إرواء الغليل من ضوابط الجرح و التعديل
لأبي جهاد سمير الجزائري
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله هذا بحث لطيف اختصرته من كتاب "ضوابط الجرح والتعديل" لعبد العزيز العبد اللطيف (وهوغير صاحب ضوابط التكفير).
فأسأل الله العظيم رب العرش العظيم وأنا في الثلث الأخير من الليل أن يغفر لي ما تقدم وما تأخر من ذنبي وأن يجعل هذا العمل عملا متقبلا مبرورا تنشرح له الصدور وتحبه القلوب ولا تمل من قراءته العيون والعقول.
أموت ويبقى ما كتبته ... فيا ليت من قرا دعاليا
عسى الإله أن يعفو عني ... ويغفر لي سوء فعاليا
فإليك هذه الضوابط:
1. الموصوف بما يقتضي تضعيف روايته لا يخلو تضعيفه من ثلاث حالات هي:
• الأولى: أن يكون تضعيفاً مطلقاً فهذا لا تقبل معه رواية الراوي عند تفرّده بها ولكن تتقوى بالمتابعة من مثله فترتقي إلى حسن لغيره.
• الثانية: أن يكون تضعيفاً مقيداً بالرواية عن بعض الشيوخ أو في بعض البلدان أو في بعض الأوقات فيختص الضعف بما قُيد به دون سواه.
• الثالثة: أن يكون تضعيفاً نسبياً وهو الواقع عند المفاضلة بين راويين فأكثر فهذا لا يلزم منه ثبوت الضعف المطلق في الراوي بل يختلف الحكم عليه بحسب قرينة الحال في تلك المفاضلة. وأمّا الموصوف بما يقتضي ردَّ روايته فهو الضعيف جداً فمن دونه لا يُقَوِّي غيره ولا يَتَقَوَّى بغيره.
2. ما يخرج الراوي عن دائرة الضبط:
• كثرة الوَهْم: أن تكثر من الراوي الرواية على سبيل التَّوهُّم فَيَصِلَ الإسناد المرسل، ويرفع الأثر الموقوف ونحو ذلك.
• كثرة مخالفة الراوي لمن هو أوثق منه أو لجمع من الثقات.
• سوء الحفظ: أن لا يترجح جانب إصابة الراوي على جانب خطئه بل يتساوى الاحتمالان.
• شدّة الغفلة: أن لا يكون لدى الراوي من اليقظة والإتقان ما يميّز به الصواب من الخطأ في مروياته .
• فحش الغلط: أن يزيد خطأ الراوي على صوابه زيادة فاحشة.
• جهل الراوي بمدلولات الألفاظ ومقاصدها وما يُحيْلُ معانيها عند الرواية بالمعنى حيث يتعيّن عند ذلك الأداء باللفظ الذي سمعه اتفاقاً لئلا يقع فيما يَصْرِفُ الحديث عن المعنى المراد به.
• تساهل الراوي في مقابلة كتابه وتصحيحه وصيانته.
3. تثبت عدالة الراوي بأحد أمرين:
• الأمر الأول: الاستفاضة: بأن يشتهر الراوي بالخير ويشيع الثناء عليه بالثقة والأمانة فيكفي ذلك عن بيّنة تشهد بعدالته .
• الأمر الثاني: تَنْصيصُ الأئمة المُعَدِّلين على عدالة الراوي.
4. الإخراج للرواي في الصحيحين يُكْسِبُه توثيقاً ضمنياً في العدالة مطلقاً، وأما في الضبط فإنه يكتسبه أيضاً إن كان الإخراج له في الأصول مع مراعاة وجه الإخراج له، وإن كان الإخراج له في المتابعات والشواهد ونحوها فبحسب حاله.
5. شروط المعدّل والجارح:
يشترط في المعدل والجارح أربعة شروط هي:
• أن يكون عدلاً.
• أن يكون وَرِعاً يمنعه الورع من التعصب والهوى.
• أن يكون يَقِظاً غير مغفّل لئلا يغتر بظاهر حال الراوي.
• أن يكون عارفاً بأسباب الجرح والتعديل لئلا يجرح عدلاً أو يعدّل من استحق الجرح.
6. قبول الجرح والتعديل مفسّرين أو مبهمين:
• إن كان مَنْ جُرِحَ مجملاً قد وثقه أحد من أئمة هذا الشأن لم يُقبل الجرح فيه من أحد كائناً من كان إلّا مفسراً؛ لأنه قد ثبتت له رتبة الثقة فلا يزحزح عنها إلّا بأمر جلي.
• وإن كان مَنْ جُرِحَ جرحاً مبهماً قد خلا عن التعديل قُبِلَ فيه الجرح وإن كان مبهماً إذا صدر من إمام عارف.وذلك لأن الراوي إذا لم يُعدَّلْ فهو في حَيِّزِ المجهول، فإعمالُ قول المجرِّح فيه أولى من إهماله وإنما لم يُطْلبْ من المجرِّح تفسير جرحه لأنه لو فسره فكان جرحاً غير قادح لمنعت جهالة حال الراوي من الاحتجاج به.
7. يرد الجرح في كتب الجرح والتعديل مبهماً في الغالب ولا مناص من أخذ تلك الجروح المبهمة بالاعتبار لئلا يتعطّل النقد ولكن يتأكد طلب تفسير الجرح حيث توجد قرينة داعية إليه.
8. تعارض الجرح والتعديل:
لتعارض الجرح والتعديل صورتان هما:
• أن يكون تعارضهما بصدورهما من إمامين فأكثر.
• أن يتعارضا وقد صدرا من إمام واحد والمراد بالجرح هنا الجرح المفسّر.
9. إذا تعارض الجرح المفسّر مع التعديل بصدورهما من إمامين فأكثر فمذهب الجمهور تقديم الجرح على التعديل مطلقاً، سواء زاد عدد المُعدِّلين على عدد المُجرِّحين أو نقص عنه أو استويا وذلك لأن مع الجارح زيادةَ علمٍ بخفي حال الراوي لم يطَّلعْ عليها المعدِّلُ فالجارح مصدِّقٌ للمعدِّل في الحال الظاهرة ومبيّن لحال الراوي الخفية.
10. إذا تعارض الجرح المبهم مع التعديل فقد حكى السخاوي عن أبي الحجاج المزّي وغيره: ((أن التعديل مُقدّم على الجرح المبهم) لكن ليس ذلك على إطلاقه أيضاً فإن توثيق الإمام المتساهل لا يُقدّم على جرح الإمام المعتدل.
11. إذا تعارض الجرح والتعديل الصادران من إمام واحد، فلذلك حالتان هما:
• الحالة الأولى: أن يتبين تغيرُ اجتهاد الإمام في الحكم على ذلك الراوي، فالعمل حينئذ على المتأخر من قوليه.
• الحالة الثانية: أن لا يتبين تغيُّرُ اجتهاد الإمام في حكمه على الراوي، فالعمل على الترتيب التالي:
1. يُطْلبُ الجمع بين القولين إن أمكن، كأن يكون التوثيق أو التضعيف نِسْبياً لا مطلقاً، فإن المعدِّل قد يقول: (فلان ثقة) ولا يريد به أنه ممن يُحْتجُّ بحديثه وإنما ذلك على حسب ما هو فيه ووجه السؤال له، فقد يُسألُ عن الرجل الفاضل المتوسط في حديثه فيُقْرَنُ بالضعفاء، فيقال: ما تقول في فلان وفلان وفلان؟. فيقول: (فلان ثقة) يريد أنه ليس من نمط من قُرنَ به وقد يُقْرنُ بأوثقَ منه فيقول: (فلان ضعيف) أي بالنسبة لمن قُرِنَ به في السؤال، فإذا سئل عنه بمفرده بيَّن حاله في التوسط. فقد سأل عثمان الدارمي يحيى بن معين عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه. فقال: ((ليس به بأس. قال: قلت: هو أحب إليك أو سعيد المقْبُري؟ فقال: سعيد أوثق والعلاء ضعيف)) فتضعيف ابن معين للعلاء إنما هو بالنسبة لسعيد المقْبُري وليس تضعيفاً مطلقاً.
2. إذا لم يمكن الجمع، طُلِب الترجيح بين القولين بالقرائن، كأن يكون بعضُ تلاميذ الإِمام أكثر ملازمة له من بعض، فتقدَّم روايةُ الملازم على رواية غيره، كما هو الشأن في تقديم رواية عباس الدُّوري عن ابن معين لطول ملازمته له.
3. إذا لم توجد قرينة خاصة يرجّح بها فيؤخذ بأقرب القولين إلى أقوال أهل النقد وبالأخص أقوال الأئمة المعتدلين.
4. إذا لم يتيسّر ذلك كله فالتوقف حتى يظهر مرجّح.
12. ضوابط تعارض الجرح والتعديل:
اعتبار مناهج الأئمة في جرحهم وتعديلهم فإنهم على ثلاثة أقسام هي:
• من هو متعنِّتٌ في الجرح متثبِّتٌ في التعديل، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث، ويُلَيِّنُ بذلك حديثه. ومن هؤلاء: شعبة بن الحجاج (ت 160هـ)، ويحيى ابن سعيد القطان (ت 198هـ)، ويحيى بن معين (ت 233هـ)، وأبو حاتم الرازي (ت 277هـ) ، والنسائي (ت303هـ).
• من هو معتدل في التوثيق منصف في الجرح. ومنهم: سفيان الثوري (ت 161هـ)، وعبد الرحمن بن مهدي (ت 198هـ)، وابن سعد (ت 230هـ)، وابن المديني (ت 234هـ)، والإمام أحمد (ت 241هـ)، والبخاري (ت256هـ)، وأبو زرعة الرازي (ت 264هـ)، وأبو داود (ت 275هـ)، وابن عدي (ت 365هـ)، والدارقطني (ت 385هـ).
• من هو متساهل مثل:أبي الحسن أحمد بن عبد الله العجلي (ت261هـ)، وأبي عيسى الترمذي
(ت 279هـ)، وابن حبان (ت354هـ) والدارقطني (ت 385هـ) في بعض الأوقات، وأبي عبد الله الحاكم (ت 405هـ)، وأبي بكر البيهقي (ت 458هـ).وفائدة هذا التقسيم: النظر في أقوال الأئمة عند إرادة الحكم على الراوي فإذا جاء التوثيق من المتشددين، فإنه يُعضُّ عليه بالنواجذ لشدة تثبُتِهم في التوثيق إلّا إذا خالف الإجماع على تضعيف الراوي أو كان الجرح مفسّرا بما يجرح فإنه يقدم على التوثيق، ولكن إذا جرَّحوا أحداً من الرواة، فإنه يُنظر هل وافقهم أحد على ذلك؟.فإن وافقهم أحد على ذلك التضعيف ولم يُوثِّق ذلك الراوي أحدٌ من الحُذَّاق فهو ضعيف، وإن لم يوافقهم أحد على التضعيف، فإنه لا يؤخذ بقولهم على إطلاقه، ولكن لا يطرح مطلقاً، بل إن عارضه توثيق من معتبر فلا يقبل ذلك الجرح إلّا مفسّراً.فإذا قال ابن معين في راوٍ: "إنه ضعيف" فلا يكفي أن يقول ذلك دون بيانٍ لسبب تضعيفه وغيرهُ قد وثّقه، بل مثل هذا الراوي يُتوقَّف في تصحيح حديثه وهو إلى الحسن أقرب. كما قاله الحافظ الذهبي.وإذا جاء التوثيق من المتساهلين فإنه يُنظر. هل وافقهم أحد من الأئمة الآخرين على ذلك؟.فإن وافقهم أحد أُخِذَ بقولهم، وإن انفرد أحدهم بذلك التوثيق فإنه لا يُسلَّم له فإن من عادة ابن حبان توثيق المجاهيل.وأما الجرح فليسوا فيه على منهج واحد، بل منهم من يتساهل مع الضعفاء أيضاً كالعجلي.ومنهم من يتعنّت أحياناً كابن حبان. ولذلك يتعقّبه الذهبي على التعنت في مواضع كثيرة.وأما المعتدلون المنصفون. فإنه يُعتمد على أقوالهم في الحكم على الرواة جرحاً وتعديلاً ما لم يُعارض توثيقهم بجرح مفسّر خال من التعنّت والتشدد فإنه يقدم على التوثيق.
13. كل طبقة من طبقات نقّاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط:
• فمن الأولى: شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وشعبة أشدّهما.
• ومن الثانية: يحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى أشد من عبد الرحمن.
• ومن الثالثة : يحيى بن معين، والإمام أحمد، ويحيى أشد من أحمد.
• ومن الرابعة: أبو حاتم الرازي، والبخاري، وأبو حاتم أشد من البخاري والفائدة من معرفة ذلك، طلب المقارنة بين أقوال النقّاد من الطبقة الواحدة في حكمها على الراوي.
14. يُتوقف في قبول الجرح إذا خُشِيَ أن يكون باعثه الاختلاف في الاعتقاد أو المنافسة بين الأقران ويلتحق بذلك ما يكون سببه المنافسة في المراتب فكثيراً ما يقع بين العصريين الاختلاف والتباين لهذا وغيره فكل هذا ينبغي أن يُتأنَّى فيه ويُتأمَّل...) ونظير ذلك في التوثيق ما ذكره الحافظ الذهبي أيضاً أنه (قد يكون نفسُ الإمام فيما وافق مذهبه أو في حال شيخه ألطف منه فيما كان بخلاف ذلك).
15. لا يقبل الجرح في حق من استفاضت عدالته واشتهرت إمامته ولذلك لا يُلتفت إلى كلام ابن أبي ذئب في الإِمام مالك ولا إلى كلام النسائي في أحمد ابن صالح المصري لأن هؤلاء أئمة مشهورون صار الجارح لهم كالآتي بخبر غريب لو صحّ لتوفرت الدواعي على نقله وفي مقابل ذلك لا يؤخذ بتوثيق إمامٍ لراوٍ اتفق الأئمة على تركه ولذلك أعرضوا عن توثيق الإِمام الشافعي لإِبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي مولاهم.
16. لا عبرة بجرح لم يصح إسناده إلى الإِمام المحكي عنه قال الحافظ ابن حجر: (ونقل ابن الجوزي من طريق الكُديْمي عن ابن المديني عن القطان أنه قال: "أنا لا أروي عنه" -يعني أبان بن يزيد العطار- وهذا مردود لأن الكُديْمي ضعيف) ونظير ما تقدم أن لا يُقبل توثيق لم يصح إسناده إلى الإمام المحكي عنه.
17. لا يُلتفت إلى الجرح الصادر من المجروح إلّا إذا كان الجارح إماماً له عناية بهذا الشأن وقد خلا الراوي المجروح عن التوثيق ولم تظهر قرينة تدل على تحامل الجارح في جرحه.
18. لا يلتفت إلى جرح يغلب على الظن أن مصدره ضعيف.ومن ذلك أن عبد الرحمن بن شريح المعافري ثقة اتفاقاً لكن شذّ ابن سعد فقال: ((منكر الحديث)).قال الحافظ ابن حجر: ((لم يلتفت أحد إلى ابن سعد في هذا فإن مادته من الواقدي في الغالب والواقدي ليس بمعتمد).
19. يُتأنى في الأخذ بجرح الإِمام المتأخر إذا عارض توثيق الأئمة المتقدمين حتى يتبين وجهه بما يجرح الراوي مطلقاً ومن ذلك أن أبان بن صالح القرشي مولاهم قد وثّقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن شيبة وأبو زرعة وأبو حاتم وقال فيه النسائي: (ليس به بأس) .وقال ابن عبد البر: (ضعيف) وقال ابن حزم: ((ليس بالمشهور) قال الحافظ ابن حجر: ((وهذه غفلة منهما وخطأ تواردا عليه فلم يُضعّف أباناً هذا أحدٌ قبلهما ويكفي فيه قول ابن معين ومن تقدّم معه).
20. قد يقع الجرح بسبب الخطأ في النَّسخ من الكتب قال الحافظ الذهبي في ترجمة بشر بن شعيب بن أبي حمزة الحمصي: ((صدوق، أخطأ ابن حبان بذكره في الضعفاء وعمدته أن البخاري قال: ((تركناه)) كذا نقل فوَهِم على البخاري إنما قال البخاري: ((تركناه حيّاً سنة اثنتي عشرة ومائتين).
21. الرواة الذين أخرج لهم الشيخان أو أحدهما على قسمين:
أحدهما: من احتجَّا به في الأصول.
والثاني: من خرّجا له متابعة واستشهادا واعتبارا.
• فالقسم الأول: الذين أخرجا لهم على سبيل الاحتجاج على قسمين:
1. من لم يُتكلم فيه بجرح فذاك ثقة حديثه قوي وإن لم ينصّ أحد على توثيقه، حيث اكتسب التوثيق الضمني من إخراج الشيخين أو أحدهما له على وجه الاحتجاج، وهما قد التزما بالصحة وشرط راوي الصحيح العدالة وتمام الضبط.
2. من تُكُلِّمَ فيه بالجرح له حالتان:
أ ـ تارة يكون الكلام فيه تعنُّتا والجمهور على توثيقه، فهذا حديثه قوي أيضاً.
ب ـ وتارة يكون الكلام في تليينه وحفظه له اعتبار، فهذا لا يَنْحطُّ حديثه عن مرتبة الحسن لذاته.
• والقسم الثاني: الذين أخرجا لهم في الشواهد والمتابعات والتعاليق فهؤلاء تتفاوت درجات من أُخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم، وحينئذ إذا وُجد لغير الإِمام في أحد منهم طعنٌ فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام فلا يقبل إلّا مبيَّن السبب، مفسراً بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه مطلقاً أو في ضبطه لخبر بعينه؛ لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح.
22. تُراعى اصطلاحات الأئمة فيما يطلقونه من ألفاظ الجرح والتعديل ومن ذلك قول يحيى بن معين: (فلان لا بأس به) يعني ثقة وقوله: ((فلان ليس بشيء)) يعني أن أحاديثه قليلة جداً(.وكذلك مصطلاحات الأئمة في كتبهم كاصطلاح الذهبي في كتابه (ميزان الاعتدال) ((إذا كتبت (صح) أول الاسم فهي إشارة إلى أن العمل على توثيق ذلك الرجل)).
23. قد تختلف دلالة اللفظ جرحاً وتوثيقاً باختلاف ضبطه مثل قولهم "فلان مُوْد" فإن "مُود" بالتخفيف بمعنى هالك. من قولهم: "أوْدى فلان" أي: هلك. وبالتشديد مع الهمزة "مُؤدّ" أي حسن الأداء(.
24. قد يرد التوثيق والتضعيف من الأئمة مُقيَّدين فلا يُحْكَمُ بواحد منهما على الراوي بإطلاق بل بحسب ما يقتضيان معاً من جرح وتوثيق ومن صور ذلك مايلي:
• توثيق الراوي فيما حدّث به في بلد دون آخر. وذلك لكون الراوي حدّث في مكان لم تكن معه فيه كتبه فخلَّط، وحدّث في مكان آخر من كتبه فضبط، أو لكونه سمع في مكان من شيخ فلم يضبط عنه، وسمع منه في موضع آخر فضبط و مثاله معمر بن راشد الأزدي حديثه بالبصرة فيه اضطراب كثير، لأن كتبه لم تكن معه، وحديثه باليمن جيّد.
• توثيق الراوي فيما حدّث به عن أهل إقليم دون آخر.
وذلك لكون الراوي سمع من أهل مِصْرٍ أو أهل إقليم فحفظ حديثهم وسمع من أهل مِصْرٍ آخر أو إقليم آخر فلم يحفظ حديثهم و مثاله إسماعيل بن عيّاش الحمصي إذا حدث عن الشاميين فحديثه جيد، وإذا حدّث عن غيرهم فحديثه مضطرب.
• توثيق رواية الراوي إذا جاءت من طريق أهل إقليم دون آخر.
وذلك لكون الراوي قد حدّث عنه أهل إقليم فحفظوا حديثه، وحدّث عنه غيرهم فلم يقيموا حديثه و مثاله زهير بن محمد الخرساني ثم المكي، يروي عنه أهل العراق أحاديث مستقيمة، ويروي عنه أهل الشام أحاديث منكرة.
• تضعيف ما حدث به الراوي الثقة عن بعض شيوخه.
وذلك لكون الراوي ثقة في نفسه، لكن في حديثه عن بعض شيوخه ضعف بخلاف حديثه عن بقية الشيوخ. ومن أمثلته:
1. جرير بن حازم البصري، يُضَعَّف في حديثه عن قتادة.
2. جعفر بن برقان الجزري. قال الإمام أحمد: ((يؤخذ من حديثه ما كان عن غير الزهري، فأما عن الزهري فلا)).
• تضعيف رواية الراوي غير المتقن إذا جمع في الإِسناد عدداً من شيوخه دون ما إذا أفردهم.
قال ابن رجب: ((ومعنى هذا أن الرجل إذا جمع بين حديث جماعة وساق الحديث سياقة واحدة، فالظاهر أن لفظهم لم يتفق فلا يُقْبلُ هذا الجمعُ إلّا من حافظ متقن لحديثه، يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم، كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإِفك وغيره.وكان الجمع بين الشيوخ يُنْكر على الواقدي وغيره ممن لا يضبط هذا كما أُنْكرَ على ابن إسحاق وغيره...))(. و ـ توثيق حديث الراوي في وقت دون وقت.وذلك لكون الراوي الثقة قد خلط في أواخر عمره، والرواة المختلطون متفاوتون في تخليطهم، فمنهم من خلط تخليطاً فاحشاً ومنهم من خلط تخليطاً يسيراً، ويلتحق بالمختلطين صنفان هما:
1. من أضرَّ في آخر عمره وكان لا يحفظ جيداً، فحدّث من حفظه أو كان يُلقَّن فيتلقن.
2. من ساء حفظه لما ولي القضاء ونحوه. فمن المختلطين: صالح بن نبهان (مولى التوأمة)من سمع منه قديماً كمحمد بن أبي ذئب، فسماعه صحيح، ومن سمع منه بعد ما اختلط كسفيان الثوري، فسماعه منه لا شيء.وممن أضرّ في أواخر عمره وكان لا يحفظ جيداً فحدث من حفظه، أو كان يُلقّن فيتلقن:
ـ عبد الرزاق بن همّام الصنعاني قال الإِمام أحمد: ((عبد الرزاق لا يُعبأ بحديث من سمع منه وقد ذهب بصره، كان يُلقّن أحاديث باطلة، وقد حدّث عن الزهري أحاديث كتبناها من أصل كتابه وهو ينظر جاؤوا بخلافها)).وممن ساء حفظه لمـّا ولي القضاء شريك بن عبد الله النخعي، قاضي الكوفة ساء حفظه بعد ما ولي القضاء، فما حدّث به قبل ذلك فصحيح.
• تضعيف رواية الراوي من حفظه وتوثيق روايته من كتابه و مثاله يونس بن يزيد الأيلي قال أبو زرعة: ((كان صاحب كتاب، فإذا حدّث من حفظه لم يكن عنده شيء)).
25. يراعى سياق الكلام الذي ترد أثناءه ألفاظ الجرح والتعديل وقرائن الأحوال التي اقتضت ورودها في الراوي
قال الحافظ ابن كثير: ((والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم بما عُرفَ من عباراتهم في غالب الأحوال وبقرائن ترشد إلى ذلك).
26. قد يتخصص الراوي في فن من فنون الرواية فيكون حجّة في ذلك الفن وأمّا ما سواه من فنون الرواية فقد يحتج به فيه، وقد تقصر درجته عن الاحتجاج، وربما قصرت عن درجة الاعتبار ومثاله عاصم بن أبي النجود المقرئ المشهورقال الحافظ الذهبي: كان عاصم ثبتاً في القراءة، صدوقاً في الحديث.وقد وثقه أبو زرعة وجماعة وقال أبو حاتم: محله الصدق .وقال الدارقطني: في حفظه شيء. يعني: للحديث لا للحروف.
27. قد ترد ألفاظ الجرح والتعديل المنقولة من كتب المتقدمين مختصرة أو محكيّة بالمعنى في كتب المتأخرين لاضطرارهم إلى جمع أكبر عدد من الرواة في كتاب واحد، فيؤثر ذلك الاختصار وتلك الحكاية للفظ الجرح والتعديل في الحكم على الراوي توثيقاً وجرحا ولذا يتعيّن توثيق تلك الأقوال من مصادرها الأصلية. ما يتعلق بجهالة الراوي
28. الجمهور على أن تفرّد الواحد بالرواية عن الشيخ لا يرفع عنه جهالة العين.وأن رواية الاثنين فأكثر عنه تفيد التعريف دون التعديل.
29. نظراً لسعة مقتضى قاعدة التوثيق التي سلكها ابن حبان في كتابه: (الثقات) اشتهر بالتساهل في توثيق الرواة، لكن ليس ذلك على إطلاقه بل قال الشيخ عبد الرحمن
ابن يحيى المعلمي:
التحقيق أن توثيقه على درجات:
• الأولى: أن يُصَرِّح به كأن يقول (كان متقناً) أو(مستقيم الحديث) أو نحو ذلك.
• الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخَبَرَهم.
• الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث، بحيث يُعْلَم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة.
• الرابعة:أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عرف ذلك الرجل معرفة جيدة.
• الخامسة: ما دون ذلك فالأولى لا تَقِلُّ عن توثيق غيره من الأئمة، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم، والثانية قريب منها، والثالثة مقبولة، والرابعة صالحة، والخامسة لا يُؤْمَنُ فيها الخلل).
30. الخلاف في قبول رواية المجهول إنما هو في حق من دون الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأما الصحابة فإن جهالتهم غير قادحة، لأنهم عدول بتعديل الله لهم.
31. روايات المجهولين على درجات.
ويوضّح ذلك قول الحافظ الذهبي: ((وأما المجهولون من الرواة: فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احْتُمِلَ حديثه وتُلُقِّيَ بحسن الظن إذا سلم من مخالفة الأصول ومن ركاكة الألفاظ.وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين فسائغ رواية خبره، ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه وتحرّيه وعدم ذلك.وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن بعدهم، فهو أضعف لخبره سيما إذا انفرد به).
32. الرواة الذين احتج بهم صاحبا الصحيحين أو أحدهما يكتسبون التوثيق الضمني بذلك، وترتفع عنهم به الجهالة، وإن لم ينصّ أحد على توثيقهم.
33. لا يلزم من حكم بعض الأئمة بالجهالة على الراوي أن يكون مجهولاً فقد يعرفه غيره فيوثّقه.
34. قد يقع التجهيل من إمام في حق أئمة مشهورين فلا يضرّهم ذلك شيئاً.
35. من عادة الأئمة أن لا يطلقوا كلمة (مجهول) إلّا في حق من يغلب على الظن كونه مجهولاً لا يُعْرَفُ مطلقاً، والغالب أن هذا الإِطلاق لا يصدر إلّا من إمام مطّلع. وأما إذا أراد الإِمام أنه لا يَعْرِفُ الرجلَ فإنه يقول: (مجهول لا أعرفه أو لا أعرف حاله).
36. جميع من ضُعِّفَ من النساء إنما ضُعِّفْنَ للجهالة قال الحافظ الذهبي: ((ما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها).
37. إن الممارسة لأساليب ذوي الانتقاء من الأئمة تُؤكِّدُ ((أن العبرة في الرواية بصدق الراوي وأمانته والثقة بدينه وخلقه (كما أنّ) المتتبع لأحوال الرواة يرى كثيراً من أهل البِدَعِ موضعاً للثقة والاطمئنان وإن رووا ما يوافق رأيهم، ويرى كثيراً منهم لا يوثق بأي شيء يرويه).
ويوضح ذلك مايلي:
• قول الحافظ ابن كثير: ((وقد قال الشافعي: "أقبل شهادة أهل الأهواء إلّا الخطّابية من الرافضة لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم" فلم يُفَرِّقْ الشافعي في هذا النص بن الداعية وغيره ثم ما الفرق في المعنى بينهما.
• البخاري قد خرّج لعمران بن حطّان الخارجي مادح عبد الرحمن
ابن مُلْجَم قاتل علي ـ رضي الله عنه ـ وهذا من أكبر الدعاة إلى البدعة) لا سيما وقد جاءت الرواية عند البخاري من طريق يحيى بن أبي كثير عن عمران بن حطّان وإنما سمع منه يحيى باليمامة حال هروبه من الحجاج، حيث كان يتطلّبه ليقتله لكونه من دعاة الخوارج لكن قال الذهبي :الشيعي الغالي في زمان السلف وعُرْفِهم هو من تكلَّم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا ـ رضي الله عنه ـ وتعرض لسبّهم.والغالي في زماننا وعُرْفِنا هو الذي يُكَفّر هؤلاء السادة ويتبرأ من الشيخين أيضاً، فهذا ضال مفتر وهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة .
ضوابط موضوع الاختلاط :
أن صاحبي الصحيحين لم يخرجا من روايات المختلطين في صحيحهما إلّا على سبيل الانتقاء بأحد أمرين:
1. أن ترد من طريق من سمع منهم قبل الاختلاط.
2. أو ترد من طريق من سمع بعد الاختلاط، لكن حيث يتوافق عدد من الرواة على ذلك، أو يوافقهم عليه الثقات الأثبات، كما هو الشأن فيما يُخرج في المتابعات، أو حيث يُخرج حديث الراوي مقروناً بغيره.قال الحافظ ابن حجر في توجيه ما أخرجه البخاري من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بن دعامة: ((وأمّا ما أخرجه البخاري من حديثه عن قتادة فأكثره من رواية من سمع منه قبل الاختلاط وأخرج عمن سمع منه بعد الاختلاط قليلاً، كمحمد بن عبد الله الأنصاري، وروح بن عبادة، وابن أبي عدي. فإذا أخرج من حديث هؤلاء انتقى منه ما توافقوا عليه.
و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و برحمته تغفر الزلات والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو جهاد سمير الجزائري
في محرم 1430 الموافق يناير 2009
بمدينة بلعباس
لأبي جهاد سمير الجزائري
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله هذا بحث لطيف اختصرته من كتاب "ضوابط الجرح والتعديل" لعبد العزيز العبد اللطيف (وهوغير صاحب ضوابط التكفير).
فأسأل الله العظيم رب العرش العظيم وأنا في الثلث الأخير من الليل أن يغفر لي ما تقدم وما تأخر من ذنبي وأن يجعل هذا العمل عملا متقبلا مبرورا تنشرح له الصدور وتحبه القلوب ولا تمل من قراءته العيون والعقول.
أموت ويبقى ما كتبته ... فيا ليت من قرا دعاليا
عسى الإله أن يعفو عني ... ويغفر لي سوء فعاليا
فإليك هذه الضوابط:
1. الموصوف بما يقتضي تضعيف روايته لا يخلو تضعيفه من ثلاث حالات هي:
• الأولى: أن يكون تضعيفاً مطلقاً فهذا لا تقبل معه رواية الراوي عند تفرّده بها ولكن تتقوى بالمتابعة من مثله فترتقي إلى حسن لغيره.
• الثانية: أن يكون تضعيفاً مقيداً بالرواية عن بعض الشيوخ أو في بعض البلدان أو في بعض الأوقات فيختص الضعف بما قُيد به دون سواه.
• الثالثة: أن يكون تضعيفاً نسبياً وهو الواقع عند المفاضلة بين راويين فأكثر فهذا لا يلزم منه ثبوت الضعف المطلق في الراوي بل يختلف الحكم عليه بحسب قرينة الحال في تلك المفاضلة. وأمّا الموصوف بما يقتضي ردَّ روايته فهو الضعيف جداً فمن دونه لا يُقَوِّي غيره ولا يَتَقَوَّى بغيره.
2. ما يخرج الراوي عن دائرة الضبط:
• كثرة الوَهْم: أن تكثر من الراوي الرواية على سبيل التَّوهُّم فَيَصِلَ الإسناد المرسل، ويرفع الأثر الموقوف ونحو ذلك.
• كثرة مخالفة الراوي لمن هو أوثق منه أو لجمع من الثقات.
• سوء الحفظ: أن لا يترجح جانب إصابة الراوي على جانب خطئه بل يتساوى الاحتمالان.
• شدّة الغفلة: أن لا يكون لدى الراوي من اليقظة والإتقان ما يميّز به الصواب من الخطأ في مروياته .
• فحش الغلط: أن يزيد خطأ الراوي على صوابه زيادة فاحشة.
• جهل الراوي بمدلولات الألفاظ ومقاصدها وما يُحيْلُ معانيها عند الرواية بالمعنى حيث يتعيّن عند ذلك الأداء باللفظ الذي سمعه اتفاقاً لئلا يقع فيما يَصْرِفُ الحديث عن المعنى المراد به.
• تساهل الراوي في مقابلة كتابه وتصحيحه وصيانته.
3. تثبت عدالة الراوي بأحد أمرين:
• الأمر الأول: الاستفاضة: بأن يشتهر الراوي بالخير ويشيع الثناء عليه بالثقة والأمانة فيكفي ذلك عن بيّنة تشهد بعدالته .
• الأمر الثاني: تَنْصيصُ الأئمة المُعَدِّلين على عدالة الراوي.
4. الإخراج للرواي في الصحيحين يُكْسِبُه توثيقاً ضمنياً في العدالة مطلقاً، وأما في الضبط فإنه يكتسبه أيضاً إن كان الإخراج له في الأصول مع مراعاة وجه الإخراج له، وإن كان الإخراج له في المتابعات والشواهد ونحوها فبحسب حاله.
5. شروط المعدّل والجارح:
يشترط في المعدل والجارح أربعة شروط هي:
• أن يكون عدلاً.
• أن يكون وَرِعاً يمنعه الورع من التعصب والهوى.
• أن يكون يَقِظاً غير مغفّل لئلا يغتر بظاهر حال الراوي.
• أن يكون عارفاً بأسباب الجرح والتعديل لئلا يجرح عدلاً أو يعدّل من استحق الجرح.
6. قبول الجرح والتعديل مفسّرين أو مبهمين:
• إن كان مَنْ جُرِحَ مجملاً قد وثقه أحد من أئمة هذا الشأن لم يُقبل الجرح فيه من أحد كائناً من كان إلّا مفسراً؛ لأنه قد ثبتت له رتبة الثقة فلا يزحزح عنها إلّا بأمر جلي.
• وإن كان مَنْ جُرِحَ جرحاً مبهماً قد خلا عن التعديل قُبِلَ فيه الجرح وإن كان مبهماً إذا صدر من إمام عارف.وذلك لأن الراوي إذا لم يُعدَّلْ فهو في حَيِّزِ المجهول، فإعمالُ قول المجرِّح فيه أولى من إهماله وإنما لم يُطْلبْ من المجرِّح تفسير جرحه لأنه لو فسره فكان جرحاً غير قادح لمنعت جهالة حال الراوي من الاحتجاج به.
7. يرد الجرح في كتب الجرح والتعديل مبهماً في الغالب ولا مناص من أخذ تلك الجروح المبهمة بالاعتبار لئلا يتعطّل النقد ولكن يتأكد طلب تفسير الجرح حيث توجد قرينة داعية إليه.
8. تعارض الجرح والتعديل:
لتعارض الجرح والتعديل صورتان هما:
• أن يكون تعارضهما بصدورهما من إمامين فأكثر.
• أن يتعارضا وقد صدرا من إمام واحد والمراد بالجرح هنا الجرح المفسّر.
9. إذا تعارض الجرح المفسّر مع التعديل بصدورهما من إمامين فأكثر فمذهب الجمهور تقديم الجرح على التعديل مطلقاً، سواء زاد عدد المُعدِّلين على عدد المُجرِّحين أو نقص عنه أو استويا وذلك لأن مع الجارح زيادةَ علمٍ بخفي حال الراوي لم يطَّلعْ عليها المعدِّلُ فالجارح مصدِّقٌ للمعدِّل في الحال الظاهرة ومبيّن لحال الراوي الخفية.
10. إذا تعارض الجرح المبهم مع التعديل فقد حكى السخاوي عن أبي الحجاج المزّي وغيره: ((أن التعديل مُقدّم على الجرح المبهم) لكن ليس ذلك على إطلاقه أيضاً فإن توثيق الإمام المتساهل لا يُقدّم على جرح الإمام المعتدل.
11. إذا تعارض الجرح والتعديل الصادران من إمام واحد، فلذلك حالتان هما:
• الحالة الأولى: أن يتبين تغيرُ اجتهاد الإمام في الحكم على ذلك الراوي، فالعمل حينئذ على المتأخر من قوليه.
• الحالة الثانية: أن لا يتبين تغيُّرُ اجتهاد الإمام في حكمه على الراوي، فالعمل على الترتيب التالي:
1. يُطْلبُ الجمع بين القولين إن أمكن، كأن يكون التوثيق أو التضعيف نِسْبياً لا مطلقاً، فإن المعدِّل قد يقول: (فلان ثقة) ولا يريد به أنه ممن يُحْتجُّ بحديثه وإنما ذلك على حسب ما هو فيه ووجه السؤال له، فقد يُسألُ عن الرجل الفاضل المتوسط في حديثه فيُقْرَنُ بالضعفاء، فيقال: ما تقول في فلان وفلان وفلان؟. فيقول: (فلان ثقة) يريد أنه ليس من نمط من قُرنَ به وقد يُقْرنُ بأوثقَ منه فيقول: (فلان ضعيف) أي بالنسبة لمن قُرِنَ به في السؤال، فإذا سئل عنه بمفرده بيَّن حاله في التوسط. فقد سأل عثمان الدارمي يحيى بن معين عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه. فقال: ((ليس به بأس. قال: قلت: هو أحب إليك أو سعيد المقْبُري؟ فقال: سعيد أوثق والعلاء ضعيف)) فتضعيف ابن معين للعلاء إنما هو بالنسبة لسعيد المقْبُري وليس تضعيفاً مطلقاً.
2. إذا لم يمكن الجمع، طُلِب الترجيح بين القولين بالقرائن، كأن يكون بعضُ تلاميذ الإِمام أكثر ملازمة له من بعض، فتقدَّم روايةُ الملازم على رواية غيره، كما هو الشأن في تقديم رواية عباس الدُّوري عن ابن معين لطول ملازمته له.
3. إذا لم توجد قرينة خاصة يرجّح بها فيؤخذ بأقرب القولين إلى أقوال أهل النقد وبالأخص أقوال الأئمة المعتدلين.
4. إذا لم يتيسّر ذلك كله فالتوقف حتى يظهر مرجّح.
12. ضوابط تعارض الجرح والتعديل:
اعتبار مناهج الأئمة في جرحهم وتعديلهم فإنهم على ثلاثة أقسام هي:
• من هو متعنِّتٌ في الجرح متثبِّتٌ في التعديل، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث، ويُلَيِّنُ بذلك حديثه. ومن هؤلاء: شعبة بن الحجاج (ت 160هـ)، ويحيى ابن سعيد القطان (ت 198هـ)، ويحيى بن معين (ت 233هـ)، وأبو حاتم الرازي (ت 277هـ) ، والنسائي (ت303هـ).
• من هو معتدل في التوثيق منصف في الجرح. ومنهم: سفيان الثوري (ت 161هـ)، وعبد الرحمن بن مهدي (ت 198هـ)، وابن سعد (ت 230هـ)، وابن المديني (ت 234هـ)، والإمام أحمد (ت 241هـ)، والبخاري (ت256هـ)، وأبو زرعة الرازي (ت 264هـ)، وأبو داود (ت 275هـ)، وابن عدي (ت 365هـ)، والدارقطني (ت 385هـ).
• من هو متساهل مثل:أبي الحسن أحمد بن عبد الله العجلي (ت261هـ)، وأبي عيسى الترمذي
(ت 279هـ)، وابن حبان (ت354هـ) والدارقطني (ت 385هـ) في بعض الأوقات، وأبي عبد الله الحاكم (ت 405هـ)، وأبي بكر البيهقي (ت 458هـ).وفائدة هذا التقسيم: النظر في أقوال الأئمة عند إرادة الحكم على الراوي فإذا جاء التوثيق من المتشددين، فإنه يُعضُّ عليه بالنواجذ لشدة تثبُتِهم في التوثيق إلّا إذا خالف الإجماع على تضعيف الراوي أو كان الجرح مفسّرا بما يجرح فإنه يقدم على التوثيق، ولكن إذا جرَّحوا أحداً من الرواة، فإنه يُنظر هل وافقهم أحد على ذلك؟.فإن وافقهم أحد على ذلك التضعيف ولم يُوثِّق ذلك الراوي أحدٌ من الحُذَّاق فهو ضعيف، وإن لم يوافقهم أحد على التضعيف، فإنه لا يؤخذ بقولهم على إطلاقه، ولكن لا يطرح مطلقاً، بل إن عارضه توثيق من معتبر فلا يقبل ذلك الجرح إلّا مفسّراً.فإذا قال ابن معين في راوٍ: "إنه ضعيف" فلا يكفي أن يقول ذلك دون بيانٍ لسبب تضعيفه وغيرهُ قد وثّقه، بل مثل هذا الراوي يُتوقَّف في تصحيح حديثه وهو إلى الحسن أقرب. كما قاله الحافظ الذهبي.وإذا جاء التوثيق من المتساهلين فإنه يُنظر. هل وافقهم أحد من الأئمة الآخرين على ذلك؟.فإن وافقهم أحد أُخِذَ بقولهم، وإن انفرد أحدهم بذلك التوثيق فإنه لا يُسلَّم له فإن من عادة ابن حبان توثيق المجاهيل.وأما الجرح فليسوا فيه على منهج واحد، بل منهم من يتساهل مع الضعفاء أيضاً كالعجلي.ومنهم من يتعنّت أحياناً كابن حبان. ولذلك يتعقّبه الذهبي على التعنت في مواضع كثيرة.وأما المعتدلون المنصفون. فإنه يُعتمد على أقوالهم في الحكم على الرواة جرحاً وتعديلاً ما لم يُعارض توثيقهم بجرح مفسّر خال من التعنّت والتشدد فإنه يقدم على التوثيق.
13. كل طبقة من طبقات نقّاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط:
• فمن الأولى: شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، وشعبة أشدّهما.
• ومن الثانية: يحيى القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى أشد من عبد الرحمن.
• ومن الثالثة : يحيى بن معين، والإمام أحمد، ويحيى أشد من أحمد.
• ومن الرابعة: أبو حاتم الرازي، والبخاري، وأبو حاتم أشد من البخاري والفائدة من معرفة ذلك، طلب المقارنة بين أقوال النقّاد من الطبقة الواحدة في حكمها على الراوي.
14. يُتوقف في قبول الجرح إذا خُشِيَ أن يكون باعثه الاختلاف في الاعتقاد أو المنافسة بين الأقران ويلتحق بذلك ما يكون سببه المنافسة في المراتب فكثيراً ما يقع بين العصريين الاختلاف والتباين لهذا وغيره فكل هذا ينبغي أن يُتأنَّى فيه ويُتأمَّل...) ونظير ذلك في التوثيق ما ذكره الحافظ الذهبي أيضاً أنه (قد يكون نفسُ الإمام فيما وافق مذهبه أو في حال شيخه ألطف منه فيما كان بخلاف ذلك).
15. لا يقبل الجرح في حق من استفاضت عدالته واشتهرت إمامته ولذلك لا يُلتفت إلى كلام ابن أبي ذئب في الإِمام مالك ولا إلى كلام النسائي في أحمد ابن صالح المصري لأن هؤلاء أئمة مشهورون صار الجارح لهم كالآتي بخبر غريب لو صحّ لتوفرت الدواعي على نقله وفي مقابل ذلك لا يؤخذ بتوثيق إمامٍ لراوٍ اتفق الأئمة على تركه ولذلك أعرضوا عن توثيق الإِمام الشافعي لإِبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي مولاهم.
16. لا عبرة بجرح لم يصح إسناده إلى الإِمام المحكي عنه قال الحافظ ابن حجر: (ونقل ابن الجوزي من طريق الكُديْمي عن ابن المديني عن القطان أنه قال: "أنا لا أروي عنه" -يعني أبان بن يزيد العطار- وهذا مردود لأن الكُديْمي ضعيف) ونظير ما تقدم أن لا يُقبل توثيق لم يصح إسناده إلى الإمام المحكي عنه.
17. لا يُلتفت إلى الجرح الصادر من المجروح إلّا إذا كان الجارح إماماً له عناية بهذا الشأن وقد خلا الراوي المجروح عن التوثيق ولم تظهر قرينة تدل على تحامل الجارح في جرحه.
18. لا يلتفت إلى جرح يغلب على الظن أن مصدره ضعيف.ومن ذلك أن عبد الرحمن بن شريح المعافري ثقة اتفاقاً لكن شذّ ابن سعد فقال: ((منكر الحديث)).قال الحافظ ابن حجر: ((لم يلتفت أحد إلى ابن سعد في هذا فإن مادته من الواقدي في الغالب والواقدي ليس بمعتمد).
19. يُتأنى في الأخذ بجرح الإِمام المتأخر إذا عارض توثيق الأئمة المتقدمين حتى يتبين وجهه بما يجرح الراوي مطلقاً ومن ذلك أن أبان بن صالح القرشي مولاهم قد وثّقه ابن معين والعجلي ويعقوب بن شيبة وأبو زرعة وأبو حاتم وقال فيه النسائي: (ليس به بأس) .وقال ابن عبد البر: (ضعيف) وقال ابن حزم: ((ليس بالمشهور) قال الحافظ ابن حجر: ((وهذه غفلة منهما وخطأ تواردا عليه فلم يُضعّف أباناً هذا أحدٌ قبلهما ويكفي فيه قول ابن معين ومن تقدّم معه).
20. قد يقع الجرح بسبب الخطأ في النَّسخ من الكتب قال الحافظ الذهبي في ترجمة بشر بن شعيب بن أبي حمزة الحمصي: ((صدوق، أخطأ ابن حبان بذكره في الضعفاء وعمدته أن البخاري قال: ((تركناه)) كذا نقل فوَهِم على البخاري إنما قال البخاري: ((تركناه حيّاً سنة اثنتي عشرة ومائتين).
21. الرواة الذين أخرج لهم الشيخان أو أحدهما على قسمين:
أحدهما: من احتجَّا به في الأصول.
والثاني: من خرّجا له متابعة واستشهادا واعتبارا.
• فالقسم الأول: الذين أخرجا لهم على سبيل الاحتجاج على قسمين:
1. من لم يُتكلم فيه بجرح فذاك ثقة حديثه قوي وإن لم ينصّ أحد على توثيقه، حيث اكتسب التوثيق الضمني من إخراج الشيخين أو أحدهما له على وجه الاحتجاج، وهما قد التزما بالصحة وشرط راوي الصحيح العدالة وتمام الضبط.
2. من تُكُلِّمَ فيه بالجرح له حالتان:
أ ـ تارة يكون الكلام فيه تعنُّتا والجمهور على توثيقه، فهذا حديثه قوي أيضاً.
ب ـ وتارة يكون الكلام في تليينه وحفظه له اعتبار، فهذا لا يَنْحطُّ حديثه عن مرتبة الحسن لذاته.
• والقسم الثاني: الذين أخرجا لهم في الشواهد والمتابعات والتعاليق فهؤلاء تتفاوت درجات من أُخرج له منهم في الضبط وغيره مع حصول اسم الصدق لهم، وحينئذ إذا وُجد لغير الإِمام في أحد منهم طعنٌ فذلك الطعن مقابل لتعديل هذا الإمام فلا يقبل إلّا مبيَّن السبب، مفسراً بقادح يقدح في عدالة هذا الراوي وفي ضبطه مطلقاً أو في ضبطه لخبر بعينه؛ لأن الأسباب الحاملة للأئمة على الجرح متفاوتة منها ما يقدح ومنها ما لا يقدح.
22. تُراعى اصطلاحات الأئمة فيما يطلقونه من ألفاظ الجرح والتعديل ومن ذلك قول يحيى بن معين: (فلان لا بأس به) يعني ثقة وقوله: ((فلان ليس بشيء)) يعني أن أحاديثه قليلة جداً(.وكذلك مصطلاحات الأئمة في كتبهم كاصطلاح الذهبي في كتابه (ميزان الاعتدال) ((إذا كتبت (صح) أول الاسم فهي إشارة إلى أن العمل على توثيق ذلك الرجل)).
23. قد تختلف دلالة اللفظ جرحاً وتوثيقاً باختلاف ضبطه مثل قولهم "فلان مُوْد" فإن "مُود" بالتخفيف بمعنى هالك. من قولهم: "أوْدى فلان" أي: هلك. وبالتشديد مع الهمزة "مُؤدّ" أي حسن الأداء(.
24. قد يرد التوثيق والتضعيف من الأئمة مُقيَّدين فلا يُحْكَمُ بواحد منهما على الراوي بإطلاق بل بحسب ما يقتضيان معاً من جرح وتوثيق ومن صور ذلك مايلي:
• توثيق الراوي فيما حدّث به في بلد دون آخر. وذلك لكون الراوي حدّث في مكان لم تكن معه فيه كتبه فخلَّط، وحدّث في مكان آخر من كتبه فضبط، أو لكونه سمع في مكان من شيخ فلم يضبط عنه، وسمع منه في موضع آخر فضبط و مثاله معمر بن راشد الأزدي حديثه بالبصرة فيه اضطراب كثير، لأن كتبه لم تكن معه، وحديثه باليمن جيّد.
• توثيق الراوي فيما حدّث به عن أهل إقليم دون آخر.
وذلك لكون الراوي سمع من أهل مِصْرٍ أو أهل إقليم فحفظ حديثهم وسمع من أهل مِصْرٍ آخر أو إقليم آخر فلم يحفظ حديثهم و مثاله إسماعيل بن عيّاش الحمصي إذا حدث عن الشاميين فحديثه جيد، وإذا حدّث عن غيرهم فحديثه مضطرب.
• توثيق رواية الراوي إذا جاءت من طريق أهل إقليم دون آخر.
وذلك لكون الراوي قد حدّث عنه أهل إقليم فحفظوا حديثه، وحدّث عنه غيرهم فلم يقيموا حديثه و مثاله زهير بن محمد الخرساني ثم المكي، يروي عنه أهل العراق أحاديث مستقيمة، ويروي عنه أهل الشام أحاديث منكرة.
• تضعيف ما حدث به الراوي الثقة عن بعض شيوخه.
وذلك لكون الراوي ثقة في نفسه، لكن في حديثه عن بعض شيوخه ضعف بخلاف حديثه عن بقية الشيوخ. ومن أمثلته:
1. جرير بن حازم البصري، يُضَعَّف في حديثه عن قتادة.
2. جعفر بن برقان الجزري. قال الإمام أحمد: ((يؤخذ من حديثه ما كان عن غير الزهري، فأما عن الزهري فلا)).
• تضعيف رواية الراوي غير المتقن إذا جمع في الإِسناد عدداً من شيوخه دون ما إذا أفردهم.
قال ابن رجب: ((ومعنى هذا أن الرجل إذا جمع بين حديث جماعة وساق الحديث سياقة واحدة، فالظاهر أن لفظهم لم يتفق فلا يُقْبلُ هذا الجمعُ إلّا من حافظ متقن لحديثه، يعرف اتفاق شيوخه واختلافهم، كما كان الزهري يجمع بين شيوخ له في حديث الإِفك وغيره.وكان الجمع بين الشيوخ يُنْكر على الواقدي وغيره ممن لا يضبط هذا كما أُنْكرَ على ابن إسحاق وغيره...))(. و ـ توثيق حديث الراوي في وقت دون وقت.وذلك لكون الراوي الثقة قد خلط في أواخر عمره، والرواة المختلطون متفاوتون في تخليطهم، فمنهم من خلط تخليطاً فاحشاً ومنهم من خلط تخليطاً يسيراً، ويلتحق بالمختلطين صنفان هما:
1. من أضرَّ في آخر عمره وكان لا يحفظ جيداً، فحدّث من حفظه أو كان يُلقَّن فيتلقن.
2. من ساء حفظه لما ولي القضاء ونحوه. فمن المختلطين: صالح بن نبهان (مولى التوأمة)من سمع منه قديماً كمحمد بن أبي ذئب، فسماعه صحيح، ومن سمع منه بعد ما اختلط كسفيان الثوري، فسماعه منه لا شيء.وممن أضرّ في أواخر عمره وكان لا يحفظ جيداً فحدث من حفظه، أو كان يُلقّن فيتلقن:
ـ عبد الرزاق بن همّام الصنعاني قال الإِمام أحمد: ((عبد الرزاق لا يُعبأ بحديث من سمع منه وقد ذهب بصره، كان يُلقّن أحاديث باطلة، وقد حدّث عن الزهري أحاديث كتبناها من أصل كتابه وهو ينظر جاؤوا بخلافها)).وممن ساء حفظه لمـّا ولي القضاء شريك بن عبد الله النخعي، قاضي الكوفة ساء حفظه بعد ما ولي القضاء، فما حدّث به قبل ذلك فصحيح.
• تضعيف رواية الراوي من حفظه وتوثيق روايته من كتابه و مثاله يونس بن يزيد الأيلي قال أبو زرعة: ((كان صاحب كتاب، فإذا حدّث من حفظه لم يكن عنده شيء)).
25. يراعى سياق الكلام الذي ترد أثناءه ألفاظ الجرح والتعديل وقرائن الأحوال التي اقتضت ورودها في الراوي
قال الحافظ ابن كثير: ((والواقف على عبارات القوم يفهم مقاصدهم بما عُرفَ من عباراتهم في غالب الأحوال وبقرائن ترشد إلى ذلك).
26. قد يتخصص الراوي في فن من فنون الرواية فيكون حجّة في ذلك الفن وأمّا ما سواه من فنون الرواية فقد يحتج به فيه، وقد تقصر درجته عن الاحتجاج، وربما قصرت عن درجة الاعتبار ومثاله عاصم بن أبي النجود المقرئ المشهورقال الحافظ الذهبي: كان عاصم ثبتاً في القراءة، صدوقاً في الحديث.وقد وثقه أبو زرعة وجماعة وقال أبو حاتم: محله الصدق .وقال الدارقطني: في حفظه شيء. يعني: للحديث لا للحروف.
27. قد ترد ألفاظ الجرح والتعديل المنقولة من كتب المتقدمين مختصرة أو محكيّة بالمعنى في كتب المتأخرين لاضطرارهم إلى جمع أكبر عدد من الرواة في كتاب واحد، فيؤثر ذلك الاختصار وتلك الحكاية للفظ الجرح والتعديل في الحكم على الراوي توثيقاً وجرحا ولذا يتعيّن توثيق تلك الأقوال من مصادرها الأصلية. ما يتعلق بجهالة الراوي
28. الجمهور على أن تفرّد الواحد بالرواية عن الشيخ لا يرفع عنه جهالة العين.وأن رواية الاثنين فأكثر عنه تفيد التعريف دون التعديل.
29. نظراً لسعة مقتضى قاعدة التوثيق التي سلكها ابن حبان في كتابه: (الثقات) اشتهر بالتساهل في توثيق الرواة، لكن ليس ذلك على إطلاقه بل قال الشيخ عبد الرحمن
ابن يحيى المعلمي:
التحقيق أن توثيقه على درجات:
• الأولى: أن يُصَرِّح به كأن يقول (كان متقناً) أو(مستقيم الحديث) أو نحو ذلك.
• الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخَبَرَهم.
• الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث، بحيث يُعْلَم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة.
• الرابعة:أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عرف ذلك الرجل معرفة جيدة.
• الخامسة: ما دون ذلك فالأولى لا تَقِلُّ عن توثيق غيره من الأئمة، بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم، والثانية قريب منها، والثالثة مقبولة، والرابعة صالحة، والخامسة لا يُؤْمَنُ فيها الخلل).
30. الخلاف في قبول رواية المجهول إنما هو في حق من دون الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وأما الصحابة فإن جهالتهم غير قادحة، لأنهم عدول بتعديل الله لهم.
31. روايات المجهولين على درجات.
ويوضّح ذلك قول الحافظ الذهبي: ((وأما المجهولون من الرواة: فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احْتُمِلَ حديثه وتُلُقِّيَ بحسن الظن إذا سلم من مخالفة الأصول ومن ركاكة الألفاظ.وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين فسائغ رواية خبره، ويختلف ذلك باختلاف جلالة الراوي عنه وتحرّيه وعدم ذلك.وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن بعدهم، فهو أضعف لخبره سيما إذا انفرد به).
32. الرواة الذين احتج بهم صاحبا الصحيحين أو أحدهما يكتسبون التوثيق الضمني بذلك، وترتفع عنهم به الجهالة، وإن لم ينصّ أحد على توثيقهم.
33. لا يلزم من حكم بعض الأئمة بالجهالة على الراوي أن يكون مجهولاً فقد يعرفه غيره فيوثّقه.
34. قد يقع التجهيل من إمام في حق أئمة مشهورين فلا يضرّهم ذلك شيئاً.
35. من عادة الأئمة أن لا يطلقوا كلمة (مجهول) إلّا في حق من يغلب على الظن كونه مجهولاً لا يُعْرَفُ مطلقاً، والغالب أن هذا الإِطلاق لا يصدر إلّا من إمام مطّلع. وأما إذا أراد الإِمام أنه لا يَعْرِفُ الرجلَ فإنه يقول: (مجهول لا أعرفه أو لا أعرف حاله).
36. جميع من ضُعِّفَ من النساء إنما ضُعِّفْنَ للجهالة قال الحافظ الذهبي: ((ما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها).
37. إن الممارسة لأساليب ذوي الانتقاء من الأئمة تُؤكِّدُ ((أن العبرة في الرواية بصدق الراوي وأمانته والثقة بدينه وخلقه (كما أنّ) المتتبع لأحوال الرواة يرى كثيراً من أهل البِدَعِ موضعاً للثقة والاطمئنان وإن رووا ما يوافق رأيهم، ويرى كثيراً منهم لا يوثق بأي شيء يرويه).
ويوضح ذلك مايلي:
• قول الحافظ ابن كثير: ((وقد قال الشافعي: "أقبل شهادة أهل الأهواء إلّا الخطّابية من الرافضة لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم" فلم يُفَرِّقْ الشافعي في هذا النص بن الداعية وغيره ثم ما الفرق في المعنى بينهما.
• البخاري قد خرّج لعمران بن حطّان الخارجي مادح عبد الرحمن
ابن مُلْجَم قاتل علي ـ رضي الله عنه ـ وهذا من أكبر الدعاة إلى البدعة) لا سيما وقد جاءت الرواية عند البخاري من طريق يحيى بن أبي كثير عن عمران بن حطّان وإنما سمع منه يحيى باليمامة حال هروبه من الحجاج، حيث كان يتطلّبه ليقتله لكونه من دعاة الخوارج لكن قال الذهبي :الشيعي الغالي في زمان السلف وعُرْفِهم هو من تكلَّم في عثمان والزبير وطلحة ومعاوية وطائفة ممن حارب عليا ـ رضي الله عنه ـ وتعرض لسبّهم.والغالي في زماننا وعُرْفِنا هو الذي يُكَفّر هؤلاء السادة ويتبرأ من الشيخين أيضاً، فهذا ضال مفتر وهذا النوع لا يحتج بهم ولا كرامة .
ضوابط موضوع الاختلاط :
أن صاحبي الصحيحين لم يخرجا من روايات المختلطين في صحيحهما إلّا على سبيل الانتقاء بأحد أمرين:
1. أن ترد من طريق من سمع منهم قبل الاختلاط.
2. أو ترد من طريق من سمع بعد الاختلاط، لكن حيث يتوافق عدد من الرواة على ذلك، أو يوافقهم عليه الثقات الأثبات، كما هو الشأن فيما يُخرج في المتابعات، أو حيث يُخرج حديث الراوي مقروناً بغيره.قال الحافظ ابن حجر في توجيه ما أخرجه البخاري من حديث سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بن دعامة: ((وأمّا ما أخرجه البخاري من حديثه عن قتادة فأكثره من رواية من سمع منه قبل الاختلاط وأخرج عمن سمع منه بعد الاختلاط قليلاً، كمحمد بن عبد الله الأنصاري، وروح بن عبادة، وابن أبي عدي. فإذا أخرج من حديث هؤلاء انتقى منه ما توافقوا عليه.
و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات و برحمته تغفر الزلات والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
كتبه الفقير إلى عفو ربه
أبو جهاد سمير الجزائري
في محرم 1430 الموافق يناير 2009
بمدينة بلعباس
تعليق