بسم الله الرحمن الرحيم
و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على محمد وآله و صحبه أجمعين و بعد:هذه بعض الأسئلة حول شبهة التفريق بين منهج المتقديم و المتأخرين في مصطلح الحديث فخلال دراستي لمجموعة مؤلفات في الصناعة الحديثة [ ست كتب ] تحت اسم [ تدريب الطلبة على تكوين الملكة ] تبين لي بفضل الله أن صاحب السلسلة على منهج المفرقين أو منهج (حمزة المليباري) فخطر لي طرح هذه الشبه [ الموجودة في الكتب المشار إليها سابقاً ] و القواعد التي تقوم عليها هذه النظرية المحدثة على هيئة أسئلة و مناقشات فلربما نجد ممن له إحاطة بالمسألة من طلبة العلم فيساهم فلعله يكشف الإبهام أو يجيب عن السؤال أو يطرح الإشكال أو يرد الشبه ويبين الصواب بإذن الله تعالى .
تنبيهات : أولاً إن منهج التفريق كلمة حق أريد بها باطل و على هذا الأساس أهدف إلى تأصيل الحق و بيان الباطل بإذن الله تعالى و ثانياً سأضيف الاْسئلة و الفوائد وكذلك الكتب و الصوتيات و كلام العلماء الكبار تباعاً على حسب القدرة بإذن الله تعالى و الله ولي التوفيق.
[ أسئلة ]
السؤال الأول [ حول مقالة عمرو سليم]
قال في كتابه [ تيسير علوم الحديث القسم الثاني منه و هو مذكرة الجرح و التعديل ص(17 ] تحت عنوان حكم سكوت البخاري عن الراوي في "التاريخ" قال ( وأعجب من هؤلاء المتأخرين من ادعى أن سكوت البخاري عن راو ٍ من الرواة في كتابه التاريخ الكبير يعد توثيقاُ له لا سيما إذا تابعه ابن حبان فذكره في الثقات.) ا.ه
قال في [ حاشيته على نزهة النظر ص 57] (على أن ما ذكره البخاري -رحمه الله-في تراجم الرواة من تاريخه من سماعهم من بعض من رووا عنهم، أو مجرد رواياتهم عنهم دون إثبات سماع إنما هو مجرد حكاية سند الرواية، وليس كما يظن البعض أنه إذا قال في تاريخه فلان سمع من فلان ، أنه يثبت له السماع ، وإذا قال روى عن فلان ، أنه لم يصح له سماع منه عنده وقد كنت منذ زمن أذهب هذا المذهب ، وأقول بهذا القول ، حتى تبين لي خلاف ذلك ، ففي ترجمة عبيد بن آدم من التاريخ الكبير(1\3\441) قال: ((سمع عمر وأباهريرة - رضي الله عنهما- روى عنه عيسى بن سنان))
قلت: رواية عبيد بن آدم عن عمر -رضي الله عنه - أخرجها أحمد في مسنده (1\3 : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن أبي سنان ، عن عبيد بن آدم ، قال : سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول لكعب : أين ترى أن أصلى ..... فذكر الحديث
قلت : وهذا الإسناد منكر ، فأبو سنان وهوعيسى بن سنان ضعيف الحديث، ولاشك أن إثبات سماع راو من راو يلزم له أن يرد بإسناد صحيح ، وهذا منتف في هذا الإسناد ، والله أعلم ) ا.هـ.
أولاً : من يقصد بكلامه و أين ذكروا هذا الكلام حول سكوت الإمام البخاري رحمه الله؟
ثانياً : ما هو القول الصحيح في هذه المسألة مع ذكر مثال يوضح المعنى؟
ثالثاً : ما صحت ما قاله عن كتاب التاريخ [ وليس كما يظن البعض أنه إذا قال في تاريخه فلان سمع من فلان ، أنه يثبت له السماع ، وإذا قال روى عن فلان ، أنه لم يصح له سماع منه عنده ] ؟
السؤال الثاني [ حول مقالة عمرو سليم ]
قال في كتابه [ تيسير علوم الحديث القسم الثاني منه و هو مذكرة الجرح و التعديل ص(161) ] تحت عنوان من و ثقه الترمذي ، أو صحح حديثه ، أو حسنه قال: و من نظر إلى الصناعة الحديثية التي في (جامعه) عرف ذلك ، و أقرَّ له بالفهم ، و التقدمة ، و الإعتدال في هذا الشأن.
فقال : خلافاً لما ذهب إليه الحافظ الذهبي و غيره من المتأخرين من وصف الترمذي بالتساهل في التصحيح و التعديل.
ثم قال بعدائية : وقد اغترَّ جماعة من المتأخرين بصينع الذهبي هذا ، و بكلامه فليَّنوا توثيقات الترمذي و تصحيحاته.
ثم قال معللاً : والذي أوقع الذهبي و من تبعه من المتأخرين في هذه المسألة ، عدم اعتبارهم لمدلولات إطلاقات الترمذي في (جامعه) وحكمه على هذه الإطلاقات و الأوصاف بالجديد الولَّد عندهم مما يشابه في الأسم إلا أنه يخالفه في الإصطلاح.ا.ه
أولاً : ما صحت ادعائه بأن الحافظ الذهبي و الحافظ ابن حجر يصفان الإمام الترمذي بالتساهل ؟ و ما هو القول الراجح في هذه المسألة؟
ثانياً : مالفائدة من وراء هذا النقد بهذه الطريقة في مثل هذه الكتب ( تيسير علوم الحديث للمبتدئين ), و التي هي عبارة عن برنامج لـ ( تدريب الطلاب على تكوين ملكة نقد الأئمة ) ؟!!
[مناقشة]
وقد استظهر الحافظ ابن حجر - رحمه الله - أن الترمذي لإذا وصف حديثا بالحسن لم يكن بالضرورة أن يكون مما يحتج به عنده فقال في ( النكت ) ص 402/1 : " ويدل على أن الحديث إذا وصفه الترمذي بالحسن لا يلزم عنده أن يحتج به أنه أخرج حديثا من طريق : خيثمة البصري عن الحسن عن عمران بن الحصين - رضي الله عنه - و قال بعده هذا حديث حسن و ليس إسناده بذاك. ا.هـ
لكن ماذا لو أكملنا نقل كلام الحافظ حيث قال بعد هذا الكلام مباشرتاً :
و قال في كتاب العلم بعده : أن أخرج حديثاً في فضل العلم : " هذا حديث حسن قال : و إنما لم نقل لهذا الحديث صحيح لأنه يقال : أن الأعمش دلس فيه فرواه بعضهم عنه ، قال : حدثت أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه " انتهى .
ثم قال : فحكم له بالحسن للتردد الواقع فيه و امتنع عن الحكم عليه بالصحة لذلك ، لكن في كل المثالين نظر لاحتمال أن يكون سبب تحسينه لهما كونهما جاءا من وجه آخر كما تقدم تقريره انتهى.
إذاً فالاستدلال بكلام الحافظ ابن حجر لا يصلح في تقرير كلامه حول الاحتجاج بالحديث الحسن عند الإمام الترمذي و الله أعلم .
هذا كلام الشيخ الألباني رحمه الله حول مسألة سكوت البخاري في تاريخه و التي تعرض إليها عمرو سليم كما نقلت سابقاً
ثم إني لاحظت في كلام الشيخ ناصر رحمه الله أنه ينفي نسبة هذا القول عملياً إلى المتأخرين و في المقابل يثبته لبعض المعاصرين و هو عبد الفتاح أبو غدة [ المعتزلي ] و السؤال هو هل أخذ عمرو سليم بظاهر القول و لم ينظر في تطبيقات المتأخرين ؟ أم أنه (.........) ؟!! .
و هذا نص جواب الشيخ ناصر رحمه الله لسؤال أبو العينين :
حال الرواة المسكوت عنهم في التاريخ الكبير للبخاري و الجرح و التعديل لابن أبي حاتم .
السؤال : قول المجد أبن تيمية في عكرمة بن ابراهيم الأسدي رداً على البيهقي في تضعيفه : و يمكن المطالبة بسبب الضعف فإن البخاري ذكره في " تاريخه " و لم يطعن فيه و عادته ذكر الجرح و المجروحين و حكاه ابن القيم و سكت عليه و كلام المنذري على ابن خزيمة حيث قال : إن صح الخبر ( يعني على حديث ما ) فإني لا أعرف خلفاً أبا الربيع بعدالة و لا جرح ، ولا عمرو بن حمزة القيسي الذي دونه ، فقال المنذري : قد ذكرهما ابن أبي حاتم ، و لم يذكر فيهما جرحاً ، و في نصب الراية : قال ابن الجوزي : عثمان ابن محمد متكلم فيه ، فتعقبه ابن عبد الهادي بقوله : إن هذا الكلام لا يقبل منه ، لأنه لم يعين من تكلم فيهم و قد روى عنه أبو داود ، وأبوبكر بن أبي عاصم وغيرهما و ذكره ابن حبان في " تعجيل المنفعة " في تراجم سبعة و ثمانين راوياً إلى قول الحسيني : [ و ذكره البخري ، وابن أبي حاتم ، أو أحدهما و لم يذكر جرحاً ].
و منها القول فيها أوضح ، مثل سويد بن الحارث عن أبي ذر قال الحسيني فيه : " مجهول لا يعرف " ، فقال الحافظ : هذه مبالغة، ثم علل ذلك بأن البخري ذكر سويداً ، ولم يذكر فيه جرحا ً ، و تبعه ابن أبي حاتم و قال أيضاً في " تعجيل المنفعة " في ترجمة صقير : قال الحسيني : " مجهول " و لم يصب في ذلك فقد ذكروه في حرف الصاد المهملة و لم يذكر البخاري و لا ابن أبي حاتم فيه قدحا ً ، و ذكره ابن حبان في " الثقات " قال الذهبي في " الميزان " في ترجمة محمد بن الأسود بن خلف : لا يعرف هو و لا أبوه تفرد عنه ابن خُثَيمٍ فقال الحسيني متعقباً لبذهبي : قد عرفه البخاري و أودعه تاريخه و حكى هذا الحافظ ابن حجر في " تعجيل المنفعة " و أقره .
فهل يؤخذ من هذا أن هؤلاء الأئمة يرون أن ذكر البخاري و ابن أبي حاتم للراوي في كتابيهما دليل على رفع الجهالة عن الراوي و لا نقول توثيقاً ، و إنما رفع جهالة العين ؟
الجواب : الذي نعرفه في هذا المجال أنه ليس توثيقا ً لمن مارس هذا عملياً ، وإنما الأمر يعود إلى ما سبق ذكره آنفاً بمناسبة التحدث عن قول الحافظ ابن حجر في كثير من الرواة في التراجم في " التقريب " فيمن يقول فيهم " مقبول " لكن مع ذلك يقول فيهم " صدوق " لا حاجة إلى إعادة ما سبق من الكلام ،
فنقول : كل ما جاء في هذه السطور ، مما يدور حول ما ذكر في " تاريخ البخاري " أو كتاب " الجرح و التعديل " ممن ترجما له ، و سكتا عنه ، ذلك لا يعطي توثيقاً ، و لا رفع جهالة و الغالب الذي استقر في النفس أن هؤلاء أو بعض هؤلاء الأئمة و منهم الحافظ ابن حجر عملياً لا يصحح و لا يحسن رواية من ذكر في " تاريخ البخاري " أو " الجرح و التعديل " ، هذا من جهة و من جهة أخرى و من جهة أخرى الذي في نفسي أن بعض المعاصرين و لعله الشيخ الذي توفى قريباً أبو غدة ألف رسالة و زعم أن كل من ترجمه البخاري في كتابه " التاريخ " ، و سكت عنه فهو ثقة عنده ، و حجة و هذا منتقد بأن كثيراً من هؤلاء المترجمين عنده قد يضعفهم البخاري نفسه في بعض كتبه الأخرى غير " تاريخه الكبير " و نحو ذلك.
لذلك فهذه النقول التي قرأتها أنفاً الظاهر أنهم يذهبون إلى رفع الجهالة العينية ، لكن عملياً ما يجرون على هذا إطلاقاً و بخاصة إذا كان الرواي بعد البحث و التحقيق و التتبع لا نجد عنه راوياً في كل الكتب إلا راوياً واحداً فهذا ينبغي أن نطبق عليه القاعدة الحديثية أن الجهالة لا ترتفع برواية راوٍ واحد ، فإذا كان البخاري و ابن أبي حاتم بعد أبيه ، و أضف إلى ذلك ابن حبان - المتساهل - لا يذكرون عن المترجم إلا راوياً واحداً فبأي حجة نحن نقول إن سكوت البخاري و ابن أبي حاتم و ابن حبان يعتبر ذلك رفعاً للجهالة العينية ؟ ليس عندنا إلا مثل هذه النقول و هي معارضة بالواقع العملي من هؤلاء هذا الذي أدين الله به و لا أشك أن في مثل هذه الأقوال شيئاً من التساهل لا يرضونه هم في تخريجاتهم.
[ سؤلات أبو عبد الله أحمد أبو العينين للشيخ المحدث محمد ناصر الدين الألباني ]
[ المجلس الثاني : في السابع عشر من شوال سنة سبع عشر و أربعمائة و ألف للهجرة ]
يتبع إن شاء الله تعالى