كيف يمكننا الجمع بين قول الرسول- صلى الله عليه وسلم-: (لا عدوى ولا طيره ولا هامة ولا صفر ولا غول) وبين قوله- صلى الله عليه وسلم- : (فر من المجذوم فرارك من الأسد) وكلاهما في الصحيح وظاهرهما التعارض !
فيكون وجه الجمع بين الحديثين أن هذه الأمراض لا تعدي بطبيعتها ، ولكن الله سبحانه جعل مخالطة المريض بها للصحيح سببا لإعدائه ومرضه.
فإن نفيه- صلى الله عليه وسلم- للعدوى باق على عمومه وقد صح قوله- صلى الله عليه وسلم- لا يعدي شيء شيئا ، وقوله- صلى الله عليه وسلم- لمن عارضه بأن البعير الأجرب يكون في الإبل الصحيحة فيخالطها فتجرب،حيث رد عليه بقوله : (فمن أعدى الأولى؟)؛ يعني أن الله ابتدأ ذلك في الثانية كما ابتدأ في الأولى.
وأما الأمر بالفرار من المجذوم فمن باب سد الذرائع ؛ لئلا يتفق للشخص الذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء لا بالعدوى المنفية فيظن أن ذلك بسبب مخالطته فيعتقد صحة العدوى ، فيقع في الحرج ،فأمر بتجنبه حسما للمادة.
والله أعلم.
مقتبس من كتاب النكت على نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر للحافظ ابن حجر العسقلاني بقلم علي الحلبي الأثري.