نعم الله على العباد والعدل بين الأولاد
للشيخ محمد بن صالح العثيمين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة وتركها على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين والدنيا فإن الله تعالى أرسل إليكم رسولا يتلو عليكم آيات ربكم ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة فبقي صلى الله عليه وسلم بقي في أمته دينه متلوا في كتاب الله غير مبدل ولا مغير ومأثورا في ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنعم الله عليكم ولاسيما في هذه البلاد بالمال الوفير والعيش الرغيد أنعم عليكم بذلك لتستعينوا بما أعطاكم على طاعته وتتمتعوا به في حدود ما أباحه الله لكم، فإن المال كما وصفه الله عز وجل قيام تقوم به مصالح الدين والدنيا، فاعرفوا عباد الله اعرفوا حق الله عز وجل وابذلوا مالكم في ما يرضي الله عز وجل( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا).
أيها المسلمون ولأن سألنا ما هو المال الذي هو لك والذي تنعم به في الدنيا والآخرة فإننا نقول إن المال إن المال الذي هو لك في الحقيقة ما قدمته لنفسك ذخرا لك عند الله ليس ما جمعته من المال فاقتسمه الوارث، إن المال الذي لا تنفقونه في ما يرضي الله سوف تخلفونه بعدكم وتدعونه كما قال الله تعالى (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ) فسوف تنتقلون عن الدنيا أغنياء عن ما خلفتم فقراء إلى ما قدمتم، وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله. قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه. قال: فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر ) وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاة فتصدقوا بها سواء كتفها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( بقيت كلها غير كتفها).
أيها المسلمون إن وجوه إنفاق المال بالخير كثيرة فمنها أن يتصدق به المرء صدقة منجزة على الفقراء والأقارب فيملكونها ويتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه وذلك من أفضل الأعمال وأربح التجارة لما نزل قول الله عز وجل (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) جاء أبو طلحة رضى الله عنه وكان له حديقة قبلتها مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسمى بيرحا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فقال يا رسول الله إن الله أنزل هذه الآية (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) وإن أحب مالي إلي بيرحا و إنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" بخن، بخن" تعجبا قال ذلك تعجبا "ذاك مال رابح ذاك مال رابح، وقد سمعت وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين" فقسمها أبو طلحة رضي الله عنه في أقاربه وبني عمه.
ومن طرق الخير في إنفاق المال أن يصرفه الإنسان في بناء المساجد استقلالا أو مشاركة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال ( من بنى لله مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة ) فالمساجد يصلي فيها المسلمون ويأوي إليها المحتاجون ويذكر فيها اسم الله بتلاوة كتابه وسنة رسوله والفقه في دينه وفي كل ذلك أجر لبانيها والمشارك فيها.
ومن طرق الخير التي ينفق فيها المال أن ينفقه الإنسان في طبع الكتب النافعة والمنشورات الهادفة فإن ذلك من نشر العلم من نشر العلم الذي هو بمنزلة الجهاد في سبيل الله.
ومن طرق الخير التي ينفق المال فيها أن ينفقه الإنسان في المصالح العامة كإصلاح الطرق وتأمين المياه وكان الصحابة رضي الله عنهم لما قدموا المدينة كان فيها بئر تسمى بئر رومه لا يحصلون على الماء إلا منها ولكنهم لا يحصلون عليه إلا بثمن فاشتراها عثمان رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من حفر رومه فله الجنة ) فحفرها رضي الله عنه وكان المسلمون يستسقون منها.
ومن طرق الخير التي ينفق فيها المال تحبيسه وإنفاق غلته في ما يقرب إلى الله عز وجل وهو الذي يسمى الوقف أو السبيل ففي الصحيحين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصاب أرضا بخيبر لم يصب مالا أنفس عنده منه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستشيره في ذلك ويستأ مره فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ) وفي صحيح البخاري "تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره" وفي النسائي "أحبس أصلها وسبل ثمرتها" وتصدق به عمر رضي الله عنه في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل وذي القربى فإذا سبل الإنسان ملكه صار وقفا محبوسا لا يباع ولا يوهب ولا يورث وإنما يصرف في ما جعله الواقف فيه ما لم يكن إثما، واعلموا أيها الأخوة أن المقصود بالوقف أمران عظيمان أولهما التقرب إلى الله عز وجل وابتغاء الأجر والثواب منه ببذل غلة الوقف في ما يرضي الله عز وجل وثانيهما نفع الموقوف عليهم والإحسان إليهم وإذا كان المقصود من الوقف التقرب إلى الله وهو أعظم المقصودين فإنه لا يجوز الوقف إذا كان فيه معصية لله ورسوله إذ لا يتقرب إلى الله إلا بطاعته فلا يجوز للإنسان أن يوقف على بعض أولاده دون بعض لأن الله أمر بالعدل إن الله يأمر بالعدل والإحسان وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" والوقف على بعض الأولاد دون بعض مناف للعدل إلا إذا كان التخصيص بصفة استحقاق بصفة استحقاق فتوجد في أحدهم دون الآخر مثل أن يوقف على الفقير من أولاده أو على طالب العلم منهم فلا بأس حينئذ فإذا وقفه للفقير منهم فلا حظ فيه للغني حال غناه وإذا وقفه على طالب العلم فلا حظ فيه لغير طالب العلم حال تخليه عن الطلب ولا يجوز للإنسان أن يوقف شيئا من ماله وعليه دين لا وفاء له لا وفاء له من غير ما وقفه حتى يوفي دينه لأن في ذلك إضرارا بالغريم ووفاء الدين أهم من الوقف لأن وفاء الدين واجب وأما الوقف فتطوع ولا يجوز أن يوصي بوقف شيء بعد موته على بعض ورثته دون بعض لأن الله قسم المال بين الورثة وقال ( فريضة من الله ) وفي الآية الثانية ( وصية من الله ) وبين أن ذلك من حدوده وتوعد من تعداها وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ) فإذا قال أوصيت بداري وقفا على ذريتي وله ورثة غير الذرية كالأباء والأمهات والزوجات فإن هذا حرام عليه وهو خروج عن فريضة الله وإخلال بوصية الله وتعد لحدود الله ومعصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه إذا قال أوصيت بداري وقفا على ذريتي وله ورثة غير الذرية أو بثلثه وقفا على الذرية وله ورثة غير الذرية صار لهؤلاء الموقوف عليهم زيادة عما فرض الله لهم مع شركائهم في التركة وهذا بلا شك حيف وتعد لحدود الله وإذا كان المقصود بالوقف التقرب إلى الله عز وجل ونفع الموقوف عليهم فالذي ينبغي للإنسان أن ينظر ما هو أقرب إلى الله وأنفع لعباده ولينظر في النتائج المترتبة على وقفه وليتجنب ما يكون سببا في العداوة والقطيعة وليعلم أن إنفاق المال في حال الحياة والصحة خير وأفضل وأعظم أجر لاسيما إذا كان في مصالح مستمرة كبناء المساجد وإصلاح الطرق وتأمين المياه وطبع الكتب النافعة أو شرائها وتوزيعها على من ينتفع بها وإعانة في زواج فقير يحصنه ويحصن زوجته وربما يولد بينهما ولد صالح ينفع المسلمين فهو مصلحة وأجر لمن أعانه على زواجه ولو قدر أنه ولد بينهما ولد فاسد فإنه لا يضر المعين شيئا لأنه لم يعنه من أجل طلب مثل هذا الولد وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال يا رسول الله: "أيها الصدقة أفضل" وفي لفظ "أعظم أجرا" قال: "وأن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى القفر وتأمل البقاء ولا تنفق حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان" وصدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الصدقة في حال الصحة أفضل لأنها صدقة من شخص يخاف الفقر ويأمل طول البقاء فهو شحيح بالمال بخلاف من جعل تنفيذ المال بعد موته أو بعد يأسه من الحياة فإنه حينئذ يكون زاهدا فيه غير مهتما به وإذا أوصى الإنسان بشيء من ماله فله الرجوع في وصيته وله أن يغيرها وله أن يوصي بوصية أخرى ولكن يكتب في الوصية الثانية أن هذه آخر ما أوصيت به وأنها ناسخة لما قبلها لئلا يشكل على الورثة من بعده .
أيها المسلمون اتقوا الله عباد الله وقوموا بما أوجب الله عليكم من العدل وتحروا الخير في بذل أموالكم وابتغوا بذلك فضل الله وفقني الله وإياكم لما فيه الخير في ديننا ودنيانا وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم اهدنا صراطك المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين . الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وأشهد أن لا إله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها السعادة يوم نلاقيه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى على عباد الله من بني الإنسان فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد
فقد سمعتم ما تعرضنا له في الخطبة من وجوب العدل بين الأولاد وهذا في ما يكون تبرعا محضا أما ما يكون تبعا للحاجة فإن العدل فيه في الأولاد أن يعطي كل إنسان ما يحتاج إليه فالبنت مثلا تحتاج ما لا يحتاجه الأب والابن يحتاج ما لا تحتاجه البنت والكبير يحتاج ما لا يحتاجه الصغير والصغير يحتاج ما لا يحتاجه الكبير ففي الحاجة العدل أن تعطي كل إنسان ما يحتاجه فلو فرضنا أن لك ولدا قد بلغ سن الزواج وزوجته بأكثر من بعشرة آلاف مثلا فإنه لا يلزمك أن تعطي الذين دونه مثله لأنهم لم يبلغوا ما بلغ ولهذا يخطئ بعض الناس حيث أنه يزوج أولاده الكبار ثم يوصي من بعد موته ما يزوج به أولاده الصغار يعني أن بعض الناس يكون له أولاد كبار زوجهم وله أولاد صغار ثم يوصي أن يعطى الأولاد الصغار مثل ما أعطي الأولاد الكبار عند زواجهم فإن هذا حرام عليه والوصية به باطلة وللورثة أن يبطلوها وذلك لأن هؤلاء الصغار لم يبلغوا سن الزواج فلا يحل له أن يوصي لهم بشيء لم يحتاجوا إليه في حياته كذلك بعض الناس يكون له أولاد معوقون فيوصي لهم بعد وفاته بشيء يختصون به وهذا لا يجوز ولكن كما قلنا في الخطبة يوصي بوصف عام فيقول مثلا أوصيت بهذا يوقف على المعوقين من ذريتي ففي مثل هذه الحال يكون الوصف عاما يستحق به كل من اتصف به أما إذا خص واحدا معينا وهو معوق فإن هذه وصية لوارث وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها لذلك نرجو من الأخوة الذين تحدث لهم مثل هذه الأحوال أن يرجعوا إلى أهل العلم في بيانها حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم وحتى لا ينتقلون عن الدنيا وهم قد جاءوا في الوصية فيحصل عليهم وعيد شديد كما جاء ذلك في السنة وأما كون الإنسان يتمشى في هذه الأمور على عاطفته دون الميزان الشرعي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإننا نقول له ليس الشرع بهواك ولكن الشرع من عند الله (فلا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) استشر العلماء في مثل هذه الأمور قبل أن تقدم عليها حتى يبينوا لك الحق وعلى العلماء أيضا أن يتأملوا في الأمر تأملا واسعا لأن بعض من يستفتى يكون ناقص العلم فلا يحصل له الفرق بين هذا وهذا وتحمله العاطفة على ما تحمل عليه عامة الناس اللهم إنا نسألك علما نافعا اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين اللهم اجعلنا ممن يعبدك على بصيرة وممن يتصرف في ملكه على بصيرة اللهم اهدنا صراطك المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فألزموا الجماعة على السنة لا تخرجوا منها وعليكم بطريق السلف الصالح فإنهم أهدى سبيلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( خير أمتي أو قال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) اجتمعوا على السنة اجتمعوا على شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ائتلفوا عليها فإن في ذلك سعادتكم وفلاحكم في الدنيا والآخرة وأكثروا من الصلاة والسلام علي نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم فإن من صلى عليه مرة واحده صلى الله عليه بها عشرة اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم ارزقنا محبته وشفاعته اللهم اسقنا من حوضه و أدخلنا معه في جنات النعيم يا رب العالمين اللهم ارض عن خلفائه الراشدين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم انصر المسلمين المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم انصر المسلمين المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم انصر المسلمين المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في البوسنة والهرسك وفي الشيشان وفي الصومال وفي كشمير وفي غيرها من بلاد المسلمين يا رب العالمين ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنغضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
http://www.ibnothaimeen.com/all/khotab/article_120.shtml
للشيخ محمد بن صالح العثيمين
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله الله بالهدى ودين الحق فبلغ الرسالة وأدي الأمانة ونصح الأمة وتركها على محجة بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد
فيا عباد الله اتقوا الله تعالى واشكروه على ما أنعم به عليكم من نعمة الدين والدنيا فإن الله تعالى أرسل إليكم رسولا يتلو عليكم آيات ربكم ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة فبقي صلى الله عليه وسلم بقي في أمته دينه متلوا في كتاب الله غير مبدل ولا مغير ومأثورا في ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنعم الله عليكم ولاسيما في هذه البلاد بالمال الوفير والعيش الرغيد أنعم عليكم بذلك لتستعينوا بما أعطاكم على طاعته وتتمتعوا به في حدود ما أباحه الله لكم، فإن المال كما وصفه الله عز وجل قيام تقوم به مصالح الدين والدنيا، فاعرفوا عباد الله اعرفوا حق الله عز وجل وابذلوا مالكم في ما يرضي الله عز وجل( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا).
أيها المسلمون ولأن سألنا ما هو المال الذي هو لك والذي تنعم به في الدنيا والآخرة فإننا نقول إن المال إن المال الذي هو لك في الحقيقة ما قدمته لنفسك ذخرا لك عند الله ليس ما جمعته من المال فاقتسمه الوارث، إن المال الذي لا تنفقونه في ما يرضي الله سوف تخلفونه بعدكم وتدعونه كما قال الله تعالى (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ) فسوف تنتقلون عن الدنيا أغنياء عن ما خلفتم فقراء إلى ما قدمتم، وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله. قالوا: يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه. قال: فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر ) وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاة فتصدقوا بها سواء كتفها فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( بقيت كلها غير كتفها).
أيها المسلمون إن وجوه إنفاق المال بالخير كثيرة فمنها أن يتصدق به المرء صدقة منجزة على الفقراء والأقارب فيملكونها ويتصرفون فيها تصرف المالك في ملكه وذلك من أفضل الأعمال وأربح التجارة لما نزل قول الله عز وجل (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) جاء أبو طلحة رضى الله عنه وكان له حديقة قبلتها مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسمى بيرحا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب فقال يا رسول الله إن الله أنزل هذه الآية (لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) وإن أحب مالي إلي بيرحا و إنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" بخن، بخن" تعجبا قال ذلك تعجبا "ذاك مال رابح ذاك مال رابح، وقد سمعت وأنا أرى أن تجعلها في الأقربين" فقسمها أبو طلحة رضي الله عنه في أقاربه وبني عمه.
ومن طرق الخير في إنفاق المال أن يصرفه الإنسان في بناء المساجد استقلالا أو مشاركة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال ( من بنى لله مسجدا يبتغي به وجه الله بنى الله له بيتا في الجنة ) فالمساجد يصلي فيها المسلمون ويأوي إليها المحتاجون ويذكر فيها اسم الله بتلاوة كتابه وسنة رسوله والفقه في دينه وفي كل ذلك أجر لبانيها والمشارك فيها.
ومن طرق الخير التي ينفق فيها المال أن ينفقه الإنسان في طبع الكتب النافعة والمنشورات الهادفة فإن ذلك من نشر العلم من نشر العلم الذي هو بمنزلة الجهاد في سبيل الله.
ومن طرق الخير التي ينفق المال فيها أن ينفقه الإنسان في المصالح العامة كإصلاح الطرق وتأمين المياه وكان الصحابة رضي الله عنهم لما قدموا المدينة كان فيها بئر تسمى بئر رومه لا يحصلون على الماء إلا منها ولكنهم لا يحصلون عليه إلا بثمن فاشتراها عثمان رضي الله عنه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من حفر رومه فله الجنة ) فحفرها رضي الله عنه وكان المسلمون يستسقون منها.
ومن طرق الخير التي ينفق فيها المال تحبيسه وإنفاق غلته في ما يقرب إلى الله عز وجل وهو الذي يسمى الوقف أو السبيل ففي الصحيحين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أصاب أرضا بخيبر لم يصب مالا أنفس عنده منه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستشيره في ذلك ويستأ مره فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ) وفي صحيح البخاري "تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره" وفي النسائي "أحبس أصلها وسبل ثمرتها" وتصدق به عمر رضي الله عنه في سبيل الله وفي الرقاب والمساكين والضيف وابن السبيل وذي القربى فإذا سبل الإنسان ملكه صار وقفا محبوسا لا يباع ولا يوهب ولا يورث وإنما يصرف في ما جعله الواقف فيه ما لم يكن إثما، واعلموا أيها الأخوة أن المقصود بالوقف أمران عظيمان أولهما التقرب إلى الله عز وجل وابتغاء الأجر والثواب منه ببذل غلة الوقف في ما يرضي الله عز وجل وثانيهما نفع الموقوف عليهم والإحسان إليهم وإذا كان المقصود من الوقف التقرب إلى الله وهو أعظم المقصودين فإنه لا يجوز الوقف إذا كان فيه معصية لله ورسوله إذ لا يتقرب إلى الله إلا بطاعته فلا يجوز للإنسان أن يوقف على بعض أولاده دون بعض لأن الله أمر بالعدل إن الله يأمر بالعدل والإحسان وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" والوقف على بعض الأولاد دون بعض مناف للعدل إلا إذا كان التخصيص بصفة استحقاق بصفة استحقاق فتوجد في أحدهم دون الآخر مثل أن يوقف على الفقير من أولاده أو على طالب العلم منهم فلا بأس حينئذ فإذا وقفه للفقير منهم فلا حظ فيه للغني حال غناه وإذا وقفه على طالب العلم فلا حظ فيه لغير طالب العلم حال تخليه عن الطلب ولا يجوز للإنسان أن يوقف شيئا من ماله وعليه دين لا وفاء له لا وفاء له من غير ما وقفه حتى يوفي دينه لأن في ذلك إضرارا بالغريم ووفاء الدين أهم من الوقف لأن وفاء الدين واجب وأما الوقف فتطوع ولا يجوز أن يوصي بوقف شيء بعد موته على بعض ورثته دون بعض لأن الله قسم المال بين الورثة وقال ( فريضة من الله ) وفي الآية الثانية ( وصية من الله ) وبين أن ذلك من حدوده وتوعد من تعداها وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ( إن الله أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث ) فإذا قال أوصيت بداري وقفا على ذريتي وله ورثة غير الذرية كالأباء والأمهات والزوجات فإن هذا حرام عليه وهو خروج عن فريضة الله وإخلال بوصية الله وتعد لحدود الله ومعصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه إذا قال أوصيت بداري وقفا على ذريتي وله ورثة غير الذرية أو بثلثه وقفا على الذرية وله ورثة غير الذرية صار لهؤلاء الموقوف عليهم زيادة عما فرض الله لهم مع شركائهم في التركة وهذا بلا شك حيف وتعد لحدود الله وإذا كان المقصود بالوقف التقرب إلى الله عز وجل ونفع الموقوف عليهم فالذي ينبغي للإنسان أن ينظر ما هو أقرب إلى الله وأنفع لعباده ولينظر في النتائج المترتبة على وقفه وليتجنب ما يكون سببا في العداوة والقطيعة وليعلم أن إنفاق المال في حال الحياة والصحة خير وأفضل وأعظم أجر لاسيما إذا كان في مصالح مستمرة كبناء المساجد وإصلاح الطرق وتأمين المياه وطبع الكتب النافعة أو شرائها وتوزيعها على من ينتفع بها وإعانة في زواج فقير يحصنه ويحصن زوجته وربما يولد بينهما ولد صالح ينفع المسلمين فهو مصلحة وأجر لمن أعانه على زواجه ولو قدر أنه ولد بينهما ولد فاسد فإنه لا يضر المعين شيئا لأنه لم يعنه من أجل طلب مثل هذا الولد وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال يا رسول الله: "أيها الصدقة أفضل" وفي لفظ "أعظم أجرا" قال: "وأن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى القفر وتأمل البقاء ولا تنفق حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان" وصدق النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الصدقة في حال الصحة أفضل لأنها صدقة من شخص يخاف الفقر ويأمل طول البقاء فهو شحيح بالمال بخلاف من جعل تنفيذ المال بعد موته أو بعد يأسه من الحياة فإنه حينئذ يكون زاهدا فيه غير مهتما به وإذا أوصى الإنسان بشيء من ماله فله الرجوع في وصيته وله أن يغيرها وله أن يوصي بوصية أخرى ولكن يكتب في الوصية الثانية أن هذه آخر ما أوصيت به وأنها ناسخة لما قبلها لئلا يشكل على الورثة من بعده .
أيها المسلمون اتقوا الله عباد الله وقوموا بما أوجب الله عليكم من العدل وتحروا الخير في بذل أموالكم وابتغوا بذلك فضل الله وفقني الله وإياكم لما فيه الخير في ديننا ودنيانا وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه اللهم اهدنا صراطك المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين . الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وأشهد أن لا إله وحده لا شريك له شهادة نرجو بها السعادة يوم نلاقيه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله المصطفى على عباد الله من بني الإنسان فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد
فقد سمعتم ما تعرضنا له في الخطبة من وجوب العدل بين الأولاد وهذا في ما يكون تبرعا محضا أما ما يكون تبعا للحاجة فإن العدل فيه في الأولاد أن يعطي كل إنسان ما يحتاج إليه فالبنت مثلا تحتاج ما لا يحتاجه الأب والابن يحتاج ما لا تحتاجه البنت والكبير يحتاج ما لا يحتاجه الصغير والصغير يحتاج ما لا يحتاجه الكبير ففي الحاجة العدل أن تعطي كل إنسان ما يحتاجه فلو فرضنا أن لك ولدا قد بلغ سن الزواج وزوجته بأكثر من بعشرة آلاف مثلا فإنه لا يلزمك أن تعطي الذين دونه مثله لأنهم لم يبلغوا ما بلغ ولهذا يخطئ بعض الناس حيث أنه يزوج أولاده الكبار ثم يوصي من بعد موته ما يزوج به أولاده الصغار يعني أن بعض الناس يكون له أولاد كبار زوجهم وله أولاد صغار ثم يوصي أن يعطى الأولاد الصغار مثل ما أعطي الأولاد الكبار عند زواجهم فإن هذا حرام عليه والوصية به باطلة وللورثة أن يبطلوها وذلك لأن هؤلاء الصغار لم يبلغوا سن الزواج فلا يحل له أن يوصي لهم بشيء لم يحتاجوا إليه في حياته كذلك بعض الناس يكون له أولاد معوقون فيوصي لهم بعد وفاته بشيء يختصون به وهذا لا يجوز ولكن كما قلنا في الخطبة يوصي بوصف عام فيقول مثلا أوصيت بهذا يوقف على المعوقين من ذريتي ففي مثل هذه الحال يكون الوصف عاما يستحق به كل من اتصف به أما إذا خص واحدا معينا وهو معوق فإن هذه وصية لوارث وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عنها لذلك نرجو من الأخوة الذين تحدث لهم مثل هذه الأحوال أن يرجعوا إلى أهل العلم في بيانها حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم وحتى لا ينتقلون عن الدنيا وهم قد جاءوا في الوصية فيحصل عليهم وعيد شديد كما جاء ذلك في السنة وأما كون الإنسان يتمشى في هذه الأمور على عاطفته دون الميزان الشرعي الذي جاء به محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإننا نقول له ليس الشرع بهواك ولكن الشرع من عند الله (فلا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) استشر العلماء في مثل هذه الأمور قبل أن تقدم عليها حتى يبينوا لك الحق وعلى العلماء أيضا أن يتأملوا في الأمر تأملا واسعا لأن بعض من يستفتى يكون ناقص العلم فلا يحصل له الفرق بين هذا وهذا وتحمله العاطفة على ما تحمل عليه عامة الناس اللهم إنا نسألك علما نافعا اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين اللهم اجعلنا ممن يعبدك على بصيرة وممن يتصرف في ملكه على بصيرة اللهم اهدنا صراطك المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فألزموا الجماعة على السنة لا تخرجوا منها وعليكم بطريق السلف الصالح فإنهم أهدى سبيلا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( خير أمتي أو قال خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) اجتمعوا على السنة اجتمعوا على شريعة النبي صلى الله عليه وسلم ائتلفوا عليها فإن في ذلك سعادتكم وفلاحكم في الدنيا والآخرة وأكثروا من الصلاة والسلام علي نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم فإن من صلى عليه مرة واحده صلى الله عليه بها عشرة اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك محمد اللهم ارزقنا محبته وشفاعته اللهم اسقنا من حوضه و أدخلنا معه في جنات النعيم يا رب العالمين اللهم ارض عن خلفائه الراشدين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين اللهم انصر المسلمين المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم انصر المسلمين المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم انصر المسلمين المجاهدين في سبيلك في كل مكان اللهم انصر إخواننا المجاهدين في سبيلك في البوسنة والهرسك وفي الشيشان وفي الصومال وفي كشمير وفي غيرها من بلاد المسلمين يا رب العالمين ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنغضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
http://www.ibnothaimeen.com/all/khotab/article_120.shtml