عن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول:"مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَة، وَخَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، فَمَاتَ فَمِيتَتَهُ جَاهِلِية، وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، لا يَخْشَّى مُؤْمِنًا لإِيمَانِه، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ بِعَهْدِهِ، فَلَيْسَ منْ أُمَتِي، وَمَنْ قُتُلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِيَّة يَغْضبُ لِلعَصَبيَة، أَوْ يُقَاتلُ لِلعَصَبيَة؛ فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِية".
وأخبرنا به أبو الحسن بن بُشْرَان، عن الصَّفَار، وذكره. وذكره الآجُرِي، عن أبي بكر بن أبي داود السّجِّسْتَانِي، عن محمد بن بشَّار، أن محمد بن جعفر حدثه، عن شُعْبَة، عن غَيْلاَن. وأخرجه مسلم في الصحيح عن شَيْبَان بن (فَرُوح)(1)، عن جرير بن حازم، عن غَيْلَان بن جرير، عن أبي قيس بن رباح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وذكره.
نعم وهذا الحديث صحيح، وقد رواه الإمام مسلم كما بين المؤلف ـ رحمه الله ـ أخرجه مسلم في صحيحه من طرق عن غَيْلَان بن جرير، ورواه عبد الرزاق أيضا عن معمر، ورواه الإمام أحمد وهو حديث صحيح.
وفيه تحذير من مفارقة الجماعة لأن من فارق الجماعة، وخرج على الجماعة وخرج على إمام المسلمين، فإن هذا من كبائر الذنوب ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم- " مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَة، وَخَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، فَمَاتَ فَمِيتَتَهُ جَاهِلِية" هذا يدل على أن من خرج عن الطاعة، وخرج على إمام المسلمين، وخرج عن الجماعة فهو مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب وظاهر الحديث الكفر قال"فَمِيتَتَهُ جَاهِلِية " لكن المراد الوعيد، المراد من الحديث الوعيد، الحديث من أحاديث الوعيد، وهو يدل على أن مفارقة جماعة المسلمين، والخروج على جماعة المسلمين وإمامهم من كبائر الذنوب، ولهذا توعده النبي قال:"فَمَاتَ فَمِيتَتَهُ جَاهِلِية "." وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، لا يَخْشَّى مُؤْمِنًا لإِيمَانِه"
يعني لا يبالي بالمؤمن، ولا يبالي بذي العهد. لا يتحاشى، لا يتحاشى مؤمنا، ولا يتحاشى صاحب عهد، قال:" وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا، لا يَخْشَّى مُؤْمِنًا لإِيمَانِه، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ بِعَهْدِهِ، فَلَيْسَ منْ أُمَتِي" هذا وعيد شديد يدل على أنه من الكبائر.
وما أشبه الليلة بالبارحة فهؤلاء الفرقة الآن الضالة الذين خرجوا على المسلمين وعلى أئمة المسلمين لا يخشون مؤمنا لإيمانه، يفجرون ويقتلون، ويهلكون الحرث والنسل، ولا يبالون بالمؤمن ولا بذي العهد، فهم لا يخشون مؤمنا لإيمانه، ولا يفي لذي عهد بعهده، من دخل إلى البلاد فهو صاحب عهد، من دخل البلاد له كفيل سواء كان من الأفراد أو من الدولة هذا يعتبر صاحب عهد لأجله لا نمسه بسوء ماله معصوم ودمه معصوم.
في الحديث الآخر يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" فهؤلاء الذين خرجوا على إمام المسلمين، وعلى جماعة المسلمين وصاروا يضربون البر والفاجر، ولا يخشون مؤمنا لإيمانه، ولا يفون لذي العهد بعهده عليهم هذا الوعيد الشديد، ولا حول ولا قوة إلا بالله يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- " فَلَيْسَ منْ أُمَتِي" يدل على أنه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.
ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم- " وَمَنْ قُتُلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِيَّة" يقال: ( عُمِّية وعِمِّية بضم العين وكسرها، لغتان مشهورتان، والميم مكسورة، والياء مشددة، عُمِّية وعِمِّية) وهي الأمر الأعمى الذي لا يستبين وجهه. كذا قال الإمام أحمد وجماعة.
والمعنى: أنه يقاتل ولا يتبين له وجه القتال، تحت راية لم يعلم وجهها من الشرع وحكمها من الشرع، يغضب للعصبية، أو يقاتل للعصبية، فقتلته جاهلية.
وليس من هذا قتال الصحابة، قتال الصحابة رضوان الله عليهم عن اجتهاد وعن تأويل سائغ، فإن عليا -رضي الله عنه- بايعه أكثر أهل الحل والعقد، فثبتت له البيعة، واجتهد معاوية - رضي الله عنه - وأهل الشام، وتأخروا عن البيعة يطالبون بدم عثمان هم مجتهدون عن اجتهاد، وعلي ومن معه مجتهدون، لكن علي ومن معه مجتهدون مصيبون لهم أجر الاجتهاد وأجر الصواب، ومعاوية ومن معه اجتهدوا فأخطئوا فلهم أجر الاجتهاد وفاتهم أجر الصواب، وهم الفئة الباغية كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم- لكن هم لم يعلموا أنهم بغاة فهم مجتهدون.
وأكثر الصحابة انضموا إلى علي - رضي الله عنه- عملاً بقول الله تعالى {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي}(2) فالصواب مع علي -رضي الله عنه- ولهذا انضم أكثر الصحابة كلهم مع علي عملا بالآية {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} فأهل الشام بغاة، انضم أكثر الصحابة لقتالهم لأنهم بغاة، لكن هم لا يعلمون أنهم بغاة، هم يطالبون بدم عثمان - رضي الله عنه-.
فقتال الصحابة لا يدخل في هذا لأنه قتال عن تأويل، عن تأويل سائغ، ولا يدخل في قول النبي -صلى الله عليه وسلم- "لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" إنما القتال الذي لا يعرف وجهه كما قال النبي " تحت راية عُمية " وليس له دليل من الشرع، وليس عن اجتهاد سائغ، مثل ما جاء في الحديث أنه في آخر الزمان يكثر القتال" فلا يدري القاتل فيم قتل ولا يدري المقتول فيم قتل".
نسأل الله السلامة والعافية.
أما إذا كان اجتهاد سائغ دليله واضح من الشرع؛ فلا يدخل في هذا، قتال الصحابة عن اجتهاد سائغ، هم ما بين مجتهد مصيب له أجران، وما بين مجتهد مخطئ له أجر واحد.
وأشكل هذا على بعض الصحابة واعتزلوا الفريقين كابن عمر وسلمة بن الأكوع وأسامة بن زيد وجماعة، اعتزلوا الفريقين لم يتبين لهم وجه الصواب مع من؟ وخافوا من الأدلة التي فيها النهي عن القتال في الفتنة، وأنه يجب كسر جفون السيوف في الفتنة، فلم يتبين لهم وجه الصواب، فلهذا اعتزلوا الفريقين، وهذا فيه الوعيد الشديد.
يقول النبي "وَمَنْ قُتُلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِيَّة يَغْضبُ لِلعَصَبيَة، أَوْ يُقَاتلُ لِلعَصَبيَة؛ فَقِتْلَتُهُ جَاهِلِية" هذا وعيد شديد، يعني يقاتل تحت راية عمية، عمياء لا يعرف وجه الصواب، ويغضب للعصبية، ويقاتل للعصبية.
أما إذا كان مع إمام المسلمين يقاتل مثلا البغاة ويقاتل الخوارج، أو مع إمام مسلم تمت له البيعة، وجاء إنسان باغ يبغي عليه فيقاتل الثاني، كما في قول النبي- صلى الله عليه وسلم- " من جاءكم وأمركم جميع، يريد أن يفرقكم، فاقتلوه كائنا من كان " هذا دليل واضح إذا اجتمع المسلمون على إمام وتمت له البيعة وجب السمع والطاعة له بالمعروف، ولا يجوز لأحد أن يفرق الجماعة فمن جاء ينازعه أو يفرق المسلمين فيقتل الثاني هذا بأمر الشرع بالنصوص.
والشاهد من الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم- (حث على الجماعة وتوعد من فارق الجماعة فقال:" مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَة، وَخَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، فَمَاتَ فَمِيتَتَهُ جَاهِلِية "من فارق الجماعة فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، ففيه الحث على لزوم الجماعة هذا هو الشاهد من الترجمة ترجمة الباب وجوب النصيحة ولزوم السنة والجماعة)
يقول "مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَة، وَخَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ، فَمَاتَ فَمِيتَتَهُ جَاهِلِية " هذا هو شاهد الترجمة، وهو وعيد على من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة، وأنه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب.نعم.
المصدر تم تفريغه من فتوى صوتية لفضيلة العلامة عبد العزيز الراجحي
وللحفظ والاستماع في المرفقات
ـــــــــــــــ
1. هكذا ذكرت(فروح) والصحيح كما في صحيح مسلم حدثنا شيبان بن فروخ. حدثنا جرير (يعني ابن حازم). حدثنا غيلان بن جرير عن أبي قيس بن رياح، عن أبي هريرة.
انظر صحيح مسلم كتاب الإمارة (54/ رقم الحديث 1848 )
2. سورة الحجرات الآية 9.