكتاب المقتصر على رجال الكتب الستّة فهو كتاب " الكاشف " للذّهبيّ .
و قد اعتنى الحافظ أبو الحجّاج المزّي عند ترجمة كلّ راوٍ بذكر شيوخه و تلاميذه مرتّبين على ترتيب حروف الهجاء ، ثمّ يذكر ما قيل في صاحب التّرجمة من جرحٍ و تعديلٍ ، و يختم التّرجمة بذكر أسماء الّذين خرّجوا أحاديثه من الأئمّة الستّة في كتبهم ، و في أوّل التّرجمة يثبت الرّموز لهم .
و قد هذّب كتابَه هذا الحافظ ابن حجرٍ في كتابه " تهذيب التّهذيب " ، فيذكر عند كلّ ترجمةٍ بعضَ شيوخ الرّاوي و تلاميذه و ما ذكره المزّي ممّا قيل فيه ، ثمّ يختم التّرجمة بذكر إضافاتٍ أخرى مبدوءةً بقوله : ( قلتُ ) ، و عندما ينظر طالب العلم في ترجمة الرّاوي في " تهذيب التّهذيب " و ما اشتملت عليه من جرحٍ و تعديلٍ يتسائلُ ! ما هي النّتيجة الّتي انتهى إليها الحافظ ابن حجرٍ في الحكم على عل الرّاوي ؟ و الجواب على هذا التّساؤل موجودٌ عند الحافظ ابن حجر في كتابه " تقريب التّهذيب " ، فيقول عنه ثقةٌ أو صدوقٌ أو ضعيفٌ أو غير ذلك .
و كتاب المزّي " تهذيب الكمال " هذّبه أيضاً الذّهبيّ في كتابه " تهذيب تهذيب الكمال " ، و لخَّصه الخَزْرَجيّ في " خلاصة تهذيب تهذيب الكمال " .
و الفرق بين ما في " التّقريب " و " الخلاصة " أنّ الحافظ ابن حجر في " التّقريب " يثبت رأيه في الرّاوي و يذكر طبقته ، و أمّا الخزرجيّ في " الخلاصة " فإنّه يذكر بعض شيوخ الرّاوي و بعض تلاميذه و يذكر بعض ما قيل في الحكم عليه جرحاً أو تعديلاً ، و عنذ ذكر الصّحابيّ يذكر عدد الأحاديث الّتي له في الكتب الستّة ، و عدد ما اتّفق عليه البخاريُّ و مسلمٌ منها ، و عدد ما انفرد به كلّ واحدٍ منهما عن الآخر .
و في كتاب " تهذيب الكمال " للمزّي و ما تفرّع عنه من الكتب ذكر رواةٍ ليس لهم روايةٌ عند أصحاب الكتب الستّة ، ذُكروا لتمييزهم عن رواةٍ مذكورين قبلهم لهم روايةٌ عند أصحاب الكتب الستّة ، و الرّمز لهم في هذه الكتب بكلمة ( تمييز ) عند التّرجمة .
فمثلاً : كثير بن أبي كثير، جاء في هذه التّرجمة خمسة رواةٍ ؛ الأوّل روى له أبو داود و التّرمذيّ و النّسائيّ و ابن ماجه في " التّفسير " ، و الثّاني روى له البخاريّ في " الأدب المفرد " ، و الثّلاثة الباقون ليس لهم روايةٌ و إنّما ذُكروا لتمييزهم عن الاثنين قبلهم .
و قد جمع أبو نصرٍ الكلاباذي رجال صحيح البخاريّ في مؤلَّفٍ خاصٍّ ، و جمع أبو بكر بن منجويه الأصبهاني رجال صحيح مسلمٍ في مؤلَّفٍ خاصٍّ ، و جمع بين الكتابين الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسيّ المعروف بابن القيسراني ، و اسم كتابه " الجمع بين رجال الصّحيحين " ، و كلّها مطبوعةٌ ، و كتاب ابن القيسراني مختصرٌ ، و طريقته فيه أنّه عندما يذكر التّراجم الّتي تحت اسمٍ واحدٍ كأحمد مثلاً : يذكر من اسمه أحمد عند البخاريّ و مسلمٍ ، ثمّ من اسمه أحمد عند البخاريّ ، ثمّ من اسمه أحمد عند مسلم ، و من أجلّ فوائده أنّ الرّاوي إذا كان قليل الرّواية فإنّه يذكر مواضع أحاديثه في الصّحيحين أو أحدهما ، و ذلك بذكر الكتاب الّذي ورد فيه الحديث .
و قد ألَّفَ الشّيخ يحي بن أبي بكر العامريّ اليمني في الصّحابة الّذين لهم روايةٌ في الصّحيحين أو أحدهما كتاباً سمّاه " الرّياض المستطابة في جملة من روى في الصّحيحين من الصّحابة " و هو كتابٌ عظيم الفائدة .
و من المناسب ذكرُه هنا أنّ للحافظ الذّهبيّ كتاباً اسمه : " ميزان الاعتدال في نقد الرّجال " ، اشتمل على تراجم لرجالٍ ورد ذكرهم في " تهذيب الكمال " و ما تَفَرَّع عنه ، و على تراجمَ لرجالٍ غيرهم ، و فيه ثقاتٌ ذكَرَهم لا لنقدهم و إنّما للدّفاع عنهم مثل عليّ بن المديني ، و عبد الرّحمن بن أبي حاتم .
و للحافظ ابن حجر كتابٌ كبيرٌ سمّاه : " لسان الميزان " بناه على كتاب " الميزان " للذّهبيّ مع زياداتٍ كثيرةٍ عليه ، و قد قصره على تراجم رجالٍ لا ذِكْرَ لهم في كتاب " تهذيب الكمال " و ما تفرّع عنه ، و هو يُعتبر إضافة رجالٍ آخرين إلى رجال أصحاب الكتب السّتّة .
و قد جمع متون الكتب السّتّة و سادسَها الموطأ (3) ابنُ الأثير في كتابه " جامع الأصول " ، و هو مطبوعٌ متداولٌ ، و قد هذّب به كتاب رزين العَبْدَرِيّ " التّجريد للصّحاح و السّنن " ، و يرمز عند كلّ حديثٍ للّذين خرّجوه من الأئمّة السّتّة ، و فيه أحاديثُ زائدةٌ على ما في الكتب السّتّة و هذه الزّيادات لرزين ، و علامتها في جامع الأصول خلوّها من الرّموز أمامها .
و ابن الأثير رتّب كتابه " جامع الأصول " على كتبٍ مرتّبةٍ على حروف الهجاء ، فيذكر في كلّ كتابٍ ما يتعلّق بموضوعه .
و إذا أراد طالب العلم الوقوف على حديثٍ في الكتب السّتّة و هو يعرف متنه فيمكنه ذلك بالبحث عنه في مظنتّه من الكتب الّتي اشتملت عليها الكتب السّتّة ؛ فإذا كان الحديث يتعلّق بالإيمان مثلاً ، بحث عنه في كتاب الإيمان من الصّحيحين و السّنن ، و إذا كان يَعْرِف اسم الصّحابيّ راوي الحديث ؛ رجع إلى " تحفة الأشراف " للحافظ المِزِّي ، فإنّه يذكر أماكن وجود الحديث في الكتب السّتّة ، أو رجع إلى كتاب " ذخائر المواريث في الدّلالة على مواضع الحديث " للشّيخ عبد الغنيّ النّابلسيّ فإنّه يذكر طرف الحديث ، و يذكر من خرّجه من أصحاب الكتب الستّة بالإضافة إلى الإمام مالكٍ في الموطّأ ، مع ذكر شيخ المؤلِّف فيه .
و يمكن الاهتداء إلى موضع الحديث في الكتب السّتّة بمعرفة بعض الكلمات في الحديث المعيَّن فيرجع إلى كتاب " المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النّبويّ " الّذي بُني على الكتب السّتّة و الموطّأ و سنن الدّارميّ و مسند الإمام أحمد (4) ، فيبحث عن الكلمة ، فإذا كان الحديث في هذه الكتب وجد الدّلالة على موضعه منها ، و ذلك بذكر اسم الكتاب و رقم الباب ، إلاّ في صحيح مسلم و موطّأ الإمام مالك فإنّه يكون بذكر اسم الكتاب و رقم الحديث فيه ، و إلاّ في مسند الإمام أحمد ، فإنّ الإشارة فيه إلى الجزء و الصّفحة من الطّبعة ذات السّتّة أجزاء ".
انتهى النّقل من الصّفحة 240 إلى 244 من المجلّد الثّالث .
_____________
(1): المقصود بها : صحيح البخاريّ ، و صحيح مسلم ، و سنن أبي داود ، و جامع التّرمذي ، وسنن النّسائي ، و سنن ابن ماجه القزويني [ أبو حاتم ] .
(2) : كتب الأطراف هي التي يقتصر فيها على ذكر طرف الحديث الدّال على بقيّته مع الجمع لأسانيده ، إمّا على سبيل الاستيعاب أو على جهة التقيد بكتب مخصوصة ، كذا في " الرسالة المستطرفة " للكتّاني ( ص 167 ) [ أبو حاتم ] .
(3) : أي بدل سنن ابن ماجه ، كما هو معروفٌ عند بعض العلماء أنّهم يجعلون الموطّأ سادس الكتب الستّة ، انظر " الرسالة المستطرفة " ( ص13 ) [ أبو حاتم ] .
(4) : و يطلق عليها بعضهم : الكتب التّسعة [ أبو حاتم ] .